مع اقتراب موعد إلغاء تخفيضات إنتاج النفط الخاصة بتحالف "أوبك +" في سبتمبر 2022، والوصول بمستويات الإنتاج إلى ما كانت عليه قبل تفشّي جائحة "كوفيد – 19"، يترقب سوق النفط العالمي السياسة الإنتاجية الجديدة الخاصة بالتحالف، وكيف ستكون العلاقة بين روسيا ودول "أوبك +" بعد الحرب الأخيرة.
وفي ظل الاستقرار الذي شهدته سوق النفط على أثر اتفاقية تحالف "أوبك +" بشأن سقف الإنتاج، فمن المرجح أن يحرص أعضاء التحالف على التوصل لصيغة جديدة لدعم بقائه بهدف المحافظة على توازن السوق واستقراره في مواجهة المتغيرات على الساحة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من بعض التكهنات التي أثيرت في الصحافة الغربية حول استبعاد روسيا من اتفاق "أوبك+" الجديد المرتقب، فإنه من المتوقع أن تستمر موسكو في لعب دور محوري، بالتعاون مع أعضاء أوبك، في الحفاظ على استقرار سوق النفط.
مستجدات عالمية:
ثمة عدد من المتغيرات العالمية الجديدة التي من شأنها أن تؤثر على سوق النفط العالمي، وبالتالي السياسة الإنتاجية الخاصة بالتحالف في الفترة المقبلة، ويمكن إيضاح أبرزها على النحو التالي:
1- انخفاض الإنتاج النفطي الروسي: تعتبر روسيا أحد أهم منتجي النفط على المستوى العالمي وبحصة تقدر بحوالي 10% من الإمدادات العالمية قبل اندلاع الحرب الأوكرانية الأخيرة، بيد أنه من المتوقع انخفاض إنتاجها من النفط في ضوء العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، والحظر الأوروبي لواردات النفط الروسي المنقول بحراً.
وترجح التقديرات أن يتراوح إنتاج النفط الروسي ما بين 9.3 إلى 9.7 مليون برميل يومياً بنهاية العام الجاري مقارنة بـــ 10.2 مليون برميل يومياً في العام الماضي، وفق تصريحات سابقة لنائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك.
2- ضغوط لرفع إنتاج النفط: تقود الولايات المتحدة الأمريكية وكبار مستهلكي النفط الخام ضغوطاً متكررة خلال الفترة الماضية على منتجي النفط لضخ إمدادات إضافية في السوق من أجل كبح الأسعار.
ويشكل ارتفاع معدلات التضخم الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، خطراً بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لاسيما مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وهو ما دفع البيت الأبيض للترحيب بقرار تحالف "أوبك +" الأخير بشأن زيادة إنتاج النفط، وذلك على الرغم من محدودية هذا الارتفاع.
3- تعافٍ بطيء للطلب العالمي: توقعت "أوبك" في تقريرها الشهري ارتفاع الطلب العالمي على النفط بنحو 3.36 مليون برميل يومياً عام 2022، لكن بانخفاض قدره 310 آلاف برميل يومياً مقارنة بالتوقعات السابقة.
ومع ذلك، قد تدعم التوقعات بانتعاش اقتصاد الصين، الطلب العالمي على النفط، خاصة بعد تخفيف إجراءات الإغلاق في المدن الرئيسة في الصين، واعتزام الحكومة الصينية اتخاذ عدداً من التدابير لدعم نمو اقتصادها المتضرر من الجائحة.
4- توقعات بارتفاع الأسعار: رفعت معظم المؤسسات الدولية توقعاتها لأسعار النفط في ضوء المعطيات السياسية والاقتصادية الجديدة على الساحة الدولية. وتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن تبلغ أسعار خام برنت نحو 135 دولاراً للبرميل خلال الـ 12 شهراً المقبلة اعتباراً من يوليو، في ظل انتعاش الطلب على النفط بالصين وانخفاض الإنتاج الروسي. كما رفع بنك "باركليز" من توقعاته لأسعار خام برنت، ليصل إلى 111 دولاراً للبرميل في المتوسط خلال العامين الحالي والمقبل.
