أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

القيد الروسي:

هل اقتربت الحرب القادمة بين حزب الله وإسرائيل؟

27 مارس، 2018


على الرغم من حالة الهدوء الحذر التي تُخيِّم على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، إلا أن الآونة الأخيرة قد شهدت تصاعدًا للتوترات المكتومة بين إسرائيل و"حزب الله"، خاصة عقب الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الجبال المحاذية لبعلبك على الحدود اللبنانية السورية في 25 مارس الجاري، بالإضافة إلى استهداف تل أبيب مواقع لـ"حزب الله" ومخازن أسلحة تابعة له في سوريا.

ويرتبط ذلك بتركيز تقييمات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) على تهديدات التطور النوعي لتسليح "حزب الله"، وتوظيف إيران له في تحقيق الهيمنة الميدانية في سوريا، وهو ما أكدته تصريحات "هآرتسي هاليفي" رئيس (أمان)، التي نشرتها صحيفة "هآرتس" في 26 مارس الجاري، مما عزز من الاتجاهات التي تُحذر من تفجر مواجهة عسكرية بين إسرائيل و"حزب الله".

مؤشرات التصعيد:

يسعى "حزب الله" إلى توظيف الفوضى التي تحكم الساحة السورية لصالحه في حال دخوله في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل؛ حيث سيسعى للاستفادة من وجوده على الأراضي السورية لتوسيع حدود الجبهة البرية مع إسرائيل، كما يمتلك "حزب الله" ترسانة صاروخية كبيرة يسعى إلى تطويرها لتصبح أكثر قدرة على إصابة أهداف طويلة المدى بدقة عالية.

من جانب آخر، لدى إسرائيل العديد من التفاهمات المبرمة مع الحكومة السورية لمنع اقتراب "حزب الله" أو أي فصيل إيراني من الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا، وتعتمد إسرائيل على الضربات الجوية لمنع وصول قوافل الصواريخ المنقولة إلى "حزب الله" من الأراضي السورية، أو لتدمير مخازن السلاح الإيرانية القريبة من الحدود اللبنانية. ويمكن القول إن العلاقة بين "حزب الله" وإسرائيل تدور في إطار هذه المعادلة، وتؤدي أي محاولة لكسر هذا التوازن القائم إلى نشوب توترات قد تُفضي إلى تصعيد عسكري. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن هناك العديد من المؤشرات على وجود تصعيد بين الجانبين، وذلك على النحو التالي:

1- الحرب الافتراضية: يُشير بعض المحللين إلى أن المناورة العسكرية "جونبير كوبرا" التي انطلقت في مطلع مارس 2018 بمشاركة 2500 جندي أمريكي، تُعد مؤشرًا على استعداد إسرائيل للمواجهة القريبة مع "حزب الله"، وأشارت بعض التقارير الصحفية أن مصادر مقربة من "حزب الله" رأت أن هذه المناورات دليل على تراجع قدرات الردع الإسرائيلية، بحيث إنها لم تعد تستطيع الدفاع عن نفسها بمفردها.

وقد قامت إسرائيل في سبتمبر2017 بإجراء تدريب عسكري واسع النطاق يحاكي الحرب مع "حزب الله"، وهي المناورات التي تُعد الأضخم من نوعها منذ 20 عامًا، وتم خلال هذا التدريب محاكاة مختلف السيناريوهات للحرب مع "حزب الله".

2- التصعيد المتبادل: قامت إسرائيل بتنفيذ العديد من الغارات الجوية على أهداف داخل الأراضي السورية منذ عام 2011، وفي أغلب الأحيان كانت هذه الضربات الجوية تستهدف مخازن أسلحة أو قوافل صواريخ متوجهة من الأراضي السورية إلى لبنان.

وبلغ التصعيد الإسرائيلي ذروته بالتهديد بشن حرب على "حزب الله" ولبنان في يناير 2018 بسبب الوجود الإيراني المسلح، ومصانع الصواريخ الدقيقة التي تُقيمها طهران في لبنان على حد زعمهم، وقد أُثيرت هذه الاتهامات في الاجتماع الذي عُقد بين نتنياهو وبوتين في موسكو في يناير 2018، وقد صرح نتنياهو عقب الاجتماع: "لقد تحدثنا عن لبنان، وقلت له إن السلاح الدقيق يُعتبر تهديدًا خطيرًا لسنا مستعدين لتقبله، وإذا اضطررنا للعمل فسنعمل.. إسرائيل لا تحاول التصعيد، ولكن المصالح تتطلب استعداد الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن وكذلك الاستعداد السياسي"، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" مجرد ذريعة لتبرير سياسة إسرائيل العدوانية.

