أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

آليات تقليدية:

كيف يتعامل النظام الإيراني مع احتجاجات البازار؟

04 يوليو، 2018


دخلت الأزمة التي يواجهها النظام الإيراني في الفترة الحالية مرحلة جديدة بعد انضمام نخبة من طبقة التجار (البازار) للاحتجاجات التي تشهدها العاصمة طهران وبعض المدن والمحافظات الأخرى مثل أصفهان وكرمنشاه وآراك، بسبب انهيار العملة الوطنية وارتفاع أسعار الذهب. وتكتسب هذه المشاركة أهميتها من الدور الذي تمارسه تلك الطبقة على المستويين السياسي والاجتماعي، بسبب نفوذها الاقتصادي وتحالفها التاريخي مع نخبة رجال الدين، الذي كان لها تأثير واضح في التحولات السياسية التي شهدتها إيران على مدى تاريخها المعاصر.

ورغم خطورة الموقف الذي يواجهه النظام في المرحلة الحالية، خاصة أن تلك الاحتجاجات تتزامن مع تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها في الخارج بسبب استمرار دعمه للإرهاب وتدخله في الشئون الداخلية لدول المنطقة، بشكل أدى إلى تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة ووضع عقبات عديدة أمام جهود تسويتها، إلا أن النظام ما زال مصرًا على إتباع الآليات التقليدية نفسها التي تبناها في التعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية السابقة التي واجهها في الأعوام الماضية، وكان آخرها الاحتجاجات الواسعة التي بدأت في ديسمبر 2017 وانطلقت من مدينة مشهد حتى وصلت إلى العاصمة طهران.

محددات أساسية:

اعتمد النظام في تعامله مع الأزمة الجديدة التي ضاعفت من الضغوط الداخلية التي يتعرض لها على محددات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- تحميل مسئولية تفاقم الأوضاع الداخلية على عاتق الحكومة: وذلك عبر شن حملة انتقادات قوية ضد السياسات التي تبنتها الحكومة في الفترة الماضية. إذ أشارت اتجاهات عديدة قريبة من تيار المحافظين الأصوليين إلى أن السبب الرئيسي في الأزمة الحالية يكمن في عزوف الحكومة عن تنفيذ تعليمات المرشد الأعلى للجمهورية الذي دعا إلى تبني ما يسمى بـ"اقتصاد المقاومة" وعدم التعويل على الاستثمارات الخارجية، في حل المشكلات الاقتصادية الداخلية.

ووفقًا لتلك الرؤية، فإن الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومة من أجل تهيئة المجال أمام الاستثمارات الأجنبية بعد الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران فرضت في النهاية تداعيات عكسية، بعد أن سارعت الشركات الأجنبية إلى الانسحاب من السوق الإيرانية تجنبًا لتعرضها لعقوبات أمريكية، على نحو أربك سياسات الحكومة، وكان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المواطنين إلى المسارعة لشراء الدولار استعدادًا للعقوبات الأمريكية التي ستفرض على إيران في المرحلة القادمة، بشكل ساهم في انهيار سعر العملة الوطنية أمام الدولار، بعد أن وصل الأخير إلى نحو 9000 تومان، ما يمثل أكثر من ضعف السعر الرسمي الذي حددته الحكومة ويبلغ 4200 تومان. ورغم أن سعر الصرف شهد تحسنًا بعد ذلك، حيث وصل إلى 7800 تومان للدولار، إلا أن ذلك لم يؤد إلى وقف تلك الحملة التي ما زالت مستمرة ضد الحكومة.

فقد حرص تيار المحافظين الأصوليين على تأكيد أن الفريق الاقتصادي في الحكومة مسئول عن تردي الأوضاع الاقتصادية ووصولها إلى هذه المرحلة الخطيرة، التي تتطلب تغييره قبل أن تتفاقم تلك الأوضاع وتنتج ضغوطًا غير مسبوقة على الشارع.

ومن هنا، وقع نواب محافظون في مجلس الشورى، في 26 يونيو الفائت، على بيان يطالب الرئيس روحاني بإجراء تغيير في الحكومة يشمل الحقائب الاقتصادية، بعد أن أثبت الفريق الاقتصادي، في رؤيتهم، أنه كان ضعيفًا في اتخاذ الإجراءات الوقائية التي كان من الممكن أن تحول دون تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران في الوقت الحالي. وبدأ النواب في ممارسة ضغوط على روحاني للاستجابة لمطالبهم، بعد أن هددوا، في أول يوليو الجاري، باستدعاء وزير الاقتصاد من أجل استجوابه في أسباب انهيار سعر الصرف وعدم قدرة الحكومة على ضبطه.

