أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

تفعيل التعاون:

دلالات زيارة رئيس الوزراء العراقي للإمارات

16 ديسمبر، 2014


تُعد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الإمارات، الاثنين 15 ديسمبر 2014، ولقاؤه كلاً من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمنزلة خطوة مهمة ضمن سلسلة من الخطوات والزيارات التي يقوم بها بعض مسؤولي الحكومة العراقية ضمن برنامج لتقوية العلاقات مع الدول الإقليمية والمجاورة من أجل تفعيل المواقف المشتركة في الحرب ضد الإرهاب، إضافة إلى تطوير العلاقات العراقية مع دول الجوار في ضوء التحديات التي تشهدها المنطقة، والتي لا يمكن التعامل معها ومواجهتها من دون سَنَد عربيّ قوي يمكن الاعتماد عليه، بل والتعاون البنِّاء معه.

في هذا الإطار جاءت زيارة العبادي إلى الإمارات تلبيةً لدعوة رسمية تلقاها رئيس الوزراء العراقي من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي خلال زيارته بغداد يوم 26 من الشهر الماضي، وضم الوفد العراقي رفيع المستوى في عضويته كلاً من وزراء الخارجية إبراهيم الجعفري، والتخطيط سلمان الجميلي، والثقافة فرياد راوندوزي، ومستشار الأمن الوطني فالح الفياض؛ وهو ما يؤكد تنوع وتشعُّب مجالات التعاون التي ناقشتها هذه الزيارة.

أهمية الزيارة وأهدافها

تكمن أهمية تلك الزيارة أولاً في كونها الزيارة الأولى التي يقوم بها مسؤول عراقي رفيع المستوى إلى دولة الإمارات بعد انقطاع استمر خمسة أشهر، بعد استدعاء وزارة الخارجية الإماراتية سفيرها في بغداد سعادة عبدالله الشحي للتشاور في 18 يونيو الماضي في عهد حكومة نوري المالكي السابقة، وذلك نتيجة القلق من استمرار السياسات الحكومية "الإقصائية والطائفية والمهمشة" لمكونات أساسية من الشعب العراقي، والتي تساهم في تأجيج الأوضاع وتعزز من الاحتقان السياسي والنزيف الأمني على الساحة العراقية".

وثانياً تؤكد هذه الزيارة أن دولة الإمارات تحرص دوماً على دعم وحدة الشعب العراقي وتحقيق أمنه واستقراره في مواجهة التهديدات الوجودية التي يبثها تنظيم "داعش" الإرهابي من ناحية، أو حتى مواجهة التحديات الاقتصادية والمساهمة في البناء وإعادة إعمار المناطق العراقية المتضررة من المواجهات العسكرية مع هذا التنظيم من ناحية ثانية. هذا علاوة على جهود الإمارات في تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للنازحين العراقيين الذين ارتفع عددهم إلى مليونين ونصف المليون نازح من ناحية ثالثة.

لذا فإن أهداف الزيارة الرئيسية لم تقتصر على تنسيق الجهود العسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب "الداعشي" في الأراضي العراقية فحسب، بل شملت أيضاً بحث سبل تعزيز التعاون بين الدولتين في المجالات كافة، خصوصاً المجالات الاقتصادية بهدف تعزيز المصالح المشتركة والأمن والاستقرار في المنطقة، حيث تضمن برنامج الزيارة لقاءين مع شركتين للعقارات والاستثمارات، إضافة إلى لقاء آخر مع عدد من رجال الأعمال العراقيين المقيمين في دولة الإمارات.

واقعية الإمارات في التعامل مع العراق

تسعى دولة الإمارات إلى اتباع نهج أكثر واقعية في التعامل مع قضايا المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المتجددة والمتشابكة والممتدة التي يواجهها الإقليم ككل، الأمر الذي يستوجب ضرورة تجاوز الخلافات بين مختلف الدول والبحث عن أرضيات مشتركة للتقارب مع مراعاة التوازنات القائمة، ومن دون الإخلال بها، بما يضر فرص تعزيز التقارب، بل يتم السعي نحو تغييرها بشكل تدريجي هادئ يحقق مصالح مختلف الأطراف.

وتأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي لتعكس هذه السياسة الواقعية، وهذا الدور الإماراتي، حيث إن من شأن استعادة التعاون العراقي ـ الخليجي بشكل عام، والإماراتي بشكل خاص، أن يدفع العراق نحو تحقيق علاقات متوازنة بين إيران وبقية بلدان محيطها العربي، من منطلق إدراك إماراتي أن الحديث عن ابتعاد كامل للحكومة العراقية عن إيران في الوقت الحالي هو حديث غير واقعي، ولا يجب أن يكون بين دولتين متجاورتين، أخذاً في الحسبان الأوضاع الحقيقية على الأرض، خصوصاً في ظل التشابكات السياسية والاجتماعية والدينية، وحتى العسكرية بين إيران والعراق، والنتائج التي ترتبت على ابتعاد العراق عن الصف العربي خصوصاً أثناء فترتي حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

