أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

فعالية محدودة:

هل تنجح إيران في احتواء اضطرابات سوق العملات الأجنبية؟

17 أبريل، 2018


اتجهت الحكومة الإيرانية، في الآونة الأخيرة، إلى توحيد سعر صرف الريال بين السوقين الرسمي والموازي لكافة الأنشطة والمعاملات الاقتصادية والتجارية، وذلك على خلفية تدهور سعر الصرف إلى مستويات بلغت 60 ألف ريال في السوق الموازي مؤخرًا، والذي جاء في إطار سلسلة من التراجعات للعملة المحلية أمام العملات الصعبة امتدت على مدار الأشهر الماضية.

ويعود هذا التراجع إلى أسباب عديدة بعضها يتصل بالتداعيات المتعلقة باحتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وعدم كفاءة نظام سعر الصرف، وخروج النقد الأجنبي من إيران، إلى جانب المضاربة على العملات الصعبة. ولا شك أن تلك الخطوة قد تنجح مؤقتًا في معالجة تشوهات سوق النقد الأجنبي، إلا أنها لن تحول دون هبوط الريال مقابل العملات الصعبة مجددًا خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب تدخلاتها في الأزمات الإقليمية المختلفة وخلافاتها مع بعض القوى الدولية حول برنامجيها النووي والصاروخي.

أسباب متعددة :

يتعرض سوق الصرف، منذ أشهر عديدة، لضغوط واسعة أدت إلى اتساع الفجوة لسعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية بين السوقين الرسمي والموازي بحوالي 30% في منتصف فبراير الماضي. وثمة عوامل عديدة ساهمت في حدوث ذلك، يتمثل أولها، في نظام سوق الصرف ذاته الذي يتبناه البنك المركزي، ويفرض عبره أسعار صرف متفاونة بين المعاملات الاقتصادية والتجارية.

وحتى وقت قريب، فرض البنك المركزي سعر صرف أقل من السعر السوقي بالنسبة لمستوردي بعض السلع الحيوية، في حين ترك للسوق الموازية تسعير باقي المعاملات الاقتصادية بما فيها سفر المواطنين للخارج،  وهو ما أتاح المجال أمام متداولي العملات الصعبة للمضاربة على الريال.

ويتعلق ثانيها، بخروج أموال كبيرة من النقد الأجنبي من إيران إلى بريطانيا وكندا وتركيا في الأشهر الثلاثة الماضية وذلك خلال فترة المظاهرات الواسعة التي شهدتها عدة مدن في نهاية ديسمبر الماضي. ووفق رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى محمد رضا بوري إبراهيمي، فقد خرج ما يقدر بـ 30 مليار دولار من البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية قبل نهاية السنة المالية الفارسية في 20 مارس الماضي.

وينصرف ثالثها، إلى بعض الترجيحات التي تشير إلى دور جوهري مارسه تجار العملات الأجنبية خلال الأشهر الماضية في المضاربة على العملة الإيرانية مقابل العملات الصعبة مستفيدين من حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد نتيجة المخاوف المرتبطة باحتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وهو ما دعا محافظ البنك المركزي ولى الله سيف، في يناير الماضي، إلى توجيه تحذيرات للمستثمرين المضاربين على هبوط الريال من احتمال التعرض لخسائر.

ويرتبط رابعها، بضعف المردود الاقتصادي للاتفاق النووي، خاصة أن البنوك الإيرانية ليس لديها إمكانية، حتى الآن، لإجراء معاملات بالدولار الأمريكي بموجب التشريعات الأمريكية، كما أن  الكثير من البنوك العالمية مترددة في إجراء معاملات مع إيران خشية العقوبات الأمريكية.

فضلاً عن ذلك، أدى التصعيد الأمريكي ضد إيران من خلال فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية الخاصة ببرنامجها الصاروخي الباليستي إلى تقويض الثقة الدولية في الاقتصاد على مدار الأشهر الماضية، بشكل دفع كثيرًا من الشركات الأجنبية للإحجام عن إبرام صفقات استثمارية مع إيران.

وبالتزامن مع ذلك أيضًا، شهدت صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات تراجعًا في الأشهر الماضية، وصل ذروته في مارس الماضي، حيث بلغت الصادرات نحو 1.94 مليون برميل يوميًا، أى بانخفاض 21% عن الشهر السابق، وهو أدنى مستوى منذ مارس 2016، وبانخفاض بنسبة 26% على أساس سنوي، وذلك لأسباب يرتبط بعضها بتحول المشترين للنفط الإيراني إلى موردين آخرين.

واللافت في هذا السياق، هو أن اتجاهات عديدة تشير إلى دور ما ربما مارسه التيار المحافظ داخل إيران في التلاعب في قيمة العملة، بهدف إضعاف شعبية التيار المعتدل الذي يقوده الرئيس حسن روحاني.

