أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ضغوط اقتصادية:

كيف ستتعامل السودان مع مشكلة نقص الطاقة؟

02 مايو، 2018


شهدت عدة مدن سودانية، في الآونة الأخيرة، تراجعًا في كميات الوقود المتوافر بالأسواق، وذلك نتيجة الصيانة الدورية لمصفاة الخرطوم، وتلاعب شركات التوزيع بحصصها من الوقود، حسب الترجيحات الأولية. بيد أن ذلك لا ينفي أن قطاع الطاقة، بما فيه الكهرباء، يعاني من ضعف في الكفاءة نتيجة تدهور قطاع النفط بجانب تراجع الاستثمارات خلال الفترة الماضية بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضت على البلاد لمدة 24 عامًا.

وتواجه الحكومة خيارات محدودة، في الأجل القصير، حيث أنها ستضطر، في الغالب، إلى زيادة وارداتها من المشتقات النفطية لتلبية احتياجات الأسواق، لكن في الأجل الطويل ينبغي عليها أن تكثف جهودها لتنفيذ خطتها الخاصة بتنمية قطاع النفط وتنويع مزيج الطاقة عبر بناء محطات حرارية وطاقة متجددة، وهو ما يحتاج إلى استثمارات كبيرة قد لا تستطيع الحكومة توفيرها إلا من خلال الدعم المالي الخارجي.

أزمات متكررة:

لم تكن هذه الأزمة الأولى من نوعها، إذ تكررت أكثر من مرة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية وذلك بالتوازي مع إشكالية أخرى تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة يوميًا في المدن المختلفة، نتيجة ضعف كفاءة المنظومة الكهربائية.

ويبدو احتمال التوصل لحل لهذه الأزمة في الفترة الراهنة ضعيفًا، حيث يعود نقص الوقود، بصفة أساسية، إلى عملية الصيانة السنوية الدورية لمصفاة الخرطوم، والتي بدأت في مارس الماضي وتستمر حتى مايو القادم، بحسب ترجيحات عديدة، فيما لم توفر الحكومة أيضًا الاعتمادات المالية بالعملات الصعبة لاستيراد احتياجاتها. كما اتهمت وزارة النفط شركات توزيع المشتقات النفطية بافتعال الأزمة الراهنة مع تلاعبها بحصص الوقود وتسريبها لبيعها بأكثر من قيمتها الحقيقية في السوق السوداء.

وقد ارتفعت أسعار المشتقات النفطية في السوق السوداء بالفعل، حيث تضاعف سعر لتر البنزين 10 مرات أكثر من سعره بالسوق الرسمي ليصل إلى 80 جنيهًا سودانيًا (4.4 دولار).

وتعاني منظومة النفط، بصفة عامة، من ضعف في كفاءتها نتيجة عوامل عديدة من بينها الانغلاق الاقتصادي الذي أنتجته العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ عام 1993 وحتى عام 2017.

ومنذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، شهد أداء قطاع النفط تراجعًا شديدًا، لتنخفض مستويات الإنتاج إلى حوالي 102 ألف برميل يوميًا مقارنة بالمستوى السابق الذي قُدِّر بنحو 450 ألف برميل يوميًا قبل الانفصال. فيما تأخرت أيضًا جهود إصلاح البنية الأساسية من خطوط الأنابيب ومصافي النفط بما لا يمكن معه تلبية الاحتياجات المتزايدة من المشتقات النفطية.

وحاليًا، لا تعمل سوى مصفتان للنفط إحداهما رئيسية وهى مصفاة الخرطوم بطاقة 100 ألف برميل يوميًا والأخرى صغيرة وهى مصفاة العبيدي بطاقة 10 آلاف برميل يوميًا، بينما تعرضت ثلاث مصافٍ أخرى بطاقة تصل إلى حوالي 34 ألف برميل يوميًا للتوقف، وهو ما يحد من الطاقة التكريرية اللازمة لتلبية الاحتياجات اليومية من البنزين والجازولين وغيرها من المشتقات.  

في حين تواجه منظومة الكهرباء مشكلات عديدة، في مقدمتها ضعف الكفاءة، وهى المشكلة التي تصاعدت على مدار الأعوام الماضية، على نحو تسبب في انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة يوميًا بمختلف المدن، وكان آخرها في يناير 2018.

إلى جانب ذلك، يحصل 45% من السكان فقط على خدمات الكهرباء، فيما تعتمد النسبة الباقية على طاقة الكتلة الحيوية أو مولدات الديزل لتوفير الكهرباء.

وتمتلك السودان حاليًا قدرة مركبة من الكهرباء تصل إلى 3.3 آلاف ميجاوات وبطاقة منتجة قدرها 14.4 ألف جيجاوات في الساعة يتم توليد حوالي 66% منها من السدود، بيد أنها، على الأرجح، ليست كافية لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء من القطاعات المختلفة.

