أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خيارات واضحة أمام إيران

05 أغسطس، 2018


تغيّر شاغل البيت الأبيض، بعد انتخابات 2016 الرئاسية الأميركية، فعل فعله في كل مكان من العالم، ولكن التغيير بالنسبة لإيران - بالذات - كان لافتاً.

اليوم تتصاعد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في شوارع مدن إيران وميادينها، بالتوازي مع العد العكسي لاشتداد العقوبات الأميركية. فاعتباراً من هذا الأسبوع يسري مفعول الحظر الذي فرضته «واشنطن - دونالد ترمب» على الحكومات والشركات لجهة التعامل مع إيران بالدولار الأميركي، ووقف كل التحويلات المصرفية بهذه العملة، بجانب منع المصارف من إقراض إيران، والمصارف الأميركية من التعامل مع مصارف إيران، ووقف التعامل بالريال (العملة الإيرانية). وتضاف إلى هذا كله، جملة من الإجراءات العقابية التي تشمل وقف الاتجار بالعديد من السلع مع إيران، من الحديد والذهب... إلى السجاد والمأكولات. ثم في غضون ثلاثة أشهر يدخل قائمة العقوبات النفط والمنتجات البتروكيماوية.

المناخ في واشنطن تغيّر كثيراً، إذاً، بالمقارنة مع «شهر عسل» إيراني - أميركي طويل جداً في عهد باراك أوباما.

والواضح أن التغيير الذي حصل في واشنطن بعد تولي ترمب الرئاسة كان «آيديولوجياً» إلى حد كبير. إنه تغيير لا يحدث كثيراً في قوة عظمى ثمة مَن لا يجد تناقضات آيديولوجية بين حزبي السلطة فيها. غير أن نجاح باراك أوباما في بلوغ البيت الأبيض كان إلى حد ما «ثورة» في الحياة السياسية الأميركية على غير صعيد. وبعد مرور ثماني سنوات، اعتذر خلالها أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، لعدد من أنظمة العالم الثالث عن نهج «المؤسسة السلطوية» الأميركية... وما قد يعتبره «إمبرياليتها»، جاء مَن يقلب المعادلة رأساً على عقب.

اليوم ما عاد هناك مَن يعتذرون في واشنطن. لا تعامل خاصاً مع «حلفاء» غربيين، ولا اعتبارات تفضيلية أو علاقات «حسن جوار» مع كندا والمكسيك، الدولتين الوحيدتين اللتين تتقاسمان حدوداً برّية مع الولايات المتحدة. وبالتالي، إذا كان عنوان انتخاب أوباما «الثورة»، يجوز اعتبار انتخاب ترمب «ثورة مضادة» بكل معنى الكلمة، اقتلعت كل فرضيات ومعادلات وتنازلات ثماني سنوات.

طي صفحة العداء مع «ملاليها»، ثم تطوير العلاقات مع إيران، كانا حجر الزاوية في رؤية أوباما لـ«الشرق الأوسط». وتُرجمت هذه الرؤية أساساً بتشجيع واشنطن تغيير أنظمة حليفة لها في الشرق الأوسط منذ 2011، وفي المقابل، عقد اتفاق نووي مع إيران يعطّل مؤقتاً تحوّل «نظام الملالي» إلى قوة نووية، غير أنه في المقابل يطلق يده للهيمنة على الشرق الأوسط دونما حاجة للسلاح النووي المؤجل.

الزميل أمير طاهري، ابن إيران، كتب في «الشرق الأوسط» أخيراً عن المشهد السياسي الإيراني، وتغير النظرة الأميركية لدور نظام طهران في عصر ما بعد أوباما، متسائلاً عن خيار طهران: مقاومة... أم لا مقاومة؟

الزميل كتب: «هذا هو السؤال الشائع هذه الأيام في أوساط طهران السياسية. ولقد ساهم احتمال فرض العقوبات الاقتصادية الجديدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، في تكثيف حالة النقاش الذي ميّز المحيط السياسي الإيراني، منذ استيلاء الملالي على السلطة في البلاد عام 1979».

وحقاً، خلال العقود الأخيرة اعتدنا على أدبيات سياسية بعضنا يرى فيها تناقضات لا يحلّ طلاسمها سوى استيعاب تعقيدات الثقافة السياسية - الاجتماعية في إيران، حيث نرى تعايشاً، بل قل تزاوجاً عجيباً، بين الدين - وتحديداً «الإسلام السياسي» بمضمونه الشيعي والتشييعي - ... والقومية الآرية التي اختار الرئيس حسن روحاني أن يذكّر دونالد ترمب بأن عمرها نحو 7 آلاف سنة!

بين الديمقراطية الانتخابية التي لها مواسمها المفيدة في مخاطبة العالم وإلهاء الشارع... و«ولاية الفقيه» الأسمى من أي انتخاب!

بين «مجالس» النظام و«مؤسسات» الدولة... وميليشيا عسكرية - سياسية - مالية متمدّدة في كل قطاع وفي كل مكان اسمها «الحرس الثوري»!

بين الثورة بشعاراتها و«نقائها» الجماهيري... ونفوذ «البازار» بأغنيائه واحتكارييه المعمّمين وغير المعمّمين!

بين من قيل لنا إنهم «إصلاحيون» و«براغماتيون» يفهمون العالم ويخاطبون كل عاصمة من عواصمها باللغة التي تستسيغها وترغب في أن تفهمها... وأولئك الذين ثبت أنهم «محافظون» و«متشددون» و«عسكريتاريون» يتباهى «جنرالاتهم» بتهديد الجيران وتدمير مدنهم ومصادرة القرار السياسي في دولهم التي يحتلون.

هذه هي إيران المنتفضة اليوم... 

إيران الشباب والمستقبل التي تريد، كباقي بلدان دول العالم، أن تكون جزءاً من العالم. أن تتمتع بثرواتها فلا ينفقها متعصبون «دوغماتيون» على مغامرات قاتلة مدمّرة ومكلفة... ومشاريع توسعية خارجية، تارة باسم «تصدير الثورة» وطوراً بحجة «حماية المقدسات». إيران التي تخبرنا الأرقام بأنها تحوي إحدى أعظم الثروات البشرية والاقتصادية والثقافية والفنية في العالم.

إيران التي يربو عدد سكانها على 82 مليون نسمة (الـ18 عالمياً) تختزن أرضها الشاسعة (الـ17 عالمياً، إذ تبلغ مساحتها نحو مليون و650 ألف كلم مربع)، 10 في المائة من احتياطي نفط العالم و15 في المائة من احتياطي غاز العالم (ثاني أكبر احتياطي غاز عالمياً). ثم إنها، على الرغم من سوء حكمها ومغامرات حاكميها، سابع أكبر منتج للنفط في العالم وثاني أكبر مصدّريه بين دول «أوبك». ولكن، مع هذا كله، يئن المجتمع الإيراني ويغضب شبابه ويشعر بأن جزءاً من هويته وثقافته بات غريباً عنه.

ليس عَرَضاً بسيطاً إحراق صور «الولي الفقيه وهتاف الشارع ضده وضد سلطته. وأيضاً يصعب الاستخفاف بالمرارة التي يشعر بها الملايين، والمرشحة للتفاقم مع تزايد ألم العقوبات الجديدة، في ضوء تذكير المحتجين بصوت عالٍ بأولوية إنفاق الثروات في تحسين حياة المواطن... لا عرض العضلات في مغامرات الخارج.

قمع «الثورة الخضراء» والتضييق على كل أشكال المعارضة الداخلية حقيقة يعرفها الإيرانيون جيداً. ويعرفون أيضاً، بمن فيهم الشباب، أن أجهزة «الحرس الثوري» التي تلعب دوراً كبيراً في مصادرة حرياتهم وكبح طموحاتهم هي نفسها التي تحمي الفساد المالي والسياسي وتقود المغامرات العسكرية الخارجية.

صحيح أن العقوبات ستزيد مرحلياً المعاناة الشعبية، لكنها ستوقظ أصحاب المصلحة في التغيير، وتحثهم على حسم مواقفهم. فثروات إيران لشعبها، وليست لـ«جنرالاتها» ومشاريعهم.

المعاناة واضحة، ومثلها الخيارات!

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط