أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

معادلة جديدة:

لماذا تتكرر الهجمات في أربيل؟

19 أبريل، 2021


فور إعلانها عن سقوط طائرة من دون طيار مفخخة على مطار أربيل الدولي في 14 أبريل الجاري، فتحت سلطات إقليم كردستان العراق تحقيقاً في الهجوم، وهو الإجراء ذاته الذي اتخذته بعد وقوع هجمات مماثلة في أول أكتوبر 2020 و15 فبراير 2021 في الموقع ذاته، لكن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مقر "اللواء 30" التابع لـ"الحشد الشعبي" في برطله بالموصل يعتقد أنه يمثل هجوماً مضاداً، على نحو قد يشكل متغيراً نوعياً في معادلة الاشتباك بين الطرفين والتي تحولت من دائرة الاشتباه إلى دائرة التصعيد، فمنذ الهجوم الأول وحكومة الإقليم تؤكد أن مصدر الهجمات هو تمركزات "الحشد الشعبي" على تخوم الإقليم، وهو السياق الذي يفسر، من جانب آخر، تصريحات رئيس حكومة أربيل مسرور برزاني التي طالب فيها بسحب الجماعات المسلحة التي لا تعمل ضمن قوات الأمن العراقية الرسمية من حدود الإقليم. 

واللافت في هذا السياق، هو أن حرص "الحشد الشعبي" باستمرار على نفى الضلوع في هذه العمليات وتأكيد أنها لا تعمل خارج النطاق القانوني للقوات المسلحة العراقية، توازى مع صدور بيانات من القوات المشتركة في بغداد تشير إلى تورط جماعات وصفتها بـ"الإرهابية" دون أن تسميها بالوقوف وراء تلك العمليات.

دلالات عديدة:

 في هذا السياق يمكن طرح عدد من الدلالات، وذلك على النحو التالي:

1- الضربات والحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي: جاء الهجوم الأول (أول أكتوبر 2020) بعد نحو ستة أسابيع من انعقاد جولة الحوار الثانية (19 أغسطس 2020)، فيما جاء الثالث بعد نحو أسبوع من انعقاد جولة الحوار الثالثة (7 أبريل 2021). وكان لافتاً أن هناك إشارة واضحة في البيان الذي أعلنت فيه جماعة تطلق على نفسها "كتيبة السابقون" المسئولية عن الهجوم، إلى رفضها لمخرجات الحوار الاستراتيجي، وتوعدها باستهداف الوجود الأمريكي ليس فقط على مستوى العراق وإنما أيضاً على صعيد المنطقة بأسرها، وبالتالي فالرسالة المباشرة هى ملاحقة الوجود الأمريكي فى المنطقة. لكن بشكل غير مباشر هى تحاول تبرير أسباب حرصها على تكرار هجماتها على أربيل بحكم أنها تضم مواقع للوجود الأمريكي بغض النظر عن كونها في أربيل.

2- دور إيران: لا تستبعد اتجاهات عديدة تورط إيران في عملية الاستهداف، لاسيما أن بيان تبني الهجوم لم يتضمن أية إشارات خاصة بالموقف من حكومة الإقليم، وهو ما اعتبره مراقبون عملية تصفية حسابات إيرانية مع حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد، ومحاولة لإشعال فتيل التوتر بشكل دائم بين الحكومة الاتحادية وسلطة الإقليم، وهو السياق ذاته الذي كان هوشيار زيباري السياسي الكردي البارز وزير الخارجية الأسبق أكد عليه في تعقيبه على الهجمات منذ الهجوم الأول، حيث قال أن "الهدف هو الولايات المتحدة والكاظمي بشكل مباشر". 

3- الفصائل الدوَّارة: يطلق الفصيل الذي تبنى الهجوم الأخير على نفسه "كتيبة السابقون"، ويؤكد أنه تابع لما يسمى بـ"المقاومة الشيعية" التي تستهدف الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو فصيل مختلف عن الفصيل الذي تبنى الهجوم السابق الذي كان يحمل اسم "أولياء الدم"، وهى جماعة غامضة أيضاً لم تكن معروفة على الساحة قبل الهجوم، وأصدرت بيانين متلاحقين ثم توارت.

