أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الإصلاحات المنشودة:

تحديات الاستقرار في دول المغرب العربي

02 أبريل، 2016


إعداد: أحمد عبدالعليم

بعد مرور نحو خمس سنوات على اندلاع الثورات العربية عام 2011، فإنها تطرح عدة إشكاليات ترتبط بالأُطر السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرز هذه الإشكاليات ما يمكن أن ينتج عن الثورات من محاولة بناء دول ديمقراطية حديثة قائمة على مؤسسات فاعلة، وما يرتبط بذلك أيضاً من تساؤلات حول قدرات الجيوش الوطنية على مواجهة الإرهاب وانتشار التطرُّف في الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، يأتي الكتاب الصادر عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" IISS في نوفمبر 2015 تحت عنوان: "شمال أفريقيا في مرحلة انتقالية: الكفاح من أجل الديمقراطية ودولة المؤسسات". ويتناول الكتاب - في فصوله الست - الأوضاع في دول المغرب العربي (تونس، ليبيا، المغرب، والجزائر) منذ قيام ثورات الربيع العربي في عام 2011، والتحديَّات المختلفة التي تواجهها.

كما يجيب الكتاب عن تساؤل مفاده، لماذا اندلعت الثورات في تونس وليبيا، ولم تحدث في المغرب والجزائر؟ ويتطرق الكتاب إلى الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية في بلدان المغرب العربي، وكيف أصبحت ليبيا في حرب أهلية دامية من دون أن يمتد ذلك إلى تونس؟ وكيف نجحت الحكومات الجزائرية والمغربية في رأب الصدع السياسي، والتعامل مع معطيات سياسية وأمنية إقليمية مختلفة من دون أن تتأثر الأنظمة السياسية فيهما؟

تونس وليبيا.. تجربتان متباينتان

يشير الكتاب إلى وجود أربع دول متقاربة جغرافياً (تونس، ليبيا، المغرب، والجزائر)، ومع ذلك شهدت تجارب مختلفة في التغيُّرات السياسية خلال السنوات الماضية. فتونس بدأت فيها موجة الاحتجاجات العربية في عام 2011، وذلك في ظل وجود نظام سياسي لم يكن يسمح بمجال عام يتيح حرية الحركة للمواطنين في مقابل تحقيق استقرار اقتصادي، وكأن الاقتصاد كان يتم المقايضة به في مقابل السياسة، وذلك جنباً إلى جنب مع انتشار ظواهر سلبية، مثل الفساد والمحسوبية.

واعتبر الكتاب أن تونس تمثل الحالة الأبرز والأكثر نجاحاً مقارنةً بباقي دول الربيع العربي، حيث إنها استطاعت تحقيق خطوات لا بأس بها في الانتقال إلى الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك فإن التجربة التونسية الوليدة بعد الثورة مازالت في حاجة إلى بذل جهد أكبر من كافة الأطراف السياسية المعنية في البلاد.

وعلى النقيض من ذلك، يتطرق الكتاب إلى ليبيا التي عجزت عن تحويل مطالب الثورة إلى واقع في ظل انهيار الدولة ونشوب حرب أهلية بين الأطراف المتصارعة في البلاد. فالميدان الذي احتفل فيه الليبيون في عام 2011 بسقوط نظام "القذافي" بعد عقود طويلة من الاستبداد، أصبح هو نفسه المكان الذي يتناحر فيه الليبيون حول السلطة، كما باتت ليبيا معقلاً للجماعات الإرهابية والجهادية، في ظل عدم وجود جيش وطني قادر على مواجهة مثل هذه المخاطر المتزايدة.

المغرب والجزائر.. دولتان لم تعصف بهما الثورات

يشرح الكتاب لماذا المغرب والجزائر لم تعصف بهما موجة الثورات العربية؟ لافتاً إلى أن المغرب شهدت بعض الاحتجاجات ضد الأوضاع القائمة في البلاد من دون أن يتحول ذلك إلى ثورة حقيقية، حيث استجاب الملك المغربي محمد السادس لبعض المطالب المتمثلة في ضرورة تعديل الدستور والحدّ من سلطات الملك والتوجُّه نحو تعزيز دور الحكومة المنتخبة في البلاد.

وبالتالي، فإن النظام المغربي قام بالتكيُّف مع مطالب المتظاهرين من أجل الحفاظ على استقراره، واتبع إصلاحات سياسية تدريجية.

وفي السياق ذاته، يذكر الكتاب أن الجزائر حاولت - بالتزامن مع الحراك السياسي في الإقليم – أن توجه ثروتها وإمكاناتها الاقتصادية نحو درء أي اضطرابات سياسية محتملة. وشهدت البلاد احتجاجات محدودة للغاية لا تقارن بمثيلاتها في باقي دول المنطقة، وذلك في ظل نظام حاكم يكاد يكون قوياً حتى في ظل سوء الأحوال الصحية للرئيس الحالي "بوتفليقة".