مبررات الإبقاء:
مع اقتراب موعد انتهاء اتفاق تحالف "أوبك+" بشأن الإنتاج، تترقب سوق النفط ما إذا كان سيتم تمديد الاتفاقية، خاصة في ظل الصراع الروسي – الأوكراني الأخير. وتشير أغلب التقديرات إلى أن دول التحالف ستسعى للحفاظ على وجود اتفاق بشأن سياسة الإنتاج، لتجنب حالة الانهيار التي شهدتها سوق النفط عام 2020، ولحماية مصالح جميع الأعضاء، وذلك في ضوء ما يلي:
1- دعم استقرار الأسعار: أسهم اتفاق الإنتاج الحالي في تعزيز أداء سوق النفط في مواجهة العديد من التحديات، ومن بينها، تداعيات جائحة "كوفيد – 19" وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثم فإن عدم تجديد اتفاق "أوبك +" الخاص بسقف الإنتاج، قد يعطي إشارات بتراجع التحالف عن دعم توازن السوق في وقت يشهد فيه العالم اضطراب في الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية، مما ينذر باهتزاز السوق.
2- ضمان عدم إغراق السوق: من المتوقع أن يبقى الاتفاق المرتقب على بعض نقاط القوة التي أسهمت في نجاح الاتفاق الحالي، ومنها استمرار تحديد حصص الإنتاج والامتثال لها، فضلاً عن الاجتماعات الشهرية لبحث التطورات الخاصة بالسوق. ففي حال عدم تجديد الاتفاق، قد تشهد سوق النفط العالمية إغراقاً بالنفط من قبل بعض المنتجين، وبالتالي تراجع الأسعار بشكل حاد.
3- تحفيز الاستثمارات بقطاع الطاقة: سيسمح التوصل لاتفاق جديد بالمحافظة على الأسعار المرتفعة، وبالتالي سيعزز من الاستثمارات في القطاع النفطي، الأمر إلى سيسمح للدول بوفاء بالتزاماتها وحصصها الإنتاجية مستقبلاً.
انتفاء الحاجة:
ترجح بعض التقديرات أن تحالف "أوبك +" لن يدخل في اتفاق جديد بشأن الإنتاج، لطالما بقيت ديناميكيات سوق النفط متوازنة، خاصة أن العديد من دول التحالف لم تتمكن من الوفاء بحصتها من إنتاج النفط، وذلك بالنظر إلى الآتي:
1- حدود الطاقة الإنتاجية: قد يفضل بعض المنتجين خاصة أولئك الذين يمتلكون طاقات فائضة كبيرة عدم التقيد بحصص إنتاجية، حيث لا تميل الدول إلى الالتزام بأية قيود على طاقتها الإنتاجية، كما لا ترغب في التنازل عن أي حصة للمنافسين في السوق، سواء داخل التحالف أو خارجه.
ولكن على الجانب الآخر، بلغ عدد من منتجي التحالف بالفعل الحد الأقصى لما يمكنها ضخه من النفط، بسبب مشكلات هيكلية في قطاع التنقيب والإنتاج، بالإضافة إلى اعتراف روسيا بأن إنتاجها قد ينخفض بنحو 8.4% خلال العام الجاري؛ بسبب العقوبات الغربية.
فعلى الرغم من قرار "أوبك +" الأخير بشأن زيادة الإنتاج بواقع 648 ألف برميل يومياً، خلال شهري يوليو وأغسطس، فإن الكثير من دول التحالف ليست قادرة على زيادة إنتاجها والوفاء بحصصها تجاه إمدادات سوق النفط.
وجدير بالذكر أنه وفقاً لتقديرات وكالة "ستاندرد آند بورز"، فقد تراجع إنتاج التحالف بنحو 2.6 مليون برميل يومياً في أبريل 2022 مقارنة بمستهدفاته الإنتاجية.
