أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تحول جديد:

هل تتبنى "طالبان" أنماطًا مختلفة في عملياتها الإرهابية؟

26 يوليو، 2017


تصاعدت حدة عدم الاستقرار في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، على خلفية الهجمات المتواصلة التي تنفذها التنظيمات الإرهابية، ولا سيما حركة "طالبان" وتنظيم "داعش"، حيث بدأت تلك التنظيمات في توسيع نطاق استهدافها للقوات الحكومية، التي تسعى بدورها إلى شن ضربات قوية ضد مواقعها وعناصرها. وقد أدى ذلك في مجمله إلى ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب تلك العمليات، إلى نحو 1662 قتيلاً و3581 مصابًا، خلال الشهور الستة الأولى من عام 2017، حسب التقديرات التي كشفت عنها الأمم المتحدة، في 17 يوليو الحالي. 

 ويبدو أن حركة "طالبان" تحديدًا تتجه نحو رفع مستوى عملياتها الإرهابية خلال المرحلة القادمة، وهو ما عكسه إعلانها عن تبني الهجوم الذي وقع في الضواحي الغربية للعاصمة كابول في 24 يوليو 2017، وأسفر عن مقتل وإصابة نحو 70 شخصًا، فضلا عن حرصها على تكليف شخصيات تنتمي لعائلات القيادات الرئيسية فيها بتنفيذ بعض هذه العمليات.

 وهنا، فإن الحركة لا تستهدف فقط الرد على الضربات القوية التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة، على غرار مقتل 70 من عناصرها في مواجهات مختلفة مع القوات الأفغانية، في منتصف يوليو الجاري، في ولايات مختلفة مثل نانجارهار وبادغيس وباكتيا، وإنما تسعى أيضًا إلى تعزيز تماسكها الداخلي، بعد أن باتت ظاهرة الانشقاقات التي تعرضت لها في الفترة الماضية تهدد بإضعافها وانقسامها إلى مجموعات إرهابية صغيرة. 

تغير لافت:

 وفي هذا السياق، مثّلت العملية الانتحارية التي نفذها عبد الرحمن أخونزاده ابن زعيم الحركة الملا هيبة الله أخونزاده، والذي يعرف باسم حافظ خالد، في إقليم "هلمند" جنوبي البلاد في 20 يوليو الحالي، حيث استهدف قاعدة عسكرية أفغانية في مدينة كرشك شمالي لشكركاه عاصمة الإقليم، تحولا بارزًا في توجهات التنظيمات الإرهابية. إذ أنها المرة الأولى التي يقوم فيها أحد أبناء قادة إحدى هذه التنظيمات بعملية انتحارية خلال فترة تولي والده القيادة، خاصة وأنه من السائد- وفقًا لاتجاهات عديدة- أن تقتصر مشاركة الأبناء على بعض الأمور التنظيمية والإدارية فقط.

 بل إن بعض تلك التنظيمات تبدو حريصة على إبعاد أفراد عائلاتها عن مناطق العمليات وساحات المواجهات المسلحة، لدرجة أن تقارير عديدة أشارت إلى اندلاع بعض المواجهات بين عناصر تنتمي إلى التنظيمات الإرهابية التي تنتشر في سوريا بسبب محاولاتها تأمين خروج عائلاتهم من مناطق الصراع، على غرار مدينة حلب.

 وربما يمثل ذلك أحد أهم الأسباب التي دفعت العديد من قادة تنظيم "القاعدة" إلى الهروب لإيران، في أعقاب اندلاع الحرب الأمريكية على أفغانستان في عام 2001، رغم الخلاف المذهبي بين الطرفين، وذلك من أجل الحفاظ على حياة عائلاتهم، حيث سعت إيران بعد ذلك إلى استخدامهم بهدف ممارسة ضغوط على التنظيم نفسه من أجل عدم استهداف مصالحها أو مهاجمة أهداف داخل وخارج أراضيها، أو على الدول التي تنتمي إليها تلك العناصر. ومن هنا، ربما يمكن القول إن إقدام زعيم حركة "طالبان" على السماح لابنه بتنفيذ عملية انتحارية في هذا التوقيت يشير إلى أن الحركة تسعى إلى إجراء تغيير في توجهاتها باتجاه تصعيد حدة عملياتها ضد القوات الأفغانية وربما ضد أطراف أخرى تبذل جهودًا حثيثة من أجل تقليص نفوذها في بعض المناطق. 

تداعيات محتملة:

  جاء تصاعد حدة العمليات الإرهابية التي تشنها الحركة، وآخرها العملية الانتحارية التي نفذها عبد الرحمن أخونزاده، في توقيت حرج بالنسبة للحركة، حيث تتزايد المواجهات المسلحة التي تنخرط فيها الحركة ضد القوات الحكومية التي تحظى بدعم أمريكي من جهة، كما تتصاعد حدة المنافسة مع تنظيم "داعش" من جهة أخرى، لا سيما بعد أن تمكن التنظيم خلال الفترة الأخيرة من التمدد والسيطرة على بعض المناطق التي كانت تمتلك الحركة فيها نفوذًا بارزًا، على غرار مرتفعات "تورا بورا" بمنطقة باشيراجام في إقليم نانجارهار، التي سيطر عليها التنظيم في منتصف يونيو 2017، قبل أن تقوم القوات الحكومية بطرد عناصره منها بعد ذلك، بعد أن كبدته خسائر كبيرة. 

 وربما يفرض هذا التصعيد الملحوظ في العمليات الإرهابية التي تنفذها حركة "طالبان" والتحولات المتوقعة في توجهاتها المتطرفة بعض التداعيات المحتملة التي يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز موقف القيادة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن زعيم الحركة الملا هيبة الله أخونزاده سعى من خلال تصعيد حدة العمليات التي تشنها الحركة والسماح لابنه بتنفيذ إحداها، إلى تقوية موقعه داخلها، في ظل المنافسة الحادة التي يواجهها من قبل بعض القيادات البارزة، التي ما زالت توجه إليه اتهامات بفتح قنوات تواصل مع جهات خارجية، بشكل بات يفرض، في رؤيتها، تهديدات على الحركة نفسها.

2- استمرار النهج: ربما تدفع تلك العملية الأخيرة عناصر أخرى تنتمي إلى عائلات القيادات الرئيسية في الحركة إلى تبني النهج ذاته والإقدام على تنفيذ هجمات انتحارية ضد القوات الحكومية خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها الحركة خلال المرحلة الماضية، بسبب الضربات التي تتعرض لها من قبل القوات الحكومية والقوات الأمريكية، إذ كشفت إحصاءات أمريكية، في 18 يوليو الجاري، عن أن سلاح الجو الأمريكي قام برفع مستوى ضرباته الجوية ضد مواقع حركة "طالبان" وتنظيم "داعش" خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي، حيث تم إسقاط 1634 قطعة ذخيرة، على غرار الصواريخ والقنابل خلال تلك الفترة، بشكل يزيد على ضعف ما قام سلاح الجو بإسقاطه في العام الماضي بشكل كامل.

3- وقف الانشقاقات: تعرضت الحركة منذ عهد قائدها السابق الملا أختر منصور لانقسامات داخلية قوية أدت إلى حدوث انشقاقات كثيرة من جانب بعض كوادرها الذين انضموا إلى تنظيم "داعش"، حيث استندوا في هذا السياق إلى تراجع نشاط الحركة، وهو ما يعني أن عودة الأخيرة إلى تصعيد حدة عملياتها ربما يساهم في وقف تلك الانشقاقات خلال المرحلة القادمة. 

 لكن ذلك في مجمله لا ينفي أن الحركة ما زالت تواجه تحديات لا تبدو هينة داخل أفغانستان، خاصة في ظل تصاعد الاهتمام الأمريكي بالحرب ضد الإرهاب في أفغانستان وبعض الدول الأخرى، واتجاه حلف الناتو إلى رفع مستوى مشاركته في تلك الحرب، وهو ما كشفت عنه قمة الحلف التي عقدت في بروكسل في مايو 2017، والتي اتفقت فيها الدول المساهمة في بعثة "الدعم الحازم" على زيادة عدد قوات الحلف في أفغانستان خلال المرحلة القادمة.