أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

السلاح القاتل:

اتجاهات ردع تهديدات "الدرونز" لأمن الدول

08 أغسطس، 2018


على الرغم من التطبيقات المدنية المتعددة للدرونز، إلا أن التهديدات الأمنية النابعة من توظيفها من جانب الفاعلين المسلحين من غير الدول تصاعدت بشكل غير متوقع، فقد حدثت محاولة اغتيال للرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" بالدرونز في أغسطس  2018، وهي المحاولة الأولى من نوعها في هذا الصدد. فقد أدى انخفاض تكلفة الحصول عليها، وعدم وجود قيود أمنية على اقتنائها وتطويرها؛ إلى تحولها إلى سلاح تقوم باستخدامه التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات المُسلحة، في الاغتيالات السياسية، والعمليات الإرهابية، واستهداف مناطق تمركز القوات الأمنية، والعمليات التخريبية، وهو ما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى تطوير منظومات للدفاع الجوي المضادة للدرونز، وفرض قيود وضوابط مشددة على اقتنائها وتطويرها واستخدامها.

تطور الدرونز: 

ظهرت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار نتيجة لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية في تطوير قاذفات قنابل بدون طيار لمهاجمة المدن الألمانية، أي أن الغرض الأساسي الذي وُجدت من أجله الدرونز هو غرض عسكري ودفاعي بالأساس ، وامتد استخدامها إلى العديد من التطبيقات المدنية والتجارية: البنية التحتية والحماية المدنية، وإنفاذ القانون والمراقبة، والصحافة، والأنشطة التجارية والترفيهية، ومجالات الزراعة والطاقة، ونقل السلع والبضائع، وتوصيل الطلبات للمنازل نظرًا لتمتعها بالعديد من المميزات، من حيث انخفاض التكاليف، وسهولة التشغيل، وخفة الوزن، وصعوبة التعقب.

ومع الوقت، سمحت التطورات التكنولوجية الملحوظة التي تم إدخالها على الدرونز بالتوسع الكبير في استخداماتها، سواء العسكرية أو المدنية، حيث تم استخدامها من قبل القوات العسكرية في تنفيذ عملياتها العسكرية في مناطق الصراعات، مما يُسهّل من استهداف العدو بشكل دقيق ودون إلحاق أي خسائر تذكر في أرواح الجنود. كما أن توفر تكنولوجيا الدرونز جعل من السهل استخدامها من قبل الفاعلين من غير الدول -مثل الميليشيات المسلحة- في الصراعات الداخلية، وكذلك الجماعات الإرهابية. 

توظيفات أمنية:

لم يعد استخدام الدرونز مقتصرًا على الدول، بل امتد أيضًا إلى الفاعلين من جانب الدول والجماعات الإرهابية، وهو ما جعل لها استخدامات متعددة. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز استخداماتها وذلك فيما يلي:

1- الاغتيالات السياسية: وصل الأمر إلى حد قيام بعض التشكيلات العسكرية المعارضة في فنزويلا بتنفيذ محاولة اغتيال للرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو"، وذلك خلال إلقائه كلمة عن الوضع الاقتصادي في العاصمة كراكاس بمناسبة الاحتفال بالحرس الوطني. حيث تم إطلاق طائرتين بدون طيار محملتين بالمتفجرات، وذلك خارج التجمع الموجود به الرئيس، حيث تمكنت قوات الأمن من إبعاد واحدة، بينما سقطت الأخرى من تلقاء نفسها وأصابت مبنى سكنيًّا. وقد ظهر الرئيس وآخرون على المنصة وهم ينظرون إلى أعلى، وقد بدا عليهم الهلع، وهرع حراس شخصيون لحماية "مادورو" بألواح سوداء واقية من الرصاص، وأظهرت صورة مسئولًا عسكريًّا مصابًا وهو يمسك برأسه الذي ينزف ويحمله زملاؤه، في حين أن مئات الجنود الذين يقفون في تشكيلات حاولوا الهرب من المكان. وعلى الرغم من نجاة الرئيس من محاولة الاغتيال، فقد أسفرت التفجيرات عن إصابة سبعة جنود بجروح، كما احتجزت الحكومة الفنزويلية ستة أشخاص على صلة بالانفجارات.

وتجدر الإشارة إلى أن أصابع الاتهام أشارت إلى أن المعارضة الداخلية هي المسئولة عن محاولة الاغتيال، حيث تعاني فنزويلا من أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع مستويات التضخم. كما وجّه الرئيس الفنزويلي اتهامًا مباشرًا للرئيس الكولومبي ووقوفه خلف الهجوم، معلنًا في كلمة تم بثها عبر التلفزيون والإذاعة أنه "لا شك لديّ إطلاقًا في أن اسم خوان مانويل سانتوس خلف هذا الاعتداء".

