أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

صراع المناصب:

أسباب تصاعد الخلافات داخل الكتلة الشيعية في العراق

16 فبراير، 2017


يبدو أن التحالف الوطني الشيعي أقل تماسكًا في الوقت الحالي في ظل تجدد الخلافات بين بعض مكوناته، خاصة ما يتعلق باستمرار التحركات المضادة لائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي"، والتي تبتعد نوعًا ما عن التوجهات العامة للتحالف. وتأتي تلك الخلافات بالرغم من الجهود التي تقوم بها قيادات الكتلة الشيعية لإظهار تماسكها.

وفيما يلي عرض لمؤشرات ودوافع الخلاف داخل الكتلة الشيعية والتداعيات السلبية لذلك على ملف المصالحة والجهود المرتبطة به، وكذلك على المستوى الشيعي، وأداء الحكومة العراقية. 

مؤشرات الخلاف:

يمكن رصد أهم المؤشرات التي تدلل على تصاعد الخلافات داخل الكتلة الشيعية في الفترة الأخيرة، وذلك على النحو التالي:

1- الصراع الشيعي-الشيعي على آلية الانتخابات المقبلة: يتضح ذلك في قيام التيار الصدري بتظاهرات حاشدة أمام المنطقة الخضراء (8 فبراير 2017) وسط بغداد للمطالبة بتغيير مفوضية الانتخابات وقانونها قبل إجراء أي استحقاق قادم، وهو ما أسفر عن مواجهات دامية بين أنصار الصدر وقوات الأمن في بغداد وسقوط 5 قتلى، وإصابة 174 آخرين. وفي إطار ذلك، رفض رئيس مفوضية الانتخابات "سربست مصطفى" تقديم استقالته من منصبه، مؤكدًا أن ما يحدث من احتجاجات هو نتيجة صراع داخل البيت الشيعي، كما أكد أن 30% من كوادر المفوضية من التيار الصدري، متهمًا السيد "مقتدى الصدر" بالتناقض، وأنه كان من الأولى قيامه بدفع أنصاره للاستقالة من المفوضية. 

2- رفض بعض القوى الشيعية لطريقة حسم ملف الوزارات الأمنية: حيث انتقد نائب رئيس الجمهورية "إياد علاوي" عقد التحالف الوطني جلسة بحضور رئيس الوزراء "حيدر العبادي" تم خلالها الاتفاق على وزيري الدفاع "عرفان الحيالي" والداخلية "قاسم الأعرجي" قبل تصويت البرلمان عليهما في 30 يناير الماضي (2017)، واعتبر ذلك استمرارًا لسياسة المحاصصة السياسية والطائفية.

ويُشار في هذا الإطار إلى أنه برغم كون "علاوي" شيعيًّا إلا أنه يقود ائتلاف الوطنية الذي يُعتبر جزءًا من تحالف القوى السنية، ويأتي رفضه لما تم بسبب تجاهل رئيس الوزراء العراقي للمرشحين الثلاثة الذين قدمهم ائتلاف الوطنية لمنصب وزير الدفاع بسبب حسم التحالف الوطني هذا الأمر مسبقًا، وفرض مرشح بعينه على "العبادي"، وهو ما أدى إلى انسحاب ائتلاف الوطنية من جلسة التصويت، وأعلن في أعقابها التحول إلى معارضة سلمية داخل البرلمان.

3- الجهود المضادة لـ"نوري المالكي": والتي تبتعد نوعًا ما عن ثوابت التحالف الوطني من خلال ما يُعرف داخل مجلس النواب العراقي باسم "جبهة الإصلاح النيابية" التي تشكلت في أبريل 2016 والتي تضم حوالي 150 نائبًا معظمهم من ائتلاف دولة القانون، ورفعت شعار تغيير الرئاسات الثلاث، وأقالت رئيس البرلمان "سليم الجبوري" قبل أن يعود إلى منصبه مرة أخرى بحكم قضائي. وقد قامت الجبهة بسلسلة استجوابات أسفرت عن الإطاحة بوزيري الدفاع السابق "خالد العبيدي" والمالية "هوشيار زيباري"، كما تواصل الجبهة جمع التوقيعات لبدء عملية إقالة وزراء آخرين في الحكومة، بالتزامن مع استمرار إعلان "المالكي" سعيه لحذف الفاسدين من المشهد السياسي.

4- مقاطعة التيار الصدري لاجتماعات التحالف: تضع كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري عدة شروط للعودة للاجتماعات التي يعقدها التحالف الوطني بصورة دورية. ومن تلك الشروط اختيار شخصيات مستقلة (تكنوقراط) لشغل جميع المناصب التابعة للتحالف الوطني وتحديد مرجعيته.

ويُشار في هذا الإطار إلى أن التيار الصدري يقاطع اجتماعات التحالف الوطني منذ تظاهرات أبريل 2016، واتهم "الصدر" حينها التحالف بحماية الفساد ومعارضة الإصلاحات. كما شكل التيار الصدري والتحالف الوطني لجنة تفاوضية بينهما في مطلع أكتوبر 2016، إلا أنها فشلت في التوصل إلى صيغة توافقية.

5- الخلافات بين "مقتدى الصدر" و"نوري المالكي": اعتاد الجانبان خلال الفترة الأخيرة تبادل الاتهامات حول مسئولية إرباك المشهد العراقي، ففي حين يرى "المالكي" أن تحركات التيار الصدري في العراق تخريبية، يرى "الصدر" ضرورة محاكمة المالكي وائتلافه بسبب إرباكهم للعملية السياسية في البلاد، وتسليم العراق لإرهاب "داعش" منذ سقوط الموصل في يونيو 2014.

كما يُشار في هذا الإطار إلى أن "نوري المالكي" اتهم متظاهري التيار الصدري في 11 فبراير الجاري (2017) بالغوغائيين، واتهم رئيسُ إقليم كردستان "مسعود بارزاني" "المالكيَّ" في المقابل بالتوجيه باستهداف متظاهري التيار الصدري.

الأسباب والدوافع:

يمثل الصراع على المناصب والنفوذ الدافع الرئيسي لنشوء خلافات بينية في الكتلة الشيعية، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: 

1- رئاسة التحالف الوطني: إذ لا يعترف ائتلاف دولة القانون بزعيم المجلس الأعلى الإسلامي السيد "عمار الحكيم" رئيسًا للتحالف الوطني، وذلك في ضوء رؤية الائتلاف أنه كان الأحق بمنصب رئاسة التحالف، وأن مرشحه القيادي في حزب الدعوة ورئيس كتلة دولة القانون النيابية "علي الأديب" كان الأجدر بهذا المنصب، في ضوء كون ائتلاف دولة القانون الكتلة الأكبر داخل التحالف الوطني، كما يمثل القوة الأكبر داخل البرلمان بـ93 مقعدًا من أصل 328. 

2- زعامة المجتمع الشيعي: يبرز ذلك بصورة أساسية من خلال التنافس الشعبي بين التيار الصدري بزعامة "مقتدى الصدر" والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة "عمار الحكيم"، فكل منهما يسعى إلى أن يكون صاحب النفوذ الأكبر في الساحة الشيعية. 

3- مخاوف "المالكي" من الملاحقات القضائية: خاصة مع استمرار وجود توجه لدى بعض مكونات التحالف الوطني، وفي مقدمتها التيار الصدري، يدعو إلى ضرورة استدعاء "نوري المالكي" للتحقيق معه من خلال اللجنة التي شكلها البرلمان العراقي للتحقيق في أسباب سقوط الموصل في قبضة تنظيم "داعش". وفي هذا الإطار يمكن فهم تحركات المالكي التصعيدية كمحاولة منه لفرض واقع جديد يزيد من قوته بالمشهد العراقي، بما يجهض أية مساعٍ لمقاضاته، والسعي للحصول على حصانة للحماية من أية إجراءات قانونية بخصوص هذا الأمر. 