وفي إطار النزاع بين إسرائيل ولبنان على ملكية البلوك ٩، أعلن الإعلام الحربي التابع لـ"حزب الله" في تغريدات له على تويتر في فبراير 2018: "إجماع لبناني على حق لبنان في ثرواته النفطية، والمقاومة تؤكد أنها لن تفرط بها".. "لن نفرط ولن نضيّع ولن نتسامح بأي حق من حقوق لبنان في مياهه الإقليمية ولا في ثروته النفطية، مهما تكن الضغوط والمخاوف"، ووجه كذلك رسالة باللغتين العربية والعبرية، مفادها: "من يمس منشآت النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية ستُمس منشآته، وهو يعلم أن لبنان قادر على ذلك".

3-الجدار الحدودي: أعلنت إسرائيل قيامها ببناء جدار حدودي مع لبنان بارتفاع 6 أمتار في ديسمبر 2017  لعرقلة أي اختراقات برية، واعتراض القذائف قصيرة المدى من إصابة المستوطنات القريبة من لبنان، ومنع عمليات الرصد والمراقبة، وقد توجه "حزب الله" إلى اليونيفيل (القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان) وأبلغه بأنه لا يتقبل الأعمال الإسرائيلية على طول الحدود، وأعلنت القناة الإسرائيلية الثانية في يناير 2018 أن تنظيم "حزب الله" هدد إسرائيل بقصفها إن لم تتوقف عن بناء الجدار الحدودي.

4- الدعم الإيراني: صرح "حسن نصر الله" في يونيو 2017 بأنه إذا حاولت إسرائيل الدخول في حرب جديدة مع لبنان فإنها ستجد نفسها في مواجهة آلاف المقاتلين من دول عديدة، مثل: "إيران، والعراق، واليمن، وأفغانستان، وباكستان"، وهو ما أكده تصريح "قيس الخزعلي"، قائد عصائب "أهل الحق" أحد فصائل "الحشد الشعبي" في العراق، في مقطع مصور أثناء جولة له عند بوابة فاطمة في "بلدة كفر كلا" الجنوبية برفقة عناصر من "حزب الله"، مصرحًا: "إننا على أتم الجهوزية للوقوف صفًّا واحدًا مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي".

دوافع متشابكة:

يُثير استمرار "حزب الله" في التمدد داخل سوريا العديد من المخاوف الإسرائيلية. من جانب آخر، قامت إسرائيل بإعادة إحياء الخلاف الحدودي بينها وبين لبنان على البلوك رقم 9، في محاولة لمنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية، بل ووصل الأمر إلى حد ربط هذا الأمر بانسحاب "حزب الله" من سوريا وإنهاء الوجود الإيراني بالقرب من حدودها الشمالية.

وقد ساهم في مفاقمة الأمور تصريح "حسن نصر الله" مهددًا فيه بضرب المنشآت النفطية الإسرائيلية في حال أصرت إسرائيل على انتهاك مياه لبنان الإقليمية، كما خرج اجتماع مجلس الدفاع الأعلى اللبناني بتوصيات للقوى العسكرية اللبنانية بالتصدي لأي محاولة إسرائيلية لتخطي المياه الإقليمية اللبنانية وذلك في فبراير 2018.

وفي هذا السياق، صرح الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" في فبراير 2018، بأن اندلاع حرب بين "حزب الله" وإسرائيل سيكون أسوأ كابوس، لأنه سيدمر جزءًا كبيرًا من لبنان، مما أدى إلى تسريع الوساطات لمنع الأوضاع من التفاقم.

