أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ما وراء الديمقراطية:

مأزق "حروب التصويت" في النظام الانتخابي الأمريكي

22 يوليو، 2024


عرض: منى أسامة

"إذا لم تكن رجلاً أبيض يملك عقاراً في عام 1789، وهو العام الذي تمت فيه المصادقة على الدستور، فإن فرصك في القدرة على التصويت في أية انتخابات في الولايات المتحدة ضئيلة"... هذه العبارة الصادمة تعكس ما يعانيه واقع الديمقراطية الأمريكية من عوار قانوني، فيما يخص تنظيم الحق في التصويت للمواطنين، وذلك في مختلف الانتخابات الأمريكية بما فيها الانتخابات الرئاسية، ولاسيما وأن هذا الحق لا ينظمه الدستور الأمريكي، وإنما تقرر كل ولاية قواعد التصويت الخاصة بها خلال انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ؛ مما يترتب عليه حرمان عدد كبير من المواطنين الأمريكيين من الحق في التصويت أو على الأقل وضع عوائق أمام مشاركة هؤلاء في التصويت. 

في هذا السياق، يستعرض ريتشارد إل هاسن، مدير مشروع حماية الديمقراطية التابع لقانون جامعة كاليفورنيا، في كتاب "حق حقيقي في التصويت: كيف يمكن للتعديل الدستوري أن يحمي الديمقراطية الأمريكية"، مشكلات حرمان ناخبين أمريكيين من فئات مختلفة كالعسكريين والنساء والأمريكيين من أصل إفريقي وأصحاب الأحكام وغيرهم من الحق في التصويت، وذلك بناءً على مقابلات قام بها المؤلف مع فئات مختلفة من المجتمع، في الوقت ذاته يطرح الحل المتمثل في تمرير تعديل دستوري يقر بالحق في التصويت لتعزيز الديمقراطية الأمريكية. 

حروب التصويت:

شهد الدستور الأمريكي العديد من التعديلات خلال السنوات الماضية بشأن الانتخابات منها، عدم دستورية تقييد التصويت على أساس العرق والجنس والعمر لأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً. من جانبها، اعتمدت المحكمة العليا على هذه التعديلات لتوسيع حق الانتخاب للمواطنين، والذي ارتبط بحركة الحقوق المدنية بشكلٍ عام. 

مع ذلك، كان للسياق السياسي الأمريكي أثر سلبي على الانتخابات، وذلك نتيجة عدة عوامل أهمها، الصراعات الحزبية الصارمة، والتي جعلت السائد هو تحكم النفوذ بدلاً من إقناع الناخبين بالمرشحين، حتى إن الوصول إلى صناديق الاقتراع أصبح في حد ذاته ساحة للصراع السياسي الحاد، وهو ما أطلق عليه المؤلف "حروب التصويت"، وعادة ما تنتهي هذه الحروب في ساحات القضاء؛ إذ لا توفر قواعد التصويت في الولايات المتحدة الحماية الكافية لحقوق الناخبين في ممارسة حقهم الانتخابي. 

في الإطار ذاته، يشير المؤلف إلى الصراع الدائم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي سواء قبل الانتخابات أم بعدها؛ بشأن قواعد تنظيم التصويت (مكان التصويت - من يمكنه التصويت - ما إذا كان الناخبون بحاجة إلى إظهار هويتهم) ولاسيما عندما تكون نتائج الانتخابات متقاربة؛ مما يدفع أنصار الحزبين إلى المُطالبة بعدم احتساب أصوات معينة لترجيح كفة مرشحهم، وهو ما يعكس عدم وجود قواعد صارمة لتنظيم الحق في التصويت.

المحرومون من التصويت:

من وجهة نظر المؤلف، هناك عدد من العقبات الرئيسية التي تعترض حق المواطنين في التصويت، وهي تمثل القيود التي تفرضها الولايات الأمريكية على بعض الإجراءات، كعرقلة الوصول إلى صناديق الاقتراع، والتمييز ضد مجموعات مستهدفة، والإدارة غير الفعالة للانتخابات عن قصد، والادعاءات الكاذبة بالتزوير، يضاف إلى ذلك عدة عراقيل أخرى من أبرزها:

