أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

أزمة العراق:

فرص نجاح مبادرة الحكيم في تجاوز "أغلبية الصدر"

21 نوفمبر، 2021


أعلن عمار الحكيم، رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، في 16 نوفمبر الجاري، عن مبادرة لحل أزمة نتائج الانتخابات العراقية، وذلك في كلمة ألقاها في "منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط"، المنعقد في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، بحضور عدد من القيادات السياسية والرسمية، أبرزهم الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس إقليم كردستان مسرور البارزاني، إضافة إلى شخصيات سياسية من بغداد.

مبادرة الحكيم:

تمثلت أبرز بنود مبادرة الحكيم للتعامل مع أزمة رفض "الإطار التنسيقي" لنتائج الانتخابات في النقاط التالية:

1- حل مشكلة نتائج الانتخابات: طالب الحكيم بأن يتضمن أي اتفاق مستقبلي بين القوى السياسية الشيعية تفاهماً حول كيفية التعامل مع نتائج الانتحابات، كما طالب بأن يتم رفع أي فيتو سابق على الأطراف السياسية، وأن تفضي التفاهمات إلى اتفاق وطني جامع على توزيع المناصب في الحكومة والبرلمان بين التيارات السياسية العراقية كافة، بما في ذلك القوى الخاسرة للانتخابات.

وتمثل هذه المبادرة التفافاً على مساعي الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، تستبعد القوة الخاسرة، وتحديداً نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، أو ائتلاف الفتح، الذي يضم الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، والمناوئة للصدر. ووضح هذا التوجه لدى الصدر في المفاوضات التي أطلقها مع قائمة تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وكذلك وفدي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في بغداد.

كما أكد الحكيم ضرورة التصويت على ورقة الاتفاق الوطني كقرار برلماني في الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، وذلك في محاولة لإضفاء طابع قانوني ملزم عليها.

2- مقايضة العنف بالمشاركة في الحكومة: طالب الحكيم بالتزام الأطراف كافة بالآليات القانونية والسلمية في الاعتراض والتفاوض، وهو ما يحمل إشارة إلى تراجع ميليشيات الحشد الشعبي الولائية عن توظيف السلاح والتظاهرات لرفض نتائج الانتخابات، وذلك في مقابل استيعابها في الحكومة القادمة. أي أن الحكيم يسعى لمقايضة عنف الميليشيات بمشاركتها في الحكومة العراقية القادمة، وبصورة تتجاوز وزنها السياسي المتراجع. 

3- رفض التدخلات الأجنبية: أكد الحكيم ضرورة الالتزام بالحوار الوطني المستقل بعيداً عن التدخلات الخارجية بأنواعها وأطرافها كافة، وهو بطبيعة الحال مطلب غير واقعي، إذ إن التدخلات الإيرانية لم تغب عن محاولات تشكيل الحكومة السابقة، بل كان من الواضح أن هناك دوراً إيرانياً في توجيه تحركات "الإطار التنسيقي"، والذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران، التي خسرت الانتخابات، وهو ما ظهر في زيارة إسماعيل قاآني العراق مرتين، فور إجراء الانتخابات، في 11 أكتوبر، وكذلك في اليوم التالي على محاولة اغتيال الكاظمي في 7 نوفمبر. 

ملاحظات أساسية: 

يمكن إبداء عدد من الملاحظات حول هذه مبادرة الحكيم، وكذلك موقف الصدر منها، وذلك على النحو التالي:

1- إعادة إنتاج مبادرة قاآني: تمثل مبادرة الحكيم محاولة لفرض توجهات إسماعيل قاآني، رئيس فيلق القدس الإيراني، والذي زار العراق للمرة الثانية عقب محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة في 7 نوفمبر، والتي سعي خلال لقائه مع الكاظمي إلى التأكيد على عدم تورطه في تحريض ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران على اغتياله، وهو ما يجافي الحقائق المستقرة بأن هذه الميليشيات لا تتحرك إلا بأوامر مباشرة من طهران. 

كما أكد خلال لقائه الميليشيات الشيعية ضرورة نبذ العنف. ولا شك أن قاآني سعى لاستثمار محاولة تصفية الكاظمي، عبر محاولة الضغط لتشكيل حكومة شيعية جامعة تضم حلفاءها الخاسرين في الانتخابات، وذلك لتجنيب العراق سيناريوهات مثل تصفية الكاظمي، أو حتى مقتدى الصدر، بالإضافة إلى تجنيب العراق سيناريو الحرب الأهلية، أي أن مبادرة قاآني، وكذلك الحكيم، تسعى لترجمة القوة العسكرية لميليشيات الحشد الشعبي في شكل دور مؤثر في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات. 

2- مبادرة غير محايدة: أعلن الحكيم عن المبادرة عقب سلسلة لقاءات أجراها الحكيم مع عدد من قادة كتل سياسية مختلفة ضمن ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والتي يعد الحكيم أحد أطرافه من خلال مشاركة في الإطار التنسيقي بـ "ائتلاف قوى الدولة".

