أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (ماذا يعني توسيع هجمات الحوثيين إلى المحيط الهندي؟)
  • أحمد نظيف يكتب: (بين داعش والغرب: هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة)
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (بعد قيادة "العولقي": مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (الطريق الثالث: ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟)
  • يوسف ورداني يكتب: (هشاشة عالمية: خارطة التهديدات والتوقعات من منظور الاستخبارات الأمريكية 2024)

مسارات متوازية:

كيف تزايد دور اليونيسكو في المنطقة العربية بعد كوفيد-19؟

03 سبتمبر، 2020


تصاعد دور منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في المنطقة العربية، وخاصة بعد انتشار فيروس كوفيد-19، في مجالات مختلفة تتعلق بدعم الحوار ومحو الأمية وحماية التعليم والحفاظ على التراث والهوية الثقافية، لاسيما في ظروف انعدام الأمن ونشوب النزاعات المسلحة ووقوع الكوارث المفاجئة، وهو ما عكسته آليات مختلفة في العام الجاري ومنها التخطيط لتمويل ترميم 159 مدرسة متضررة من انفجار مرفأ بيروت، وإعادة ترميم جامع النوري ومنارته الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة بمدينة الموصل، وتفعيل خطة النهوض بالتصنيع الثقافي في الدول العربية، ودعم التعليم عن بعد في مرحلة ما بعد كوفيد-19، وتوعية المؤسسات الإعلامية بتزويد الصحفيين بالمعدات الوقائية خلال أزمة كوفيد-19، وتمويل وحماية الأماكن التراثية في الأردن واليمن.

محاور مختلفة:

تزايد نشاط منظمة اليونيسكو في الإقليم، وهو ما برزت ملامحه خلال تفاعلات عام 2020، في محاور مختلفة تسير في مسارات متوازية، على النحو التالي:

إعمار بيروت

1- التخطيط لتمويل ترميم 40 مدرسة في بيروت: وذلك من إجمالي 159 مدرسة متضررة من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الفائت، وهو ما جاء على لسان المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو أودري أزولاي بعد جولة في عدد من المدارس المتضررة في بيروت في 27 من الشهر نفسه، تحت شعار "لبيروت". ويتحقق ذلك بالتعاون مع الجهات المحلية على وضع خطة وتأمين التمويل لإعادة بناء المدارس الحكومية والخاصة المتضررة نتيجة انفجار المرفأ. 

وفي هذا السياق، أكدت رئيسة قسم الهندسة في وزارة التربية اللبنانية ماية سماحة، في تصريحات نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" في 30 أغسطس الفائت، أن "عدد المدارس التي تضررت جراء الانفجار وصل إلى 159 مدرسة، منها 92 حكومية، و67 تابعة للقطاع الخاص"، موضحة أن "30 من هذه المدارس متضررة بشكل كبير جداً، لاسيما في منطقة الأشرفية والمناطق المقابلة للمرفأ مكان الانفجار".

وتكمن أهمية ترميم المدارس في اقتراب موعد العام الدراسي الذي أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال أنه سيبدأ في 28 سبتمبر المقبل، مع احتمالية أن يكون "عن بعد" أو خليطاً بين الحضور النظامي والتعليم عن بعد، وفقاً لتقييم الوضع الصحي المتعلق بانتشار كوفيد-19. فضلاً عن إعلان عدد من الجهات الدولية (مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" ومنظمة اليونيسكو) مساهمتها في تكلفة ترميم هذه المدارس، التي تقدر بنحو 24 مليون دولار.

وهنا، تولي منظمة اليونيسكو الأولوية خلال الأشهر المقبلة، لتمويل التعليم والتعلم عن بعد، لأنهما يمثلان أهمية بالغة للطلاب المتضررين البالغ عددهم 85 ألف طالب. وقالت المديرة العامة في هذا السياق: "سوف نحيي روح بيروت لتعود نابضة بالحياة من خلال إعادة تأهيل المدارس، لأنها الشغل الشاغل للعائلات، وإحدى اللبنات الأساسية لمستقبل لبنان". 

ولم يقتصر اهتمام اليونيسكو على المدارس بل يشمل إعادة تأهيل المباني التراثية التاريخية والمتاحف ومعارض الفنون، في إطار حملة "صمود الفن". ووفقاً لتقديرات أولية، تتكلف عملية دعم التراث والصناعات الإبداعية حوالي نصف مليار دولار خلال العام المقبل. فضلاً عن الخسائر المتوقعة التي تتكبدها المتاحف والمعارض والمراكز الثقافية، في الإيرادات، لاسيما في ظل المخاوف من تزايد انتشار الجائحة. لذا، سوف تنظم اليونيسكو مؤتمراً للمانحين قبل نهاية سبتمبر الجاري للبدء الفوري في الإجراءات الميدانية لدعم لبنان في التعليم والثقافة.

