أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

ثلاث ركائز:

مستقبل الردع الأمريكي في آسيا عام 2025

30 ديسمبر، 2014


إعداد: محمد أحمد عبدالمعطي

نشر "مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي" التابع للمجلس الأطلسي Atlantic Council دراسة للباحث في المركز، روبرت مينينج Robert A. Manning، حول "مستقبل الردع الأمريكي في آسيا حتى عام 2025"، حيث يناقش الباحث عدداً من النقاط المهمة، ومنها وضع البيئة الأمنية في جنوب شرق آسيا والمتغيرات التي طرأت عليها، وتحليل الآثار المترتبة على هذا الوضع الاستراتيجي المتطور، وكيفية طمأنة اليابان وكوريا الجنوبية حليفي الولايات المتحدة الرئيسيين في هذه المنطقة تجاه المتغيرات الجديدة، وأثر ذلك على مصداقية الولايات المتحدة بتحقيق الردع الموسع، ويخلص الباحث إلى تقديم مجموعة من التوصيات لتعزيز قوة الردع واستراتيجية الاستقرار في هذه المنطقة وحتى عام 2025.

أهمية منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ

بدايةً يؤكد Manning أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ أصبحت نقطة محورية في استراتيجية الولايات المتحدة وسياستها الدفاعية عقب صدور توجيهات في إدارة أوباما في يناير 2012 بشأن "إعادة التوازن" إلى آسيا، وهو ما أدى إلى جدل كبير بشأن تأثير ذلك على علاقات واشنطن مع كل من الحلفاء والخصوم في هذه المنطقة وحول العالم، أخذاً في الاعتبار وجود قوتين نوويتين إحداهما معترف بها (الصين) والأخرى غير معترف بها (كوريا الشمالية)، إضافة إلى اثنين من أهم حلفاء الولايات المتحدة وهما اليابان وكوريا الجنوبية اللتان تستضيفان قوات وقواعد عسكرية أمريكية.

وعلاوة على ذلك تموج المنطقة حالياً بحالة من عدم الاستقرار بأكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ حرب فيتنام، حيث تأججت المشاعر القومية، واستمرت بعض المعضلات التاريخية دون حل، وزادت الصراعات، وظهرت بعض القدرات العسكرية الجديدة التي بإمكانها تغيير الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة، بما يعد دافعاً للولايات المتحدة لزيادة إنفاقها العسكري - الذي وصل إلى 20 تريليون دولار- خاصةً مع تزايد المخاوف حول مسار ونوايا القوة الصينية الصاعدة.

التهديدات الجديدة

ظهرت في الآونة الأخيرة تهديدات غير مسبوقة لنفوذ الولايات المتحدة في منطقة آسيا، وتدهور مصداقيتها وقدرتها على تمديد وتوسيع الردع نتيجة لهذه التغيرات في البيئة الاستراتيجية، بما يمكن أن يدفع بكلٍ من اليابان وكوريا الجنوبية لتطوير قدرات نووية خاصة بهما، وإضعاف الوجود الأمريكي بهما، وزيادة احتمال الصراع العسكري، حيث أدت الديناميات الإقليمية والتغير التكنولوجي السريع وظهور العديد من العوامل السياسية والعسكرية والتكنولوجية في المنطقة إلى تهديد التوازن الاستراتيجي القائم منذ عقود، وقد تترك هذه العوامل آثاراً مدمرة على قدرة الولايات المتحدة على الردع في هذه المنطقة.

وقد جددت الولايات المتحدة توجهها الدبلوماسي تجاه المنطقة بتقديم العديد من المبادرات السياسية والاقتصادية، وإعادة التكيف مع وضع قواتها التقليدية فيها. ولذلك تسعى جميع الدول لفهم أثر التركيز الأمريكي الجديد على المنطقة على أمنها العام، بما في ذلك الخصوم، مثل كوريا الشمالية، أو الشركاء المترددين، مثل الصين، وأيضاً الحلفاء، مثل كوريا الجنوبية واليابان.

