أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

عوائق متعددة:

هل يمكن للفتاوى الدينية الحد من التطرف في الإقليم؟

25 أبريل، 2018


في ظل التصاعد الكبير للهجمات الإرهابية في مناطق متعددة من الإقليم من قبل التنظيمات المتطرفة خلال السنوات الأخيرة، عبر شن هجمات إرهابية تتسم بالعنف والدموية، التي تركز بشكل كبير على استهدف رجال الشرطة والجيش في العديد من الدول، نظرًا لأنهم يكفرون الدول والحكومات؛ تسعى المؤسسات الدينية الرسمية لمواجهة تلك الأفكار عبر العديد من الوسائل، من أهمها الفتاوى الدينية التي تؤكد إسلام الحكومات والمجتمعات، وحرمة دماء أبنائها، وذلك لتقطع الطريق على التنظيمات الإرهابية التي تعتنق مثل تلك الأفكار.

ويُعد من أبرز هذه الفتاوى الفتوى التي صدرت عن الأزهر الشريف في 13 أبريل 2018، والتي تؤيد فيها فتوى علماء باكستان التي تؤكد إسلام دولة باكستان وحكومتها وجيشها، وأن من يحمل السلاح ضدها أو ضد غيرها من الحكومات المسلمة يُعد من المفسدين في الأرض الذين يجب قتالهم، وعلى جميع المسلمين تأييد ذلك القتال، الأمر الذي يطرح تساؤلًا هامًّا حول مدى قدرة الفتاوى الشرعية الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية على الحد من انتشار العنف والهجمات الإرهابية.

فتاوى متواترة:

تُعد الفتاوى الصادرة عن علماء باكستان بشأن جواز قتال الإرهابيين وضلال أفكارهم، واحدة من عدة فتاوى صادرة عن العديد من المؤسسات الدينية الرسمية، والتي تُجيز للحكومات ومؤسساتها الأمنية قتال الإرهابيين والقضاء عليهم، كونهم يُفسدون في الأرض بغير الحق، على غرار الفتوى التي أصدرها الأزهر الشريف مؤخرًا، والتي صرحت بأن الأزهر رغم أنه لا يُكفر الإرهابيين، إلا أنه يُفتي بأن قتالهم يُعد واجبًا شرعيًّا، نظرًا لأن تكفيره لهم لن يوقف جرائمهم، كما أن الحكم بتكفيرهم يُعد منحة لهم، ويُمكِّنهم من الإفلات بجرائمهم.

كما أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، العديد من الفتاوى التي تُجرّم الانضمام للجماعات الإرهابية، وتؤيد قتال الدولة لها، والتي كان من أشهرها الفتوى الصادرة في 18 سبتمبر 2014، والتي تدعو الدول إلى ضرورة تعقب وتتبع كل من يحرض على القتال تحت أي راية، ووصفهم بأنهم دعاة ضلالة وفرقة وتحريض على معصية ولاة الأمر والخروج عليهم. كما أيدت الفتوى بشكل صريح دور الدولة في تعقب كل من ينتسب للتنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" أو "الحوثيين" أو ما يُسمى "حزب الله".

فيما أطلقت "رابطة علماء الصومال" التي تضمّ علماء وأئمة في الصومال من خريجي المؤسسات الدينية العريقة كالأزهر الشريف وغيره، فتوى في سبتمبر 2014، تصرح بجواز مهاجمة وقتال عناصر التنظيمات الإرهابية الذين يعتدون على الأبرياء الآمنين ويسفكون دماءهم، ويتخذون من الدين ستارًا للاعتداء على الجنود ومؤسسات الدولة بغير حق.

وقد صدرت فتاوى مماثلة من قبل بعض المؤسسات الدينية، مثل وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية في الأردن، التي أصدرت عددًا من الفتاوى تدعو إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية، والضرب على يد عناصرها، كونهم مفسدين في الأرض، على غرار الفتوى التي أصدرتها الوزارة في أبريل 2015، والتي تصرح بأن الحرب على الإرهاب هي جهاد في سبيل الله، كونها تُعد من الدفاع عن الدين والإسلام، حيث إن التطرف والإرهاب أساءا إلى الدين، وشوّها صورته الحقيقية ورسالته النبيلة الهادفة إلى سعادة الإنسان. وأكدت الفتوى أن من يُقتل من رجال الشرطة والجيش في المواجهات مع الإرهابيين يُعد من الشهداء.

تحديات ضاغطة:

رغم أهمية الفتاوى المتعددة الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الدينية الرسمية في مواجهة الإرهاب وتنظيماته المختلفة، نظرًا لأنها تؤكد إسلام الدول وحكامها وشعوبها، وتنسف الأفكار الضالة التي يتذرع بها المتطرفون لشن الهجمات الإرهابية، وتُضفي صفة "الخوارج" على عناصر تلك التنظيمات الإرهابية وتبيح قتالهم واستهدافهم؛ إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تُواجه تلك الفتاوى، وتقلل من تأثيرها بشكل كبير على من يعتنقون تلك الأفكار، ويمكن تحديد أبرز تلك التحديات في النقاط التالية:

1- ضعف الخطاب المؤسساتي: تُعاني معظم المؤسسات الدينية الرسمية في المنطقة بشكل عام من ضعف خطابها الديني، وفقدانه للجاذبية التي تجعله قادرًا على التأثير في عقول الشباب بشكل قوي، فضلًا عن التأثير فيمن يعتنقون الأفكار المتطرفة، وهو ما يعود إلى جمود ذلك الخطاب لسنوات طويلة، وعدم قدرته على التفاعل مع العديد من قضايا الواقع، وكذلك عدم قدرته على الاقتراب بشكل واضح وصريح من القضايا الهامة والشائكة التي تتقاطع مع أفكار التنظيمات المتطرفة (مثل: الحاكمية، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر)، مما جعل خطابها نمطيًّا وغير قادر على مواجهة ومقاومة الفكر المتطرف بشكل قوي وحاسم، وفقدان الثقة بشكل ملحوظ في هذا الخطاب، وهو ما أدى إلى انتشار أفكار تلك التنظيمات.

