أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

حافة الهاوية:

استمرار تعنت إيران في مفاوضات الجولة السابعة في فيينا

19 ديسمبر، 2021


أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، على موقع تويتر في 17 ديسمبر الجاري، توقف المحادثات الجارية بالجولة السابعة للمفاوضات النووية في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، لبضعة أيام، مُشيراً إلى إنه سيتم استئناف المفاوضات لاحقاً بنهاية الشهر الجاري. 

وأكد دبلوماسيون كبار من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إنّه "تم إحراز بعض التقدم على المستوى التقني في الساعات الـ 24 الأخيرة"، إذ باتوا "أكثر قرباً من النقطة التي توقفت فيها المحادثات في يونيو الماضي". ووصفوا التأجيل بأنه "توقف محبط في المفاوضات".

سياسة تفاوضية متعنتة:

بدا الموقف الإيراني خلال المرحلتين الأولى (29 نوفمبر – 3 ديسمبر) والثانية (10 – 17 ديسمبر) من الجولة السابعة للمفاوضات في فيينا، أكثر تشدداً، واستمرت في اتباع أسلوب المماطلة والمراوغة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- رفض "نصوص يونيو": طالبت طهران، في البداية، بإعادة التفاوض حول التسويات التي تم الاتفاق بشأنها في جولات التفاوض الست السابقة، والتي عُقد آخرها في يونيو الماضي. وتقدمت برؤية جديدة تقوم على رفع العقوبات كافة عنها مقابل العودة للالتزامات النووية بموجب الاتفاق الموقع في 2015. 

وسعت طهران لتبرير ذلك على أساس أن هناك حكومة جديدة وفريقاً تفاوضياً جديداً، وهو الأمر الذي لاقى رفضاً من جانب الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية المُشاركة في المفاوضات (فرنسا والمملكة المُتحدة وألمانيا)، على أساس أن ذلك يُعد نكوصاً من جانب إيران تجاه تلك التسويات، وتعبيراً عن رغبتها في المماطلة والتسويف، خاصة أن الذي يتولى إدارة الملف النووي الإيراني هو المرشد الأعلى، آيه الله خامنئي، وليس الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي. 

كما أن إيران تدرك جيداً أن رفع جميع العقوبات المفروضة وعليها، بما فيها تلك العقوبات الأمريكية غير المرتبطة بالاتفاق النووي، مرة واحدة، أمر مرفوض، ليس فقط جانب الإدارة الأمريكية، ولكن كذلك من الكونجرس الأمريكي.

2- استمرار تخصيب اليورانيوم: تواصل طهران تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، حيث تم الإعلان في 26 نوفمبر الماضي، عن زيادة المخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 30 كجم، هذا بالإضافة إلى الإعلان عن ضخ غاز سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بدرجة تصل إلى 5% إلى 166 جهازاً للطرد المركزي من طراز "IR-6" بمنشأة فوردو بهدف رفع درجة نقائها إلى 20%، في مسعى من جانب طهران لتوظيف ذلك في زيادة الضغوط على الغرب للقبول بما تطرحه إيران، وإلا فإن البديل سوف يكون استمرار جهود طهران في تخصيب اليورانيوم بما يجعلها تصل إلى مرحلة العتبة النووية.

3- عرقلة جهود الرقابة الدولية: تواصل إيران عدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث رفضت تقديم تفسيرات مقنعة لوجود جزئيات يورانيوم في إحدى منشآتها غير المعلنة. كما تصر طهران على عدم تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة داخل منشآتها النووية، إلا بعد رفع العقوبات عنها. 

وفي المقابل، أبدت إيران بعض المرونة تجاه عمل الوكالة، ولكن بعد أن مارست الأخيرة ضغوطاً عليها، فقد وافقت، مطلع ديسمبر الجاري، على السماح للوكالة بتكثيف عملياتها في منشأة فورودو للتحقق من الأنشطة النووية فيها، بعد الإعلان عن رفع تخصيب اليورانيوم داخل المنشاة، كما وافقت طهران على تركيب كاميرات المراقبة في منشأة "تسا"، في 15 ديسمبر الجاري، وذلك للحيلولة دون استصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة يدين إيران، فضلاً عن تجنب إثارة غضب الغرب بشكل يؤدي إلى انهيار المفاوضات.

ضغوط دولية متزايدة:

في مواجهة ما تبديه إيران من تعنت ومماطلة في المفاوضات، فإن القوى الدولية الأطراف في الاتفاق النووي باتت تتبنى مواقف متشددة من إيران، وهو ما يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- تحذير واشنطن لطهران: اتجهت إدارة بايدن لتبني نهج أكثر حزماً تجاه إيران، حيث أعلن المسؤولون الأمريكيون صراحة أن سياسة إيران في المفاوضات سوف تدفع إلى انهيارها، وأن الفرص أمام إيران باتت تضيق أكثر، كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 14 ديسمبر الجاري، أن واشنطن تحضر، بشكل نشط، لبدائل للاتفاق النووي الإيراني مع حلفائها، محذراً من أنه ما لم يحصل تقدم سريع على صعيد التوصل لاتفاق، فإن سيصبح بلا قيمة.

