أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

درس 2016:

هل تستعيد استطلاعات الرأي مصداقيتها بالسباق الرئاسي الأمريكي؟

25 أكتوبر، 2020


تُشير نتائج استطلاعات الرأي العام الأخيرة في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، إلى تقدم "جو بايدن" مرشح الحزب الديمقراطي على منافسه الجمهوري الرئيس "ترامب". فعلى المستوى الوطني يتقدم "بايدن" بمتوسط 8.5%، وعلى المستوى المحلي يتقدم في عددٍ من الولايات بمتوسط 3.8%. وهذه الأرقام هي التي تقف وراء الاتجاه السائد في الأوساط الأمريكية الذي يذهب إلى احتمالات فوز "جو بايدن" بالرئاسة. لكن خبرة استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 تدعو البعض إلى التشكيك في التعويل على استطلاعات الرأي في التنبؤ بنتائج انتخابات 2020، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الاختلاف بين تجربة استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 و2020، والمحاذير التي يجب وضعها في الاعتبار في تحليل مؤشرات استطلاعات الرأي في انتخابات 2020. 

نجاح وفشل:

الاتجاه العام الذي ساد استطلاعات الرأي العام في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 هو فوز المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" على منافسها الجمهوري "دونالد ترامب"، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الولايات المؤثرة في السباق الانتخابي. لكن النتيجة الفعلية للانتخابات جاءت عكس ذلك، بفوز "ترامب" بالرئاسة وفشل "هيلاري كلينتون". لكن من الضروري هنا الإشارة إلى أن التعميم في قراءة نتائج استطلاعات الرأي يدحض أهمية هذه الآلية، التي تعتبر الأساس في قياس توجهات الناخبين، والتنبؤ المكبر بنتائج الانتخابات، فالحقيقة أن استطلاعات الرأي نجحت وفشلت في الوقت نفسه، وذلك على النحو التالي: 

1- المستوى الوطني: يجب التفريق بين استطلاعات الرأي التي تجري على المستوى الوطني والذي يشمل كافة الولايات الأمريكية، وبين الاستطلاعات التي تجري على مستوى الولايات، والتي يتم إجراؤها في كل ولاية بشكل منفرد لقياس توجهات الناخبين في تلك الولاية.

ووفقًا لهذا التباين، فإن استطلاعات الرأي التي أُجريت في انتخابات الرئاسة 2016 على المستوى الوطني نجحت في توقّع نتائج الانتخابات مع هامش خطأ محدود، فقد أظهرت تفوق "هيلاري كلينتون" وتقدمها في السباق الانتخابي على "ترامب" بمتوسط 3%، وجاءت النتائج الفعلية للانتخابات لتؤكد فوز "هيلاري كلينتون" في نتائج التصويت العام بتقدم 2%، فقد حصدت 65,853,514 صوتًا من إجمالي الأصوات العامة على مستوى الولايات بنسبة 48.2%، بينما حصد "ترامب" 62,984,828 صوتًا بنسبة 46.1%. 

2- مستوى الولايات: الفشل الحقيقي لاستطلاعات الرأي العام في انتخابات 2016 كان في الاستطلاعات التي أُجريت في الولايات بشكل منفرد، والتي لم تتنبأ بنتائج التصويت في الولايات بشكل دقيق، وكانت النتيجة الفعلية للانتخابات مختلفة تمامًا عنها. ولأن تلك الاستطلاعات هي الأساس في التنبؤ بنتائج الانتخابات، باعتبارها مؤشرًا لاتجاهات التصويت في المجمع الانتخابي، وهو الآلية التي يتم بها حساب النتائج النهائية للانتخابات؛ ساد الاعتقاد بفشل استطلاعات الرأي بشكل عام في انتخابات الرئاسة الأمريكية. 

وفعليًّا، فشلت استطلاعات الرأي على مستوى الولايات فقط وليس على المستوى الوطني، فمن بين ثماني ولايات من الولايات الأمريكية التي تمثل ثلث أصوات المجمع الانتخابي أظهرت النتائج تقدم "هيلاري كلينتون" بثلاث نقاط أو أقل، لكن نتائج الانتخابات الفعلية أظهرت تقدم الرئيس "ترامب" في هذه الولايات، ولذا حقق تقدمًا على "هيلاري كلينتون" في المجمع الانتخابي، فقد حصد "ترامب" 272 صوتًا مقابل 266 صوتًا لـ"هيلاري كلينتون". وظهرت دقة عدم استطلاعات الرأي وفشلها في انتخابات 2016 بشكل واضح في المقارنة بين نتائج تلك الاستطلاعات في ولايات مثل بنسلفانيا وميتشجان وويسكونسن، وبين النتائج الفعلية في الانتخابات، والتي أظهرت خسارة "كلينتون" لهذه الولايات. 