تأهيل الموصل

2- إعادة ترميم بعض المنشآت الدينية في الموصل: على غرار جامع النوري ومنارته الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة، بعد أن تم تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" في عام 2017، وهو ما تقوم به منظمة اليونيسكو بالتعاون مع الإمارات، في مشروع "إحياء روح الموصل"، على نحو ما أكده السفير علي الأحمد، مندوب الإمارات الدائم لدى منظمة اليونيسكو في باريس، خلال حديثه مع إذاعة مونت كارلو الدولية في يونيو 2020.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع بدأ العمل به في عام 2018، بعد مرور عام على تحرير الموصل من تنظيم "داعش"، وتتولاه لجنة مكونة من 16 عضواً يمثلون الحكومة العراقية، ومنظمة اليونيسكو فضلاً عن خبراء، لإحياء روح الموصل بعد الغزو الذي تعرضت له على مدى ثلاث سنوات. وقد مر المشروع بمراحل عديدة، بدءاً من تهيئة الأرضية نفسها، ومعرفة طبيعة المواد المستخدمة في المشروع، فضلاً عن دراسة متأنية لعملية تأمين المنطقة.

وفي هذا السياق، قال الأحمد: "هناك بعض المناطق تحتاج إلى هذا الاهتمام، خاصة تلك التي استباحها تنظيم داعش، خلال احتلاله لها لسنوات، فمثلاً هذه الكنائس دمرت بالكامل، وكذلك جامع النوري أيضاً، وبتقديري أن العراق ومدينة الموصل هي الأحوج حالياً لمثل هذه المشاريع، بحكم تاريخها العريق". يضاف إلى ذلك ما ركز عليه بشأن نهج الإمارات لتعزيز التسامح والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة بل والعالم أيضاً. ويأتي ذلك في الوقت الذي توجه الإمارات مساعدات إنسانية للتقليل من تأثيرات الجائحة.

التصنيع الثقافي

3- تفعيل خطة النهوض بالتصنيع الثقافي في الدول العربية: قال أرنستو ريناتو أوتون المدير العام المساعد للثقافة باليونيسكو، خلال اجتماع عن بعد لوزراء الثقافة العرب في 11 مايو الماضي، أن "أزمة كورونا أثرت بشكل مباشر على التراث الثقافي العربي، وأوقفت مساعي الحفاظ عليه، خاصة قائمة الصون العاجل في فلسطين واليمن والعراق وغيرها"، مضيفاً أن "الأزمة أفرزت أيضاً عثرة اقتصادية للمواقع الثقافية، التي تعتمد على التمويل الذاتي". 

لذا، دعا المشاركون إلى وضع آليات فعالة وخطط استراتيجية استشرافية للتغلب على التداعيات السلبية لهذه الأزمة على كافة القطاعات، خاصة القطاعات الثقافية والإبداعية في الدول العربية، من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة لإنتاج المحتوى الثقافي ودعم الصناعات الثقافية، وإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة، وتشجيع تحويل الأنشطة الثقافية ومستلزماتها إلى محتويات رقمية. 

التعليم "عن بعد"

4- دعم التعليم عن بعد في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19: تشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونيسكو إلى تصاعد تأثير كوفيد-19 على التعليم، الأساسي والجامعي، في الدول العربية، بسبب إغلاق المدارس والجامعات ضمن الإجراءات الاحترازية المتبعة من قبل الحكومات، وهو ما أدى إلى تطوير العديد من الدول العربية التعليم عن بعد عبر شبكة الإنترنت لضمان استمرار التعليم، إلا أن هناك تحديات تؤثر على فعالية هذه المنظومة. 

لذا، نظم مكتب الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في بيروت في مايو الماضي ندوة عبر الإنترنت حول وضع الجامعات العربية بعد أزمة كورونا، وأبرز التحديات التي تواجهها، وخطط الجامعات للعام الدراسي الجديد والإجراءات الممكن اتخاذها، بمشاركة ثلاثين من رؤساء الجامعات لبحث التحديات التي فرضها التحوّل الى التعليم عن بُعد، من تدريب للمعلمين وتكييف للمنهج الدراسي وتكييف لأساليب التقييم.   