وقد رأى مقال منشور في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في فبراير 2018، أن هناك خمسة أسباب ستجعل الحرب بين الجانبين قادمة لا محالة: أولها الرفض الإسرائيلي لوجود "حزب الله" على الحدود، كما أنه مع تزايد التصعيد في غزة ضد إسرائيل قد يقوم "حزب الله" بتشتيت انتباه إسرائيل عبر توجيه هجمات صاروخية عليها من الحدود، يضاف إلى هذا تراجع الدور الأمريكي داخل سوريا والتي تعتمد عليها إسرائيل لحماية مصالحها، في مقابل تزايد مستمر للدور الروسي، وهو ما سيدفع إسرائيل للاعتماد على نفسها للحفاظ على أمنها وتوسيع دورها، كذلك فإن الجدار الذي تعمل إسرائيل على بنائه يؤدي إلى تصاعد غضب "حزب الله" ولبنان بصفة عامة، فيما يعد الصراع على النفط والغاز خامس هذه الأسباب.

سيناريوهات المواجهة:

تذهب معظم التحليلات الأجنبية إلى القول بحتمية نشوب حرب بين الطرفين، وبأن هذه الحرب ما هي إلا مسألة وقت، وتوجد عدة سيناريوهات لهذه الحرب، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- الغارات الجوية: حيث لا يزال هناك تطور في قدرات "حزب الله" مما يُتيح للحزب تهديد الأمن الإسرائيلي، وهو ما يدفع إسرائيل للقيام بعمليات رصد جوي واسعة النطاق، واستهداف قوافل السلاح القادمة إليه من سوريا، وقد تقوم بالتصعيد أكثر عن طريق اختراق المجال الجوي اللبناني وإجراء عمليات قصف منها، مع تجنب اختراق المجال السوري تحسبًا للدفاعات الجوية السورية.

2-المواجهة المحدودة: تشير بعض التقديرات إلى أن "حزب الله" يمتلك ما يزيد على ١٥٠ ألف صاروخ، وقد تلجأ إسرائيل إلى إنهاء هذا التهديد، حيث ستكون الحرب القادمة للحسم وليس للردع، وقد أشارت صحيفة "رأي اليوم" الإسرائيلية في مقال منشور في مارس ٢٠١٨ إلى أن الجيش الإسرائيلي أجرى مناورات سرية موازية للمناورات الإسرائيلية الأمريكية المشتركة، وقد أفادت بعض المصادر لهذه الجريدة بأن القيادة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لنظيرتها الإسرائيلية بشن حرب على لبنان، وتتوقع بعض التقارير الأجنبية أن تكون هذه الحرب خاطفة لمدة أيام محدودة، وفقدان تأييد الرأي العام الدولي جراء حرب طويلة نسبيًّا كحرب ٢٠٠٦.

على جانب آخر، يرى المراقبون في مهمة مبعوث الإدارة الأمريكية "ديفيد ساترفيلد" لإجراء وساطة بين لبنان وإسرائيل حول النزاع الحدودي البحري، وجود رغبة أمريكية في التهدئة والمحافظة على الاستقرار الهش الحالي، خصوصًا أن إسرائيل قبلت بتعديل بناء جدارها العازل على الحدود اللبناني في معظم المناطق التي اعترض عليها لبنان، وبقيت نقطة رأس الناقورة قيد التفاوض، ويقوم رسم الحدود البحرية المتنازع عليها كليًّا على أساس تحديد ملكية هذه الأمتار البرية في الناقورة.

3-الحرب الإقليمية: قد تدخل إيران كطرف في معركة ممتدة في كلٍّ من سوريا ولبنان مع مشاركة "حزب الله" فيها، ومما قد يدفع إيران لدخول هذه الحرب سعيها لترسيخ وجود عسكري دائم في سوريا، بالإضافة إلى أنها قد تسعى لتصعيد أمني يستهدف إسرائيل في حال صدر قرار الرئيس الأمريكي "ترامب" في غير صالحها.

ويرى "ديمتري أدامسكي" في مقال منشور بمجلة "فورين أفيرز" تحت عنوان: "روسيا وحرب لبنان القادمة: كيف يمكن أن تستفيد موسكو من الصراع بين إسرائيل وحزب الله؟"، أن لروسيا مصلحة بقيام حرب محدودة بين إسرائيل وإيران لترسيخ وجودها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط يُنهي تمدد النفوذ الإيراني في سوريا.

بينما يرى بعض المحللين الآخرين أنه لا توجد مصلحة روسية في اندلاع حرب إقليمية، لأن الاستراتيجية الروسية قامت لحماية نظام "بشار الأسد"، وستؤدي هذه الحرب إلى تقويض هذا الهدف. من جانب آخر، تحتاج روسيا إلى الحليف الإسرائيلي الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.