2- الضربات العسكرية: شهد عام 2017 زيادة في حجم الضربات التي نفذتها الطائرات الأمريكية بدون طيار، لا سيما في اليمن والصومال. فوفقًا لبعض التقارير التي اعتمدت على البيانات التي تُتيحها صحيفة "الحرب الطويلة" ومكتب الصحافة الاستقصائية (the Long War Journal and The Bureau of Investigative Journalism)، وجدت أن القوات الأمريكية قد نفذت خلال عام 2017 أكثر من (30) ضربة في الصومال، وحوالي (8) ضربات في باكستان. هذا بالإضافة إلى ضربات بوتيرة أقل في كل من سوريا وأفغانستان وليبيا. كما توسعت الولايات المتحدة كذلك في مناطق الصراعات التي تستخدم فيها الدرونز، ومنها النيجر والتي منحت حكومتها الإذن لواشنطن بنشر الدرونز في البلاد، حيث يتم بناء قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز، شمال النيجر. وهو ما ينبئ بزيادة الضربات الأمريكية من خلال الدرونز في غرب إفريقيا. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قد خففت من بعض الاشتراطات التي كانت تلتزم بها حكومة "أوباما"، حيث تم السماح للجيش ووكالة المخابرات المركزية (CIA) باستهداف العناصر المتشددة ذات المستوى المنخفض، وإطلاق الضربات دون اشتراط موافقة مسئول عسكري أمريكي رفيع المستوى، وهو ما يعكس قدرًا من التوسع، وإطلاق يد القوات العسكرية في تنفيذ الهجمات باستخدام الدرونز. إلا أنه تظل التفرقة قائمة بين "مناطق الأعمال العدائية النشطة" مثل أفغانستان والصومال، وتنفيذ الضربات في "المناطق خارج الأعمال العدائية النشطة"، كما هو الحال في اليمن وباكستان، حيث تطبق القواعد بصورة أكثر صرامة.

3- استهداف الإرهابيين: نجحت تلك الضربات بشكل كبير في تخلص الولايات المتحدة الأمريكية من عدد من القيادات الإرهابية البارزة، ومن أهمهم "أبو هاني المصري"، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحركة الجهاد الإسلامي المصرية وأحد زعماء تنظيم "القاعدة"، وذلك في غارة نفذتها إحدى الطائرات بدون طيار في سوريا. كما نجحت غارة أخرى في سوريا في قتل "رشيد قاسم"، وهو رجل أعمال ينتمي لتنظيم "داعش". هذا بالإضافة إلى غارة أخرى في أفغانستان أدت إلى مقتل زعيم تنظيم "داعش" في أفغانستان. 

4- التصعيد المتبادل: ساهم انتشار تكنولوجيا الدرونز في تصاعد التوترات بين الدول. ففي يونيو 2017، أسقطت القوات الأمريكية طائرتين إيرانيتين في سوريا، وهو الأمر الذي ردت عليه إيران من خلال اشتباك إحدى الدرونز التابعة لها مع طائرة تابعة للبحرية الأمريكية. أيضًا، تم النشر المتبادل للدرونز بين الهند والصين على إثر الخلاف الحادث بين حرس الحدود الهندي والصيني حول البناء الصيني في المنطقة المتنازع عليها حول هضبة دوكلام.

5- الهجمات الإرهابية: شهد عام 2017 توسعًا كبيرًا في استخدام الدرونز من قبل الفاعلين من غير الدول، حيث اكتشف مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي أن تنظيم "داعش" يمتلك نظامًا معتمدًا لإدارة العمليات العسكرية، والقيام بالهجمات الإرهابية من خلال الدرونز. كما كشفت الضربات التي قام بها الحوثيون في اليمن النقاب عن امتلاكهم سلسلة من الطائرات بدون طيار، والتي تبدو مستوحاة من الأنظمة الإيرانية.

6- الأعمال التخريبية: بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية، تم استخدام الدرونز في الأعمال التخريبية الداخلية، حيث عثرت السلطات في المكسيك على طائرة بدون طيار كانت تحمل عبوة ناسفة معبأة بالشظايا. وفي الفلبين، ألقت الشرطة القبض على أحد النشطاء الذين اعترفوا بإدارة طائرة بدون طيار خلال الهجوم على مدينة بياغابو لصالح جماعة "Maute".وقد أثار ارتفاع هذه الحوادث المخاوف بشأن استخدام الطائرات بدون طيار للهجوم على الأهداف المدنية، حيث استعدت شرطة كوريا الجنوبية في ديسمبر 2017، أثناء التحضير لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018، من خلال تنفيذ نموذج محاكاة لهجوم طائرة بدون طيار على ملعب، وأكدت أنها مستعدة لمواجهة أي هجوم محتمل .

دوافع الاستخدام:

يمكن تلخيص أبرز مميزات الدرونز التي تدفع الدول والفاعلين من غير الدول إلى الاعتماد عليها فيما يلي: 

1- عمليات الرصد والاستطلاع: حيث توفر الدرونز لمستخدميها فرصة الحصول على أكبر قدر من المعلومات، وهي المعلومات التي يصعب على الأفراد الحصول عليها خشية اكتشافهم، وكذلك القيام بعمليات المراقبة والاستطلاع. 

