أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

دولة "روج آفا":

الانعكاسات الإقليمية لفيدرالية أكراد سوريا

28 مارس، 2016


أثار إعلان الأكراد في سوريا، يوم 17 مارس الجاري، إقامة نظام فيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال البلاد (مناطق روج آفا بالكردية)، ردود فعل كبيرة، حيث رفض هذه الخطوة النظام والمعارضة في سوريا، وأيضاً دول إقليمية وفي مقدمتها تركيا، وقوى دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وذلك نظراً للتداعيات المتوقعة للإعلان الكردي ليس فقط في الداخل السوري، على اعتبار أن الفيدرالية قد تكون بداية لتقسيم البلاد، ولكن أيضاً في باقي دول الإقليم التي توجد بها طوائف كردية.

ومع ذلك، يبدو أن أكراد سوريا جادون فيما أعلنوا عنه، حيث تم اتخاذ بعض الإجراءات التنفيذية لترسيخ الإعلان عن الفيدرالية، تتمثل في تشكيل مجلس تأسيسي للنظام الفيدرالي من 31 شخصاً، وانتخاب رئيسين مشتركين له، هما: هدية يوسف (شخصية كردية)، ومنصور السلومي (شخصية عربية). وستكون مهمة هذا المجلس وضع أُسس الفيدرالية في الشمال السوري خلال ستة أشهر، وتحديد الحدود الجغرافية لهذا الإقليم التي من المنتظر أن تشمل مقاطعات عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، والجزيرة في الحسكة، وتل أبيض في الرقة، بالإضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" خصوصاً في محافظتي الحسكة وحلب.

وبالتالي، ثمة تساؤلات عديدة حول دوافع الإعلان الكردي عن الفيدرالية في سوريا، والظروف التي مهدت لهذه الخطوة، ودلالاتها، وانعكاساتها المستقبلية على القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط.

محفزات الأكراد لإقامة النظام الفيدرالي

جاء إعلان الأكراد إقامة نظام فيدرالي في الشمال السوري مُحصلة لعدة أمور تراكمية مهدت لهذه الخطوة، وتتمثل فيما يلي:

1- وجود سند عسكري قوي للأكراد، ويتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، والتي تشير التقديرات إلى أنها تضم 50 ألف مقاتل، فضلاً عن "قوات سوريا الديمقراطية" وهي عبارة عن فصائل عسكرية من المكونين الكردي والعربي، وقوات الأسايش الكردية (الشرطة الكردية)، حيث كان لهذه القوات دور أساسي في إقامة نظام الإدارات الذاتية بالجزيرة في الحسكة، وكوباني في ريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، وتل أبيض في الرقة. كما كان لها دور بارز في مواجهة تنظيم "داعش" في الشمال السوري.

2- توافر موارد اقتصادية، وتتمثل في سيطرة الأكراد على الحقول النفطية في مدينة الرميلان، ومعامل غاز في السويدية، ومحالج قطن في ريف الحسكة، وإيرادات الضرائب والرسوم الجمركية في معبر فيشخابور ومعبر الدرباسية، وإيرادات المؤسسات الخدمية التابعة لها.

3- إنشاء مؤسسات وأجهزة إدارية شبيهة بالمؤسسات الموجودة في الدول، وبصفة خاصة في المقاطعات الرئيسية (كوباني والجزيرة وعفرين وتل أبيض)، وأبرز تلك المؤسسات هي: هيئة التربية والتعليم، ووحدات حماية الشعب (بمنزلة وزارة دفاع) وقوات الأسايش (بمنزلة وزارة داخلية).

4- وضع أسس ثقافية ونظام تعليمي يدعم الهوية الكردية في الشمال السوري، ويتمثل ذلك في قيام هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية الكردية بتغيير معظم المناهج التي يتم تدريسها لتتضمن فرض اللغة الكردية على المدارس التابعة للإدارة.

5- اتباع الأكراد سياسات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي والتهجير للسكان العرب والتركمان في الشمال السوري، وتغيير التركيبة السكانية لهذه المنطقة، ويؤكد ذلك الأمر التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن، وبصفة خاصة تقارير منظمة العفو الدولية.

6- استغلال التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا لكسب دعم الأكراد، في ضوء إدراك الطرفين أن القوات الكردية هي أكثر طرف مؤهل لتحقيق نجاح ميداني على الأرض في حالة دعمها بغطاء جوى. وقد ركز التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، في أعقاب التدخل الروسي في سوريا، على مساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" في استعادة المناطق التي سيطر عليها تنظيم "داعش"، وأبرزها مدينة تل أبيض بمحافظة الرقة، ومحافظة الحسكة. كما قدمت روسيا دعماً عسكرياً للأكراد خاصةً في مناطق غرب الفرات بالتزامن مع دعمهم سياسياً بافتتاح ممثلية لهم في روسيا أسوةً بباقي الدول الأخرى.

7- الاستفادة من الدعوة الروسية الأخيرة لإقامة نظام فيدرالي في سوريا، حيث بدا واضحاً أن تشجيع موسكو أكراد سوريا للإقدام على هذه الخطوة يأتي ضمن إجراءاتها العقابية ضد تركيا في ضوء استمرار التوتر بين الدولتين بعد إسقاط تركيا لطائرة مقاتلة روسية في نوفمبر الماضي.

