على الرغم من أن السنوات الماضية شهدت انتشارًا نسبيًّا لما بات يُعرف بـ"الاقتصاد الأخضر" في بعض الدول العربية، وبروز جماعات بيزنس ومؤسسات أهلية منخرطة في الدفاع عنه، وتبلور توجه نخبوي لأهمية التقليل من المخاطر البيئية المرتبطة بتغير المناخ ونقص المياه وعدم استقرار أسواق الطاقة وزيادة كميات النفايات، إلا أن التحول نحو زيادة الاستثمارات في الاقتصاديات الخضراء في غالبية الدول العربية يواجه حزمة من التحديات، يتمثل أبرزها في تأخر ترتيب القضايا البيئية على أجندة الأولويات الوطنية، وضعف وعي القطاعات المجتمعية بأهمية سياسات "التخضير"، وتصاعد معضلة ترابط المياه والطاقة والغذاء، وتوفير متطلبات نقل التكنولوجيا، وازدياد حدة الصراعات الداخلية المسلحة، وتعثر الاقتصاديات العربية، ووضع مخصصات مالية لسياسات التنمية المستدامة، وتنازع أولويات مساعدات الدول المتقدمة.
ويُعرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه "نظام أنشطة اقتصادية تتعلق بإنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع والخدمات، ويفضي في الأمد البعيد إلى تحسن رفاه البشر، ولا يُعرِّض في الوقت نفسه الأجيال المقبلة إلى مخاطر بيئية أو حالات ندرة إيكولوجية كبيرة". ويتضح أن اصطلاح الاقتصاد الأخضر يمزج بين التنمية الاقتصادية والاعتبارات البيئية، وهو ما يناقض ما يُعرف بـ"الاقتصاد الأسود" الذي يقوم على الاستخدام المكثف للبترول والغاز الطبيعي والفحم الحجري، ويرتكز الاقتصاد الأخضر بشكل رئيسي على استخدام موارد الطاقة المتجددة والمباني الخضراء والمواصلات العامة والخاصة غير الملوثة، والإدارة الفعالة للمياه، وإدارة مياه الصرف الصحي من خلال تقنيات التكرير وإعادة الاستخدام.
ترابط المسارات:
وفي هذا السياق، أوصى المشاركون (نحو 500 مندوب من 58 دولة يمثلون 160 مؤسسة من القطاعين العام والخاص والمنظمات الإقليمية والدولية ومراكز الأبحاث والجامعات والمجتمع المدني) في المنتدى العربي التاسع للتنمية والبيئة حول "التنمية المستدامة في مناخ عربي متغير"- والذي عقد في 10 و11 نوفمبر 2016، في الجلسة الختامية لفاعليات المنتدى ببيروت - الحكومات العربية بضرورة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وإدخال مبادئ التنمية المستدامة في مبادرات فض النزاعات وإحلال السلام وخطط إعادة الإعمار لدول الصراعات العربية، على نحو يساعد الدول العربية في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030.
كما حذر العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال قمة المناخ "كوب 22" بمراكش التي عقدت خلال الفترة بين 7 و18 نوفمبر الجاري من الانعكاسات المحتملة للتهاون مع التغيرات المناخية، حيث قال: "إن الكلفة الانتظارية والتقصير في مواجهة تغير المناخ وآثاره ستكون باهظة، وستزيد من اتساع بؤر التوتر والأزمات عبر العالم"، وأضاف: "لقد حان الوقت لإصلاح الوضع الراهن، وليس أمامنا أي خيار إلا العمل على تدارك الزمن الضائع، في إطار تعبئة متواصلة وشاملة، وتناسق إيجابي، من أجل عيش كريم ومستديم للأجيال المتعاقبة".
النموذج الإماراتي:
ويعكس هذا التحذير إدراك بعض النخب الحاكمة في المنطقة العربية لأهمية الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، إذ قطع المغرب مراحل في أضخم مشروع للطاقة الشمسية في العالم، وتخطو الإمارات قفزات في هذا المجال، حيث أطلقت مبادرة الاقتصاد الأخضر المستدام، وأنشأت مدينة "مصدر" باعتبارها المدينة المستدامة الأولى في العالم، عبر الاستثمار في ابتكار موارد طاقة متجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية، وتطوير البيوت البلاستيكية والزراعة العضوية. كما أصبحت الإمارات الرائدة في مجال المباني الخضراء في المنطقة العربية.