2- الترويج للمؤامرة الخارجية: ما زال تيار المحافظين الأصوليين حريصًا على الترويج لوجود مؤامرة خارجية، وأمريكية تحديدًا، تهدف إلى تأجيج الأزمة الاقتصادية الداخلية، من أجل ممارسة ضغوط قوية على إيران ومحاصرتها، وذلك بالتعاون مع أطراف داخلية. ووفقًا لهذه الرؤية، فإن الهدف من ذلك يتمثل في دفع إيران إلى قبول إجراء مفاوضات جديدة حول الملفات الخلافية المتعددة، وفي مقدمتها البرنامج النووي المثير للجدل، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات أمريكية على إيران، والدور الإقليمي الإيراني في دول الأزمات، على غرار سوريا والعراق واليمن ولبنان.

ومن هنا يمكن تفسير أسباب حرص المرشد خامنئي، في 30 يونيو الفائت، على الربط بين الضغوط الخارجية والاحتجاجات الداخلية، حيث قال على موقعه الإلكتروني أن "الضغوط الاقتصادية الأمريكية تهدف إلى تأليب الإيرانيين على حكومتهم"، مضيفًا: "يمارسون ضغوطًا اقتصادية على إيران من أجل إحداث فرقة بين الأمة والنظام، فعل ستة رؤساء أمريكيون ذلك لكنهم يأسوا". لكن أهم ما جاء في حديثه هو تأكيده على أن "إيران سوف تنتصر على أعدائها الداخليين والخارجيين"، في إشارة إلى وجود أطراف داخلية مناوئة للنظام.

وقد استغلت وسائل الإعلام المحافظة تنظيم المعارضة الإيرانية مؤتمرًا واسعًا في العاصمة باريس، بداية من 30 يونيو الجاري، حضرته شخصيات أجنبية بارزة على غرار رودي جولياني محامي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل الترويج لوجود مؤامرة لتقويض دعائم النظام وإجباره على إعادة إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاقات تتوافق مع رؤى وسياسات القوى الدولية المعنية بالخلافات العالقة معه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

3- اتخاذ إجراءات مشددة تجاه المحتجين: تعمدت السلطات الإيرانية وصف ما يحدث من احتجاجات بأنها "أعمال شغب" تهدف إلى تخريب المنشآت العامة وإشاعة الفوضى في الشارع، وهو المبرر الذي استندت إليه مسبقًا في إصدار أحكام قضائية شديدة ضد بعض المحتجين، على غرار أحكام السجن التي تراوحت بين عام وخمسة أعوام التي صدرت ضد بعض الطلاب الجامعيين الذين شاركوا في الاحتجاجات التي شهدتها إيران في ديسمبر 2017، وهى الأحكام التي توازت مع الإجراءات التي اتخذتها ضد أنصار "فرقة دراويش الكنابادية"، التي اتهمت بـ"النيل من الأمن العام وممارسة أنشطة دعائية مضللة ضد الجمهورية الإسلامية". وفي الوقت الحالي، هدد رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني المحتجين، الذين وصفهم بـ"المخلين بالشئون الاقتصادية في البلاد" بالتعرض لأحكام قضائية مشددة منها الإعدام والسجن لمدة عشرين عامًا.

تداعيات عكسية:

هذه المحددات التي يتبناها النظام في التعامل مع الاحتجاجات الجديدة قد تنتج في النهاية تداعيات عكسية. إذ يبدو أن الهدف من الاعتماد عليها يكمن في تجنب إلقاء الضوء على السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى اندلاعها باستمرار وهو إمعان النظام في سياسته الخارجية القائمة على استخدام الأموال الإيرانية في دعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في دول الأزمات.

لكن هذه السياسة لم تعد تحظى بقبول داخلي ملحوظ، بشكل سوف يؤدي في النهاية ليس إلى استمرار الاحتجاجات فحسب، وإنما إلى انتشارها أفقيًا ورأسيًا، بما يعني انتقالها من مدينة إلى أخرى وتحولها من الطابع الاقتصادي الضيق إلى الحيز السياسي الأوسع، لا سيما بعد أن بدأت بعض شرائح القاعدة الاجتماعية المؤيدة للنظام في الانضمام إليها، في ظل تصاعد حدة التداعيات التي فرضتها الأزمة الاقتصادية الحالية، ووصولها إلى حد التأثير على مصالحها ونفوذها الاقتصادي. وحتى في حالة تراجع زخم الاحتجاجات الحالية تدريجيًا، على غرار احتجاجات ديسمبر 2017، فإن ذلك لا يقلص من احتمالات تجددها مرة أخرى، خاصة أن أسبابها الحقيقية ما زالت قائمة وبقوة.