هنا، فإن الدعم الإماراتي لدولة العراق لم يكن على مستوى الخطاب السياسي فقط، بل تمت ترجمته عملياً خلال الأزمة التي لاتزال قائمة في العراق منذ تعرّض جزء كبير من أراضيه إلى الاحتلال من قبل تنظيم "داعش"؛ إذ كانت الإمارات قد اتخذت قراراً بإلغاء ديون العراق التي تبلغ قيمتها 5.8 مليار دولار. كما أنها أبدت، ولاتزال، تعاملاً إيجابياً فعَّالاً مع الوضع داخل العراق عبر الانخراط في الجهود الدولية العسكرية ضد ذاك التنظيم من ناحية، وسارعت إلى تخصيص مساعدات مادية لآلاف النازحين الذين تدفّقوا على بعض المناطق بشمال البلاد فراراً من الحرب من ناحية أخرى.

تعزيز سبل التعاون

تؤكد نتائج هذه الزيارة أن الإمارات على استعداد للاستمرار في دعمها للعراق لتجاوز مخلفات الحرب ضد "داعش"، وما نتج عنها من خسائر ودمار، والبدء في إعادة الإعمار، كما تشير لذلك التصريحات التي أدلى بها العبادي أمام الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء العراقي التي عقدها بعد زيارته للإمارات، والتي أكد خلالها أن "اللقاءات والاجتماعات مع المسؤولين الإماراتيين كانت إيجابية، وأنهم أبدوا استعدادهم لتقديم كل أنواع الدعم للعراق في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية وفي مختلف القطاعات".

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن ثمَّة اهتماماً خليجياً عاماً واضحاً بالعراق، ومحاولة تعزيز أواصر التعاون معها، ومساعدتها على العودة لمحيطها العربي الخليجي بعد فترة جفاء كبيرة تسببت بها سياسات حكومة المالكي السابقة. ويبدو كذلك أن ذلك الترحيب الخليجي يتزامن مع رغبة الحكومة العراقية في استعادة جزء من دورها ومكانتها التي اهتزت جرَّاء ظهور تنظيم "داعش"، وتهديد أمن واستقرار الشعب العراقي. ومن شأن هذا التفاعل البناء أن يُرسِّخ قواعد للتعاون المشترك بين العراق وبين دول المنطقة، ويدفع في اتجاه تجاوز العقبات والخلافات الحالية من أجل تفعيل التعاون لمواجهة التحديات المشتركة، التي يفرضها الواقع السياسي على جميع دول المنطقة.

ويتسق الدعم الإماراتي للعراق مع توجهات السياسة الخارجية للدولة، والقائمة أساساً على تدعيم روابط التعاون بين دول الجوار، مع التأكيد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واعتماد أسلوب الحوار كوسيلة لحل الخلافات فيما بينها، بما يساعد على استيعاب الأزمات ويقلل من حدة تفاقمها، وهو نفس ما اتبعته الإمارات مع تطورات الأوضاع في مصر حيث دعمها المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار.

وعلى الرغم من أنه من الجليّ أن الحكومة العراقية الجديدة تأخذ منحى مختلف تماماً عن سابقتها، وهو ما اتضح في تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية بعد زيارة بغداد خلال الشهر الماضي، والتي أكد فيها أن "ما سمعه ورآه من رئيس الوزراء (العبادي) هو الفرق بين الليل والنهار (مقارنة) بما عرفه وسمعه من رئيس الوزراء السابق المالكي"؛ فإن استمرار الدعم الإماراتي سيظل مرتبطاً بالإجراءات التي تتخذها حكومة العبادي على أرض الواقع، ومدى اتساق رغبتها المُعلنة في استمرار الدعم الخليجي مع سياساتها وقراراتها التنفيذية، خصوصاً في ظل احتياجها الشديد لتعميق التبادل التجاري والاقتصادي مع دول الخليج في الفترة القادمة، نظراً لتراجع احتياطها من النقد الأجنبي إلى 10 مليارات دولار حتى الآن خلال العام الحالي، وانخفاض أسعار النفط، علاوة على أن اقتصاد العراق يتجه بشكل عام نحو الانكماش بنسبة 0.5% في عام 2014، وهو أكبر تراجع خلال سنوات. كما أنه من المُرجح أن يصل العجز في ميزانية العراق لعام 2014 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك طبقاً لما أعلنه صندوق النقد الدولي مؤخراً.

من جهة أخرى، فقد أكد الخطاب السياسي الإماراتي في أكثر من مناسبة أن حل المشكلات التي يواجهها العراق يجب أن يشمل "جميع مكونات الشعب العراقي، دون إقصاء أو تهميش لأي طرف"، وهو ما يُنتظر تفعيله من جانب الحكومة العراقية الجديدة، تجنباً لمزيد من الانقسام ومحاولة وأد ظهور أية جماعات متطرفة تستغل تلك الحالة الإقصائية وتعمل على تأجيجها؛ بما يهدد أمن واستقرار ليس العراق فقط، بل المنطقة ككل، ويقوض فرص تعزيز التبادل الاقتصادي والتجاري بين العراق وسائر دول الجوار.