أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الضربة الثلاثية ومصادر القلق

18 أبريل، 2018


شُغِل العالم بالضربة التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لسوريا عقاباً لنظامها على ما افترضت هذه الدول أنه استخدام للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، وقد أكدت دولة الإمارات العربية أنها تتابع بقلق شديد التطورات على الساحة السورية والتصعيد الحالي وتدين بشدة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وتؤيد الإجراءات الدولية كافة التي تستهدف نزع هذه الأسلحة المحرمة وتدميرها وضرورة الحيلولة دون وقوعها في أيدي المنظمات الإرهابية المسلحة في مناطق الصراع. ويتسق هذا القلق مع الموقف العقلاني المعروف عن دولة الإمارات، والذي عكسه مجدداً بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي الذي أكد «أن دولة الإمارات ترى أن الحل السياسي هو الأساس لمعالجة الأزمة السورية وإنهاء المعاناة والعنف على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وبصورة خاصة قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف1». وأضاف البيان: «إن الإمارات ترى دون ذلك استمراراً للأزمة السورية بكل ما تحمله من خطر على وحدة البلاد دون خسائر بشرية متصاعدة، وتؤكد في الوقت نفسه أن تفعيل الدور العربي في المساعي السياسية ضرورة لإيجاد الحل السياسي». ويلفت في الموقف الإماراتي أولاً الإدراك السليم لحتمية الحل السياسي للصراع في سوريا، وهو ما أعرب الدكتور أنور قرقاش في تصريحاته الأخيرة عن أنه إدراك مازال غائباً عن أطراف الصراع، فالكل مازال يعتقد أن بإمكانه تحقيق النصر بالوسائل العسكرية، كما يلفت أيضاً في هذا الموقف التركيز على أهمية تفعيل الدور العربي في المساعي الراهنة للتوصل إلى حل سياسي. وتزداد أهمية هذا الدور بالنظر إلى الغياب شبه التام الآن لأي تأثير عربي على مجريات الصراع في سوريا، وكذلك في إطار ما لاحظه الدكتور قرقاش بحق من أننا لا نرى استراتيجيات للدول التي تُمسك بزمام الأمور في سوريا. ولعلها ملاحظة تبدو شديدة الوضوح في الحالة الأميركية التي شهدت مؤخراً تأرجحاً ظاهراً.

ولا شك أن ثمة مصادر عديدة أخرى للقلق مما جرى ويجري في سوريا والإدارة الدولية للصراع فيها، والملاحظة الأولى في هذا الصدد تتعلق بدلالة توجيه الضربة بسبب اتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية، وكأن قتل المواطنين بالأسلحة التقليدية مشروع لا يستحق رداً! كذلك قد يكون من المناسب التذكير بازدواجية المعايير في الساحة الدولية، إذ بينما انتفضت الإدارة الأميركية ضد النظام السوري لاتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية، فإنها عوقت مجرد صدور بيان عن مجلس الأمن تقدمت به الكويت بمناسبة العنف الإسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين في انتفاضتهم الأخيرة. والملاحظة الثانية ترتبط بتنفيذ الضربة دون انتظار قرار من مجلس الأمن يسبغ عليها الشرعية الدولية المطلوبة، وكذلك عدم انتظار نتائج التحقيق الذي كان من الممكن أن تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي تزامن وصول بعثتها مع توجيه الضربة. ولا يتجزأ إجراء تحقيق دولي نزيه في استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة عن شرعية الضربة؛ فمبررها المعلن هو هذه الجريمة، لذا كان التحقق من وقوعها والمسؤولين عنها ضرورة لإثبات أن العلاقات الدولية تُدار في إطار الاحترام الواجب لمبادئ القانون الدولي والشرعية المنبثقة عنها. وتزداد أهمية هذا الاعتبار من سوابق غير بعيدة؛ ففي 2003 قامت الولايات المتحدة بغزو العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل تمثل خطراً داهماً على جيرانه، ومعروف بعد ذلك ما اتضح من زيف اتهام العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ومعروفة كذلك الآثار الكارثية التي ترتبت على احتلال العراق، لا عليه فحسب، وإنما على مجمل النظام العربي وأمنه بعد أن أدت تداعيات الغزو إلى تحويل العراق إلى ساحة مستباحة للنفوذ الإيراني الذي يعلم الجميع خطره على أمن الأمة العربية ومستقبلها. لا أحد بطبيعة الحال يقف ضد معاقبة أي مرتكب لجريمة بحق شعبه، غير أن هذا العقاب يجب أن يتم في إطار من الاحترام الكامل لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، كي يتمتع بالحصانة اللازمة ضد أي محاولة للتشكيك.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد