أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

محاربة الطائفية:

رؤية أمريكية لرفع كفاءة الجيش العراقي بعد" داعش"

16 مارس، 2020


عرض: عبدالله عيسى الشريف - باحث دكتوراه في العلوم السياسية

دفعت التطورات التي يشهدها العراق في أعقاب مقتل "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم "داعش" في أواخر أكتوبر 2019، ومقتل قائد فيلق القدس "قاسم سليماني"، وتزايد هجمات الميليشيات الشيعية ضد الوجود الأمريكي؛ إلى ضرورة بحث الولايات المتحدة عن استراتيجية لرفع كفاءة الجيش العراقي لمواجهة تحديات ما بعد "داعش"، ووضع أسس للتواجد العسكري الأمريكي بالعراق لمواجهة نفوذ طهران المتنامي ببغداد.

وفي هذا الإطار، يأتي تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب بالجيش الأمريكي، تحت عنوان "احترافية الجيش: التواجد العسكري الأمريكي في العراق بعد داعش"، أعده "أنتوني بفاف" (أستاذ الدراسات الاستراتيجية، والضابط الأمريكي المتقاعد، والمستشار العسكري بوزارة الخارجية الأمريكية، وزميل المجلس الأطلنطي)، ونشره المجلس الأطلنطي في ٣ فبراير من العام الجاري. وفيه يحاول وضع تصور مستقبلي بتوصيات مُحددة لرفع كفاءة الجيش العراقي لمواجهة تحديات ما بعد هزيمة تنظيم "داعش"، ووضع أسس للتواجد العسكري الأمريكي بالعراق.

ضرورة تعزيز التعاون

يشير "بفاف" إلى أنه على الرغم من أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي ينتابه القلق المتزايد من عودة تنظيم "داعش"، ونشوء ما يُسمى "داعش ٢"؛ فإن المؤسسات الأمنية الأمريكية لا بد وأن تقلق بشكل أساسي بشأن تطور "قوات الأمن العراقية ٤"، التي ستضطر إلى محاربة التنظيم، وتلبية مجموعة واسعة من المتطلبات الأمنية والدفاعية الأخرى.

يُشير مصطلح "قوات الأمن العراقية ٤" إلى أنها ليست أول محاولة من جانب الولايات المتحدة لمساعدة العراقيين في بناء قدراتهم الدفاعية، وأن واشنطن ليست الشريك الأمني الأول للعراق في تحقيق ذلك الهدف والارتقاء بقدراته الأمنية والدفاعية، فقد اتخذت بريطانيا والاتحاد السوفيتي جولات سابقة فيما يتعلق بتطوير القدرات العسكرية العراقية، وكانت النتائج متماثلة لكل منهما. 

ولذا، على الولايات المتحدة تحديد الغرض من التعاون الأمني مع بغداد، وألا يقتصر على إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" أو غيره من التنظيمات الإرهابية، وكذلك لا يقتصر على تأسيس شريك قادر على تهديد المصالح الإيرانية، فالعراق وإيران خاضا حربًا دموية طويلة ولا مصلحة لهما في العودة إلى هذه الحرب من جديد، كما أن طهران لا تملك في الوقت الراهن كثيرًا من الأدوات أو الموارد، لذا يجب أن تتمكن واشنطن من منافستها بفعالية أكبر، آخذة بعين الاعتبار المكاسب المتوقّعة حين يستطيع العراق أن يلعب دورًا أمنيًّا في الترتيبات الإقليمية، ويكون عضوًا بنّاءً في المجتمع الدولي.

ويؤكد الكاتب أنه من واقع مسح التاريخ العسكري العراقي، فإن الجيش العراقي يمتلك نقاط ضعف (قيادات ليست على قدر كبير من الكفاءة المطلوبة، وانقسام الولاءات) وقوة (جنود شُجعان)، فضلًا عن المؤسسات الضعيفة التي ارتفعت -في بعض الأحيان- إلى مستوى التحدي الدفاعي.

ويتحدث الكاتب عن استشراء الفساد، وسوء الاتصالات، وضعف الأداء الاستخباراتي، وارتفاع معدلات التغيُّب عن العمل. وقد ساعد ذلك في توفير البيئة الحاضنة للانقسامات الطائفية التي تستغلها وتؤججها إيران.

وعلى الرغم من الاحتجاجات الواسعة ضد النفوذ الإيراني في العراق، فإن سيطرة طهران على الحكومة العراقية سوف تُقيّد أي نوع من التعاون يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة.

