أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أزمة قائمة :

انعكاسات إقالة الدبيبة لمدير الاستخبارات على المشهد الليبي

09 يونيو، 2022


أثار قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المقالة، عبدالحميد الدبيبة، بإقالة مدير الاستخبارات العسكرية، أسامة الجويلي، المخاوف بشأن احتمالات تأجيج الصراعات المسلحة داخل العاصمة الليبية طرابلس، وذلك بعدما شهدت منطقة غرب ليبيا تحركات مكثفة لأرتال عسكرية من مدينتي مصراتة والزنتان، وهو ما يتزامن مع قرب موعد انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في 22 يونيو الجاري.

تطورات عسكرية وسياسية

شهدت الأيام الأخيرة عدة تطورات عسكرية وسياسية متسارعة في الملف الليبي، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- انقسامات غرب ليبيا: أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة، عبد الحميد الدبيبة، إقالة مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، أسامة الجويلي، في أعقاب تعثر محاولة رئيس الحكومة الليبية الجديدة، فتحي باشاغا، دخول العاصمة الليبية، وذلك بدعوى دعم الجويلي لباشاغا في مسعاه الأخير. 

ولاقت هذه الخطوة سخطاً كبيراً من جانب المجموعات المسلحة الموجودة في مدينة الزنتان، وبدرجة أقل في مصراتة، والتي ترتبط بعلاقات قوية بالجويلي، مما دفع بعض هذه المجموعات لتحريك أرتال عسكرية ضخمه صوب العاصمة الليبية. 

وكشفت هذه الخطوة عن حجم التصدعات داخل تحالفات الدبيبة، خاصةً أن مدينة الزنتان تحظى بنفوذ كبير في غرب ليبيا بسبب قدراتها العسكرية الكبيرة ونفوذها القبلي الهائل، وعلاقاتها المتشعبة بمدن غرب ليبيا.

وحاولت بعض الأطراف إثناء الدبيبة عن هذه الخطوة لتجنب الانزلاق في مواجهات عسكرية غير محسوبة، خاصةً أن الدبيبة عمد أيضاً إلى إقالة نائب رئيس جهاز المخابرات للشؤون الأمنية، قائد كتيبة النواصي، مصطفى قدور، بيد أن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، أعلن رفضه وإلغاءه هذا القرار الأخير، مؤكداً استمرار قدور في منصبه، وأن قرارات الإقالة هي من اختصاصات المجلس الرئاسي فقط، وهو ما يكشف عن حجم الانقسامات التي سببها قرار الدبيبة الأخير. 

2- اجتماع سرت: عقد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في 31 مايو الماضي، اجتماعاً بمدينة سرت، أقر خلاله عمل حكومة باشاغا من المدينة، مع مناقشة الميزانية المقترحة من قبل الأخير. وأرسل صالح دعوة إلى رؤساء الأجهزة السيادية في ليبيا لحضور هذا الاجتماع، غير أن محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط قد امتنعا عن الحضور، في مؤشر على رفضهما تمويل حكومة باشاغا، وهو ما دفع صالح إلى تهديد المؤسسات الرافضة للتعاون مع حكومة الأخير.

كما يسعى صالح من هذا الاجتماع إلى الضغط على حكومة الدبيبة المقالة للاستقالة، خاصة بعدما وجه رئيس البرلمان الليبي اتهامات لحكومة الدبيبة بإهدار نحو 120 مليار دينار ليبي.

3- دعم مصراتي لباشاغا: أعلنت بعض الشخصيات البارزة من مصراتة دعمها لحكومة باشاغا، في تخلي عن الموقف الحيادي الذي التزمت به مصراته منذ بداية الصراع بين حكومتي باشاغا والدبيبة، كونهما ينتميان للمدينة. 

ووضح ذلك في إعلان القيادي العسكري المصراتي، سالم جحا، عن دعمه لحكومة باشاغا، مشيراً إلى أنها تعبر عن حالة التوافق الداخلي. وجاء ذلك خلال استقبال باشاغا، لمجموعة من أعيان وقيادات مدينة مصراته، حيث أكد خلال هذه الاجتماعات على التزام حكومته بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متوازٍ.

زيادة حالة الضبابية:

عكست المتغيرات السياسية والعسكرية السابقة جملة من الدلالات المهمة، والتي تضفي على المشهد الليبي مزيداً من الضبابية والغموض، ويمكن عرض هذه الدلالات على النحو التالي:

1- تكريس حالة الانقسام: يبدو أن الأوضاع الراهنة تعيد ليبيا إلى المربع الأول مرة أخرى، من خلال الدفع نحو تعزيز الانقسام بين حكومتين متناحرتين، في ظل تشبث الدبيبة بالبقاء في السلطة، الأمر الذي ربما يعزز من فرضية إطالة أمد الصراع، وإبقاء الوضع القائم لحين التوصل إلى توافقات جديدة، أو تغيير طبيعة موازين القوى بحيث يستطيع أي طرف حسم المنافسة لصالحه.

وتمتد الانقسامات كذلك إلى المؤسسات الاقتصادية، إذ إن تغيب محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصادق الكبير، عن اجتماع سرت، يعني رفض الأخير تمويل ميزانية حكومة باشاغا، الأمر الذي يدفع نحو انقسام مالي جديد، يفرز مؤسسات مالية متوازية، مع تعطل عملية تصدير النفط من الموانئ والحقول النفطية.

2- استمرار التحالفات المتغيرة: على الرغم من المؤشرات التي توحي بإمكانية حدوث تقارب خلال الجولة المقبلة لمشاورات القاهرة بشأن المسار الدستوري بين مجلس الدولة والنواب، بيد أن التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس الدولة، خالد المشري، عكست مؤشرات مضادة، حيث رفض الأخير فكرة عمل حكومة باشاغا من سرت، مشيراً إلى أن هذه المنطقة تضم حالياً عناصر من مجموعة فاجنر الروسية، وتخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، مضيفاً أن الحكومة الليبية يجب أن تعمل من طرابلس.

