أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

خطر قائم:

هل تتصاعد ظاهرة "الإرهابيين الجدد" في أوروبا؟

05 نوفمبر، 2020


طرحت العمليتان الإرهابيتان الأخيرتان اللتان وقعتا في كل من فرنسا والنمسا، في 29 أكتوبر الفائت و2 نوفمبر الحالي، دلالات عديدة حول المسارات المحتملة لنشاط تنظيم "داعش" الإرهابي خلال المرحلة القادمة، والعلاقة بين الأخير والعناصر التي قامت بتنفيذهما، فضلاً عن أسباب ارتباط بعضهم بخلفيات جنائية سابقة بالتوازي مع ضعف المكون الفقهي والفكري لديهم، على نحو ما كشفت عنه التحقيقات الأولية التي أجريت حول العمليتين.

ترابط واضح:

من خلال تتبع مسار العمليتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في فرنسا والنمسا، يتضح أن هناك ارتباطاً واضحاً بين منفذيهما وتنظيم "داعش". إذ أن العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة نيس الفرنسية، في 29 أكتوبر الفائت، وقعت بعد ساعات من بيان التنظيم الذي نشر عبر جريدة "النبأ" الداعشية في اليوم نفسه، وهو ما يطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن هذا البيان ربما كان إشارة للعناصر الإرهابية بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة في بعض الدول الأوروبية، في ظل اتجاه التنظيم إلى محاولة رفع مستوى وعدد تلك العمليات خلال المرحلة القادمة من أجل تأكيد قدرته على البقاء والاستمرار رغم الضربات القوية التي تعرض لها في الفترة الماضية، خاصة منذ مقتل زعيمه السابق أبوبكر البغدادي في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في محافظة إدلب السورية في 27 أكتوبر 2019. 

والثانية، أن ظاهرة "الذئاب المنفردة" قد تعود مرة أخرى لتشكل تهديداً للأمن والاستقرار في العديد من الدول، لاسيما في ظل قدرة بعض العناصر على تجاوز الحدود القائمة فيما بينها، والالتفاف على الإجراءات الأمنية التي تتبع فيها. ويعني ذلك في المقام الأول أن تنظيم "داعش" ربما يبدأ في تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية خلال المرحلة المقبلة اعتماداً على ما يسمى بـ"المتعاطفين معه"، عبر استهداف مدنيين من خلال أدوات بسيطة مثل السكين.

وقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أن وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر قال، في 3 نوفمبر الجاري، أن منفذ العملية الإرهابية في فيينا، في 2 نوفمبر الجاري، والذي قتل بعد تسعة دقائق من بداية هجومه الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 22 آخرين، نجح في "خداع" برنامج إعادة تأهيل المتطرفين فضلاً عن المكلفين بمتابعته، حيث كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 22 شهراً بتهمة محاولة السفر إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم "داعش"، لكن تم الإفراج عنه بشكل مبكر دون أن تتخذ خطوات إجرائية لمراقبة نشاطه رغم الخطورة التي كان يمثلها. 

استقطاب الجنائيين:

اعتمدت التنظيمات الإرهابية بشكل لافت على آلية استقطاب بعض العناصر الجنائية للانضمام إليها، عبر عملية مكثفة لتجنيدهم، من خلال استغلال وجود بعضهم في السجون وأماكن الاحتجاز، وبالتالي توفير مورد بشري جديد لتعويض الخسائر التي تمنى بها بسبب المواجهات التي تنخرط فيها مع قوات الأمن والجيش في العديد من دول العالم. وقد اتبعت في هذا السياق، ما يسمى بمفهوم "الاستتابة" القائم على تلقين التوجهات الفكرية التي تتبناها هذه التنظيمات إلى العناصر الجنائية التي يتم تجنيدها.

لكن اللافت خلال الفترة الأخيرة هو حرص "داعش" على عدم التركيز على هذا المفهوم، بما يعني أنه بات يمنح الأولوية لتجنيد هذه العناصر بصرف النظر عن مدى اعتناقها لأفكاره وتوجهاته، مع استغلال حالة الاستياء التي تبدو عليهم، نتيجة لاعتبارات عديدة على غرار أوضاعهم المعيشية، من أجل دفعهم إلى تنفيذ عمليات إرهابية تحسب للتنظيم وتؤكد قدرته على تجاوز الإجراءات الأمنية التي تتخذ لمنعه من تصعيد نشاطه مجدداً.

وقد بدا ذلك جلياً خلال العمليات الإرهابية التي وقعت في بعض الدول الأوروبية خلال الأعوام الأربعة الماضية، حيث كان أنور هدوشي، الذي يعرف بـ"أبو سليمان البلجيكي"، أحد الأشخاص الذين اشتبهت السلطات البليجيكية في تورطه في تمويل العمليات الإرهابية التي وقعت في بروكسل في عام 2016، وتشير تقارير إلى أنه أحد العناصر الجنائية الذين تم استقطابهم من قبل تنظيم "داعش" في السجن، حيث تمكنت بعض قيادات الأول من تجنيده، وهو ما أكده التنظيم نفسه فيما بعد في العدد الرابع عشر لمجلة "دابق"، في العام نفسه.

ويبدو أن "داعش" قد بدأ في الاعتماد على هذه الآلية بشكل أكبر في مرحلة ما بعد سقوط الباغوز في مارس 2019، وهو ما كشفت عنه العملية الإرهابية التي وقعت في مدينة نيس الفرنسية، في 29 أكتوبر الفائت، حيث قال نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية التونسية محسن الدالي أن إبراهيم العيساوي المشتبه فيه "ليس مصنفاً إرهابياً لدى السلطات التونسية وغادر البلاد بطريقة غير قانونية في 14 سبتمبر الماضي ولديه سوابق قضائية في أعمال عنف ومخدرات".

ويبدو أن ذلك سوف يدفع فرنسا إلى توسيع نطاق التنسيق الأمني مع تونس خلال المرحلة القادمة، من أجل احتواء ظاهرة الهجرة غير الشرعية وإجراء مباحثات حول ملف ترحيل الأجانب المتهمين في عمليات إرهابية، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور بعد الإعلان عن زيارة سوف يقوم بها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى تونس في نهاية الأسبوع الحالي.

في النهاية، يمكن القول إن العمليات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها أوروبا تكشف عن تصاعد ما يمكن تسميته بـ"الإرهاب العشوائي" التابع لتنظيم "داعش" داخل القارة الأوروبية، وهو خيار ربما تلجأ إليه تنظيمات إرهابية أخرى خلال المرحلة القادمة، على ضوء تراجع قدراتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية بسبب الضربات الأمنية القوية التي تعرضت لها والهزائم التي منيت بها في الفترة الماضية.