عقب انتخابات تشريعية ماراثونية امتدت لسبع مراحل من 11 أبريل حتى الإعلان عن النتائج في 24 مايو 2019، حقق حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند انتصارًا تاريخيًّا كان بمثابة مفاجأة لمؤيدي الحزب ومعارضيه على السواء، في مقابل تعرض أبرز منافسيه (حزب المؤتمر الوطني الهندي) لهزيمة ثانية في تاريخه بعد سيطرته الممتدة تاريخيًّا على الحكم في الهند. ويمكن اعتبار النتائج بمثابة نقطة تحول فاصلة، كونها تعزز سيطرة التيار القومي على النظام السياسي الهندي في مقابل الأزمة الوجودية التي تواجهها أحزاب المعارضة التي لم تتمكن من استغلال التراجع الاقتصادي، وتزايد معدلات الفقر، والبطالة، في تحفيز الناخبين للتصويت لصالحهم.
دلالات نتائج الانتخابات:
تكشف نتائج الانتخابات التشريعية الهندية عن هيمنة كاملة لحزب بهاراتيا جاناتا على المشهد السياسي في الهند بحصوله منفردًا على 303 مقاعد، بنسبة 55.9% من المقاعد، وحصول التحالف الوطني الديمقراطي الذي يقوده الحزب على حوالي 353 مقعدًا بنسبة 65.1% من المقاعد.
وفي المقابل، حقق حزب المؤتمر الوطني الهندي تقدمًا طفيفًا مقارنة بانتخابات 2014 بحصوله منفردًا على 52 مقعدًا بنسبة 9.5% من المقاعد وحصول التحالف التقدمي المتحد الذي يقوده الحزب على 91 مقعدًا بنسبة 16.8% من المقاعد فقط، وهو ما يُعد الهزيمة الثانية على التوالي للحزب. وتتمثل أهم دلالات النتائج فيما يلي:
1- ارتفاع معدلات التصويت: بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات أكثر من 67%، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بالدول الديمقراطية الغربية، كما شهدت الانتخابات ارتفاعًا تاريخيًّا في نسبة مشاركة السيدات في الاقتراع لتتساوى للمرة الأولى منذ عام 1962 مع الناخبين الرجال، في مقابل محدودية عدد المرشحات السيدات الذي بلغ 723 مرشحة من بين حوالي 8000 مرشح في الدوائر المختلفة للانتخابات.
2- صعود "الولايات البرتقالية": تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من الهيمنة على كامل المقاعد في ثماني ولايات لتصبح تحت السيطرة الكاملة لـ"حزب الزعفران"، وتتمثل أهم هذه الولايات في جوجارات التي يبلغ عدد مقاعدها 26 مقعدًا، حيث استجاب الناخبون في الولاية التي تُعد مسقط رأس رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" لدعوته بعدم منح المعارضة أي مقعد لتمثيل الولاية.
وفي السياق ذاته، فاز الحزب الحاكم بكامل مقاعد ولاية أروناشال براديش (مقعدان)، وولاية هاريانا (10 مقاعد)، وولاية هيماشال براديش (4 مقاعد)، وولاية راجستان (25 مقعدًا)، وولاية ترايبورا (مقعدان)، وولاية أتاراخاند (5 مقاعد)، وولاية دلهي (7 مقاعد)، وهو ما يتصل بتمتع الحزب بسيطرة كاملة على ولاية "الحزام الهندي" وهي: أوتار براديش، وبيهار، وماديا براديش، وراجستان، وتشهاتيسجاره.
وتجاوز الحزب الحاكم نسبة 50% من الأصوات في أكثر من 13 ولاية وفقًا للنتائج الأولية، في مقابل نسب ضئيلة للتصويت لحزب المعارضة الرئيسي (حزب المؤتمر الوطني) في ولايات مهمة مثل: أوتار براديش، والبنغال الغربية، وبيهار، وأندرا براديش. كما حقق حزب بهاراتيا جاناتا معدلات قياسية في التصويت لصالحه مقارنة بالانتخابات السابقة.