4- محاولات "المالكي" لاعتلاء منصب رئيس الحكومة العراقية مجددًا: يرتبط بذلك إعلان "المالكي" مرارًا بقاءه في الساحة السياسية، وهو ما يعد دليلا على رغبته في استعادة السلطة مرة أخرى. كما أن وجوده أمينًا عامًّا لحزب الدعوة الإسلامية واهتمامه بالقوائم الانتخابية وسعيه لتقليص نفوذ "العبادي" وجناحه داخل الحزب يُثبت ذلك أيضًا. 

تداعيات سلبية:

تحمل الخلافات الراهنة داخل الكتلة الشيعية تداعيات سلبية، يمكن حصر أهمها على النحو التالي: 

أولا- على ملف المصالحة: 

ستؤخر خلافات التحالف الوطني الشيعي مشروع التسوية السياسية الذي يروج له السيد "عمار الحكيم" منذ أكتوبر 2016، ويدعو لتطبيقه في مرحلة ما بعد القضاء على "داعش" في العراق، ويرتبط بذلك ما يلي: 

‌أ. تأكيد بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" أنها تواجه صعوبات في مساعدة "عمار الحكيم" في مشروع التسوية السياسية، خاصة ما يتعلق بتشدد بعض الكتل الشيعية النافذة في التحالف الوطني تجاه المشروع، وتبريرهم لذلك بأنه يفتح الباب أمام الحوار مع قيادات حزب البعث المنحل.

‌ب. إعلان المرجع الديني الأعلى "علي السيستاني" في 30 ديسمبر 2016 رفضه زج المرجعية الدينية في مشروع التسوية السياسية، وامتناعه عن استقبال وفد التحالف الوطني برئاسة "عمار الحكيم" في مدينة النجف للتباحث حول هذا الأمر. 

‌ج. اعتبار أوساط واسعة في التيار الصدري أن العراق لا يحتاج إلى مشروع تسوية سياسية، وأنه يشبه مشاريع المصالحة الفاشلة السابقة، كما أكد زعيم التيار "مقتدى الصدر" أنه لن يزج نفسه في مصالحات مبنية على دماء العراقيين، ورفض أيضًا استقبال وفد التحالف الوطني للتشاور حول المشروع. 

‌د. أن ائتلاف دولة القانون وزعيمه "المالكي" يُعتبران من أبرز المعترضين على مشروع التسوية السياسية، ويبرران ذلك بأن المشروع صنعته جهات خارجية، ويشمل شخصيات متورطة في دماء العراقيين.

ه. إعلان جبهة الإصلاح المحسوبة على ائتلاف دولة القانون مؤخرًا نيتها استجواب بعض القيادات السنية في البرلمان في الفترة المقبلة في قضايا فساد، مثل: رئيس ديوان الوقف السني "حمودة الهميم"، والمفتش العام والمدير العام لهيئة إدارة واستثمار أموال الوقف.

إن استمرار الفشل في ملف المصالحة في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش" في العراق سيزيد من أزمة عدم الثقة مع المكون السني، وسيعمق من الشعور المتواجد لدى سنة العراق بالتهميش والظلم، بما يُغذي الاحتقان والعنف الطائفي وثقافة الثأر بين المكونين السني والشيعي، وسيُبقي على البيئة السنية التي كانت حاضنة لتنظيم "داعش"، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور تنظيمات إرهابية بمسميات وأشكال أخرى ستستغل بقاء هذه الحاضنة.

يُشار في هذا الإطار إلى أن مظاهر عدم تجاوب القوى السنية مع مشروع التسوية الوطنية بدأت من خلال طرحهم مشروع تسوية موازيًا يعبر عن رغبتهم في تحقيق جملة من الإجراءات، منها تجميد عدد من القوانين محل الخلاف، كقانون الحشد الشعبي، وقانون مكافحة الإرهاب.

ثانيًا- على المستوى الشيعي:

أصبح ائتلاف دولة القانون بزعامة "المالكي" في عزلة تقريبًا عن باقي مكونات الكتلة الشيعية، خصوصًا بعد رفض الائتلاف الالتزام بقرارات التحالف، وأهمها اختيار "عمار الحكيم" لرئاسته. 

كما أن تحركات المالكي تؤدي إلى إرباك الموقف الشيعي بأكمله، لا سيما وأن ائتلاف دولة القانون يعد القوة الشيعية الرئيسية في البرلمان.

وتُثبت الانقسامات الحالية داخل التحالف الوطني الشيعي أنه مجرد تحالف انتخابي مؤقت ومصلحي يظهر دوره جليًّا في فترات الانتخابات ليكون بمثابة آلية يتم من خلالها ضمان بقاء الأغلبية ورئاسة الوزراء في يد الشيعة، ثم سرعان ما يخفت دوره بعد ذلك.

ثالثًا- أداء الحكومة العراقية:

تتمثل تداعيات الخلافات الراهنة داخل الكتلة الشيعية على مستوى أداء الحكومة العراقية في استمرار فشل "حيدر العبادي" في تحييد تحركات "المالكي" التي تهدد بإسقاط الحكومة، والتي تنعكس سلبًا أيضًا على جهودها في الملفين الأمني والاقتصادي. ولا يزال "العبادي" عاجزًا في ضوء خلافات الكتلة الشيعية عن إعادة التوازن للعملية السياسية، وهو ما يُثبت أن ما تعهد بتحقيقه من قبل كان تحت ضغط الأحداث.

إن بروز الخلافات داخل الكتلة الشيعية في الفترة الأخيرة، وخاصة داخل حزب الدعوة الذي ينتمي إليه "العبادي"، تزيد من الضغوط على الحكومة العراقية، وتربك أداءها، وتؤكد ضعف موقف "العبادي" داخل كتلته الشيعية.

تكريس الطائفية:

من غير المرجح أن تتمكن الحكومة العراقية في ظل الأجواء الخلافية الحالية داخل الكتلة الشيعية من تحقيق المصالحة مع المكون السني، خاصة وأن الموقف المتعنت من جانب أغلب القوى الشيعية من مشروع التسوية السياسية المطروح وخلافاتها في هذا الشأن سيعرقل أي جهد في هذا الإطار. 

وبالرغم من الخلافات والانقسامات الحالية داخل الكتلة الشيعية، إلا أنها ستبقى الأكثر تماسكًا مقارنةً بباقي الكتل السنية والكردية في ضوء تعمق الانقسام داخل كلا الكتلتين -السنية والكردية- في الفترة الأخيرة.

ومن المتوقع أن تسعى إيران للتدخل خلال الفترة المقبلة لضبط التوازنات داخل الكتلة الشيعية كما فعلت عند تدخلها لحسم الخلاف حول رئاسة التحالف الوطني، وأصبحت في أعقاب ذلك حَكَمًا بين القيادات الشيعية العراقية، وبالتالي ستعمل في هذا الإطار على ضمان تماسك ووحدة التحالف الوطني، ومنع انهياره تحت أي ظرف، على اعتبار أنه أحد أهم مصادر نفوذها الاستراتيجي في العراق.

ختامًا، يمكن القول إن القوى الشيعية تتفق على أهمية الاحتفاظ بالحكم في يدها ويد حلفائها، بما يضمن استمرار بقاء المعادلة السياسية في العراق على النحو الذي هي عليه الآن، حيث تسيطر فيه القوى الشيعة على النظام السياسي العراقي، لكنها تختلف في الأدوات لضمان ذلك في ضوء تصارعها على كيفية تقاسم النفوذ.