ويتحدث الكاتب عن نشأة قوات الحشد الشعبي كقوة مسلحة منفصلة تقوض فعالية المؤسسة العسكرية العراقية، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على مسارات التعاون المأمول بين الولايات المتحدة والعراق.

ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تتمتع بعدد من المزايا النسبية في علاقتها ببغداد مقارنة بطهران، والتي إذا استُخدمت بالشكل اللائق فإنها قادرة على وضع الشروط اللازمة لإقامة جيش أكثر احترافية ومهنية. فالوضع الأمني في العراق لا يزال هشًّا، ويحتاج لمزيد من الدعم الدولي حتى تتمكن القوات العراقية من بسط سيطرتها.

ولن يتأتّى ذلك إلا بالمكاسب العراقية من التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، الذي لا يقتصر على الأسلحة (بما في ذلك الطائرات، وأنظمة التسليح الرئيسية، والمعدات، وأعمال الصيانة) ولكن من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية، وتقديم أوجه الدعم والتدريب وتبادل الخبرات لتكون العمليات العسكرية العراقية على نحو أفضل. بالإضافة إلى التواصل مع المجتمع الدولي، وهو ما من شأنه أن يزيد من الموارد المتاحة للتنمية، بما ينعكس على تعزيز شرعية البلاد باعتبارها قوة دولية مسؤولة.

جيش عراقي احترافي

يبرهن "بفاف" على أن الاحتجاجات العراقية الأخيرة أظهرت بوضوح أن الشعب العراقي يريد أن يكون جزءًا من دولة لا تعمل بشكل أفضل فحسب، بل أن تكون أكثر اندماجًا مع المجتمع الدولي. وعلى هذا فإن مطالب المحتجين تفرض ضغوطًا على الزعماء العراقيين لحثهم على إجراء إصلاحات جادة. ولكن بدون التشجيع والدعم المناسِبَيْن، لن تكون هناك إرادة جماعية كافية على الأرجح لإنهاء النفوذ الإيراني، والتغلب على الحواجز التي تعترض سبيل التقدم. 

وفي توفير هذا التشجيع والدعم، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستخدم ميزتها النسبية لتحفيز التدابير التالية لمعالجة أوجه القصور التي يجب حلها إذا أُريد للجيش العراقي أن يكون ذا طابع مهني. فتحديد ما يحتاج إلى التغيير يتطلب فهمًا أفضل لما يعنيه إضفاء الطابع المهني على قوة عسكرية في السياق العراقي. وتتمثل تلك التدابير في: 

أولًا- وحدة القيادة: من خلال تشجيع تعيين وزير دفاع عسكري غير طائفي، يتمتع بسلطات واختصاصات كاملة على جميع الأجهزة الأمنية، بما في ذلك قوات "الحشد الشعبي" التابعة لرئيس الوزراء. وكذلك العمل على توظيف وتدريب صغار القادة القادرين على الاستجابة من خلال التسلسل القيادي الهيراركي العسكري المُتعارف عليه. فضلًا عن تعزيز الروابط بين هذه الأجهزة، وتحديد مجالات تداخل وتكامل المسؤوليات والمهام.

ثانيًا- مكافحة الفساد: من خلال الربط بين الدعم الأمريكي، بما في ذلك أعمال التدريب والدعم التقني، وتبني ممارسات الشفافية والمساءلة، عبر تأسيس آلية ديناميكية يصبح معها التخلي عن الممارسات الفاسدة جديرًا بالاهتمام، مع تقديم الخبرة والدعم التكنولوجي لحمل العراقيين على تبني إجراءات لتقليل فرص الفساد، مثل إنشاء حسابات مصرفية فردية يتم من خلالها دفع أجور الجنود العراقيين، وضرورة العمل على تشجيع القيادة العراقية العليا على تطوير ونشر أخلاقيات مهنية تتوافق مع الثقافة العراقية التي تؤسس هوية الجيش العراقي عبر الالتزام بالمثل الإنسانية والكفاءة والإدارة الفعالة.

ثالثًا- الدعم الاستخباراتي والتكنولوجي واللوجيستي: من خلال تشجيع العراقيين على استخدام وصيانة الاتصالات العسكرية، وتحسين عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية، والأهم من ذلك العمل المشترك بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والعراقية من أجل تزويد القوات العراقية بمعلومات تكتيكية في الوقت المناسب وقابلة للتنفيذ. فضلًا عن القضاء على صراع الأجهزة واستخدام أجهزة الاستخبارات والأمن لمراقبة أنشطة بعضها بعضًا.