• تشترط غالبية الولايات الأمريكية قيام الناخبين بالتسجيل قبل يوم الانتخابات بمدة تصل إلى شهر واحد، حتى يُسمح للناخبين الإدلاء بأصواتهم؛ ونتيجة لذلك في عام 2008، لم يتمكن حوالي ستة ملايين ناخب مؤهل من التصويت؛ بسبب الصعوبات المرتبطة بمتطلبات التسجيل، وأغلبهم من الفقراء والمهمشين وغير المتعلمين. من جانبها، اقتنعت المحكمة بادعاءات الولايات الأمريكية بأن التسجيل المسبق ضروري لإجراء انتخابات منظمة وإثبات أن الناخب مقيم حقيقي. لكن في المقابل، هناك ثماني ولايات تسمح للناخبين بالتسجيل في يوم الانتخابات، كما تنفذ ولايتان غيرهم التسجيل في نفس اليوم، في حين لا تتطلب ولاية (داكوتا الشمالية) تسجيل الناخبين، كشرط للتصويت على الإطلاق؛ مما يعني أن التسجيل المسبق بوقت طويل غير ضروري.

• تشترط بعض القوانين على الناخبين الأمريكيين إبراز بطاقة هوية حديثة تحمل صورة للتصويت؛ مما تسبب في منع أعداد كبيرة من المواطنين خاصة الفقراء والأقليات من التصويت. وكان دافع المحكمة العليا للموافقة على قانون إبراز هوية الناخب في ولاية إنديانا عام 2008 هو مصلحة الولاية في حماية الهوية.

• التصويت في أيام الثلاثاء، وهو ما يمثل عبئاً على أي شخص لا يملك القدرة على إعادة ترتيب مواعيده وفقاً للانتخابات، فعلى سبيل المثال، أثناء انتخابات عام 2020 التي تزامنت مع جائحة "كورونا"، وجد الأمريكيون الأصليون الذين يعيشون في المحميات صعوبة في المشاركة في التصويت. حتى إن نظام "التصويت المبكر" عن طريق البريد أو في مواقع الاقتراع المبكر شهد خلافاً حزبياً، ففي وقت يتبنى الديمقراطيون هذا النظام يهاجمه الجمهوريون، وعلى رأسهم دونالد ترامب، الذي يرى أن هذا النظام عرضة للتزوير على نطاق واسع.

• انتظار الناخبين في صفوف طويلة تمتد إلى ثماني ساعات من أجل الإدلاء بأصواتهم يُعد انتهاكاً للالتزامات الدستورية للدولة فيما يتعلق بحق الفرد في التصويت. 

• لا بد من إعادة النظر في قوانين حرمان المجرمين من حق التصويت، والذين تُقدر أعدادهم بما يقرب من ستة ملايين أمريكي، بما في ذلك أربعة ملايين خرجوا من السجن. 

• تمنع عدة ولايات أكثر من واحد من كل خمسة أمريكيين من أصل إفريقي من التصويت؛ مما يعكس التمييز على أساس اللون. 

• حرمان ملايين من الأمريكيين الذين يعيشون في مقاطعات كولومبيا، وبورتوريكو، وأقاليم أخرى، من حق التصويت بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، علاوة على أنهم لا يمتلكون أي نائب بالكونغرس.

يرى المؤلف أن غالبية قواعد التصويت في الولايات المتحدة تحكمها الأهواء الحزبية والمصالح السياسية؛ إذ إن هناك تشابكاً دائماً بين الحزبين الرئيسيين حول الإجراءات اللازمة لإصلاح المشكلات المتعلقة بعدة موضوعات كتسجيل الناخبين، وإبراز بطاقة هوية للناخب، علاوة على التنافس بينهما من أجل الحصول على السلطة السياسية.

دور الحركات الديمقراطية:

هناك "حركة ديمقراطية" من الأمريكيين المهتمين بشكل خاص بتحسين أداء الديمقراطية الأمريكية، وما يتعلق بها من أجهزة وإجراءات وقوانين، ويكرس هؤلاء (سواء منظمات أم أفراد) جهودهم من أجل النضال لحل عِدة قضايا بشأن حق التصويت منها تغيير متطلبات التسجيل، وإلغاء قوانين تحديد هوية الناخب، وتوسيع نطاق التصويت المبكر، فضلاً عن عشرات الإصلاحات المفيدة الأخرى المعززة للديمقراطية، ولكن قليلاً منهم يتبنى الدعوة لتعديل الدستور علانية؛ إذ يعتقد بعض أنصار الحركة الديمقراطية أن الاعتراف بهذا النقص الدستوري يضعف اعتمادهم على "حق التصويت" الضمني في الدعوة القانونية، في حين يفترض آخرون أن النضال من أجل التعديل الدستوري مضيعة للوقت والمال؛ وهو ما يرفضه المؤلف. 