2- توفير الوقت: تقدم الدرونز المعلومات، وكذلك تتيح فرصة التدخل والقيام بالعمليات بسرعة وكفاءة في أسرع وقت دون الحاجة إلى التدخل المباشر من قبل الفاعلين. 

3- تأمين المستخدمين: حيث تتيح الدرونز للمستخدمين إمكانية إجراء العمليات بكفاءة، وذلك مع توفير أعلى درجات الأمان من خلال التواجد في مكان آمن. هذا بالإضافة إلى أن استخدام الدرونز يجعل المستخدمين في مأمن من حيث عدم إمكانية الرصد والتعقب. 

اتجاهات الردع: 

تحاول الدول مواجهة تهديدات الدرونز المتصاعدة وذلك بإتباع مجموعة من الآليات يمكن توضيحها فيما يلي:

1-القوانين التنظيمية: تبنت العديد من دول الاتحاد الأوروبي قوانين وإجراءات خاصة بتنظيم عمل الدرونز، حيث وافق المشرعون في الاتحاد الأوروبي على خطة مبدئية لإصلاح أنظمة سلامة الطيران في الاتحاد، بما في ذلك وضع قواعد موحدة جديدة لمستخدمي الدرونز، والتي يتم وضعها حاليًّا بشكل فردي من قبل كل دولة عضو. ومن بين تلك الأحكام المنظمة، اشتراط تسجيل جميع الدرونز فوق مستويات معينة من الحجم والوزن والسرعة من قبل المستخدمين، وذلك كشرط مبدئي قبل الموافقة على عقد صفقات الشراء.

2-نظم التسجيل: وفي الوقت نفسه، أعلنت منظمة الطيران المدني الدولي أنها تخطط لوضع معايير عالمية لإدارة حركة الدرونز صغيرة الحجم، إلى جانب إنشاء نظام عالمي لتسجيل الدرونز. 

3- التسييج الجيولوجي (Geo-Fencing): وفي بريطانيا، تقوم وزارة النقل بتطوير إجراءات من شأنها إنشاء مركز للدرونز والذي يتضمن إرساء برنامج لتسجيل الدرونز، وتقديم دورات السلامة لمالكيها، وإنشاء نظام يعرف باسم التسييج الجيولوجي (Geo-Fencing) لإبقاء الدرونز خارج المناطق المحظور تواجدها بها، وكذلك منح الشرطة سلطة الاستيلاء على الدرونز التي تتجاوز الحدود بشكل غير قانوني، كما أعلنت عن قواعد جديدة لمستخدمي الدرونز لأغراض الترفيه، بما في ذلك وضع سقف لحد الطيران بما لا يتجاوز (295) قدمًا، هذا بالإضافة إلى حظر الطيران بالقرب من المطارات.

4- التصريحات الأمنية: تطلب الهيئة العامة للطيران المدني الهندي من الأفراد الراغبين في استخدام الدرونز الصغيرة التي تزن أكثر من كيلوجرامين الحصول على تصريح أمني، ورقم تعريفي، وترخيص بالتحكم عن بعد. وأعلنت البرتغال بعد وقوع العديد من الحوادث القريبة من مجالها الجوي، أنها ستسرع في تنفيذ قانون جديد يلتزم بموجبه مالكو الدرونز بتسجيل الدرونز والتأمين عليها، كذلك حظرت إيران الدرونز من الطيران في المجال الجوي لطهران بعد وقوع عدد من الحوادث التي اشتبكت فيها أنظمة الدفاع الجوي بدرونز مشبوهة.

4-اتفاقيات التصنيع: كما منحت إسرائيل إحدى شركات تصنيع الدرونز، وهي شركة (Airobotics)، الموافقة على استخدام الدرونز في إسرائيل، وهو التصريح الأول من نوعه في البلاد. 

ختامًا، يمكن القول إنه من المتوقع إحداث مزيد من التطورات في أنظمة الاتصالات التي تسمح بتشغيل الدرونز صغيرة الحجم عبر مسافات كبيرة، وهو ما ستكون له آثار هامة على التطبيقات التي يتم استخدام الدرونز فيها، حيث تتيح فرصة أكبر لإمكانية تنفيذ العمليات عن بعد مع إبعاد أي شبهة لرصد المستخدمين وتعقبهم، وهو ما يعني إمكانية التوسع في عمليات الاغتيال السياسي أو الأعمال التخريبية والإرهابية، وإطلاق الغازات السامة وغيرها دون رصد المستخدمين، وسيؤدي ذلك إلى قيام الدول بتطوير الأنظمة الدفاعية الخاصة بها لرصد الدرونز المشتبه بها وإسقاطها، وهو الأمر الذي تم اللجوء إليه بشكل متسارع في الآونة الأخيرة. فخلال عام 2017، تم الإعلان عن إسقاط حوالي 15 درونز من جانب الدول، كان أبرزها في مناطق العمليات العسكرية في الشرق الأوسط.