نظام الردع الأمريكي في آسيا

يشتمل نظام الولايات المتحدة للردع الموسع في آسيا والمحيط الهادئ على طيف واسع من القدرات، بدءاً من القوة النووية، وصولاً إلى القدرات التسليحية التقليدية، لمواجهة التحديات الجديدة والمشهد الأمني في المنطقة، والذي أصبح ديناميكياً ومتقلباً وأكثر تعقيداً من ذي قبل، وهو ما يعطي للردع والاستقرار الاستراتيجي أهمية متجددة خلال الفترة المقبلة وحتى عام 2025.

وطبقاً لما ذكرته الدراسة، يتضمن الردع الموسع الفعَّال عدة مكونات تتصل وترتبط بالحلفاء، والخصوم، وكذلك الخصوم المحتملين. ويتكون من قوة الردع نفسها، وضمان التأثير، وتوفير حد ما من الطمأنينة. و"الردع الموسع" هو الذي يُقنع الخصوم بأن مخاطر العدوان تفوق بكثير أي فائدة منه، أما "ضمان التأثير" فيرتبط بقوة الردع ولكنه ليس مطابقاً لها، فهو هدف السياسة الأمريكية التي تسعى إلى إقناع حليف ما بقدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها الأمنية، ويجب على واشنطن في هذا الصدد أن تسعى لضمان إيصال رسائل واضحة للخصوم المحتملين أن القصد من انتشارها وقدراتها العسكرية هو حماية الحلفاء وليس زعزعة الاستقرار أو تهديد البلد المعني طالما أنه يمتنع عن أي عدوان.

ويشير الكاتب إلى أن لدى الولايات المتحدة معاهدات دفاع مع 32 دولة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك 27 معاهدة في شكل جماعي في إطار حلف شمال الأطلسي NATO، بالإضافة إلى المعاهدات الدفاعية الثنائية مع اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايلاند، وأستراليا، وتايوان.

ويرى Manning أن التطورات الأخيرة في منطقة آسيا تتطلب استخدام مفهوم أكثر حداثة للردع، فبينما تظل القدرة النووية للولايات المتحدة في القلب من استراتيجية الردع الموسعة في آسيا، فإن العوامل غير النووية تلعب دوراً متزايد الأهمية في توسيع وتمديد الردع خلال القرن الحادي والعشرين، وذلك باستخدام الأدوات غير العسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية (على سبيل المثال ضد كوريا الشمالية وإيران، ومؤخراً روسيا)، ودور الالتزامات الاقتصادية في مجال تأمين الأدوات العسكرية التي تشمل الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية، ومجالات الإنترنت والفضاء، والتكنولوجيات الجديدة في مجال الأسلحة الموجهة بالطاقة.

أهم تحديات استراتيجية الردع الموسع

تشير الدراسة إلى أن التحدي الحالي الأكبر لاستراتيجية الردع الموسع يتمثل في بعض التوترات والاستفزازات التي لاتزال صغيرة  من بعض الدول في آسيا، حيث تشرع الصين - وإلى حد أقل كوريا الشمالية - في اتخاذ إجراءات ضد حلفاء الولايات المتحدة، حيث يُنظر إلى هذه التحركات على أنها إجراءات بسيطة وأقل بكثير من "عتبة الردع النووي" وفي غير حاجة للرد العسكري التقليدي، وذلك من خلال قيام الصين بمجموعة من الإجراءات البحرية والمدنية والعسكرية الصغيرة والتدابير الدبلوماسية بشأن الجزر المتنازع عليها مع اليابان، وهذا النمط من السلوك الصيني يتسبب في تآكل مصداقية الولايات المتحدة، وهو ما يتطلب منها اهتماماً سياسياً دائماً، وإثبات القدرة على الاستجابة.