رابعًا- رفع كفاءة الجيش العراقي: من خلال تحسين القدرات الإدارية من مساءلة وموارد ورواتب أفضل للجنود، وصولًا لبناء الثقة بين الجنود والقادة، والتوسع في تعيين خريجي الجامعات، خاصة في المجالات الفنية، وتكثيف التعاون العلمي والأكاديمي بين المدارس التعليمية العسكرية الأمريكية والمدارس العراقية، بالتركيز على المهارات التكتيكية والتشغيلية والمعايير والضوابط الوظيفية. إضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تحاول إعادة تنشيط برامج اللغة الإنجليزية التي ينفذها معهد الدفاع العراقي، حيث إن القيام بهذا من شأنه أن ييسر التشغيل البيني مع القوات الأمريكية وقوات التحالف.

خامسًا- محاربة الطائفية: من خلال تجنب سياسات الكراهية وعدم التسامح، والعمل على جعل العراقيين يختارون دومًا بين العلاقة مع الولايات المتحدة والعلاقة مع إيران، من خلال المزايا الأمريكية لبناء جيش عراقي أكثر مهنية وغير طائفي، والتعريف بحالات التأثير الإيراني، وعدم تشجيع الحكومة العراقية على إنشاء مؤسسات أمنية جديدة، وتشجيعها على وضع جميع الأجهزة الأمنية تحت السيطرة التنفيذية المباشرة، إما من قبل وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، حسب الاقتضاء. وضرورة الحفاظ على علاقة مع القوات الكردية ودعمها، ولكن بطريقة تبني -أو على الأقل لا تُقوّض- العلاقات مع بغداد. وتشجيع المزيد من التعاون الدولي لزيادة الموارد المتاحة للجيش العراقي وشرعية الوجود الأمريكي بطرق لن يتمكن الإيرانيون من تكرارها.

ويخلُص "بفاف" إلى أنه مع غياب تنظيم "داعش" عن السيطرة على الأراضي العراقية، فإن الأساس المنطقي للعمل المباشر من جانب الولايات المتحدة في بغداد، ووجود أعداد كبيرة من المستشارين العسكريين، فضلًا عن الدعم الاستخباراتي واللوجيستي القوي؛ سوف يختفي.

ولكنه يشير إلى أنه من المرجّح أن يتقبل العراقيون أشكالًا محدودة من التعاون الأمريكي ضد تنظيم "داعش" وأي تنظيمات مسلحة أخرى تهدد السيادة العراقية من جديد. وفي المقابل فإن الموارد المحدودة والتحديات الأمنية العالمية المتنامية تحول انتباه الولايات المتحدة إلى أماكن أخرى.

ويرى الكاتب أن اللحظة الحالية في تاريخ العراق العسكري تمنحه زخمًا نادرًا للإصلاح، حيث يمكن للجيش العراقي أن يستفيد من صورته كمحرّر وطنيّ ومدافع عن السيادة العراقية، لجذب وتجنيد العديد من العناصر المؤهلة والمناسبة لطبيعة العمل المدني والعسكري، بالإضافة إلى الحاجة الملحّة لمتطلباته الدفاعية المستمرة عبر تفعيل الضرورات الإصلاحية الإدارية.

ولدعم هذه الجهود ينبغي على الولايات المتحدة أن تبذل جهودًا مستمرة ومطّردة تؤكد على المجالات الحاسمة التي نوقشت أعلاه من أجل وضع شروط لتحسن ملموس عندما تسمح الظروف السياسية والاجتماعية بذلك.

وختامًا، يؤكد الكاتب أن هذه التوصيات مجتمعة تُمثّل فرصةً مُلحّةً لجهود التعاون الأمني التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى "نقطة تحول" عبر تنفيذ إجراءات تهدف إلى بناء الثقة داخل الجيش العراقي ومع الأجهزة الأمنية الأخرى والحكومة المدنية. فذلك النوع من الإصلاح قد يسمح للجيش العراقي بتجاوز حدوده التاريخية الطائفية وصولًا لإصلاحات مأمولة واحترافية مطلوبة، وترسيخ نفسه كقوة عسكرية فعّالة ومهنية لمواجهة أخطار أمنية متنامية في منطقة تحتاج بشدة إلى الاستقرار.

المصدر:

C. Anthony Pfaff, Professionalizing the Iraqi Army: Us Engagement After the Islamic State, Strategic Studies Institute and U.S. Army War College Press, January 2020.