ووفق التقديرات الأمريكية، فإن هذه التنظيمات هى واجهة لإيران، لكن من المتصور أن الهدف من السرية والتنوع وتدوير عمل هذا المجموعات دعائي للإيحاء بأن هناك أكثر من فصيل يتبنى الرسالة نفسها، ولإحاطة الأمر بقدر من الغموض.

ومن الناحية الفنية، يمكن التمييز بين سرايا تطلق الصواريخ وأخرى تطلق الطائرات من دون طيار. لكن من الواضح أن النبرة الطائفية أكثر حضوراً في البيان الأخير، وهى وإن كانت صيغة لافتة بالنظر إلى أن مسرح الهجوم هو إقليم كردستان وليس مناطق السنة، فإنها تهدف إلى تأكيد هوية الجماعة باعتبارها تدخل في إطار "المقاومة الشيعية".

السيناريو التالي: 

هناك تحول آخر لافت للانتباه، وهو أن القوات الأمريكية تولت الرد على الهجوم على مطار أربيل المرة السابقة عندما استهدفت قافلة عسكرية للمليشيات الموالية لإيران بمجرد عبورها من الحدود العراقية إلى الحدود السورية عند معبر البوكمال في 25 فبراير الماضي، وترجم هذا السياق على أن واشنطن تسعى الى تصفية الحسابات مع طهران خارج الساحة العراقية. لكن فى هذا المرة هناك مؤشران مختلفان: الأول، أن هناك هجوماً مضاداً، على الأرجح، من إقليم كردستان باتجاه الموصل (حيث تمركز اللواء 30) وبالتالي فإن رد الفعل يحمل رسائل مباشرة بأن هناك تأكيدات لدى الإقليم بمسئولية "الحشد الشعبي" عن العملية، وأنه لن يصمت على تكرار تلك الهجمات بغض النظر عن رد فعل التحالف أو موقف الحكومة العراقية، وهو ما يشير إلى متغير في حسابات الأكراد تجاه هذه العمليات في ظل مطالبتهم بإبعاد "الحشد الشعبي" عن تخوم الإقليم، على نحو قد يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين "البشمرجة" و"الحشد الشعبي"، وربما سيضع ذلك الحكومة في مأزق أمني أكبر. وقد أشار زيباري بشكل محدد منذ الهجوم الأول إلى أن وعد قدو قائد "اللواء 30" التابع لـ"الحشد الشعبي" هو الشحص المسئول عن تلك الهجمات. 

والثاني، أن تقارير دولية عديدة كشفت قبل الهجوم الأخير بيوم واحد أن هناك شحنة صواريخ ومعدات إيرانية عبرت الحدود الإيرانية – العراقية، وهو ما يوحي، وفقاً لتلك التقارير، بأن طهران انتظرت حتى يتم عبور تلك الشحنة الحدود ثم أوعزت بشن الهجوم لتفادي وقوع ضربة أمريكية مرة أخرى، وبالتالي فإن إيران تسعى إلى إعادة التصعيد مرة أخرى إلى الساحة العراقية، وهى رسالة محددة تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة والكاظمي لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي بشكل عام، وحتى مع التقدم فى مباحثات الملف النووي في فيينا، فإن تلك الحوادث قد تشكل أوراق ضغط من جانب آخر ضمن حسابات الدوافع، حيث تصر طهران على عدم ربط العودة للمباحثات بإنهاء الوجود الإيراني في الإقليم، بل على العكس ترى أن على واشنطن أن ترحل وتخلي لها الساحة، وبالتالي حتى لو حدث تقدم في الملف النووي فإن طهران لن تتراجع عن هذا السياق. 

في النهاية، يمكن القول إن المشهد القادم في العراق سيكون هو الفصل الأصعب في التحدي الأمني الذي تشكله إيران في مواجهة التحالف الدولي والحكومة العراقية، وهى معادلة غير مسبوقة، سوف تفرض تداعيات على الإصلاحات الأمنية التي عملت عليها حكومة الكاظمي لإدماج "الحشد" كقوة نظامية.