أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تمدد صيني:

دلالات استقبال الصومال مساعدات عسكرية من بكين

28 مارس، 2022


تسلم وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 18 مارس 2022، مساعدات عسكرية صينية، حيث سلمها سفير بكين لدى مقديشو، فاي شينغشوا، والتي تضمنت عدداً من المركبات وناقلات الجند المدرعة وسيارات الإسعاف ومعدات كشف الألغام، فضلاً عن معدات أخرى، في إطار مساعي الصين لدعم جهود الصومال في مواجهة الجماعات الإرهابية، خاصةً حركة الشباب.

تطورات عديدة:

تأتي هذه الخطوة من الصين في إطار جملة من المؤشرات التي عكست وجود توجهات صينية مكثفة خلال الفترة الأخيرة لتعزيز حضورها في مقديشو، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- زيارة المبعوث الصيني لمقديشو: جاءت خطوة تسلم وزارة الدفاع الصومالية عدداً من شحنات المساعدات العسكرية التي أرسلتها الصين لمقديشو، أثناء زيارة المبعوث الصيني لمنطقة القرن الأفريقي، شيويه بينغ، إلى مقديشو، والتي التقى خلالها بالرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء، محمد حسين روبلي. 

وألمح وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور جامع، إلى أن المركبات التي تسلمتها بلاده من بكين، والتي بلغت قيمتها نحو 5 ملايين دولار، ستعزز قدرة مقديشو على مواجهة الجماعات الإرهابية. وهو ما أكده قائد القوات الصومالية، الجنرال أودوا يوسف راج، إذ أكد أنها ستوظف ضد العمليات الإرهابية في الصومال، كما أعلنت الصين عن عزمها إرسال مزيد من المساعدات العسكرية للحكومة الصومالية خلال الفترة المقبلة. 

2- مباحثات وزيري خارجية الصين والصومال: عقد وزير الخارجية والتعاون الصومالي، عبد السعيد موسى، اجتماعاً مع نظيره الصيني، وانج يي، في 22 مارس الجاري، وذلك على هامش اجتماعات الدورة 48 لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسلام آباد بباكستان. وألمحت بعض التقديرات إلى هناك توجهات صينية لتوسيع انخراطها الاقتصادي والعسكري في الصومال، وأن ثمة مباحثات قائمة بين البلدين خلال الفترة الراهنة للتوصل لصيغة مشتركة لشكل التعاون.

3- التحضير لمؤتمر سلام في القرن الأفريقي: أعلن المبعوث الصيني الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، شيويه بينج، أن بلاده تعتزم رعاية أول مؤتمر سلام في القرن الأفريقي، خلال النصف الأول من هذا العام، لمحاولة تسوية الأزمات المتفاقمة في هذه المنطقة، وكان بينج قد قام بجولة لدول المنطقة خلال الأيام الأخيرة، تضمنت إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا، كما ينوي خلال الأيام المقبلة زيارة كل من أوغندا وجنوب السودان. وأشار بينج إلى أن بلاده تسعى إلى دعم جهود الأمن والتنمية في منطقة القرن الأفريقي. كما ألمح إلى أن كينيا وإثيوبيا عرضتا استضافة المؤتمر، في مؤشر على حجم الدعم الأفريقي للمؤتمر. 

أهداف متعددة:

عكس الانخراط الصيني المتنامي في الصومال عدداً من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الرد على زيارة رئيس صومالي لاند لواشنطن: أجرى رئيس جمهورية صومالي لاند، موسى بيهي، جولة خارجية خلال مارس 2022، في محاولة لحشد الدعم الدولي للاعتراف باستقلال بلاده عن الصومال، اختتمها بزيارة إلى الولايات المتحدة، في 13 مارس الجاري، حيث التقى خلالها عدداً من المسؤولين وأعضاء الكونجرس الأمريكي، غير أن بيهي لم ينجح في تحقيق هذا الهدف، إذ برز اتجاه داخل الكونجرس لدعم إقامة شراكة مباشرة مع هيرجسا، من دون الإعلان عن اعتراف واشنطن بها كدولة مستقلة، وذلك على الرغم من أن صومالي لاند عرضت على واشنطن إقامة قاعدة عسكرية على أرضها خلال الفترة الماضية.

ويبدو أن الزيارة التي أجراها بيهي إلى واشنطن دفعت بكين إلى تسريع وتيرة تقاربها مع الصومال رداً على النفوذ الأمريكي المتوقع تصاعده في صومالي لاند خلال الفترة المقبلة. وفي هذا السياق، أرسلت بكين في 17 مارس الجاري، حزمة مساعدات إنسانية لمقديشو للمساعدة في مواجهة آثار الجفاف الذي يضرب البلاد، قبل أن ترسل بعدها شحنات من المساعدات العسكرية.

وتبدي الصين انزعاجاً متزايداً إزاء وتيرة التقارب المتسارعة بين صومالي لاند وتايوان، خاصةً في ظل رفض هيرجيسا التقارب من الصين، في محاولة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، لزيادة فرص حصولها على الاعتراف الدولي باستقلالها عن الصومال. وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الصيني مباحثات مع نظيره الصومالي، موسى علي، في فبراير الماضي، أكد الأخير خلالها على العمل لمواجهة نمو العلاقات الراهنة بين تايوان وصومالي لاند، خاصةً منذ افتتاح الأخيرة لمكتب تمثيل لها في تايبيه عام 2020، فيما أكد وزير الخارجية الصيني أن بلاده ستعمل على تعزيز دعمها المقدم لمقديشو في إعادة بناء البنية الأساسية.