في هذا الإطار، يُطالب المؤلف بشكل واضح بضرورة تمرير تعديل دستوري يمنح المواطنين الحق الكامل في الانتخاب من دون تمييز على أساس عرق أو لون أو غيره، كما يقترح مسودة لتعديل الدستور تتضمن عدة نصوص منها "حق مواطني الولايات المتحدة في التصويت في أية انتخابات تمهيدية أو غيرها لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس... فلا يجوز للولايات المتحدة أو أية ولاية حرمان الناخبين أو تقييدهم...". وترك المؤلف بعض القضايا للمُشرِّع من أجل البت فيها مثل: ضمان حق التصويت للمجرمين وحقوق التصويت الكاملة للمقيمين داخل الأراضي الأمريكية. 

بنظرة متفائلة، يشير المؤلف إلى مثال تاريخي بشأن مطالبات "تعديل الحقوق المتساوية ERA" وهو تعديل مقترح لدستور الولايات المتحدة لضمان حقوق قانونية متساوية لجميع الأمريكيين بصرف النظر عن الجنس، والذي لم يتم التصديق عليه لأربعين عاماً، لكنه في الوقت نفسه أعطى الحركة النسائية الناشئة حينها هدفاً واضحاً، وزودها بمهمة إرشادية، ودفع إلى محادثات وطنية مهمة حول المساواة وحقوق جميع الناس. ومن خلال قوانين الولايات والقوانين الفدرالية، تمكنت النساء من تحقيق العديد من الأهداف المرجوة، وبناءً عليه يرى المؤلف أن السعي لتعديل الدستور الأمريكي ليس مستحيلاً لكنه يحتاج إلى عزيمة ونضال.

في هذا السياق، يشير المؤلف إلى العوائد الإيجابية المتوقعة من التعديل الدستوري وإضافة الحق في التصويت إلى ما هو أبعد من قضايا الاقتراع مثل: وقف تأثير المال في السياسة؛ إذ إنه بموجب المحكمة العليا، لا يمكن تقييد قدرة الأفراد والشركات على إنفاق مبالغ غير محدودة للتأثير في الانتخابات. 

من العوائد الإيجابية أيضاً للتعديلات المقترحة، إيقاف ما أطلق عليه المؤلف "تخريب الانتخابات"، والمقصود به هو تبادل التُّهم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما يتعلق بالتزوير أو التلاعب أو غيره بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الصحافة وداخل أروقة المحاكم، والذي أصبح عادة في الانتخابات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. من وجهة نظر المؤلف. "فالحق الدستوري في التصويت من شأنه ليس فقط حماية حقوق الناخبين الأساسية، لكن في الوقت نفسه التعامل مع بعض الأمراض الخاصة بالنظام الانتخابي التي جعلت الولايات المتحدة ليست رائدة على مستوى العالم في مسألة الديمقراطية". 

ويرى المؤلف أن التعديل المقترح يجعل التصويت أسهل ويجعل الاحتيال أو التزوير أمراً صعباً، علاوة على أنه يجعل تتبع الناخبين أمراً أسهل؛ ومن ثم يقلل حجم التقاضي الانتخابي ويصعب تخريب نتائج الانتخابات الأمريكية. 

ختاماً، يستهدف الكتاب تمرير تعديل دستوري يضمن حقوق تصويت متساوية تقريباً لجميع المواطنين البالغين المقيمين في الولايات المتحدة دون استثناءات بناءً على الطبقة أو اللون أو غيره، وذلك لتعزيز الديمقراطية الأمريكية، والحد من الصراعات والاستقطاب الحزبي الكبير الذي يعاني منه المجتمع السياسي الأمريكي؛ إذ تسبب هذا الاستقطاب كثيراً في إفساد العملية الانتخابية بشكلٍ خاص والإساءة إلى صورة الديمقراطية الأمريكية بشكلٍ عام، وعلى الرغم من أن الطريق إلى التعديل الدستوري المناسب أمر صعب، فإنه يستحق هذا النضال، وفقاً للمؤلف.

المصدر:

Richard L. Hasen, A Real Right to Vote: How a Constitutional Amendment Can Safeguard American Democracy (Princeton University Press, 2023).