فالعلاقة بين المؤسسات الدينية والتيارات المتطرفة هي علاقة عكسية، بمعنى أنه كلما تراجع دور هذه المؤسسات تزايد دور هذه التنظيمات. وبالتالي صارت المؤسسات الدينية الرسمية التي تُصدر الفتاوى لمواجهة التطرف والإرهاب غير قادرة على التأثير في الشباب بقوة، بدليل عدم قدرتها على منع أعدادٍ منهم من الانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن قدرة ذلك الخطاب على إقناع عناصر التنظيمات الإرهابية بعدم ممارسة العنف والقتل واستهداف الدول ومؤسساتها غالبًا ستكون معدومة، وهو ما يجعل تلك الفتاوى غير قادرة على منع العنف والإرهاب.

2- جاذبية خطاب التطرف: يتسم الخطاب المتشدد الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية بالجاذبية الكبيرة لعناصرها الذين يسعون دائمًا خلف الأفكار الأكثر تشددًا، وليس العكس، ظنًّا منهم أن ذلك التشدد سيجعلهم أكثر إيمانًا وتقوى، كما أن تلك الجاذبية هي التي لا تزال تُمكِّن تلك التنظيمات من جذب واستقطاب عناصر جديدة. 

وبالتالي، فإن العناصر الإرهابية التي تقوم بشن الهجمات الإرهابية، لا سيما الانتحارية منها، والتي تقتنع بهذه الأفكار، سيكون من الصعب عليها التخلي عن ذلك العنف بسبب قناعتهم بالفتاوى التي تُحرّم العنف والقتل، الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية التي ينظرون إليها على أنها مؤسسات تابعة للحكام، مما يجعل تأثير تلك الفتاوى ضئيلًا للغاية في إقناع العناصر الإرهابية بالتوقف عن القتل والعنف تحت مسمى الجهاد في سبيل الله، في ظل قناعتهم القوية بالخطاب المتطرف.

3- رسوخ "الثوابت الفكرية": العناصر الإرهابية التي تقوم بشن الهجمات الإرهابية، خاصة العمليات الانتحارية، لديها قناعة كبيرة وتامة بما لديها من أفكار متطرفة، من الصعب عليها التخلي عنها، مهما وُجّهت إليها سهام النقد حتى لو من حركات أخرى متطرفة، رغم أن المنطلقات الفكرية قد تكون واحدة، وهو ما يُطلق عليه الثوابت الفكرية التي غالبًا ما يكون من الصعب كسرها أو هدمها، لذا سيكون من الصعب عليهم الخروج عن الثوابت الفكرية القائمة على العنف، بسبب هجوم المؤسسات الدينية الرسمية عليها أو رفضها لتلك الأفكار، لا سيما في ظل العداء القائم بينها وتلك المؤسسات.

وهذا ما كشفت عنه كل تجارب المرجعيات الفكرية في المنطقة، حيث لم تكن القناعة بالمرجعيات بناء على فتاوى وآراء علماء المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف وغيره، الذي حاول مرارًا وتكرارًا إقناعهم بالتخلي عن الأفكار المتطرفة، وإنما جاءت القناعة بناء على آراء وفتاوى قادتهم الذين يتمتعون بـ"قدسية القيادة"، وهو ما يدل على أنه من الصعوبة بمكان أن تتمكن فتاوى المؤسسات الدينية من كسر حالة الجمود الفكري لدى عناصر التنظيمات الإرهابية، وهدم موروثاتهم الفكرية والعقائدية، على نحو يشكك بشكل كبير في قدرة هذه الفتاوى على تحجيم العنف التي تُمارسه تلك العناصر.

وقاية فكرية:

أخيرًا، وفي ما ضوء سبق، يمكن القول إن الفتاوى التي تُصدرها المؤسسات الدينية الرسمية أو حتى تلك التي يصدرها علماؤها بشكل مستقل، غالبًا ما سيقتصر دورها على الحد من انخراط عناصر جديدة داخل صفوف التنظيمات الإرهابية، كونها تعد بمثابة وقاية فكرية أكثر منها مواجهة فكرية، وبالتالي فإن تأثيرها على عناصر التنظيمات الإرهابية، لا سيما التي تتميز بالعنف والتطرف الشديد مثل "داعش" و"القاعدة"، سيكون ضعيفًا وربما معدومًا، نظرًا لأن من يقتنع بأفكار تلك التنظيمات ينظر دائمًا إلى تلك المؤسسات نظرة الريبة والشك وعدم الاقتناع بقدرتها على إصدار فتاوى صحيحة، بل إن بعضهم يُكفِّر تلك المؤسسات وعلماءها، وبالتالي فإن تلك الفتاوى -من الناحية العملية- لا يمكن لها أن تؤدي دورًا فاعلًا في الحد من انتشار منسوب العنف وموجة الإرهاب.