وقد سعى الحكيم لتقديم مبادرته كحل وسط، أو تسوية للخروج من الأزمة الحالية، ولكنها في حقيقة الأمر تعكس مطالب الإطار التنسيقي الخاسر للانتخابات، والذي يسعى للتدخل في اختيار بديل للكاظمي الذي عجزت الميليشيات الشيعية عن تصفيته، فضلاً عن ضمان الحفاظ على سلاح الميليشيات. ولذلك رحب رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، بالمبادرة، داعياً إلى تشكيل حكومة توافق وطني.

3- التراجع عن مطلب إلغاء الانتخابات: أعلن عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، وحيدر العبادي، رئيس تيار النصر رفضهما بعض مطالب باقي أطراف الإطار التنسيقي، خاصة تلك المتعلقة بإلغاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتمسك بدلاً من ذلك بتشكيل حكومة توافقية لا تقصي أي طرف سياسي، وهو ما عكسته مبادرة الحكيم الأخيرة كذلك.

وفي حقيقة الأمر، فإن هذا التنازل لا يعد مؤثراً بالنظر إلى حقيقة أن المؤسسات الدولية التي أشرفت على الانتخابات، والتابعة للأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أكدت جميعها أنها لم تتعرض لأي تزوير، كما أن رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، أعلن عدم وجود تزوير مثبت بدليل قانوني، وهو ما يناقض مزاعم القوى الشيعية الخاسرة للانتخابات. 

4- ضمان عودة حلفاء إيران للسلطة خلال عامين: أشارت مصادر عراقية إلى أن الورقة تتضمن إلغاء قانون الانتخابات الحالي، والذي كان ضمن أحد أسباب خسارة الانتخابات، من منظور حلفاء طهران، فضلاً عن حل مفوضية الانتخابات، وذلك في محاولة لإضفاء الشرعية على اتهام القوى الخاسرة للانتخابات بأن المفوضية تلاعبت في النتائج. 

كما طالب الحكيم في مبادرته، وفق مصادر مطلعة، بإجراء انتخابات مبكرة بعد عامين، وذلك إلى جانب مشاركة قوى الإطار التنسيقي في الحكومة القادمة، وهو ما وضح في مطالبته باختيار رئيس حكومة توافقي، في إشارة إلى استبعاد الكاظمي، والذي تعترض عليه ميليشيات إيران، نظراً لمحاولته إعادة هيبة الدولة العراقية عبر ضبط سلاح الميليشيات المنفلتة، وكان من الملفت أن مبادرة الحكيم ركزت على ضرورة عدم المساس بالحشد الشعبي، الذي خسر الانتخابات، وذلك على الرغم من أن تأكيد الصدر فور فوزه بنتائج الانتخابات في 11 أكتوبر أن أولويته عند تشكيل الحكومة القادمة هو حصر السلاح بيد الدولة العراقية.

5- رفض التيار الصدري: طالب مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري (74 مقعداً)، بانتظار قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بالنتائج، والنظر بعدها في الحلول الدستورية من دون النظر لمبادرات فردية تعرقل مسيرة العملية السياسية، وتشكيل حكومة أغلبية وطنية، في إشارة إلى رفضه الضمني مبادرة الحكيم. 

ويسعى الصدر من هذا الموقف إلى ضمان إقرار نتائج الانتخابات أولاً، وعدم تقديم أي تنازلات للقوى الخاسرة قبل إعلان النتائج النهائية، وهو ما كان يسعى إليه الحكيم والإطار التنسيقي. فقد زار هادي العامري، زعيم ائتلاف الفتح، وحيدر العبادي، زعيم ائتلاف النصر، رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، في منتصف نوفمبر وحذراه من مغبة إعلان المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات قبل حسم الاعتراضات، على الرغم من أن نتائج الانتخابات لم تتغير بعد مراجعة الطعون التي قدمها الإطار التنسيقي، وهو ما يؤشر إلى رغبة القوى المرتبطة بإيران في التوصل لتسوية لفرض نفوذها على الحكومة قبل إعلان نتائج الانتخابات النهائية. 

ولكن على الجانب الآخر، لم يغلق الصدر الباب تماماً أمام حكومة وحدة وطنية تستوعب القوى الخاسرة، إذ أكد أن العراق أمام خيارين: حكومة وحدة وطنية أو أغلبية وطنية، غير أنه اشترط ضرورة استبعاد القوى الراغبة في المشاركة محاسبة المنتمين لهم من الفاسدين، في حالة تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يعني أنه سوف يتحفظ على مشاركة بعض القوى الشيعية في الإطار التنسيقي، أو بعض شخصياتها، وتحديداً كل من نوري المالكي، زعيم ائتلاف القانون، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.

وفي التقدير، فإن مبادرة الحكيم تعكس وجهة نظر إيران، والإطار التنسيقي في كيفية إدارة مشهد أزمة الانتخابات، وذلك عبر التوافق على مشاركة قوى الإطار في الحكومة القادمة، وتدخلها في اختيار رئيس وزراء جديد للعراق، وذلك قبل إعلان نتائج الانتخابات التي تؤكد هزيمتها فيها، وتراجع وزنها الشعبي. وفي حين أن الصدر لم يغلق الباب تماماً أمام حكومة وفاق وطني، فإنه جدد التأكيد على استبعاد شخصيات مثل نوري المالكي وقيس الخزعلي، وهو ما يثير التساؤل حول مدى تجاوب الإطار التنسيقي مع هذه المطالب.