2- مساعٍ صينية لإقامة قاعدة عسكرية: أعلن قائد الجيش الأمريكي في أفريقيا، ستيفن تاونسند، أن الصين بدأت مؤخراً التفاوض مع الصومال لإنشاء قاعدة عسكرية في مقديشو، في محاولة لتوسيع قواعدها في منطقة القرن الأفريقي، بحيث تضم الصومال إلى جانب قاعدتها العسكرية في جيبوتي وكينيا، بيد أن قائد الجيش الأمريكي أعلن أن الحكومة الصومالية لن تسمح للصين بإنشاء قاعدة عسكرية على أرضها، ما يعكس وجود ضغوط أمريكية على مقديشو لمنع بكين من ذلك.

وتزداد المخاوف الأمريكية من تصاعد الحضور الصيني في القارة الأفريقية، خاصة بعد إشارة تقارير أمريكية إلى تخطيط بكين لإنشاء أول قاعدة عسكرية لها في غينيا الاستوائية على الساحل الغربي للقارة الأفريقية، وهو الأمر الذي اعتبرته واشنطن تهديداً صريحاً لها، وأضحت تسعى جاهدة لوضع حد للنفوذ الصيني في أفريقيا.

3- استثمار السخط الأفريقي من العقوبات الأمريكية: أشارت بعض التقديرات إلى أن الصين باتت تطرح نفسها باعتبارها بديلاً عن الولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي، مع محاولة استغلال انشغال واشنطن بالصراع الأوكراني لتعزيز حضورها في هذه المنطقة.

وتمثل الصومال أحد أهم الأطراف في المخطط الصيني، حيث تشير هذه التقديرات إلى أن العقوبات التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون على عدد من دول القرن الأفريقي، على غرار إثيوبيا والصومال وأريتريا، قد مهدت الطريق لتنامي النفوذ الصيني، مما جعل الصين، وكذلك روسيا، تطرح نفسيهما باعتبارهما بديلاً لواشنطن وكلاعب محوري في تخفيف وطأة العقوبات الغربية عبر تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية اللازمة، وهو ما انعكس بوضوح في الاتفاق الذي وقعه الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، مع الصين مؤخراً بشأن شراكة استراتيجية بين البلدين.

وفي هذا السياق، فإن الرئيس المنتهية ولايته فرماجو، قد يسعى للتقارب مع الصين لمواجهة الضغوط الأمريكية عليه بإنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

كذلك، تمثل المبادرة الصينية المطروحة لعقد "قمة لدول القرن الأفريقي من أجل السلام والتنمية" آلية جديدة يبدو أنها ستزيد من النفوذ الصيني في المنطقة، خاصةً أن هذه المبادرة تستهدف معالجة النزاعات والأزمات الداخلية من خلال إنشاء آلية الحوار والتشاور، فضلاً عن تقديم الدعم لدول لمنطقة من أجل التغلب على تحديات التنمية، ويبدو أن هناك درجة كبيرة من التنسيق الصيني – الروسي بشأن تحركاتهما المتوازية في منطقة القرن الأفريقي، بالشكل الذي يخدم مصالحهما المشتركة، على حساب النفوذ الغربي.

انعكاسات واسعة:

تثير التحركات الصينية الراهنة في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، والصومال بشكل خاص، جملة من الانعكاسات والارتدادات المحتملة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز الحضور الصيني في مقديشو: تتجه بكين لتعزيز علاقاتها بمقديشو، وهو ما انعكس في تأكيد السفير الصيني لدى مقديشو، بأن بلاده على استعداد لتعزيز التعاون مع الحكومة الصومالية لتخفيف الأضرار الناجمة عن الجفاف. كما يتسق مع مساعي بكين لتحجيم التقارب المتسارع بين صومالي لاند وتايوان، واحتواء النفوذ الأمريكي المتنامي في هيرجيسا، وبالتالي تسعى بكين لاستباق أي احتمالية لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في صومالي لاند، من خلال تعزيز نفوذها في مقديشو.

كما أن الصين تسعى لطرح نفسها كبديل محتمل لدعم الجيش الصومالي في مكافحة الإرهاب، خاصة في ظل الخلاف حول مستقبل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، بالإضافة إلى تنامي استهداف حركة الشباب لها، إذ قتل ثلاثة جنود من البعثة، في 23 مارس الجاري، في هجوم للشباب قاعدة للأميصوم في مدينة دينسور، بالتزامن مع محاولة اقتحام قاعدة عسكرية للأميصوم قرب مطار مقديشو الدولي، والذي أسفر عن مقتل خمسة أجانب وجندي من قوات الأميصوم، في تطور يحمل مؤشرات خطيرة بشأن اتساع رقعة عمليات حركة الشباب.

2- تحركات أمريكية مضادة: بدأت الولايات المتحدة تضغط على مقديشو لتحجيم النفوذ الصيني عليها، خاصةً أن واشنطن تعتبر الصومال إحدى دوائر النفوذ الأمريكي في المنطقة. ولعل هذا ما قد يفسر جزئياً العقوبات الأمريكية التي فرضتها على عدد من المسؤولين الصوماليين خلال الأسابيع الأخيرة، وإن أشارت إلى أن هذه العقوبات جاءت نتيجة تعثر إنجاز الانتخابات البرلمانية في موعدها.

وفي الختام، تعكس المتغيرات الراهنة وجود تطلعات قوية لدى الصين في تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، ويبدو أن الصومال باتت تمثل بؤرة اهتمام خاصة بالنسبة لبكين، الأمر الذي سيجعلها ساحة جديدة للتنافس الأمريكي – الصيني في المنطقة، وهو ما ستتمخض عنه انعكاسات محتملة على التوازنات السياسية والأمنية الراهنة في مقديشو.