آليات مختلفة:

فرض اضطراب سوق الصرف ضغوطًا جديدة على الأوضاع الاقتصادية المعيشية، حيث تأثرت أعمال بعض الشركات، لا سيما صغيرة الحجم، وسط حالة عدم اليقين الناجمة عن ذلك والشكوك حول توافر الواردات في الأسواق. وعلى الأرجح، فإن معدل التضخم سوف يواصل الارتفاع في الفترة المقبلة وفوق مستوى شهر مارس الماضي الذي وصل فيه إلى 9.6%.

وفي محاولة لتحجيم التداعيات السلبية السابقة، سارعت الحكومة، في 10 إبريل الجاري، للإعلان عن توحيد سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار عند مستوى 42 ألف ريال في جميع الأسواق ولكل أنشطة الأعمال، ونحو  59.330 ألف ريال للجنيه الإسترليني، و51.709 ألف ريال لليورو.

وفي الوقت نفسه، أقر البنك المركزي حد أقصى لحيازة المواطنين للنقد الأجنبي خارج البنوك عند 12.3 ألف دولار، داعيًا المواطنين لبيع أى كمية فائضة أو إيداعها في البنوك قبل نهاية الشهر الحالي، حتى لا يتعرضون لعقوبات. وفي هذا السياق، أكد النائب الأول للرئيس إسحاق جهانجيرى، في 10 إبريل، إصرار الحكومة على مكافحة السوق السوداء، مشيرًا إلى أن تعاملات العملة الصعبة خارج منظومة البنك المركزي تعتبر تهريبًا.

ويمثل هذا التوجه امتدادًا لحملة بدأتها الشرطة، بالتعاون مع البنك المركزي، خلال الأشهر الماضية، لمواجهة المستثمرين وشركات الصرافة المضاربة على العملات الصعبة، حيث أوقفت الشرطة، في فبراير الماضي، 100 تاجر عملات أجنبية، بعد أن سجل الريال انخفاضًا حادًا مقابل تلك العملات خلال تلك الفترة.

وقبل أن يقر البنك المركزي سياسة توحيد سعر الصرف، سمح للبنوك الإيرانية، في أواخر فبراير الماضي، بإطلاق شهادات إدخار بنسبة 20% بالعملة المحلية و4% بالعملة الأجنبية، بما يساعد على امتصاص السيولة في السوق ودعم جاذبية العملة المحلية من أجل تحجيم المضاربة على العملات الصعبة.

كما اتجه، بالتعاون مع الحكومة، إلى تبني تدابير عدة للسيطرة على السوق تهدف إلى المساعدة في الحفاظ استقرار سوق الصرف ينصرف أبرزها إلى إبرام صفقات مبادلة العملات الثنائية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين لإيران، على غرار تركيا.

وإلى جانب ذلك، خططت الحكومة، في عام 2016، لتسوية معاملاتها الخارجية وخاصة فيما يتعلق بمبيعات النفط عبر عملات أخرى مثل اليورو، لكنها لم تنجح في ذلك، حيث يغلب استخدام الدولار بأسواق النفط العالمية.

وتعد سياسة توحيد سعر الصرف خطوة جوهرية نحو إصلاح سوق الصرف، حيث من المتوقع أن تعمل على كبح الضغوط التي يتعرض له الريال مقابل العملات الصعبة مؤقتًا، خاصة أنها ستقلل من جاذبية السوق الموازي نسبيًا بالتزامن مع حملات كبيرة متوقعة من جانب الشرطة ضد المضاربين.

لكن في المقابل، من المتوقع أن يترتب على هذه السياسة تكلفة واسعة قد يتحملها المواطنون من خلال ارتفاع أسعار السلع الرئيسية التي كان يدعمها البنك المركزي في السابق. ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فمن المحتمل أن يقود تطبيق هذه السياسة إلى ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 12% أى حوالي نقطتين مئويتين فوق المستوى الحالي البالغ 10%. 

وسيظل سعر صرف العملة المحدد من قبل البنك المركزي غير عادل ولا يعبر عن القيمة الحقيقية، حيث أن السعر الحالي للدولار مُثبَّت عند 42 ألف ريال، في حين أن السعر بالسوق الموازية، قبل سياسة توحيد سعر الصرف، كان مقدرًا بحوالي 60 ألف ريال، وهو ما يعتبر فجوة كبيرة قد تقود إلى انتعاش السوق الموازية مرة أخرى، لا سيما إذا لم يقم البنك المركزي رسميًا بخفض تدريجي للعملة في الفترة المقبلة.

وختامًا، يمكن القول إنه رغم أهمية الخطوات التي تبنتها الحكومة والبنك المركزي، خاصة ما يتعلق بتوحيد سعر الصرف، في معالجة بعض تشوهات سوق الصرف، إلا أن فعاليتها ستبقى محدودة خاصة في ظل تصاعد حدة الضغوط الخارجية التي تواجهها إيران بسبب السياسة التي تتبناها في التعامل مع أزمات المنطقة فضلاً عن تزايد احتمالات توقف العمل بالاتفاق النووي.