أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

شعبية متراجعة:

لماذا خسر حزب "أردوغان" بلديات كبرى في الانتخابات المحلية؟

03 أبريل، 2019


أظهرت النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات المحلية في تركيا، التي أُجريت يوم الأحد الماضي، تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم لانتكاسة كبرى بعد خسارته رئاسة 11 بلدية كبرى وولاية، على رأسها العاصمة السياسية أنقرة والعاصمة الاقتصادية إسطنبول، اللتان تقدم فيهما بطعن رافضًا إعلان خسارته، لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، وذلك للمرة الأولى في تاريخه منذ وصوله للحكم منذ 17 عامًا، رغم حصوله على الأكثرية بنسبة 44.3% من الأصوات. في حين تمكن حزب الشعب الجمهوري من زيادة حصته بنحو 8 بلديات كبرى وولايات.

وتُعد خسارة بلدية إسطنبول هي الضربة الأكبر للرئيس التركي "أردوغان" وحزبه، الذي دائمًا ما كان يردد عبارة "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا كلها"، كما أنها تمثل خسارة شخصية لأردوغان، فهي المدينة التي نشأ بها، وبدأ منها مشواره السياسي عندما ترأس بلديتها في التسعينيات، وكانت سببًا في صعود نجمه على الساحة السياسة التركية لما حققه من إنجازات كبرى بالمدينة خلال رئاسته لها.

من جانبه، أقر الرئيس التركي في خطاب له بأنقرة، بخسارة حزبه عددًا من البلدات الكبرى، لكنه أضاف أن حزبه لا يزال هو الحزب الأول في تركيا، متعهدًا بتحديد أوجه القصور، والعمل على إصلاحها، كما تعهد بالعمل على تعزيز الاقتصاد ومواصلة النمو، في إقرار ضمني بأن تراجع حزبه في الانتخابات جاء نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا.

وفي هذا الإطار، يُمكن تناول نتائج الانتخابات المحلية في تركيا ودلالاتها وأسباب خسارة حزب العدالة والتنمية عددًا من البلدات والولايات على نحو ما يلي تفصيله.

خريطة النتائج:

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التركية، التي أُجريت في 31 مارس 2019، نحو 84.66%، حيث شارك فيها 48.3 مليون ناخب تركي من أصل 57.1 مليونًا يحق لهم التصويت. وشارك بالانتخابات خمسة أحزاب رئيسية، هي: حزب العدالة والتنمية الحاكم (إسلامي - ديمقراطي - محافظ)، وحزب الحركة القومية (يميني - قومي)، واللذان تحالفا معًا بالانتخابات تحت اسم "تحالف الشعب"، وحزب الشعب الجمهوري (علماني - معارض) وحزب الخير "إيي" (قومي - معارض)، واللذان تحالفا تحت اسم "تحالف الأمة"، بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطية (كردي - يساري - معارض). هذا فضلًا عن مشاركة مجموعة من الأحزاب الأخرى الصغيرة، مثل: حزب السعادة الإسلامي، وحزب الاستقلال التركي، والحزب الشيوعي التركي. وقد جاءت نتائج الانتخابات على النحو التالي:

وحصل "تحالف الشعب" (حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية) على 51.63% من أصوات الناخبين، وقد جاءت نسبة حزب العدالة والتنمية الحاكم بـ44.32%، ليحتل المرتبة الأولى، بينما جاءت نسبة حزب الحركة القومية بـ7.31% ليحتل المرتبة الرابعة بالانتخابات.

في المقابل استحوذ "تحالف الأمة" (حزبا الشعب الجمهوري والخير) على نسبة 37.55% من أصوات الناخبين، وقد جاءت نسبة حزب الشعب الجمهوري بـ30.1%، ليحتل المرتبة الثانية بالانتخابات خلف الحزب الحاكم، فيما جاءت نسبة حزب الخير 7.45% ليحتل المرتبة الثالثة. في حين حل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في المرتبة الخامسة والأخيرة بحصوله على نسبة 4.24%.

و فاز حزب العدالة والتنمية برئاسة 39 بلدية كبرى وولاية، 15 بلدية كبرى من أصل 30 و24 ولاية من أصل 51. وفاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة 21 بلدية كبرى وولاية، 11 بلدية كبرى من أصل 30، على رأسها العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا، وفاز بـ10 ولايات من أصل 51.

فيما حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على رئاسة 8 بلديات كبرى وولايات، 3 بلديات كبرى و5 ولايات. بينما فاز حزب الحركة القومية برئاسة بلدية كبرى واحدة و10 ولايات. ولم يفز حزب الخير بأي بلدية أو ولاية. وفاز مرشح الحزب الشيوعي برئاسة ولاية "طونجالي"، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

طعون انتخابية:

رفض حزب العدالة والتنمية إعلان خسارته رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول، وأعلن تقدمه بطعن على نتائج الانتخابات فيهما، وقال متحدث الحزب عمر جليك: "إن محاضر نتائج الاقتراع متناقضة مع جداول عد وفرز الأصوات بصناديق أنقرة وإسطنبول".

ورغم إعلان رئيس اللجنة العليا للانتخابات "سعدي غوفن"، في مؤتمر صحفي، أن نتائج الانتخابات المحلية غير النهائية لبلدية إسطنبول تشير إلى فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري "أكرم إمام أوغلو"، بعد حصوله على 4 ملايين و159 ألفًا و650 صوتًا (بنسبة 48.79%)، مقابل حصول مرشح حزب العدالة والتنمية "بن علي يلدريم"، على 4 ملايين و131 ألفًا و761 صوتًا (بنسبة 48.5%)، أي بفارق بلغ نحو 27 ألفًا و800 صوت؛ إلا أن رئيس فرع حزب العدالة والتنمية بإسطنبول "بيرم شان أوجاق"، أعلن أن هناك نحو 290 ألف صوت باطل، معظمها كانت لصالح حزب العدالة والتنمية، مؤكدًا أن حزبه فاز ببلدية إسطنبول بفارق 3870 صوتًا أمام حزب الشعب الجمهوري المعارض. فيما قال نائب رئيس الحزب "علي إحسان ياووز"، إن 17 ألفًا و410 أصوات في مدينة إسطنبول، سُجلت في خانة أحزاب أخرى، مشيرًا إلى أن حزبه اكتشف "مخالفات لا مثيل لها".

كما أعلن أمين عام حزب العدالة والتنمية "فاتح شاهين"، أن الحزب رصد أصواتًا باطلة ومخالفات في العديد من صناديق الانتخابات في أنقرة، مشددًا على "أن الحزب سيستخدم حقوقه القانونية حتى النهاية، وسيدافع عن إرادة السكان في أنقرة".

دلالات أساسية:

تُشير نتائج الانتخابات المحلية لعدد من الدلالات، أبرزها ما يلي:

1- خسارة حزب العدالة والتنمية نحو 11 بلدية كبرى وولاية، على رأسها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا ومدينة أنطاليا، مقارنة بالانتخابات المحلية التي أُجريت في عام 2014 التي استحوذ فيها حزب العدالة والتنمية على 50 بلدية وولاية، في حين فاز بالانتخابات الأخيرة بنحو 39 بلدية وولاية، وجاءت هذه الخسارة رغم تحالفه مع حزب الحركة القومية الذي لم يقدم مرشحين منافسين للعدالة والتنمية في عددٍ من البلديات وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول.

2- إلحاق حزب الشعب الجمهوري المعارض الهزيمة بحزب العدالة والتنمية الحاكم في عدد من البلديات الكبرى على رأسها أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وأضنة وأزمير، وتمكنه من زيادة عدد البلديات والولايات التي فاز بها بنحو 8 بلديات كبرى وولايات، مقارنة بالانتخابات المحلية التي أجريت في 2014 والتي فاز فيها بـ13 بلدية وولاية، في حين فاز في الانتخابات الأخيرة بـ21 بلدية وولاية.

3- تُمثل خسارة حزب العدالة والتنمية للعاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول انتكاسة كبرى للحزب، حيث ظل الحزب مسيطرًا على هاتين المدينتين الكبيرتين منذ تأسيسه في عام 2002، فضلًا عن إسطنبول التي تُعد إحدى أكبر مدن تركيا ومركزها الاقتصادي والمالي والثقافي. كما تمثل خسارة إسطنبول هزيمة شخصية لأردوغان، فهي المدينة التي نشأ فيها واستهل منها مسيرته السياسية، حيث كان رئيسًا لبلديتها في الفترة 1994 – 1998 وكانت سببًا في صعود نجمه على الساحة السياسة التركية لما حققه من إنجازات كبرى بالمدينة خلال رئاسته لها.

4- كانت انتخابات بلدية إسطنبول تحديدًا بمثابة استفتاء مباشر على شعبية حزب العدالة والتنمية، وخسارتها هي هزيمة مباشرة للحزب، وذلك بعد دفعه برئيس الوزراء ورئيس البرلمان السابق "بن علي يلدريم"، الذي استقال خصيصًا من رئاسة البرلمان لخوض الانتخابات على منصب رئيس بلدية إسطنبول، على أمل الاستفادة من تاريخ إنجازات "بن يلدرم" في المدينة، حيث أنجز العديد من مشروعات البنية التحتية فيها مع "أردوغان" أثناء توليه رئاسة البلدية في التسعينيات، بالإضافة إلى إنجازاته في مجالات النقل والمواصلات بعموم تركيا خلال توليه وزارة النقل في الحكومات التركية المتعاقبة منذ عام 2002، فضلًا عن كون "بن يلدرم" من الشخصيات التاريخية المؤسسة لحزب العدالة والتنمية، وتوليه رئاسة الحزب في عام 2016.

5- احتفاظ حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بمعاقله الرئيسية في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية، رغم التضييق الأمني الذي يتعرض له الحزب من قبل السلطات التركية، باستثناء ولاية "شرناق" التي انتزعها حزب العدالة والتنمية من الحزب الكردي، بعد حصوله على 61.7% من أصوات الناخبين، والتي كانت بمثابة مفاجأة كبرى بالانتخابات. ليتراجع مجموع البلدات والولايات التي حصل عليها الحزب إلى 8 بعد أن فاز بـ9 بلدية وولاية في الانتخابات المحلية لعام 2014.

أسباب التراجع:

ترجع خسارة حزب العدالة والتنمية عددًا من البلديات الكبرى والولايات في الانتخابات المحلية الأخيرة إلى مجموعة من العوامل، أبرزها: 

1- تدهور الأوضاع الاقتصادية: أكد معهد الإحصاء التركي الحكومي أن التضخم في تركيا قد ارتفع إلى 20% في فبراير 2019، وبلغت نسبة البطالة نحو 13.5% في عام 2018، فيما انخفض معدل النمو في الربع الرابع في عام 2018 بنسبة 3%، كما انخفض معدل نمو الإنتاج الصناعي بنسبة 7.3% في يناير 2019. يضاف لما سبق فقدان الليرة التركية ما يزيد على 30% من قيمتها، وطلب "أردوغان" من بلديتي إسطنبول وأنقرة فتح محال للخضار والفاكهة بأسعار مخفضة لتخفيف وطأة ارتفاع الأسعار على المواطنين.

وكل هذه العوامل أثرت سلبًا على مستوى معيشة المواطن التركي، ما دفعه لمعاقبة الرئيس التركي "أردوغان" وحزبه العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع، ولم يقتنع الناخب التركي بتبريرات "أردوغان" بأن تراجع الاقتصاد هي مؤامرة على بلاده.

2- تراجع الديمقراطية والحريات: أدي تفعيل النظام الرئاسي في البلاد بعد فوز الرئيس "أردوغان" وحزبه بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في يونيو 2018 إلى تمتع "أردوغان" بصلاحيات تنفيذية واسعة، حيث واصل "أردوغان" استهداف المعارضين بدعوى انتمائهم لحركة الداعية المعارض "فتح الله جولن" المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، أو لصلتهم بتنظيمات إرهابية كردية. فقد كانت الانتخابات الأخيرة بمثابة استفتاء على النظام الرئاسي الجديد، واعتبرتها المعارضة معركة كبيرة من أجل استرجاع الديمقراطية والحريات العامة.

3- تحالف أحزاب المعارضة: حيث قامت أحزاب المعارضة بالتنسيق الجيد في مواجهة حزب العدالة والتنمية، حيث تحالف حزبا الشعب الجمهوري والخير في "تحالف الأمة"، ولم يقوما بتقديم مرشحين في الولايات التي يتمتع فيها الآخر بحظوظ فوز كبيرة منعًا لتفتيت الأصوات، وقام حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بالتنسيق معهما رغم عدم انضمامه للتحالف، وهو ما ظهر في عدم تقديمه مرشحين لإسطنبول وأنقرة، ما أعطى فرصة كبيرة للشعب الجمهوري للفوز بهما للمرة الأولى منذ أكثر من 17 عامًا.

وهذا التنسيق على هذا المستوى بين أحزاب المعارضة ربما يحدث للمرة الأولى، فرغم أن حزبي الشعب الجمهوري والخير خاضا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة بنفس التحالف؛ إلا أنهما تقدما بمرشحين مختلفين لمقعد الرئاسة والمقاعد البرلمانية ما أدى لتفتيت الأصوات.

وختامًا، فإن نتائج الانتخابات المحلية تثبت محورية العامل الاقتصادي في السلوك التصويتي للناخب التركي، حيث كان تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد أحد الأسباب الرئيسية لخسارة حزب العدالة والتنمية عددًا من البلدات الكبرى، الذي طالما اعتمد في فوزه بالانتخابات السابقة بالأساس على إنجازاته الاقتصادية الكبرى. ومن هذا المنطلق فمن المرجح أن يحتل الاقتصاد أولوية في السياسة التركية داخليًّا وخارجيًّا خلال المرحلة المقبلة بهدف تعزيز الوضع الاقتصادي في البلاد استعدادًا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2023، وهو ما سيتطلب بالضرورة إصلاح تركيا علاقاتها المتوترة مع عدد من دول المنطقة والولايات المتحدة والقوى الأوروبية، والتي أضرت كثيرًا بالاقتصاد التركي. ومن المحتمل أن يشكل تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية دافعًا كبيرًا لحدوث انشقاقات داخل الحزب، واتجاه عدد من قياداته خاصة التاريخية لتأسيس حزب جديد.