ومن جهة ثانية، فرضت واشنطن مزيداً من العقوبات عقوبات استهدفت نحو عشرة كيانات ومسؤولين إيرانيين، في 7 ديسمبر الجاري، أي في خضم مباحثات الجولة السابعة، في رسالة لطهران مفادها أن المطالب الإيرانية برفع العقوبات الأمريكية كافة دفعة واحدة هو أمر غير مطروح على طاولة التفاوض. كما فرضت واشنطن عقوبات على شركات من دول مختلفة لاتهامها بتقديم أو محاولة تقديم منتجات أمريكية لدعم برامج عسكرية في إيران. وأجرت واشنطن اتصالات دبلوماسية مع الجانب الصيني، لحثها على تقليص استيراد النفط الإيراني، بما يشدد من تأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني.

وإلى جانب التهديدات السابقة، توصل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، مع نظيره الإسرائيلي، بيني غانتس، في واشنطن، 9 ديسمبر الجاري، لتفاهمات حول خيارات بديلة للاتفاق النووي، في رسالة لطهران بأن فشل المفاوضات سوف يدفع واشنطن لبحث الخيارات العسكرية والتخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني بالتعاون مع إسرائيل.

2- زيادة التهديرات الإسرائيلية: ترفض إيران المفاوضات الدبلوماسية مع إيران، فقد طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أوائل ديسمبر الجاري، بوقف الجولة السابعة من المفاوضات مع إيران، وأعلنت صراحة عن تفضيلها الخيار العسكري. 

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، عن قصف سلاح الجو الإسرائيلي مواقع سورية تحت الأرض يجري فيها صنع أسلحة كيماوية، في رسالة تهديد لإيران، بأنها قادرة على قصف مواقع برنامجها النووية السرية العميقة تحت الأرض، وهو الأمر الذي ردت عليه إيران، بنشر صحيفة "طهران تايمز" خريطة توضح مئات المواقع الإسرائيلية التي تقول طهران أنها تستطيع قصفها في حال إقدام تل أبيب على مهاجمة منشآت إيران النووية، ما أثار سخرية من جانب إسرائيل، لأنها ضمت كل المدن الفلسطينية.

3- تماهٍ أوروبي مع واشنطن: بات الموقفان الأوروبي والأمريكي متطابقان حيال إيران، حيث اعترضت الترويكا الأوروبية على تنصل طهران من "نصوص يونيو"، التي سبق الاتفاق بشأنها من قبل. 

فقد حذر سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولا دي ريفييرو، في جلسة لمجلس الأمن 15 ديسمبر الجاري، إيران بأن عليها أن تختار بين انهيار الاتفاق النووي أو التوصل إلى اتفاق معقول، مضيفاً "نقترب بسرعة من نهاية الطريق"، في إشارة إلى إمكانية فشل مسار المفاوضات النووية، ويلاحظ أن إطلاق باريس هذا التهديد من مجلس الأمن يحمل دلالة رمزية كبيرة، وهي أن الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي قد تطالب بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، بما يعنيه ذلك من إعادة فرض العقوبات الدولية كافة المفروضة على إيران، وليس الأمريكية. 

وحذرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، في ختام اجتماع لمجموعة السبع في ليفربول 12 ديسمبر الجاري، أن المفاوضات الحالية هي الفرصة الأخيرة لها للعودة للاتفاق النووي.

4- تشدد الموقف الروسي: بات الموقف الروسي أكثر تشدداً من نظيره الصيني تجاه إيران، حيث صرّح المبعوث الروسي في المفاوضات النووية ميخائيل أوليانوف، بأنه "يجب تدمير أجهزة الطرد المركزي الإيرانية أو نقلها إلى الخارج أو إغلاقها، حتى تسير المفاوضات النووية على نحو أسرع".

وفي الختام، يمكن القول إن إيران باتت أمام خيارات محدودة، خاصة مع وجود توافق أمريكي – أوروبي، وربما روسي، على رفض سياسة إيران المتعنتة في المفاوضات النووية، فضلاً عن وضع واشنطن سقفاً زمنياً للمفاوضات، وذلك لكي تمنع إيران من توظيف عامل الوقف لصالحها عبر الاستمرار في تطوير برنامجها النووي. 

ويعني ما سبق أنه سوف يكون لزاماً على إيران أن تستأنف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، أو تواجه خيار العقوبات الدولية من جديد، وهو أمر قد لا يستطيع اقتصادها المنهار أن يتحمله.

وإلى جانب هذين الخيارين، فإن هناك خياراً ثالثاً، وهو أن تعمد طهران في اللحظات الأخيرة لتقديم تنازلات محدودة، في استمرار لسياسة حافة الهاوية التي تعتمدها، حتى تتفادى العقوبات الدولية، كما في قبولها استئناف المفاوضات من نقطة قريبة من النقطة التي توقفت عندها بنهاية الجولة السابعة. وسوف يعتمد نجاح هذا الخيار على مدى صبر واشنطن وعدم انسحابها من المفاوضات مع إيران.