ويناقش الكتاب إمكانية تغير هذا الإيقاع البطيء في الحياة السياسية الجزائرية في حال وفاة الرئيس الجزائري، حيث يتوقع الكتاب أن يكون لذلك تأثير حاسم على المسار السياسي في البلاد.

ضرورة الاهتمام الغربي بدول المغرب العربي

يؤكد الكتاب ضرورة أن تبذل الولايات المتحدة والدول الأوروبية جهداً واهتماماً أكبر بدول جنوب البحر المتوسط، وذلك في ظل تصاعد ظاهرة الإرهاب والأزمات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية والتداعيات السلبية لذلك. ويدلل الكتاب بأمثلة على هذه التهديدات، منها أزمة الرهائن في عين أميناس بالجزائر والتي تم فيها احتجاز حوالي 100 رهينة من الأجانب في يناير عام 2013، وما نتج عن ذلك من قتل عدد من الرهائن بعد احتجازهم من قِبل المتطرفين.

وثمة حادث آخر وقع في تونس خلال يونيو 2015، عندما أطلق شخص تابع لتنظيم "داعش" الإرهابي النار على عدد من السياح الأجانب بمدينة سوسة، ما خلَّف حوالي 40 قتيلاً أغلبهم من السياح. ومن ثم، فالكتاب يؤكد أن تونس على الرغم من تحقيقها تقدماً سياسياً ملموساً مقارنةً بباقي دول الربيع العربي، فإنها مازالت تعاني مشكلات أمنية واقتصادية تُحتم على الغرب تقديم المساعدات الممكنة لها من أجل أن تكون هناك دولة قوية قادرة على مواجهة المخاطر المتزايدة للتنظيمات الجهادية في هذه المنطقة.

أبرز استنتاجات الكتاب

يُوجز الكتاب بعض الاستنتاجات المهمة فيما يتعلق بالتغيُّرات التي حدثت في دول المغرب العربي خلال السنوات الخمس الماضية، لافتاً إلى بعض الدروس المستفادة من تجارب هذه الدول والتي يتعين أخذها في الاعتبار عند التعامل مع منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي. وتتمثل في الآتي:

1- في ظل التغيُّرات السياسية التي طرأت على إقليم المغرب العربي، فإن ثمة تحديَّات جمَّة قد تعوق الإصلاحات المرجوة بهذه الدول، ويأتي على رأسها المشكلات الاقتصادية، وتصاعد التهديدات الجهادية بشكل أكبر من ذي قبل، خاصةً التهديد الأبرز لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها والمتمثل في تنظيم "داعش".

2- تتطلب دول شمال أفريقيا التركيز المتواصل على إصلاح المؤسسات وتحسين نوعية الحكم في الأمن والاقتصاد والخدمات العامة.

3- تحقيق الأمن دون النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى نوع من الاستقرار على المدى القصير فقط، ولكنه لن يعالج المطالب الشعبية بالحصول على الفرص الاقتصادية والكرامة. وعلى العكس من ذلك، فإنه من دون ضمان الأمن تكون المبادرات الاقتصادية للحكومة عُرضة لتهديدات متزايدة من الإرهاب الجهادي أو العنف خارج نطاق القانون– ومثال على ذلك ليبيا.

ونظراً لأنه من الصعب إحراز تقدم ملموس في المجالات كافة (الاقتصادية والأمنية) في ذات الوقت، فإنه يتعين أن تكون هناك نظرة حكومية ثاقبة قادرة على تحقيق الإصلاحات المنشودة والتي تتناسب مع الاحتياجات الشعبية القائمة، والأولويات الخاصة بالمواطنين دون إغفال المطالب الأخرى تماماً.

4- يجب أن تشمل جهود بناء مؤسسات قوية في دول شمال أفريقيا، تعاون إقليمي بين هذه الدول، وهو الشيء غير المتحقق حالياً. فبالتأكيد ضمان الاستقرار في أيّ دولة من دول المغرب العربي سينعكس بشكل إيجابي على الدول الأخرى فيه.

5- لكي يحافظ الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) على نفوذه في المغرب العربي، يتوجب عليه الاهتمام بوجود مؤسسات قوية في مجالات الأمن والحكم والاقتصاد في هذه الدول، والعمل مثلاً على تحسين قدرات قوات الشرطة، وتدريب القضاة، وتعزيز الإصلاحات في القطاع العام من أجل محاربة الفساد وتحقيق الشفافية.

* عرض مُوجز لكتاب تحت عنوان: "شمال أفريقيا في مرحلة انتقالية: الكفاح من أجل الديمقراطية ودولة المؤسسات"، والصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "IISS" في نوفمبر 2015.

المصدر:

Ben Fishman (Ed.),  North Africa in Transition: The Struggle for Democracies and Institutions, (London: The International Institute for Strategic Studies, November 2015)  pp 123.