أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

أزمة الأنفاق:

المسارات المحتملة للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله

18 ديسمبر، 2018


مع استمرار عملية "درع الشمال "التي أطلقتها إسرائيل لمواجهة الأنفاق التى أعلنت اكتشافها على الحدود اللبنانية، أظهرت السياسات التي تبنتها تل أبيب إزاء هذا التطور الجديد متغيرًا يتعلق بنمط التعامل مع تهديدات حزب الله، حيث اتخذت حزمة من الإجراءات المتوازية، تمثل تكتيكًا مختلفًا عن سيناريو التصعيد العسكري، الذي لا يمكن استبعاده تمامًا في المستقبل بهدف توجيه ضربة وقائية. لكن مع عدم توافر متغيرات، حتى الآن، تعزز من هذا الاحتمال، فإن تكتيك تل أبيب سوف ينصب على الربط بين مسار التهديد الجديد الذي يفرضه الحزب والتصعيد مع الأخير، إلى جانب إيران، في الجبهة السورية، من منطلق رؤية تقوم على أن النهج الجديد للحزب يأتي من تفاعلات المعادلة ذاتها.

في المقابل، تعاطى الحزب بالوتيرة ذاتها، وفق حسابات لا تجنح إلى التصعيد المقابل، وإن لم تخل من التلويح بـ"مفاجآت" عسكرية كخطوة دفاعية، ومن بين تلك "المفاجآت" استخدام تقنيات جديدة وغير تقليدية لقدراته الصاروخية المطورة بحكم خبراته في الساحة السورية، ومع نقل إيران الأحدث منها إليه في سوريا.

وبخلاف تلك الرسائل المتوقعة، شكك الحزب، منذ بداية الكشف عن تلك الأنفاق، في رواية تل أبيب، حيث ركزت المنصات الإعلامية المختلفة التابعة له على ربط التصعيد بالتطورات الداخلية الإسرائيلية، على ضوء الأزمة التي تشهدها حكومة بنيامين نتنياهو بعد انسحاب وزير الدفاع السابق افيجدور ليبرمان من الائتلاف الحكومي. 

خطوتان رئيسيتان:

تزامن الإعلان التدريجي عن ثلاثة أنفاق من الجانب الإسرائيلى مع اتخاذ تل أبيب خطوتين شكلتا مسار التعامل من جانبها مع هذا التطور، وهما:

1- اتخاذ تدابير حدودية: وقد بد ذلك جليًا في عملية "درع الشمال"، التي لا تعد عملية عسكرية وإنما عملية هندسية بالأساس لهدم الأنفاق، وبالتالى فإن الحديث عن عملية ردع عسكري لا مجال له فى هذا السياق، لا سيما أن التوتر الحالي سوف يتوقف، في الغالب، عند حد اتخاذ "تدابير وقائية" وليس شن "هجمات وقائية " متوقعة على الأقل في المرحلة الحالية.

وثمة مؤشر آخر ربما يتصل بذلك، وهو أنه على الرغم من أن إسرائيل زعمت في البداية أن الكشف عن تلك الأنفاق جاء نتيجة لجهد استخباراتي امتد لسنوات، إلا أن ذلك لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، خاصة أن إسرائيل كانت قد تقدمت بشكوى للأمم المتحدة في منتصف عام 2017 تدعو إلى مواجهة تحركات جمعية "أخضر بلا حدود" المدعومة من الحزب، والتى تقوم، وفقًا لها، بأنشطة زراعية وبيئية على الحدود تزعم إسرائيل أنها تعرقل عمل قوات اليونيفيل على الحدود، وتمثل نقاط مراقبة للحزب.

2- تحركات دبلوماسية نشطة: بدأت إسرائيل في طرح تلك القضية مع المسئولين الأمريكيين والروس، فضلاًَ عن سفراء العديد من الدول، وهو ما يشير إلى أن نتنياهو يحاول، شكليًا، تأكيد مزاعم تورط الحزب في بناء الأنفاق، وأن إسرائيل تواجة تهديدًا جديدًا من جانبه يقتضى رد فعل من تلك الدول.

كما حرصت تل أبيب على إظهار أن الحزب يعمل على انتهاك القرار 1701، وهو ما تحاول توظيفه دوليًا في اطار استقطاب موقف دولي يدين الحزب وإيران، ويضغط من أجل تحسين وضع أو دور قوات اليونيفيل، على نحو انعكس في حرص نتنياهو، خلال لقاءه مع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، في 12 ديسمبر 2018، على تأكيد أن "على قوات حفظ السلام الأممية (يونيفيل) التي تقودها روما في جنوب لبنان بذل مزيد من الجهود لكبح جماح الحزب".

وخلال لقاء نتنياهو مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 4 ديسمبر 2018، سعى الأول إلى التركيز على ضرورة فرض المزيد من العقوبات على إيران وتسليط الضوء على ترسانتها الصاروخية التى تكتسب اهتمامًا خاصًا لدى واشنطن، ولكنه فشل، وفقًا لعدد من التقارير الدولية، في استدرج لبنان إلى ساحة العقوبات.

تقسيم أدوار:

تفادى حزب الله الاشتباك المباشر مع الحملة الإسرائيلية التي يشنها نتنياهو، والتي تصدى لها إعلامه، الذي ركز على التشكيك في الرواية الإسرائيلية، وتصدير فكرة أنها محاولة من جانب نتنياهو للتغطية على أزمته الداخلية، وإعادة فتح قنوات الاتصال مع روسيا فى ظل الأزمة التى شهدتها العلاقات بين الطرفين، بعد حادث استهداف إسرائيل للطائرة الروسية "ايل- 20" في 17 سبتمبر الماضى.

لكن من المتصور أن الحزب، في حالة ما إذا ثبتت صحة رواية الأنفاق، سوف يواجه مأزقًا حرجًا. إذ أن الكشف عن الأنفاق يعني أنه خسر أداة التهديد الجديدة، وأن الجهود التي بذلها لإنشاء تلك الأنفاق أهدرت، إلى جانب أن ذلك سوف يُعرِّضه لمزيد من الضغوط الدولية.

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن حسابات الحزب لن تتجاوز حيز الاشتباك السياسي والإعلامى دون الانزلاق إلى التصعيد العسكري، حيث أنه سيكتفي، في الغالب، بالتلويح بالقدرة على الرد، وهو ما انعكس في تصريحات نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم في حواره مع صحيفة "الوفاق" الإيرانية، في 9 ديسمبر 2018، والتي قال فيها أن "الجبهة الداخلية الإسرائيلية حتى تل أبيب ستكون تحت مرمى صواريخ المقاومة وأن قواعد الاشتباك التي أوجدها حزب الله في لبنان وقواعد الردع التي أصبحت لإسرائيل صعَّبت كثيرًا فكرة الحرب الابتدائية من إسرائيل على لبنان".

وفي النهاية، يمكن القول إن تصعيد إسرائيل لقضية الأنفاق مع لبنان في هذا التوقيت يمثل محاولة استباقية من جانبها للتعامل مع حزب الله مختلف عن ذلك الذي انخرطت في مواجهة ضده خلال عام 2006، خاصة في ضوء المشاركة البارزة للحزب في الصراع السوري والدعم العسكري المتواصل الذي تقدمه إيران له، على نحو يضع حدودًا للمسارات المحتملة للتصعيد بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.