أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

دوافع مختلفة:

لماذا صعّدت حركة "طالبان" هجماتها في أفغانستان؟

16 أغسطس، 2018


اتجهت حركة "طالبان" الأفغانية إلى تصعيد هجماتها الإرهابية داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة، والتي ركزت فيها على استهداف القوات الحكومية، على غرار الهجوم الأخير الذي شنته على موقع تابعة للجيش في إقليم بغلان بشمال أفغانستان في 15 أغسطس الجاري، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 44 من أفراد الجيش والشرطة، وذلك في إطار هجمات متتالية وقعت منذ مطلع الشهر الجاري.

واللافت في هذا السياق، أن هذه الهجمات نفذت عقب إعلان الحركة، في 17 يوليو الماضي، قبولها إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنها تتوازى مع محادثات عقدها وفد من المكتب السياسي للحركة مع مسئولين في وزارة الخارجية الأوزبكية خلال زيارة قام بها إلى العاصمة طشقند، في الفترة من 6 إلى 10 أغسطس الجاري، حيث كانت جهود مواصلة عملية السلام والدور الذي يمكن أن تقوم به دول الجوار لدعمها المحور الأساسي في المحادثات، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب إصرار الحركة على توسيع نطاق عملياتها خلال الفترة الحالية.

هجمات متواصلة:

في الوقت الذي كانت تتوقع فيه اتجاهات مختلفة تراجع حدة الهجمات الإرهابية في أفغانستان خلال الفترة القادمة، بعد إعلان بعض المسئولين الأمريكيين إلى جانب حركة "طالبان" عن احتمال الدخول في مفاوضات، على اعتبار أن ذلك ربما يمثل، وفقًا لرؤيتها، الخطوة الأولى نحو تعزيز الاستقرار في أفغانستان، شنت الحركة هجمات إرهابية في عدد من الولايات المختلفة، مثل هجومها على مدينة غزنى في 10 أغسطس الجاري، والذي مكّن عناصرها من السيطرة على معظم أنحاءها، بعد أن قتل ما يقرب من 100 فرد على الأقل من قوات الأمن الأفغانية و30 مدنيًا ونحو 200 مسلح من الحركة.

كما سيطر عناصرها على قاعدة "شينايا" العسكرية في شمال أفغانستان، التي تقع في منطقة غورماش بولاية فرياب، في 14 من الشهر ذاته، مما أدى إلى مقتل 14 جنديًا. وهاجمت الحركة أيضًا عددًا من المراكز الأمنية في ولاية وردك جنوب العاصمة كابول، وهو ما أسفر عن مقتل 8 جنود وإصابة عدد آخر كان منهم قائد القوات الحكومية في المنطقة.

أسباب متعددة:

يمكن تفسير تعمد حركة "طالبان" تصعيد هجماتها الإرهابية خلال تلك المرحلة، بعد إبداء استعدادها للتفاوض مع واشنطن في وقت سابق وإجراء محادثات في طشقند، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز الموقع التفاوضي: يبدو أن الحركة تسعى من خلال عملياتها الإرهابية الأخيرة إلى تعزيز موقعها التفاوضي في حالة اتخاذ خطوات إجرائية لعقد مفاوضات مع بعض المسئولين الأمريكيين خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توجيه تعليمات لبعض الدبلوماسيين بالسعى إلى إجراء تلك المحادثات دون تحديد تاريخ لها. وتشير اتجاهات عديدة إلى أن الحركة تهدف من خلال ذلك إلى رفع سقف مطالبها من واشنطن وتعزيز فرص حصولها على مكاسب سياسية خلال المرحلة القادمة.

2- ضغوط معارضي التفاوض: تسعى "طالبان" إلى تقليص حدة المخاوف التي أبداها أحد الاتجاهات داخلها من التداعيات المحتملة التي قد تفرضها الموافقة على إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باحتمال اتجاه الحركة، بناءً على تلك المفاوضات، إلى وقف عملياتها الإرهابية ضد بعض الأهداف، خاصة المواقع التي تتواجد فيها القوات الدولية.

وتحاول الحركة من خلال ذلك تجنب احتمال اتساع نطاق الانشقاقات داخلها، حيث أن هذا المسار قد يدفع بعض كوادرها إلى رفض الاستجابة لتعليمات قادتها، على نحو قد يساهم في إضعافها وتراجع قدرتها على تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية.

3- توجيه رسائل: رغم النشاط المتصاعد لما يسمى بـ"ولاية خراسان" في أفغانستان التابع لتنظيم "داعش"، والذي يحاول توسيع نطاق انتشاره جغرافيًا داخل البلاد، بشكل أدى إلى تدفق عدد من عناصر "داعش" للانضمام إليه بعد الهزائم التي تعرض لها التنظيم في المناطق التي سيطر عليها في المرحلة الماضية، إلا إن حركة "طالبان" مازلت ترى أنها التنظيم الأقوى داخل أفغانستان، بسبب الانتشار الجغرافي وكثافة أعداد مقاتليها مقارنة بالمجموعات الأخرى، وهو ما حاولت التركيز عليه من خلال العمليات الأخيرة، التي سعت عبرها إلى توجيه رسائل إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى بأنها ما زالت لديها القدرة على تكريس نفوذها داخل خريطة تلك التنظيمات رغم التطور الملحوظ في نشاط الأخيرة خلال الفترة الماضية.

4- عرقلة جهود الحكومة: خاصة أن الهجمات الأخيرة تتوازى مع استعدادات الحكومة لإجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2018، وهو ما حاولت عبره الحركة تأكيد أن الخطوات التي تتخذها الحكومة لن تساهم في تعزيز الاستقرار على المستويين الأمني والسياسي داخل الدولة خلال المرحلة القادمة، بشكل يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة الانتقادات التي تواجهها الأخيرة من جانب قوى وتيارات عديدة تبدي تحفظات مختلفة إزاء الإجراءات التي تتخذها على المستويات المختلفة.

واللافت في هذا السياق، أن تقارير عديدة ربطت بين تعمد الحركة عرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة، وبين قيام مفوضية الانتخابات البرلمانية باستبعاد 35 مرشحًا من التنافس بعد ثبوت ارتباطهم ببعض الجماعات المسلحة، حيث أعلنت المفوضية أن هذا القرار جاء بعد إجراء تحقيق في شكاوى قدمت ضد المرشحين بشأن توجهاتهم السياسية، معتبرة أن "الهدف هو أن تكون العملية نظيفة وأن تجري انتخابات حرة ونزيهة".

من هنا، يمكن القول إن الجهود التي تبذلها أطراف عديدة من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السياسية والأمنية في أفغانستان خلال المرحلة القادمة تواجه تحديات لا تبدو هينة، لا سيما التي ترتبط بالتداعيات التي يمكن أن تتمخض عنها أية مفاوضات محتملة مع حركة "طالبان"، في ظل فشل الحركة في تبني موقف محدد وواضح إزاء تلك المفاوضات والنتائج التي يمكن أن تسفر عنها، وإصرارها على عدم التوقف عن تنفيذ عمليات إرهابية جديدة لدعم فرص إجراءها، وهو ما يوحي في النهاية بأن أفغانستان تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة خلال المرحلة القادمة، خاصة مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.