وقد شهدت دبي انعقاد القمة العالمية للاقتصاد الأخضر في أكتوبر 2016 بالشراكة مع "وورلد كلايميت ليمتد" والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وهو ما يأتي في إطار استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، التي تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز إسهامات الطاقة النظيفة، وطرح برنامج دبي لكفاءة الطاقة الذي يهدف إلى الحد من الطلب على الطاقة بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030، وتحويل المركبات إلى استخدام الغاز الطبيعي.
كما تم إطلاق "صندوق دبي الأخضر" بقيمة تصل إلى 27 مليار دولار، فضلا عن العمل على إنشاء منطقة دبي الخضراء، وهي منطقة حرة سيتم تخصيصها لاستقطاب الشركات الكبيرة والناشئة العاملة في مجال الطاقة النظيفة، والتي ستصبح مركزًا عالميًّا لاستقطاب الشركات العاملة في مجال البحوث والتطوير وشركات الطاقة النظيفة المبتكرة. واحتضنت الإمارات أيضًا، للمرة الأولى في الشرق الأوسط، فعاليات قمة مدن البيئة العالمية 2015 حول المدن المستدامة التي تتطلب الاهتمام بقضايا السلامة والصحة والأمن، والاعتماد على الاقتصاد الذاتي، وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وتم عرض تقرير "حالة الاقتصاد الأخضر 2016" في جناح دولة الإمارات في معرض "إكسبو ميلانو 2015" الذي أُقيم تحت عنوان "تغذية العالم.. طاقة للحياة" في 3 مايو 2015، ويتمثل هدف الإمارات في إكسبو 2020 في إنتاج نصف الطاقة من الطاقة المتجددة باستخدام الطاقة الشمسية.
وتكرم أيضًا جائزة زايد لطاقة المستقبل المبدعين والرواد في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة، وينظم مهرجان الإمارات الخضراء للتأكيد على دور الإمارات في الوصول إلى بيئة سليمة خالية من كل أشكال التلوث والتغير المناخي. وتم إبرام شراكة استراتيجية بين الأمم المتحدة وأبوظبي لأفلام البيئة لتشجيع المنتجين السينمائيين لتسليط الضوء على المخاطر البيئية في الإقليم.
وتقدم أشهر المراكز التجارية في الإمارات لزوارها منتجات صديقة للبيئة تفيدها في بناء مجتمع مستدام، مثل التركيز على تجنب الأكياس البلاستيكية واستبدالها بأخرى ورقية معالجة بيئيًّا وصحيًّا، إلى جانب فتح المجال أمام الراغبين لممارسة التشجير وتعلم كيفية رعاية النباتات والأشجار. فضلا عن مهرجانات أبوظبي التي تشمل كل المناطق والشوارع الإماراتية لتعميم الثقافة البيئية على كل الجنسيات والشرائح العمرية المختلفة في إطار "الإقامة الخضراء، التسوق الأخضر، الجولات السياحية الخضراء، الفنون الصديقة للبيئة، قوائم الطعام الخضراء". لذا، وانطلاقًا من المؤشرات السابقة تُعتبر أبوظبي ودبي في المراتب الأولى من حيث الاستدامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
غير أن هناك مجموعةً من العوامل التي تُفسر تحديات التحول نحو الاقتصاد الأخضر في الدول العربية، على النحو التالي:
رفاهية الاختيار:
1- تأخر ترتيب القضايا البيئية عن أجندة الأولويات الوطنية: لا تزال قضايا البيئة تصنف ضمن ما يطلق عليه "السياسات الدنيا" التي تكتسب اهتمامًا أقل من قبل الحكومات المتعاقبة في هذه الدولة العربية أو تلك رغم تخصيص حقائب وزارية أو برامج متخصصة لهذا الملف، في الوقت الذي تحولت فيه قضايا البيئة من الاهتمام الهامشي إلى الاهتمام المركزي في أجندة دول العالم، لا سيما في ضوء التطور الحاصل في مجال الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، حيث ظهرت مجموعة "الجيل الثالث لحقوق الإنسان" التي تضم حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة والحق في التنمية المستدامة.