3- احتفاظ وزراء الحكومة بمقاعدهم: حافظ أعضاء حكومة "مودي" على مقاعدهم في المجلس التشريعي بعد فوزهم في الانتخابات، ومن أهم الفائزين من أعضاء الحكومة وزيرة المنسوجات "سمريتي إيراني" التي فازت على "راهول غاندي" في معقل رأس عائلته في دائرة أميثي. كما تمكن كل "جيريراج سينج" وزير الدولة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة و"رافي شانكار براساد" وزير القانون والعدالة من الفوز.
4- سيطرة "بهاراتيا جاناتا" على "لوك سابها": أسفرت الانتخابات التشريعية الهندية عن انتصار تاريخي لحزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" لتبدأ ولاية ثانية لحكم الحزب القومي الهندوسي يتمتع فيها بسيطرة شبه كاملة على المؤسسة التشريعية، فالحزب يسيطر منفردًا على أغلبية متماسكة تتيح له تشكيل حكومة متماسكة دون ضغوط من حلفائه التقليديين من الأحزاب الإقليمية الناشطة في الولايات.
5- هزيمة صادمة للرموز السياسية: شهدت الانتخابات مفاجآت سياسية، منها هزيمة عدد من الرموز والشخصيات المهمة، مثل هزيمة "راهول غاندي" في معقل عائلته في أميثي بفارق يتجاوز 55 ألف صوت تقريبًا (إلا أنه عوض الخسارة بالفوز في دائرة واياناد بكيرلا، لأنه كان مرشحًا في دائرتين بالتوازي). كما خسر البرلماني المخضرم المنتمي لحزب بهاراتيا جاناتا "جيوتيراديتيا سكينديا" مقعده في مسقط رأس عائلته في جونا في ولاية ماديا براديش. وتجدر الإشارة إلى أن مقعد الدائرة ظل تحت هيمنة عائلته لسنوات ممتدة.
وفي السياق ذاته، واجه القيادي بحزب المؤتمر "ماليكارجون خارجي" أول خسارة له في مسار عمله السياسي بعد فوزه في أكثر من 10 دورات انتخابية متتالية منذ عام 1972، وشمل سجل الخسائر غير المتوقعة كلًّا من "أجاي ماكين" و"شيلا ديكشت" و"ديجفاجاي سينج" و"شاتروغان سينها"، وغيرهم. وفي معسكر حزب بهاراتيا جاناتا خسر كل من الوزراء "هارديب بوري" وزير الدولة للإسكان والشئون الحضرية، و"كي جا ألفونس" وزير الدولة للثقافة والسياحة.
6- تعدد الفائزين غير المتوقعين: شهدت الانتخابات فوز عددٍ من الأعضاء الذين لم يكن فوزهم متوقعًا، مثل "برجايا سينج ثاكور" المرشحة الهندوسية عن حزب بهاراتيا جاناتا المتهمة بالتورط في تفجيرات ماليجاون في عام 2008 التي وقعت في سوق يتمركز به المسلمون خلال شهر رمضان وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، لتصبح أول متهمة بالإرهاب تفوز بمقعد برلماني. وفاز أيضًا "عزام خان" القيادي بحزب ساماجوادي المتهم في قضية تزوير بالإضافة لتصريحاته الاستفزازية ضد قيادات بهاراتيا جاناتا.
صدارة الحزب الحاكم:
على الرغم من تراجع أداء الاقتصاد الهندي، وصعود معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، وتعرض الحزب الحاكم لانتقادات حادة من جانب أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام الليبرالية؛ إلا أنه تمكن من حسم الانتخابات لصالحه بمعدلات فاقت التوقعات، وهو ما يمكن تفسيره بعدة عوامل يتمثل أهمها فيما يلي:
1- التركيز على الاحتياجات الأساسية: عقب توليه رئاسة الوزراء في عام 2014 جعل رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" البنية التحتية الأساسية في صدارة أولويات حكومته، وتحديدًا مرافق الصرف الصحي التي يتسبب غيابها في العديد من القرى والمناطق الفقيرة في الهند في تهديد الصحة العامة، ومن ثمّ أطلق حملة وطنية لإمداد كل منزل بخدمات الصرف الصحي لحماية البيئة والتصدي لانتشار الأوبئة. وتؤكد الحكومة الهندية تمكّنها من إمداد أكثر من 90 مليون منزل في المناطق الفقيرة بخدمات الصرف الصحي.
ويتمثّل الإنجاز الثاني لحكومة "مودي" في توصيل الغاز الطبيعي للمنازل مجانًا من خلال تطبيق خطة "أوجاوالا" التي كفلت توصيل الغاز لأكثر من 70 مليون منزل في المناطق الفقيرة، حيث تم الترويج لهذه الخطوة باعتبارها تمثل رفعًا للعبء عن كاهل السيدات في المناطق الفقيرة، وأنها تعود بالنفع على أكثر من 160 مليون مواطن هندي، وهو ما أدى لحشد التصويت لصالح الحزب الحاكم في المناطق الفقيرة، حيث تمكن من التأثير من خلال الخدمات الأساسية وتوصيل الغاز للمنازل على أكثر من 250 مليون ناخب نتيجة للتركيز على الحياة اليومية للمواطنين.
2- الرد الحاسم على تفجيرات كشمير: هيمن على الخطاب العام قبل يوم 14 فبراير 2019 الجدل حول اتهامات الفساد في صفقة الرافال الفرنسية-الهندية، وارتفاع معدلات البطالة لأعلى مستوى منذ 45 عامًا وفقًا لبعض التقارير الحكومية في ظل تقدم ملحوظ في استطلاعات الرأي للمعارضة بقيادة رئيس حزب المؤتمر الوطني الهندي "راهول غاندي"؛ إلا أن هذا الخطاب تغير جذريًّا عقب هجوم جماعة جيش محمد على حافلة تابعة للجيش الهندي في كشمير في فبراير 2019 مما تسبب في مقتل أكثر من 40 جنديًّا بالجيش الهندي.
ولقد أدى الرد الهندي على هذه الأحداث بشن غارات جوية على معسكرات الجماعة الإرهابية في بلدة بالاكوت في إقليم خيبر بختون خوا في باكستان في 26 فبراير 2019، إلى حشد تأييد قطاعات واسعة من الناخبين الهنديين، كما أن تمكن نيودلهي من استعادة الطيار الهندي الذي تمّ إسقاط طائرته في باكستان زاد من شعبية الحزب الحاكم في ظل قدرته على تبني مواقف حازمة في مواجهة باكستان، وتعزيزه للنزعة القومية لدى الناخبين. كما أدت التهديدات الإرهابية لفرض الأمن على صدارة أجندة الناخبين في مقابل تراجع نسبي للقضايا الاقتصادية، وهو ما لا ينفصل عن الموقف المهادن لـ"راهول غاندي" من الاعتداءات الباكستانية، وتركيزه على انتقاد الحزب الحاكم لتسجيل نقاط سياسية في وقت الأزمة.
3- القوة التنظيمية لـ"بهاراتيا جاناتا": عقب تمكن "مودي" من تغيير الخطاب السياسي المهيمن على الانتخابات، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من استغلال قدراته التنظيمية وتمتعه بعدد كبير من الأعضاء والمتطوعين والمؤيدين، حيث قام الحزب بتشكيل فرق عمل انتشرت في كافة الدوائر الانتخابية في الهند للإسهام في نشر الدعاية الانتخابية وحشد الناخبين وإرشادهم لأماكن التصويت، بالإضافة لمواجهة الحملات الانتخابية المضادة من الخصوم السياسيين للحزب.