أسباب متعددة:

السؤال الرئيسي المطروح منذ أربعة أعوام وما زال يتردد صداه حتى الآن: لماذا فشلت استطلاعات الرأي التي أُجريت على المستوى الوطني في التنبؤ بنتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016؟ وما هي الأخطاء التي أدت إلى هذا الفشل؟.

الإجابة العامة عن هذا السؤال تتعلق بعددٍ من الأخطاء المنهاجية Methodology في استطلاعات الرأي التي أُجريت آنذاك. ووفقًا لتقييم اللجنة التي شكلتها الرابطة الأمريكية لأبحاث الرأي العام لتقييم تجربة استطلاعات الرأي العام في انتخابات 2016، يمكن الإشارة إلى العوامل التالية:

1- تغير اتجاهات تصويت الناخبين غير الحاسمين في اللحظات الأخيرة: أحد الأسباب التي تفسر فشل استطلاعات الرأي في انتخابات 2016، هو قصور تلك الاستطلاعات في تقدير حجم التأييد بين بعض الناخبين لـ"ترامب"، فتلك الاستطلاعات لم تنجح في قراءة بعض الاتجاهات التصويتية للناخبين المترددين أو الذين لم يحسموا أمرهم، فنحو 13% من الناخبين في ولايات ويسكونسن وفلوريدا وبنسلفانيا، حسموا خيارهم التصويتي في الأسبوع الأخير للانتخابات، وهؤلاء صوتوا بنسبة 30% لترامب، و17 في فلوريدا وبنسلفانيا. وفشل استطلاعات الرأي يتركز في أن أسئلة الاستطلاعات فشلت في وضع معايير للتوقع بحجم أصوات الناخبين غير الحاسمين.

2- إهمال مؤشر مستوى التعليم في استطلاعات الولايات: أحد أكبر الأخطاء المنهاجية التي وقعت في استطلاعات الرأي في انتخابات 2016، يتعلق بالمؤشرات التي يتم قياس اتجاهات التصويت بناء عليها، خاصةً في الاستطلاعات التي جرت في الولايات، فالكثير من الاستطلاعات على مستوى الولايات لم تقم بتصميم استمارات الاستبيان لتضمين مؤشر مستوى التعليم. ونظرًا لأن استمارات الاستطلاعات في الولايات لم يتم تعديها بعد عينة الاستطلاع الأولية لتشمل فئة الأشخاص الحاصلين على مؤهل أقل من جامعي؛ فإن نتائج الاستطلاعات كانت مضللة، خاصة وأن هذه الفئة صوتت بشكل كبير جدًّا لـ"ترامب" على حساب "هيلاري كلينتون".

3- عدم كشف بعض المستطلَعين عن نواياهم التصويتية الحقيقية: جانب من تفسير إخفاق استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 على مستوى الولايات، يتعلق بعدم إفصاح عدد من المصوّتين عن نواياهم التصويتية بشكل حقيقي، فبعض الناخبين الذين صوتوا فعليًّا لـ"ترامب" في الانتخابات، لم يعلنوا عن ذلك صراحة في استطلاعات الرأي العام. 

4- اختلاف حجم المشاركة السياسية بين 2012 و2016: أحد العوامل التي تُفسر إخفاق استطلاعات الرأي في تقدير حجم التأييد لـ"ترامب" في انتخابات 2012 على مستوى الولايات، يتعلق بوضع الأسئلة والمؤشرات في استمارات الاستبيان في الولايات وفقًا لحجم المشاركة السياسية في انتخابات 2012. فالأسئلة التي تقيس توجهات المجموعات العرقية، مثل الأمريكيين الأفارقة أو اللاتينيين، وضعت في الاعتبار نفس مستوى حجم المشاركة في انتخابات 2012، لكن المشاركة الحقيقية لهاتين الكتلتين زادت بشكل واضح في عام 2016، ونسبة كبيرة من أصوات الكتلتين ذهبت إلى "ترامب" في مواجهة "هيلاري كلينتون".

بشكل عام، يمكن القول إن هناك ثلاثة أخطاء رئيسية ساهمت في تحيز نتائج استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 لصالح "هيلاري كلينتون" في منافسة "ترامب"، تتعلق بتغيير اتجاهات تصويت الناخبين غير الحاسمين لموقفهم، أيضًا فشلت استطلاعات الرأي في توقع نسب المشاركة بين أنصار "ترامب"، خاصة في عدد من الولايات التي يطلق عليها منطقة "حزام الصدأ الحاسمة"، ومنها ولايات رئيسية مثل بنسلفانيا، التي فشلت استطلاعات الرأي في التنبؤ بمشاركة الناخبين الحاصلين على مؤهل أقل من جامعي فيها.

استطلاعات 2020:

دفعت تجربة استطلاعات الرأي العام في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، القائمين على الاستطلاعات إلى إجراء تعديلات في العديد من المنهاجيات الخاصة بالاستطلاعات، وذلك لتجنب وقوع نفس الأخطاء التي جرت في التجربة السابقة بانتخابات الرئاسة الحالية 2020. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:

1- اختلاف حجم الناخبين غير الحاسمين: من المحتمل أن تكون استطلاعات الرأي العام في انتخابات 2020 أكثر دقة من نظيرتها في عام 2016، وذلك مع الوضع في الاعتبار حجم الكتلة التصويتية غير الحاسمة، أو التي لم تحدد خيارها التصويتي بعد، التصويت لـ"بايدن" أو "ترامب". فاستطلاعات الرأي في انتخابات 2020 تُظهر أن حجم هذه الكتلة أقل مقارنة بانتخابات 2016، ففي تلك الانتخابات بلغ حجم هذه الكتلة 20% من الأصوات، بينما في انتخابات 2020 تشير الاستطلاعات إلى أن هذه الكتلة تبلغ 10%، ومع الوضع في الاعتبار العوامل المتعلقة بالتصويت المبكر بكثافة في انتخابات 2020، يمكن القول إن نتائج الاستطلاعات في الولايات التي ترجح فوز "بايدن" بمتوسط 3.8% تتسم بقدر من الدقة.

2- إجراء تعديلات في استطلاعات الرأي في الولايات: جانب رئيسي للتغيير في استطلاعات الرأي في انتخابات الرئاسة 2020 مقارنة بانتخابات 2016 يتعلق بإجراء تعديلات منهاجية في الاستطلاعات، خاصة تضمين مؤشر مستوى التعليم، وتحديدًا التعليم أقل من الجامعي، وذلك لقياس حجم التصويت المتوقع لهذه الكتلة، والتي ساهمت بشكل رئيسي في نجاح "ترامب" في الانتخابات السابقة. فوفقًا لبعض التقديرات فإن 46% من 30 من منظمي الاستطلاعات في الولايات الذين أجروا استطلاعات بداية من 1 مارس 2020 وحتى الآن، قاموا بتضمين الاستطلاعات لمؤشر مستوى التعليم، وذلك مقارنة بين 20 من منظمي الاستطلاعات في الولايات الرئيسية الحاسمة في السباق. 

3- القلق من منهاجية استطلاعات الرأي الإلكترونية: يرى بعض المراقبين أن أحد الجوانب المثيرة للقلق في استطلاعات الرأي في انتخابات 2020 هو زيادة استطلاعات الرأي العام التي تتم إلكترونيًّا، فالاستطلاعات التي تتم أونلاين زادت بشكل ملحوظ في هذه الانتخابات، والقلق من هذه الاستطلاعات يتعلق بأنها تتخذ منهاجية بسيطة جدًّا، حيث يتم أخذ رأي عينة بسيطة عبر الإنترنت، ثم تعميم استجابات هؤلاء المستجيبين حسب التركيبة السكانية القياسية للتعداد في الولاية، واللجوء لعينة بسيطة غير مكلف وسهل، لكن معظم منظمي الاستطلاعات يحذرون من إمكانية تكرار الأخطاء في التقدير مثلما حدث في انتخابات 2016، فالعينة البسيطة قد لا تكون ممثلة للتوجه العام. 

4- التخوف من نتائج مضللة نتيجة تطبيق منهاجية ترجيح الأصوات: في محاولة لأن تكون النتائج أكثر دقة من انتخابات 2016، يطبق القائمون باستطلاعات الرأي جوانب جديدة في منهاجيات استطلاعات الرأي، فالقائم بالاستطلاع يقوم بسؤال المستجيبين عما إذا كانوا قد صوتوا للسيدة "كلينتون" أو السيد "ترامب"، ثم يعدل العينة بحيث يتطابق خيار التصويت الذي تم استرجاعه مع النتيجة الفعلية لانتخابات 2016. ووفقًا لتقديرات الخبراء، فإن مؤشر ترجيح اختيار التصويت له مزايا، حيث يقلل من الخطأ، لكن الإشكالية التي يثيرها الخبراء أن تطبيق هذه الآلية رغم أنه يقلل فرص الخطأ، لكن من الصعب جدًّا تنفيذها دون المخاطرة بتحيز منهجي متواضع. وهنا مرة أخرى يميل الانحياز إلى الديمقراطيين.

ختاماً أدى فشل استطلاعات الرأي العام على مستوى الولايات في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، إلى قيام منظمي الاستطلاعات بإجراء تغييرات وتعديلات على المنهاجيات التي تتم بها تلك الاستطلاعات لتجنب تكرار أخطاء تجربة 2016 في انتخابات 2020. ومع ذلك، ما يزال بعض المراقبين يرون أن هذه التعديلات قللت من هامش الخطأ، لكنها قد تُفضي أيضًا إلى درجة عالية من الدقة في التنبؤ بنتائج الانتخابات، فمتوسط تقدم "بايدن" على "ترامب" في الاستطلاعات التي تجري في الولايات، والذي يصل إلى 3.8%، ربما يكون أقرب للدقة في بعض الاستطلاعات، أو مضللًا في استطلاعات أخرى.