وهنا يُمكن الإشارة إلى محدودية فعالية أحزاب الخضر في المنطقة العربية، فعلى الرغم من أن الدول العربية -مثل مصر ولبنان والأردن- شهدت تأسيس أحزاب سياسية ذات اهتمامات بالبيئة، إلا أن أنشطتها وتأثيراتها ذات مردود ضعيف فيما يخص وضع مسألة البيئة على أجندة الحكومة والمجتمع، ونشر قوانين حماية البيئة، والحث على احترامها ثم الإلزام بتنفيذها، والتخلص من النفايات، وهو ما يختلف جذريًّا عن أدوار أحزاب الخضر في المدن الأوروبية، مثل استوكهولم وكوبنهاجن وأمستردام وهامبورج، التي تشارك في حكومات ائتلافية ونجحت في تطبيق مفهوم "النقل الأخضر"، وتبني المنتجات والخدمات والتقنيات القائمة على التنمية المستدامة.
الوعي الغائب:
2- ضعف وعي القطاعات المجتمعية بسياسات التخضير: تتمثل أبرز معوقات التحول إلى الاقتصاديات الخضراء في أن قوى المجتمع غير واعية لأثرها البيئي أو للقوانين والأنظمة المؤثرة عليها، بل قد لا يتم إدراك الفوائد الاقتصادية الناجمة عن الممارسات الخضراء، والأكثر من ذلك قد تُقاوَم مجتمعيًّا. فعملية التحول إلى الاقتصاد الأخضر في المنطقة العربية يُفترض أن ينتج عنها توفير فرص عمل جديدة للحد من بطالة الشباب، وتعزيز النمو الاقتصادي.
وهنا قد يؤدي توظيف مخصصات مالية طائلة في عملية التحول إلى الطاقة المتجددة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع والخدمات المرتبطة بها، مما يزيد الضغط على اقتصاديات دول المنطقة، ومن ثم تحميل المواطن جزءًا كبيرًا من التكاليف على نحو يطرح احتمالات سخط مجتمعي إزاء قراراتها.
3- معضلة ترابط المياه والطاقة والغذاء: هناك ترابط بين الأبعاد الثلاثة في المنطقة العربية، حيث تتسم الأخيرة بأنها غنية بالطاقة وفقيرة بالمياه والأراضي الزراعية، وتعاني نقصًا في الغذاء. وتزداد هذه الروابط المشتركة في المنطقة العربية مع ارتفاع الطلب المجتمعي على الموارد نتيجة تزايد نمو السكان، وتغير أنماط الاستهلاك، وضعف كفاءة إدارة الموارد، وهي ستتفاقم بشكل أكبر بسبب تأثيرات التغير المناخي.
لذا، فإن الإدارة الرشيدة للموارد تتطلب تعديلا في أنماط الاستهلاك وليس دائمًا زيادة الإنتاج، خاصةً في مجالات المياه والطاقة والنظافة. فالقيود المالية تعيق السير في اتجاه الاقتصاديات الخضراء في الدول العربية، خاصة تلك التي تتعلق بالحصول على التمويل ودعم تطوير المهارات وفرض الضرائب الخضراء.
توطين التكنولوجيا:
4- توفير متطلبات نقل التكنولوجيا: تؤدي التكنولوجيا الخضراء والعمليات العالية الكفاءة دورًا أساسيًّا في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتحتاج الدول العربية إلى تشجيع الاستثمار في البحث والتطوير في هذا المجال الجديد نسبيًّا على المنطقة باستثناء حالات محددة، مثل الإمارات والمغرب وتونس ولبنان والأردن، بأوزان نسبية مختلفة، والتي لا يمكن القياس عليها حيث النقص في مبادرات الاقتصاد الأخضر، وندرة الإحصاءات والبيانات بشأنه.
وهنا تشير بعض الكتابات إلى أن أحد متطلبات نجاح عملية التحول يتمثل في استعداد البنى الأساسية الوطنية لإنتاج نسخ مطابقة لأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العالمية وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، وربما يتحقق ذلك عبر إنشاء تحالف بين وزارات التربية والتعليم، والجامعات، ومعاهد التدريب المهني، والمدارس الفنية لتدريب الأجيال المقبلة على التحول في قطاعات كفاءة الطاقة والمياه والنقل المستدام والزراعة، وغيرها من القطاعات المعنية بالسلع والخدمات البيئية.