4- القومية الهندوسية (هندوتفا): تعد الأيديولوجيا القومية الهندوسية التي اتبعها الحزب في عام 2014 واستمر في اتباعها خلال الانتخابات الراهنة، من أهم الأدوات التي اعتمد عليها "بهاراتيا جاناتا" في حشد أصوات الناخبين الهندوس، حيث ركز الحزب على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني الهندي، متهمًا إياه بأنه يميل لمهادنة واسترضاء المسلمين على حساب المعتقدات الدينية الهندوسية. وربط مؤيّدو الحزب بين التصويت لصالحه وحماية العقيدة الهندوسية. وارتبط ذلك بتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة "راشتريا سوايامسيفيك سانج" Rashtriya Swayamsevak Sangh اليمينية الهندوسية انتشرت في مختلف الولايات الهندية وقامت بحشد أصوات الهندوس لصالح الحزب في الانتخابات التشريعية.
5- قيادة "مودي" الكاريزمية: لم تتمكن الأحزاب السياسية المعارضة من تقديم قيادات سياسية كارزمية يمكنها التصدي للنموذج القومي الشعبوي الذي يمثله رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، حيث تم انتقاد "راهول غاندي" لاعتماده على الإرث السياسي لعائلته، كما أنه يفتقد للكاريزما السياسية التي تُحفز الناخبين على التصويت لصالح حزبه مقارنة بـ"مودي".
وفي المقابل، ركز رئيس الوزراء الهندي على تعزيز المكانة الدولية للهند، وتحويلها من فاعل إقليمي محوري إلى قوة عالمية ضمن نظام دولي متعدد الأقطاب، بالإضافة لاستعراض فاعلية وتأثير نيودلهي على الساحة العالمية، واعتبارها رقمًا مهمًّا وقوة كبرى في النظام الدولي، وهو ما أثر على اتجاهات التصويت لدى بعض الناخبين ذوي التوجهات القومية.
لماذا خسر المؤتمر؟
تعرض حزب المؤتمر الوطني الهندي لهزيمة كبيرة في الانتخابات، حيث حصل على 52 مقعدًا أي ما يعادل 9.5٪ من إجمالي المقاعد. وعلى الرغم من أن هذا يُعد تقدمًا طفيفًا لحزب المؤتمر الوطني الهندي الذي حصل على ما يقدر بحوالي 8.10٪ من إجمالي المقاعد في انتخابات عام 2014؛ إلا أن تعهدات رئيس الحزب "راهول غاندي" بهزيمة بهاراتيا جاناتا ودعم بعض وسائل الإعلام الليبرالية والمثقفين له أدت إلى ارتفاع سقف التوقعات وتطلع أعضاء الحزب لهزيمة الحزب الحاكم أو على أقل تقدير الحصول على نسبة مقاربة له.
ولقد كشفت الانتخابات عن انفصال بين مستوى القيادة في حزب المؤتمر الوطني الهندي وبين القواعد الانتخابية للحزب في الولايات المختلفة. وفي هذا الإطار، أخفقت فروع الحزب الإقليمية في تنظيم صفوف مؤيديهم في ظل تفكك البنية التنظيمية لمكاتب الحزب الإقليمية والمحلية في "ولايات الحزام الهندي" تحديدًا.
وفي السياق ذاته، أدى الاختلال في تنظيم الحملة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الهندي إلى خسارته عددًا كبيرًا من المقاعد نتيجة تركيزها على انتقاد رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" وتحويل الانتخابات إلى سجال ثنائي بين "غاندي" و"مودي" تحت شعار "لا يوجد بديل آخر"، وهو ما جعل مؤيدي الحزب يفقدون الارتباط بين المرشحين في الدوائر المحلية، بالإضافة لعدم إدراك الناخبين في المناطق المحلية الفقيرة لخطاب "المؤتمر الوطني الهندي" حول فساد حكومة "مودي" و"صفقة الرافال" والعديد من القضايا المعقدة الأخرى في مقابل الخطاب الشعبوي الذي يتسم بمخاطبة عواطف الجماهير والتبسيط الشديد للقضايا والتحديات.