8- استغلال إصرار إقليم كردستان العراق على تحقيق الانفصال عن الحكومة المركزية، في ضوء تكرار رئيسه مسعود بارزاني عزمه إجراء الاستفتاء على الاستقلال، بالإضافة إلى استثمار قيام أكراد تركيا بعمليات عنف داخل البلاد، وانشغال الحكومة التركية بذلك الأمر.

دلالات إعلان أكراد سوريا الفيدرالية

تحمل خطوة إعلان أكراد سوريا عن الفيدرالية في البلاد عدة دلالات، لعل أهمها ما يلي:

1- من الواضح اهتمام القوى الكردية، التي اجتمعت في الرميلان، ببحث تفاصيل الإقليم الكردي وشكله، وهو ما يعكس ثقتهم في إقامة إقليم كردي في سوريا، والتمهيد لفرض النظام الفيدرالي كأمر واقع على باقي الأطراف وجعله الإطار العام الذي سيكون عليه شكل الدولة السورية في المستقبل. كما أن حرص الأكراد على أن يكون ثمة تمثيل للمكون العربي في رئاسة المجلس التأسيسي، وذلك لمحاولة كسب موافقة الأقلية العربية في الشمال السوري على النظام الفيدرالي، يعزز الجدية الكردية نحو هذا الأمر.

2- استهدف أكراد سوريا من هذه الخطوة طرح أنفسهم كطرف أساسي في أية معادلة سورية قادمة، وإيصال رسالة لباقي أطراف الصراع والدول الإقليمية والدولية أنه كان من الخطأ الإصرار على استبعادهم من المشاركة في مسار الحل السياسي والمؤتمرات المرتبطة به، خاصةً مفاوضات جنيف الحالية.

3- قد يكون إعلان الفيدرالية من قِبل الأكراد بداية لخطوات مماثلة من جانب تكوينات وطوائف أخرى داخل سوريا، وهو ما قد يرسخ اتجاه الدولة كلها نحو الفيدرالية. وفي هذا الإطار، يعد العلويون الطائفة الأكثر استعداداً لاتباع هذا النهج الفيدرالي لحماية وجودهم، في حال فشل مسار الحل السياسي للصراع في البلاد بين بشار الأسد والمعارضة.

4- يراهن الأكراد على وجود أساس اقتصادي وعسكري وثقافي واجتماعي قوي لهم في الشمال السوري، بما يعزز فرص نجاحهم في السعي نحو فرض النظام الفيدرالي.

الانعكاسات على المشروع الكردي في الإقليم

مما لا شك فيه أن إعلان أكراد سوريا الفيدرالية سينعكس بشكل مباشر على الأكراد في دول الإقليم، وسيعطى زخماً متصاعداً لمشروع الأكراد في تركيا والعراق وإيران، وهو ما قد يشكل تهديداً صريحاً لوحدة هذه الدول.

وتعد تركيا المتضرر الأكبر من هذا الإعلان، وذلك في ضوء التماس المباشر جغرافياً لأكراد سوريا مع الحدود التركية، ما سيساهم في زيادة التصعيد والعنف بين الحكومة التركية والأكراد، وبالتبعية زيادة حالة عدم الاستقرار في الداخل التركي. ومن المتوقع أن تكثف أنقرة من جهودها خلال الفترة المقبلة لإفشال السعي الكردي لإقامة نظام فيدرالي فعلي، على اعتبار أن ذلك يعد خطاً أحمر بالنسبة لها، وقد يتطور هذا الأمر للاندفاع إلى التدخل العسكري في سوريا لمنع هذه الخطوة الكردية.

ومن المتوقع أن يسعى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني إلى استغلال هذه التطورات، وهو ما اتضح في تجديد عزمه إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم عن الحكومة المركزية في بغداد، وذلك على الرغم من أن هدفه الرئيسي من ذلك هو محاولة تشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية، والتي تأتي على رأسها أزمة رئاسة الإقليم، والسعي لتشتيت جهود معارضيه الرافضين لبقائه في منصبه.

وفي السياق ذاته، أنعشت خطوة أكراد سوريا نظراءهم في إيران، حيث أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (الذي يرتبط بعلاقات واسعة مع باقي الأحزاب الكردية الإيرانية المسلحة مثل حزب بيجاك)، خلال الاحتفال بمناسبة عيد النوروز يوم 23 مارس الجاري من مقره بجبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية -العراقية داخل أراضي إقليم كردستان العراق، استئناف العمل المسلح ضد الحكومة الإيرانية، بعد وقف دام حوالي 23 عاماً.

وستعطي التحركات الانفصالية لأكراد سوريا دفعة ليس لأكراد المنطقة وحدهم، ولكن لطوائف أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لمناقشة التوجه الانفصالي، ومحاولة تسويقه إقليمياً ودولياً.

ختاماً، يبدو أن أكراد سوريا كانوا المستفيد الأكبر من التدخل العسكري الروسي في سوريا، وأن تحركاتهم يظهر عليها الجدية في ضوء وجود بنية اقتصادية وعسكرية وثقافية قوية لهم في الشمال السوري، ما قد يساهم في إنجاح تحركاتهم لفرض النظام الفيدرالي كشكل جديد للدولة، واستباق نتائج المفاوضات السياسية بين نظام "الأسد" والمعارضة، والتي من المفترض أن يتحدد على أساسها شكل الدولة الجديدة.