5- ازدياد حدة الصراعات الداخلية المسلحة: بعد مرور ما يقترب من ست سنوات من الصراعات الداخلية المسلحة في المنطقة العربية، يبدو أن عمليات التسوية السياسية لتلك الصراعات قد باتت معقدة بشكل كبير. ولعل ما يُصعِّب الأمر هو اتساع نطاقها ليشمل عددًا من الدول، أبرزها ليبيا، واليمن، وسوريا، والعراق، فضلا عن تعدد الأطراف الداخلية في هذه البؤر الصراعية ما بين هياكل جيوش معبرة عن دول حتى لو كانت فاشلة أو هشة، وفاعلين مسلحين من غير الدول.
لذا تُواجه عملية تسوية الصراعات المسلحة العربية حزمة كبيرة من التحديات التي تعرقل المضي فيها، وتحول دون إمكانية إتمامها، فمنها ما يرتبط ببعض الأبعاد النفسية للأطراف المتصارعة من حيث غياب عامل الثقة، ومنها ما يتعلق بالطبيعة الإجرائية وقضايا "اليوم التالي" لعمليات التسوية ذاتها، ومنها ما يتصل بتبلور جماعات مصالح اقتصادية من مصلحتها ديمومة الصراع، علاوةً على الدور الخارجي، سواء الإقليمي أو الدولي المعرقل لهذا المسار، وهو ما يجعل الاهتمام بالاقتصاد الأخضر في بعض الدول العربية نوعًا من الرفاهية الاقتصادية في عصر يواجه بقاءُ الدول تحديًا جوهريًّا، فضلا عن مواجهة الإرهاب العابر للحدود.
مشكلات هيكلية:
6- تعثر الاقتصاديات العربية: وهو ما يرتبط جزئيًّا بالعامل السابق، إذ تعتبر الصراعات العربية من أكبر محركات الخسائر الاقتصادية لدول المنطقة. ووفقًا لتقرير أطلقته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية "إسكوا" في 10 نوفمبر الجاري ببيروت، فإن الصراعات الداخلية العربية المسلحة كبدت المنطقة خسائر اقتصادية بلغت ما يقرب من 614 مليار دولار، أو ما يصل إلى نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال الفترة (2011-2015)، وعجزًا في الماليات العامة بلغت قيمته 243 مليار دولار على نحو أدى إلى تفاقم البطالة والفساد والفقر ليس في دول الصراع وإنما في دول الجوار الجغرافي لها.
وتشير دراسة حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر 2016 إلى أن الصراعات المسلحة لا تدمر اقتصاديات الدول التي تدور فيها عمليات القتال فحسب، لكنها تقوض أيضًا النمو في الدول المجاورة، حيث خسر ناتجها المحلي الإجمالي نسبًا تتراوح بين 6 و15 نقطة مئوية في المتوسط. كما قالت كرستين لاجارد المدير العام لصندوق النقد الدولي في 20 سبتمبر الماضي: "إن اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط مدمرة بسبب النزاعات والحروب وأزمات اللاجئين، وإن اعتماد سياسات ملاءمة يمكن أن يخفف من تلك الآثار المدمرة"، وأضافت: "في المنطقة هناك أكثر من 20 مليون نازح وعشرة ملايين لاجئ إضافي.. وتم تدمير معظم وسائل الإنتاج في مناطق النزاع.. والخسائر على مستوى الثروات والعائدات هائلة، في حين يضعف رأس المال البشري بسبب نقص العمل والتعليم".
وتكشف غالبية التقديرات الاقتصادية، سواء الصادرة عن هيئات بحثية أو مؤسسات إقليمية أو منظمات دولية، عن أنه من الصعب على الاقتصاديات العربية غير الخليجية الحفاظ على مستوى الاستثمارات التي تُعد ضرورية لوضع هذه الاقتصاديات على مسار النمو المستدام، من دون مساعدة مالية خارجية. الأكثر من ذلك أن التأثيرات طالت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تشهد تخفيضًا في الإنفاق العام نظرًا لانخفاض أسعار النفط، وهو ما يفسر احتمال تراجع اهتمام بعض الحكومات بمشروعات النمو الخضراء خلال الفترة المقبلة.