وافتتح الجلسة مسئول قطاع التعليم العالي في مكتب اليونيسكو في بيروت د.أناس بوهلال قائلاً: "مع بداية أزمة كورونا تقدم قطاع التعليم العالي في مكتب اليونيسكو في بيروت الى وزارات التربية والتعليم العالي في الدول العربية برسالة تقدم بعض التوصيات والأفكار والمقترحات المتعلقة بالتعليم العالي في ظل هذه الظروف الاستثنائية، لاسيّما في ما يخص مسألة تقييم التعليم عن بُعد ومسألة الامتحانات وتحضير المعلمين للتحوّل الى التعليم عن بُعد".

وفي سياق متصل، أوصت منظمة "اليونيسكو" في منتصف مارس الماضي بمنصة "مدرسة" الإلكترونية التعليمية المفتوحة الأكبر من نوعها عربياً والمتاحة مجاناً لأكثر من 50 مليون طالب عربي )من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر في مواد الفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم العامة والرياضيات إلى جانب منهاج متكامل للغة العربية(، كمصدر موثوق للمحتوى التعليمي النوعي باللغة العربية الذي يغطي مختلف المواد الدراسية، وتلبي المنصة من خلال آلاف الفيديوهات التعليمية، متطلبات منظومة التعليم عن بعد، وضمان استمرار العملية التعليمية دون خلل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن منصة "مدرسة" للتعليم الإلكتروني العربي، ممثّلة بمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وقّعت اتفاقية ثنائية مع المكتب الإقليمي لمنظمة اليونيسكو، في الدورة الأخيرة من القمة العالمية للحكومات التي استضافتها دبي في فبراير 2018، لتعزيز المحتوى التعليمي العربي باللغة العربية عبر عدة محاور، منها توفير الحلول التعليمية المبتكرة في المناطق النائية، وتعزيز التنسيق المشترك بين المكتب الإقليمي لليونيسكو والمنصة.

وقاية الصحفيين 

5- توعية المؤسسات الإعلامية بتزويد الصحفيين بالمعدات الوقائية خلال أزمة كوفيد-19: وهو ما يكون مطلوباً بشكل حيوي في الدول العربية الأقل تقدماً مقارنة بدول أخرى. وهنا، قال معزّ شقشوق، مساعد المديرة العامة لليونيسكو لقطاع الاتصال والمعلومات في 27 مارس الماضي، أن "ثمة حاجة لاتخاذ إجراءات تقي الصحفيين خاصة العاملين في الميدان من خطر الإصابة بكوفيد-19، وتتراوح تلك الإجراءات بين قيام المؤسسات الإعلامية بإمداد مراسليها بالمستلزمات الوقائية من جهة وتدريب الصحفيين على سبل حماية أنفسهم من جهة أخرى".

ويضاف إلى ذلك انشغال اليونيسكو بأبعاد أخرى متعلقة بأداء الصحفيين، وخاصة في حالات الطوارئ، بما يجعلهم تحت ضغوط واسعة النطاق لتقديم معلومات موثوقة للجمهور، حيث قال شقشوق: "في حين يعمل بعض الصحفيين تحت ضغط شديد من أجل تغطية المستجدات، البعض الآخر قلق على الأمن الوظيفي وخاصة الصحفيين المستقلين الذين يعملون لحسابهم الخاص وليس لديهم أي إمكانية للحصول على نفس الموارد التي يحصل عليها الصحفيون الموظفون في مؤسسات إعلامية".

صون التراث

6- تمويل وحماية الأماكن التراثية في الأردن واليمن: وبرزت ملامح ذلك الدور جلياً خلال لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بمدير عام منظمة اليونيسكو أودري أوزلاي في 4 مارس الماضي، حيث أكد الملك على دور المنظمة في حماية مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر مثل القدس، فضلاً عن تثمين قيامها بحماية المناطق الأثرية مثل البترا في الأردن. وكذلك الحال اهتمامها بمواقع التراث العالمي في زبيد وشبام وصنعاء، وخاصة في أعقاب الظروف الجوية القاسية التي اكتسحت البلاد في الثلث الأول من أغسطس الفائت، وهو ما جاء استجابة لدعوة مندوب اليمن الدائم لدى اليونيسكو محمد جميح، إلى سرعة حماية مواقع التراث العالمي في البلاد.

ظروف ضاغطة:

خلاصة القول، إن هناك ظروفاً ضاغطة في دول الإقليم دفعت منظمة اليونيسكو لتعزيز دورها في مجالات التعليم عن بعد وتفعيل الصناعات الثقافية وحماية وصيانة المباني التراثية، عبر مساهمات مالية وندوات إقليمية وتفاهمات ثنائية مع دول عربية، بما يحد من التعثرات التي تواجهها المنطقة العربية في قطاعي التعليم والثقافي، على خلفية أزمات تهب من كل اتجاه.