ويضيف الكاتب أن أحد التحديات على المدى الطويل هو التوصل إلى وضع إطار للاستقرار الاستراتيجي مع الصين لإدارة أو تحسين المنافسة الاستراتيجية، ويمكن أن يشمل هذا الإطار مجموعة من التفاهمات أو الاتفاقات التي تحقق توازناً عسكرياً مستقراً لتعزيز ضبط النفس الاستراتيجي المتبادل.

ركائز مستقبل الردع الأمريكي في آسيا

يرى الكاتب أن مستقبل الردع الأمريكي الموسع في آسيا، يرتكز على ثلاث ركائز أساسية، وهي:

1- مصداقية الولايات المتحدة كقوة عالمية وفي منطقة المحيط الهادئ: فالقيادة الأمريكية، وحيويتها الاقتصادية النسبية التي أظهرها دورها الرائد الجديد كمنتج للنفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن التأكيد مجدداً على أهمية منطقة آسيا والمحيط الهادئ، جميعها قد تعزز من مصداقية الولايات المتحدة في هذه المنطقة.

2- القدرة على تعزيز الشراكات الأمنية مع دول المنطقة: نظراً لصعوبة إقامة الولايات المتحدة ترتيبات أمن جماعي في آسيا، فإنه يمكنها تعزيز الشراكات الأمنية مع الدول البحرية الرئيسية في منطقة جنوب شرق آسيا (آسيان) مثل "الفلبين، إندونيسيا، ماليزيا، وفيتنام"، على نحو يتيح لها تشكيل شبكة أمنية قادرة على الرد على التهديدات الصينية، وهي التهديدات التي تمنع دخول القوات العسكرية من مسافات بعيدة، وتكون في الغالب ضد عمليات التقدم العسكرية من الجو أو من البحر.

3- الاستثمار في القدرات التكنولوجية: يتطلب هذا الأمر مراجعة خطط الإنفاق الأمريكية على الدفاع، لضمان قدراتها على مواجهة التهديدات البحرية والغواصات والطائرات من دون طيار، بالإضافة إلى ضرورة تنويع القواعد العسكرية الأمريكية.

التوصيات الرئيسية

يقدم Manning عدداً من التوصيات لتقوية الركائز الثلاث المشار إليها، وتتمثل فيما يلي:

1- الوضوح في العقيدة الاستراتيجية الأمريكية وسياستها النووية: من الضروري استمرار التزام الولايات المتحدة العلني بإعلان مظلتها النووية لدعم حلفائها في آسيا والمحيط الهادئ، من خلال البيانات الرسمية المعلنة لأعلى المستويات الحكومية، بما في ذلك الرئيس، مع ضمان تفهم الجمهور الأمريكي لهذه البيانات والتصريحات.

2- تعزيز الحوار الاستراتيجي للردع مع الحلفاء والأصدقاء في آسيا: وذلك للمحافظة على الثقة في التزام الولايات المتحدة بالردع التقليدي، وتوسيع نطاق النقاشات لتشمل العوامل الأمنية الأوسع نطاقاً، بما في ذلك الدفاع الصاروخي، والتخطيط للطوارئ، ودعم الجهود الرامية إلى زيادة الحوارات الاستراتيجية مع أصدقاء آخرين في المنطقة بخلاف اليابان وكوريا الجنوبية مثل أستراليا وسنغافورة، والفلبين، وفيتنام.

3- تطوير التحالف بين الولايات المتحدة واليابان: وذلك عن طريق إنشاء آلية دائمة لإدارة الأزمات والإنذار المبكر، وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق التعاون الأمني بين الجانبين مع دول أخرى، وتعزيز التعاون في مجال الدفاع الصناعي لتطوير التكنولوجيا الناشئة.