2- التحول نحو الطاقة المتجددة: على الرغم من حرص دول التحالف على بقاء الأسعار المنتعشة، والتي تدعم موازناتها وتعزز من الاستثمارات في القطاع، فإن الأسعار المرتفعة تزيد مخاوف المستهلكين بشأن أمن الإمدادات، وتدعم التوجهات نحو تحوّل قطاع الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري.
ماذا عن روسيا؟
تشير بعض التقارير إلى أن منظمة "أوبك" تدرس تعليق مشاركة روسيا في اتفاق إنتاج النفط، في ظل العقوبات المفروضة عليها، وأيضاً حظر الاتحاد الأوروبي واردات النفط الروسي. ومع ذلك، يبدو من المستبعد خروج روسيا من التحالف الحالي، ويمكن تفصيل كل ذلك على النحو التالي:
1- إفساح المجال أمام منتجين آخرين: قد يمهد انخفاض الإنتاج الروسي من النفط لإعفائها من نظام الحصص، كما هي الحال بالنسبة لكل من إيران وفنزويلا وليبيا، مما ستعوضه دول المنظمة، خاصةً السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق وغيرها.
ويتواكب التطور السابق مع آراء بعض المحللين التي تذهب إلى أن الزيادة الأخيرة التي أقرتها "أوبك +" تأتي في ظل زيارة مرتقبة من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للرياض في محاولة لتحسين العلاقات الدبلوماسية المتوترة.
2- الرغبة في تماسك التحالف: على الرغم من الاعتبارات سالفة الذكر، فإن استبعاد روسيا من التحالف أو تعليق مشاركتها يعد أمراً غير مرجح؛ حيث تتنامى المخاوف بشأن استبعاد روسيا من اتفاق تحالف "أوبك +" الجديد باعتبار أن ذلك يفرغ التحالف من مضمونه، ويضعف تماسكه، ومن ثم يتسبب في تراجع أسعار النفط.
وفي هذا السياق، أعرب وزير الطاقة السعودي عن آمال المملكة في التوصل إلى اتفاق جديد مع "أوبك +"، يضم روسيا، لتحل محل الاتفاقية الحالية التي تنتهي بعد ثلاثة أشهر.
3- الديناميكية الروسية: بدأت موسكو في التنسيق مع مجموعة "أوبك" من خلال تحالف "أوبك +" منذ عام 2016. وعندما رفضت روسيا خفض الإنتاج في الأشهر الأولى من عام 2020، تسبب ذلك في حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية، والتي أدت لوصول الأسعار لقيم سالبة. وبالتالي فنظراً لكبر حجم الإنتاج الروسي وتأثيره على الأسواق، ستسعى دول التحالف إلى الإبقاء على موسكو ضمن الاتفاق الجديد لتجنب تكرار انخفاض الأسعار بشكل قياسي مرة أخرى.
وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج الروسي، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" أن ما يقرب من نصف صادرات النفط الخام المحظورة إلى أوروبا قد تتم إعادة توجيهها إلى آسيا وبعض المناطق الأخرى، ومن ثم فإن الإنتاج الروسي لا يزال مؤثراً على ديناميكيات السوق.
وعلى هذا النحو، يرى محللو شركة "في أي" (VI Investment Corp) أن أسعار النفط قد تنخفض إلى نحو 100 دولار للبرميل إذا تم استبعاد روسيا من تحالف النفط.
وفي الختام، يمكن القول إن حالة عدم اليقين التي خلقتها تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية، تجعل من الصعب التكهن بالشكل الذي ستبدو عليه اتفاقية الإنتاج الجديدة الخاصة بالتحالف، ولكن الأمر الأكيد هو حرص دول التحالف على ضمان استقرار سوق الطاقة مع اعتبار استمرار مشاركة روسيا أساسية في الاتفاق الجديد، حتى في حالة الإبقاء على تخفيضات رمزية لإنتاج النفط الروسي بعد انتهاء الاتفاق الحالي.