أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

متغيرات ضاغطة:

لماذا تصاعد تغليب المصالح الاقتصادية في الشرق الأوسط؟

10 أكتوبر، 2017


تواجه منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات عديدة صعوبات اقتصادية لا تبدو هينة، بسبب ارتفاع حدة المخاطر الجيوسياسية فضلاً عن تراجع الأسعار العالمية للنفط منذ منتصف عام 2014، وهو ما تسبب في انكماش النمو الاقتصادي للمنطقة بشكل عام. ومن دون شك، فإن تلك الصعوبات تتفاقم في دول الأزمات، على غرار سوريا وليبيا، التي لا زالت تتكبد خسائر فادحة في البنية التحتية والموارد البشرية، وهو ما رفع تكلفة إعادة إعمارها لمستويات غير مسبوقة. فيما تواجه بعض الدول المستقرة، مثل الجزائر وإيران، ضغوطًا اقتصادية زادت مؤخرًا بسبب انخفاض الأسعار العالمية للنفط بجانب المشكلات الاقتصادية المزمنة.

وتحت وطأة الضغوط السابقة، اضطرت دول وأنظمة عديدة بمنطقة الشرق الأوسط إلى منح الأولوية لمصالحها الاقتصادية على حساب تباين سياساتها ليس فقط مع بعض القوى الدولية والإقليمية وإنما أيضًا مع عدد من التنظيمات الإرهابية، أى أن التعاون الاقتصادي بات يسير، في بعض الأحيان، بشكل مخالف للمصالح الأمنية والسياسية، وذلك تجنبًا لفقدان مكاسب التعاون التجاري والاستثماري مع تلك الأطراف.

وعلى ما يبدو، فإن العلاقات بين بعض تلك الأطراف السابقة قد تتسم بأنها مؤقتة، فيما يعتمد اتجاه العلاقات بين البعض الآخر على العوائد الاقتصادية التي يفرضها النمط السائد لتلك العلاقات.

مستويات مختلفة:

أبدت بعض الأطراف المعنية بتطورات المنطقة مخاوف عديدة تجاه فقدان بعض مكاسبها الاقتصادية بسبب التداعيات التي يمكن أن تفرضها تلك التطورات، وهو ما دفعها إلى تغليب مصالحها الاقتصادية مع فواعل دولية وإقليمية أخرى على حساب تعارض مصالحها الأمنية والاستراتيجية معها، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تحول السياسات: اتجه النظام السوري إلى فتح قنوات تواصل مع تنظيم "داعش"، بسبب احتياجه للنفط من أجل تشغيل المحطات الكهربائية، حيث حصل من الأخير على كميات من النفط والغاز من مصادر إنتاجه في الحقول التي كان يسيطر عليها في دير الزور والرقة. وفي هذا السياق، أشار بعض مسئولي الاتحاد الأوروبي ووزارة الخزانة الأمريكية، في العامين الماضيين، إلى أن التعاون وصل إلى مرحلة متقدمة بين "داعش" وبعض الوسطاء ورجال الأعمال السوريين الموالين للنظام، لإبرام صفقات نفط معه.

كما كشفت مؤشرات عديدة عن اتجاه النظام السوري إلى تبني السياسة نفسها مع ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" التي تضم عناصر كردية وعربية، وتسيطر على عدد من حقول النفط والغاز في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا. في حين تشير تقارير عديدة إلى أن النظام السوري يقوم بمهمة تكرير النفط الخام، ليتم بعد ذلك تسليم جزء من الكميات المعالجة إلى "داعش" والأكراد في سوريا.

2- احتواء الخلافات: سارعت تركيا، في منتصف عام 2016، إلى تسوية الأزمة التي اندلعت مع روسيا بعد إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، والتي دفعت الأخيرة إلى فرض عقوبات اقتصادية عليها. كما سعت إلى استثمار تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في الفترة نفسها، من أجل تعزيز التعاون بين الطرفين في مجال النفط والغاز الطبيعي.

 ورغم تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، إلا أن ذلك لم يؤثر على مسارات التعاون الاقتصادي فيما بينهما، نظرًا لاتساع نطاق المصالح التجارية والاستثمارية بين الطرفين.

3- حدود الخيارات: قبل إجراء إقليم كردستان الاستفتاء على الانفصال عن العراق، في 25 سبتمبر الفائت، هددت تركيا بفرض عقوبات على الإقليم، بما فيها قطع العلاقات التجارية، وهو ما سينتج ضغوطًا اقتصادية لا تبدو هينة على الأخير، حيث ترى تركيا أن الانفصال سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات الأمنية التي تشهدها خلال الفترة الحالية، خاصة في ظل استمرار مواجهاتها المسلحة مع حزب العمال الكردستاني.

 وفيما بعد الاستفتاء، الذي كشفت نتائجه عن تأييد الأغلبية للانفصال، اتفقت الحكومة التركية مع نظيرتها العراقية على أن يقتصر استخدام معاملات تصدير النفط على الطرفين فقط. ورغم ذلك، لا زالت هناك شكوك عديدة حول مدى قدرة تركيا فعليًا على فرض عقوبات اقتصادية على إقليم كردستان، وذلك لاعتبارات مختلفة، يتمثل أبرزها في حجم المصالح الواسعة بين الطرفين، حيث تشير التقديرات إلى أن التبادل التجاري بين تركيا وكردستان يصل إلى 8 مليار دولار، إضافة إلى أن نحو 1300 شركة تركية تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية بالإقليم، ولا سيما البناء والتشييد، وهو ما يمكن أن يضع حدودًا للخيارات المتاحة أمام تركيا للتعامل مع مرحلة ما بعد إجراء الاستفتاء.

مسارات متفاوتة:

يمكن القول إن بعض مسارات التعاون السابقة قد تبدو هشة، حيث قد تتجه للزوال أو التراجع في ظل احتمال انتفاء الحاجة إليها مستقبلاً، فيما قد تجد بعض المسارات الأخرى أساسًا قويًا للاستمرار اعتمادًا على اتساع وأهمية المصالح المشتركة. وفي هذا الصدد، يبدو أن التعاون بين النظام السوري وتنظيم "داعش" سوف يبقى مؤقتًا، في ظل استعادة الأول السيطرة على عدد من حقول النفط من التنظيم نفسه أو من بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، فضلاً عن التراجع الملحوظ في نفوذ التنظيم بعد الخسائر الفادحة التي تعرض لها في الفترة الماضية.

وفي مقابل ذلك، يبدو أن التعاون بين بعض الأطراف الدولية والإقليمية قد يستمر لفترة أطول في ظل اتساع نطاق المصالح التجارية والأمنية والسياسية فيما بينها، وذلك على غرار ارتفاع مستوى التعاون الاقتصادي بين تركيا وإسرائيل، ولا سيما في مجال الغاز الطبيعي، بعد وصولهما إلى تسوية للخلافات التي نشبت بينهما في منتصف عام 2016.

ولكن هذا لا ينفي أن التقارب الاقتصادي بين بعض الأطراف الدولية والإقليمية قد يتأرجح وفق تقارب أو تباعد المصالح الأمنية والاستراتيجية فيما بينها مستقبلاً. كما أن اتساع حجم الشراكة الاقتصادية بإمكانه التأثير على التعاون الأمني، إذ أن وجود علاقات اقتصادية وثيقة بين بعض تلك الأطراف قد يساعد على حدوث تقارب في الرؤى السياسية والأمنية وذلك على غرار ما يحدث من تفاهمات بين الأطراف المعنية بالأزمة في سوريا.

وفي النهاية، يمكن القول إن الآفاق الاقتصادية غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط سوف تكون، على الأرجح، حافزًا لدى بعض الأطراف المعنية بتطوراتها لتكريس وتغليب المصالح الاقتصادية على حساب المتغيرات الأخرى، إلا أن استمرار ذلك سوف يعتمد على مدى التقارب أو التباعد في الرؤى السياسية والاستراتيجيات الأمنية.