4- إيجاد مزيد من التفاهمات والتنسيق مع الصين: إن أي محاولة لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي في آسيا تتطلب المزيد من الاتفاقيات رفيعة المستوى مع الصين، ونظراً لانعدام الثقة المتزايدة لدى الجانبين الأمريكي والصيني، فإن التوصل لالتزام عميق ومتواصل بإنشاء ووضع "قواعد متفق عليها" بينهما يعد أمراً حيوياً من أجل تجنب الحسابات الخاطئة وتخفيف سيناريوهات التصعيد المحتملة.

5- حماية القوات التقليدية الأمريكية الموجهة لآسيا كما عبَّر عنها كبار المسؤولين: فقد سبق أن وضع وزير الدفاع الأسبق "بانيتا" هدفاً يتم بمقتضاه توجيه 60% من القوات البحرية إلى منطقة آسيا بحلول عام 2020؛ وأكد "هاجل" هذا الالتزام، مضيفاً أن القوات الجوية سوف تعيد توزيع 60% من أسطولها إلى المنطقة بحلول العام نفسه، ولذلك ينبغي أن يضمن المسؤولون الأمريكيون تنفيذ هذه الالتزامات، وأن تكون واضحة بقوة في كل وثيقة، أو بيان رفيع المستوى.

6- الاستثمار في القدرات والتكنولوجيا الجديدة: حيث إن الاستثمار السنوي المقدر بـ 300 مليون دولار في البحث وتطوير المفاهيم المتقدمة يمكن أن يمد القوات الأمريكية التقليدية بالمزيد من القدرة والكفاءة لردع العدوان من خلال نشر أجهزة الليزر الكهربائية على نطاق واسع، والجيل القادم من أنظمة الحرب الإلكترونية بحلول السنة المالية عام 2018.

7- التأكيد على الجوانب الأساسية الاقتصادية، وكذلك الطاقة في التزامات الولايات المتحدة واستراتيجيتها للردع: ينصح التقرير الإدارة الأمريكية بالحفاظ على التعاقدات السياسية رفيعة المستوى وكذلك زيادة مستوى المشاركة الاقتصادية، والنظر في تسريع الموافقة على تصدير الغاز، لاسيما المُسال من منشآت معالجة الغاز الطبيعي على الساحل الغربي، وتجديد هيكل قوانين ولوائح عام 1970 التي عفا عليها الزمن، والتي تحد من صادرات النفط، لتوسيع دور الولايات المتحدة كمقدم لأمن الطاقة لحلفائها في المنطقة.

8- الحذر بشأن علاقات الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية: يتعين على الجانبين أن يكونا واثقين من أنه قد تم استيفاء جميع الشروط لعدم حدوث أي توترات، فقد اتفق الجانبان على تأجيل نقل قيادة القوات المشتركة للأمم المتحدة OPCON من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية التي كان محدداً لها عام 2015، خوفاً من أن يُفهم ذلك بشكل خاطئ من قبل بيونج يانج وغيرها، ولهذا فإنه يجب المضي قُدماً في المداولات بشأن OPCON بحذر.

9- الفضاء الإلكتروني والفضاء الطبيعي: أشار البيان المشترك للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى احتفاظهما بكافة الخيارات للرد على أي عمل عدائي على الإنترنت، مع اتخاذ التدابير المضادة ذات القوة الرادعة، لذلك فإنه يجب البحث عن صياغة شاملة لمثل هذه السياسة فيما يتعلق بالأعمال العدائية في الفضاء، وتوسيع الحوار حول قانون الفضاء مع الدول متشابهة الفكر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ووضعه على جدول أعمال قمة شرق آسيا.

* عرض موجز لدراسة تحت عنوان: "مستقبل الردع الأمريكي في آسيا حتى عام 2025"، والمنشورة في أكتوبر 2014، عن "مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي" التابع للمجلس الأطلسي، وهو منظمة غير حزبية تعمل على تعزيز القيادة الأمريكية وتُكرس جهودها لدفع التعاون والسلام الدولي ومواجهة التحديات العالمية.

المصدر:

Robert A. Manning, The Future of US Extended Deterrence in Asia to 2025 (Washington, Atlantic Council, October 2014).