وعلى مستوى آخر، لم يتبنّ حزب المؤتمر الوطني الهندي موقفًا موحدًا من التصعيد الهندي-الباكستاني الأخير، فبينما دعم بعضهم موقف الحكومة الهندية، قام البعض الآخر لا سيما قيادات الصف الأول بالتنديد بهذا التصعيد، مشيرين إلى أنه محاولة من حزب "بهاراتيا جاناتا" للتأثير على الانتخابات، وهو ما أثار استياء الناخبين الذين رأوا أن مواقف الحزب غير موحدة وتميل إلى المهادنة على النقيض من "بهاراتيا جاناتا".
تداعيات سياسية مرتقبة:
أدت نتائج الانتخابات إلى تداعيات واسعة النطاق يُرجّح أن تؤثر بقوة على المشهد السياسي الهندي مستقبلًا، ويتمثل أهم هذه التداعيات فيما يلي:
1- الجدل حول مستقبل "راهول غاندي": أعلن زعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي "راهول غاندي" أنه يرغب في الاستقالة من منصبه، إذ صرح قائلًا: "علينا مواصلة القتال، وأنا سأظل جنديًّا منضبطًا في الحزب، وسأواصل القتال بلا خوف، لكني لا أريد أن أكون رئيسًا للحزب"، وصرحت بعض المصادر لقناة تلفزيون نيودلهي المحدودة بأن والدته "سونيا غاندي" وشقيقته "بيريانكا غاندي" بالإضافة إلى عدد من القادة الرئيسيين للحزب حاولوا إثناءه عن قراره، إلا أنه أكد أنه قراره وحده، مشيرًا إلى أنه لا يشترط أن يكون الرئيس القادم للحزب من عائلة "غاندي".
وقد تكون استقالة "غاندي" من قيادة الحزب نهاية سريعة لمستقبله السياسي الذي لم تكتمل ملامحه بعد، كما ستكون كاشفة عن انحسار تام لعائلة "غاندي" واحتمالية فقدانها لنفوذها بالتوازي مع تراجع الحرس القديم لقيادات حزب المؤتمر.
2- تتابع استقالات قيادات "المؤتمر": ترتبط التوقعات باستقالة "راهول غاندي" بتتابع استقالات قيادات حزب المؤتمر في الولايات الرئيسية التي تعرض فيها الحزب لهزائم كاملة، مثل "راج بابار" رئيس فرع الحزب في ولاية أوتار براديش التي تعرض فيها الحزب لهزيمة غير مسبوقة في تاريخه. كما استقال مدير الحملة الانتخابية للحزب "إتش كي باتيل"، ورئيس الحزب في ولاية أوديشا "نيرانجان بانتنايك"، وعدد كبير من القيادات الرئيسية بالحزب، وهو ما يكشف عن تصدع تام في البنية التنظيمية للحزب.
3- انحسار العائلات السياسية: كانت عائلة "غاندي" هي الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية بخسارة "راهول غاندي" في المعقل السياسي لأسرته في دائرة أميثي في مواجهة "سمريتي إيراني"، حيث سيطرت أسرته عليها منذ عام 1952 دون انقطاع، وتعاقب على تمثيل الدائرة كل من "راهول غاندي" منذ عام 2004 و2009 و2014 ووالدته "سونيا غاندي" في عام 1999.
وعلى الرغم من فوز "سونيا غاندي" في دائرة رايباريلي، إلا أنها خسرت نصف عدد الأصوات هذا العام مقارنة بانتخابات 2014، إذ حصلت على 1.6 مليون صوت مقارنة بحوالي 3.5 ملايين صوت في الانتخابات السابقة. كما أخفقت "بريانكا غاندي" في قياداتها للحملات الانتخابية لمرشحي الحزب، وتعرض غالبية المرشحين عن حزب المؤتمر الذين قامت بدعمهم خلال حملاتهم الانتخابية في ولاية أوتار براديش للخسارة، ومن بين أكثر من 40 مقعدًا كانت مسئولة عن حملاتهم الانتخابية لم يفز الحزب سوى بمقعد واحد.وتشمل قائمة العائلات السياسية التي تعرضت لهزائم كبرى في الانتخابات "عائلة ياداف"، فعلى الرغم من الفوز الصعب لكل من "مولايام سينج ياداف" وابنه "أخيليش" فقد تعرض بقية أفراد العائلة للهزيمة مثل "أكشاي ياداف" و"داهارميندرا ياداف". وشهدت عائلة "شاران سينج" تراجعًا في ولاية أوتار براديش، حيث خسر ابنه "أجات سينج وحفيده "جايانت شاوداري" في الانتخابات بالولاية التي تعد المعقل السياسي للأسرة، والتي خضعت لهيمنة أعضائها على مدار عقود.