خطوات المواجهة:

سوف تحاول الحكومة، في الأجل القصير، تقليص اختناقات الوقود من خلال زيادة واردات المشتقات النفطية لتلبية احتياجات الأسواق من البنزين والجازولين وغيرها، لكن ذلك لن يكون ممكنًا بسبب نقص العملات الأجنبية، وهو ما سيتطلب، وفق رئيس شعبة النفط في البرلمان إسحاق بشير، إبرام اتفاقيات نفطية مع شركاء السودان لمدة تتراوح ما بين 3 و4 أعوام بهدف تقديم المشتقات النفطية على أن يتم تسديد المدفوعات آجلاً.

ويبدو أن الحكومة، على المدى الطويل، بحاجة لضخ استثمارات كبيرة من أجل رفع كفاءة قطاع الطاقة في المستقبل. وفي هذا السياق، بدأت في العمل على محورين رئيسيين من أجل مواجهة إشكاليات الطاقة في البلاد، يتمثل أولهما في تطوير قطاع النفط، حيث تخطط لإطلاق مشروعات استكشافية لزيادة إنتاجها من النفط بنسبة 50% خلال الفترة المقبلة خاصة أن الاحتياطيات النفطية تقدر بنحو 25 مليار برميل.

ومن المخطط أن تطلق السودان أول جولة تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في عام 2018، وذلك وفق تصريح صلاح وهبي مستشار وزارة النفط في ديسمبر الماضي. وسبق أن أعلنت وزارة النفط، في أكثر من مناسبة، عن التوصل لتفاهمات مع شركات نفط عالمية للعودة للعمل في السودان ومنها شركات أمريكية وأوروبية.

وينصرف ثانيهما، إلى تنويع مزيج توليد الطاقة لديها، حيث تتبنى السودان خطة لتوليد الكهرباء من المصادر المختلفة بما فيها تطوير المحطات الحرارية التقليدية، وبناء محطات الطاقة المتجددة والطاقة النووية وذلك من أجل مضاعفة القدرة المركبة لمنظومة التوليد إلى 5400 ميجاوات في عام 2020 وهو ما قد يسمح بربط الشبكة القومية للكهرباء بولايات مثل دارفور وجنوب وغرب كردفان.

وفي الأجل القصير، تخطط السودان لإنشاء محطتين حراريتين في كل من منطقة قرى للأسواق الحرة ومدينة بورتسودان التي تضم الميناء الرئيسي والمنطقة التجارية الحرة الواقعة على ساحل البحر الأحمر وبطاقة 850 ميجاوات وبشراكة مع شركة "سيمنز" الألمانية.

كما تعول السودان على تنفيذ عدة مشروعات للطاقة المتجددة في المستقبل لزيادة قدرة الطاقة الكهربائية خاصة مع الإمكانات الكبيرة لتوليد الطاقة الشمسية والرياح في البلاد، منها مشروع لإنشاء أول محطة لإنتاج الطاقة من الرياح بسعة 1400 ميجاوات بموجب اتفاق بين وزارة الموارد المائية والرى والكهرباء وشركتى "إفريقيا للطاقة المتجددة" و"فيستاس" الدنماركية.

كما تعتزم الحكومة تنفيذ مشروع آخر للطاقة الشمسية، وهو ما أكده مبارك الفاضل وزير الاستثمار، بناءً على محادثات أجرتها الحكومة مع شركة "سكاتك سولار" النرويجية لتأسيس محطة للطاقة الشمسية بطاقة تصل إلى 400 ميجاوات.

أما بالنسبة للطاقة النووية، فقد اتخذت الحكومة أولى خطواتها لتوليد الطاقة الكهربائية من محطات الطاقة النووية وذلك من خلال إبرام اتفاقية مع شركة "روس آتوم" الروسية للطاقة حول تطوير مشروع لإنشاء محطة نووية على الأراضي السودانية، وذلك على هامش اجتماع اللجنة الروسية-السودانية المشتركة الذي عقد في الخرطوم في ديسمبر الماضي.

لكن ذلك لا ينفي أن السودان تحتاج من أجل تنفيذ مشاريع تطوير الطاقة المختلفة إلى استثمارات واسعة قد لا تستطيع توفيرها منفردة في ظل ندرة موارد النقد الأجنبي حاليًا، ومن ثم تبدو بحاجة للدعم المالي الخارجي من قبل شركائها الدوليين والإقليميين، وهو ما سيتوقف على اتجاهها نحو تبني برنامج عاجل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي، بجانب استمرار جهود التسوية السلمية للنزاعات الموجودة في أنحاء مختلفة من البلاد.