وعلى المستوى الأمني، يسعى الدبيبة باستمرار لمحاولة زيادة حجم الرواتب والإنفاق على هذه المجموعات المسلحة لضمان دعمها، غير أن هذه الولاءات لاتزال متغيرة وغير ثابتة، وهو ما تعزى إليه سلسلة الإقالات الأخيرة التي أصدرها الدبيبة بحق عدد من القيادات العسكرية في غرب ليبيا، فضلاً عن التحولات الراهنة في دعم مدينة مصراتة.

3- معضلة ولاية الدبيبة: يلاحظ أن هناك صعوبة في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العام الجاري، وهو ما يثير التساؤل حول مستقبل حكومة الدبيبة بعد انتهاء ولايتها في 22 يونيو الجاري، وفقاً لخريطة الطريق التي أقرها منتدى الحوار الوطني في السابق.

وطالب المشري التوصل إلى صيغة جديدة عاجلة للتعامل مع انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، وذلك بالتوازي مع تصريحات باشاغا، والتي أكد خلالها استعداده تسليم الحكومة لأي شخص يتم التوافق عليه من قبل مجلسي النواب والدولة، حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة مصغرة تتولى السلطة لإدارة المرحلة الانتقالية وتنهي حالة الاستقطاب الحالية، بيد أن مقترح الحكومة المصغرة لا يزال يلاقي معارضة من الدبيبة.

ويبدو أن ثمة مشاورات راهنة بين الأطراف الداخلية والخارجية للتوصل إلى صيغة توافقية لما بعد 22 يونيو الجاري، وربما ترتبط بذلك الاجتماعات المرتقبة للجنة العسكرية المشتركة 5+5 في تونس، والمزمع انعقادها في 7 و8 يونيو الجاري، وذلك بعد فترة من الخلافات التي أدت إلى تعليق أعضاء اللجنة عن المنطقة الشرقية أعمالهم.

كذلك هناك تعويل دولي على اجتماعات القاهرة بين ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين بشأن التوصل إلى توافقات تتعلق بالمسار الدستوري، حيث يجري التحضير للجولة الثالثة من هذه المشاورات، ومن المتوقع انطلاقها في 11 يونيو الجاري، حيث ترى الفواعل الدولية المنخرطة في الملف الليبي أن مخرجات هذه المشاورات المقبلة يمكن البناء عليها للوصول إلى تسوية للأزمة الراهنة.

انعكاسات محتملة

في إطار الزخم الراهن المرتبط بالملف الليبي، يبدو أن المتغيرات الداخلية الراهنة ستكون لها ارتدادات واسعة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- إمكانية تغيير توازنات طرابلس: طرحت بعض التقديرات الغربية احتمالية أن تشهد طرابلس مساعي مكثفة لتغيير خريطة التحالفات الميليشياوية الراهنة، الأمر الذي يجعل احتمالات حدوث مواجهات مسلحة أمراً غير مستبعد، خاصة بعد إقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أسامة الجويلي، وقائد كتيبة النواصي، مصطفى قدور، والفيديوهات التي تم تداولها لأرتال عسكرية تتجه صوب طرابلس قادمة من الزنتان ومصراتة، فقد وجه عدد من المجموعات المسلحة الموالية لقدور تحذيرات لحكومة الدبيبة بضرورة تسليم السلطة بشكل عاجل.

كذلك يلاحظ أن العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في جنوب ليبيا تستهدف تضييق الخناق على حكومة الدبيبة المقالة من أجل القبول بتسليم السلطة.

2- وساطة قطرية محتملة: هناك مؤشرات على وجود توجهات قطرية للوساطة بين القوى المتصارعة في ليبيا، وهو ما انعكس في اللقاء الأخير الذي عقده السفير القطري لدى ليبيا، خالد الدوسري، مع نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة، رمضان أبو جناح، بالعاصمة طرابلس، حيث أكد السفير القطري رغبة بلاده في تطوير العلاقات مع طرابلس والعمل على تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، كما أجرت وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة، نجلاء المنقوش، اتصالاً بنظيرها القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

وفي هذا السياق، أشارت بعض التقارير إلى أن ثمة مساع راهنة تقوم بها إيطاليا لعقد مؤتمر دولي تتم خلاله دعوة كافة الأطراف المنخرطة في الملف الليبي، وألمحت هذه التقارير إلى أن هذا المؤتمر من المرجح أن يعقد في أحد الدول العربية، وبمشاركة عدد من القوى الدولية، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن مشاركة عدة قوى إقليمية، على غرار مصر وتركيا، ورجحت هذه التقارير عقد هذا المؤتمر قبل 22 يونيو الجاري.

وفي الختام، يمكن القول إن هناك ثلاثة مسارات محتملة للأزمة الليبية، يتعلق الأول باحتمالية توصل الفواعل الدولية والإقليمية إلى خريطة طريق جديدة ربما تستحدث حكومة أخرى غير حكومتي الدبيبة وباشاغا، بينما يرتبط المسار الثاني بإمكانية توصل مجلسي النواب والدولة إلى توافقات بشأن المسار الدستوري، وتحسم الصراع بين حكومتي باشاغا والدبيبة، فيما يتمثل المسار الثالث في الانجراف نحو الحرب الأهلية. ويلاحظ أن الخيار الأخير يبقى أقل المسارات احتمالاً، في ظل الضغوط الدولية والإقليمية لمنع ذلك.