وشملت قائمة العائلات السياسية التي تعرضت لهزائم في الانتخابات كلًّا من عائلة "ديف دلال" نائب رئيس الوزراء السابق في ولاية هاريانا، وعائلة "هوودا" التي فقدت تمثيل كل من "بهوبيندر سينج هوودا" وابنه "ديبندر" نتيجة الخسارة أمام مرشحي الحزب الحاكم. كما خسرت أسرة "سكينديا" الدوائر الانتخابية في "جونا" التي هيمنت عليها لمدة 14 دورة انتخابية، وفقدت عائلة "ديفي" أيضًا بعض الدوائر، بالإضافة لعائلات سياسية أخرى تنتمي لأحزاب المعارضة.
4- تصدع مصداقية الإعلام الليبرالي: أدى تحيز وسائل الإعلام الهندية ذات التوجهات الليبرالية المناوئة لحزب بهاراتيا جاناتا، إلى فقدانها المصداقية نتيجة قيامها بنشر تغطيات صحفية شديدة العداء للحزب، ونشرها استطلاعات رأي غير دقيقة حول حظوظ الحزب في الولايات المختلفة، بالإضافة إلى التغطية الإعلامية الكثيفة لجولات عائلة "غاندي" وقيادات حزب المؤتمر، والمبالغة في قدرتهم على منافسة الحزب الحاكم، وهو ما أتى بنتائج عكسية، حيث أسهم في احتشاد مؤيدي حزب بهاراتيا جاناتا للدفاع عن مستقبل حزبهم في مواجهة المعارضة السياسية، في مقابل تدني مستويات تصويت مؤيدي حزب المؤتمر الوطني الهندي بسبب ترويج الإعلام لقدرته على حسم الانتخابات لصالحه وهو ما زاد من خسائر الحزب.
5- تضارب المواقف الباكستانية: لم يكن إجراء إسلام أباد تجربة صاروخية في 23 مايو 2019 بالتوازي مع إعلان الفوز التاريخي لحزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" سوى تعبير عن المخاوف الباكستانية من استمرار "مودي" في السلطة، إذ اختبرت باكستان بنجاح الصاروخ "شاهين - 2" متوسط المدى، وذلك على الرغم من تهنئة رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" لنظيره الهندي وتصريحاته السابقة بأنه يتمنى فوز رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" بولاية جديدة، حيث إن توجهاته القومية تمنحه هامشًا أكبر للتفاوض مقارنةً بالقيادات الليبرالية.
وتعكس التجربة الصاروخية الأخيرة أن المؤسسة العسكرية في باكستان قد تتبع سياسة تصعيدية تجاه الهند، في مؤشر على الخلافات بين رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" وقيادات المؤسسة العسكرية، خاصة عقب التوترات الهندية-الباكستانية الأخيرة التي تفجرت في نهاية فبراير 2019.
ختامًا، يُرجّح أن تواجه الولاية الجديدة لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" عدة تحديات يتمثل أهمها في مواجهة الارتفاع في معدلات الفقر والبطالة، وتحفيز نمو الاقتصاد الهندي، وتحييد تأثيرات الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وتأمين تدفقات الطاقة لنيودلهي بعد تشديد العقوبات على إيران وإلغاء إعفاءات الاستيراد التي استفادت منها الهند سابقًا، بالإضافة للوفاء بتعهدات رئيس الوزراء الهندي عبر تمويل مشروعات للبنية التحتية وتنمية الزراعة بما يتجاوز 1.34 تريليون دولار.