تمويلات محدودة:
7- وضع مخصصات مالية لسياسات التنمية المستدامة: تؤمن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو، بما تضمنته من آلية التنمية النظيفة ومرفق البيئة العالمي، التمويل على المستوى العالمي لعمليات التكيف مع التغير المناخي والحد من تأثيراته، وهذه الآليات تسهل المشاركة في الاقتصاد الأخضر، غير أن فرص استفادة الدول العربية منها محدودة.
ورغم تمويل مصارف التنمية العربية مشروعات في مجال التنمية المستدامة، فإن المنطقة العربية تحتاج إلى المزيد من التمويل، وهو ما يفسر الجهود الرامية لإنشاء مرفق البيئة العربي الذي يقع على عاتقه تمويل المبادرات والمشروعات الخضراء. كما أن البنوك الوطنية تتردد في تمويل المشروعات الخضراء لغياب دراسات الجدوى القائمة على معلومات وافية، والتي تمكن من تقييم فوائد أو مخاطر المشروع.
أولويات متزاحمة:
8- تنازع أولويات مساعدات الدول المتقدمة: باتت هذه الدول أقل اهتمامًا بقضية التأقلم المناخي وتكاليفه على الدول الواقعة في الجنوب، وفي مقدمتها الدول الإفريقية والعربية التي تصيبها العواصف والجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية المختلفة، بما يفوق حجم المساعدات الدولية المقدمة لها من الشمال، بحيث يتم إعطاء الإنفاق المالي أولوية لحماية الحياة البشرية، وتلبية الاحتياجات الأساسية، ومعالجة الأضرار المادية في البنية التحتية، وهو ما يتوازى مع توسيع نطاق المساعدات الإنسانية في مناطق الصراع والدول المجاورة لها.
وقد أشار تقرير حديث صادر عن البنك الدولي بعنوان "بناء صمود الفقراء في مواجهة الكوارث الطبيعية" إلى أن الكوارث الطبيعية تدفع نحو 26 مليون شخص إلى الفقر كل عام، وتتسبب في حدوث خسائر تزيد على 500 مليار دولار، وهو ما يجعل الدول المتقدمة تُعلي من أهمية درء مخاطر الكوارث الطبيعية على الدعم لسياسات التنمية المستدامة على الرغم من أهمية التكامل بين المدخلين. وقد جددت قمة مراكش ضرورة التزام الدول بتعهداتها المالية ومساهمتها في الصندوق الأخضر الذي أقرته قمة باريس برأسمال 100 مليار دولار سنويًّا بدءًا من عام 2020.
مداخل التطوير:
خلاصة القول، يُعتبر الاقتصاد الأخضر من بين الأعمدة الاستراتيجية للاقتصاديات المستقبلية في العالم. وهنا تطرح في الأدبيات والمنتديات العربية والإقليمية والدولية توصيات من شأنها دفع الاقتصاديات العربية نحو مسار آخضر مستدام، ويعد من أبرزها ما جاء في المنتدى العربي التاسع للتنمية والبيئة، وهو إنشاء جهاز وطني للتنمية المستدامة داخل كل دولة عربية على حدة لضمان تطبيق منظور مؤسسي يجمع بين تكامل الأبعاد التنموية ومتابعتها وتقييمها.
كما أن ثمة ضرورة لدعم التعاون البيني العربي في استثمار المزايا النسبية لكلٍّ منها، خاصةً في مجال الموارد الطبيعية، فضلا عن تشجيع الاستثمار في المشروعات الصديقة للبيئة، مع زيادة المخصصات المالية الموجهة لبرامج الأبحاث والتطوير الداعمة للتنمية المستدامة. وفي ضوء الانتشار الواسع لآثار الصراعات الداخلية المسلحة في بعض الدول العربية، وتدفقات اللاجئين، أصبح السلام الممزوج بالتنمية المستدامة أحد المتطلبات الرئيسية لدول الإقليم الساعية للاستقرار.