أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

تحولات قادمة:

فرص اقتصادية متصاعدة لتعزيز العلاقات العربية - الصينية

26 ديسمبر، 2022


زار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 7 حتى 10 ديسمبر 2022، لحضور ثلاث قمم، منها القمة العربية - الصينية الأولى. ولا تُعد هذه الزيارة هي الأولى للرئيس شي للمنطقة، فقد سبقتها زيارات أخرى في عامي 2016 و2018، شهد خلالها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون مع الدول العربية.

ويبدو أن انعقاد القمة العربية - الصينية الأولى سيمثل علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين الجانبين، وانعكس ذلك جلياً في مقال منشور للرئيس الصيني في صحيفة "الرياض" يوم 8 ديسمبر 2022، أوضح فيه أن هذه القمة تعد بمنزلة بداية عصر جديد للعلاقات العربية - الصينية. كما صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، قائلة "إن هذه القمة هي أكبر وأرفع حدث دبلوماسي بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية". وفي هذا الإطار، يناقش هذا التحليل دلالات انعقاد القمة، وأهميتها بالنسبة لمسار العلاقات الاقتصادية بين الصين والمنطقة العربية. 

دلالات التوقيت: 

ترجع أهمية القمة العربية - الصينية بشكل كبير إلى توقيت انعقادها بالنسبة للجانبين، فقد حصل الرئيس شي، في أكتوبر 2022، على فترة ولاية ثالثة استثنائية، ليصبح بذلك أول رئيس صيني يحصل على ثلاث ولايات رئاسية منذ تضمين الدستور الصيني في عام 1982 لمادة تحدد الولايات الرئاسية بولايتين متتاليتين فقط. 

كما تُعد القمة العربية - الصينية حدثاً بارزاً يمكن أن يساهم في تعزيز وضع بكين كقوة مؤثرة في العالم، وذلك من خلال توسيع نطاق حضورها في الشرق الأوسط، وبالتالي تعزيز وضعها كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة في الساحة الدولية. علاوة على أن هذه القمة ستعزز من شعبية الرئيس شي في الداخل الصيني باعتباره القائد الذي يسعى إلى إحياء الحلم الصيني وإعادة أمجاد الأمة الصينية، حسبما يذكر دائماً في خطاباته.

وعلى الصعيد العربي، تأتي هذه القمة في ظل وضع جيوسياسي واقتصادي عالمي غاية في التعقيد، بسبب الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية. ومن ثم، فإن تعزيز أواصر الروابط العربية مع الصين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، من الممكن أن يساهم في التخفيف من الآثار الاقتصادية لهذه الأزمات.

أما الدلالة الأهم التي يحملها توقيت القمة، فتتمثل في كونها تأتي بعد حوالي خمسة أشهر فقط من انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة عربية – أمريكية، والتي استضافتها أيضاً السعودية بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن. ومن ثم فإن توقيت انعقاد القمة العربية - الصينية يعكس رغبة عربية حقيقة في تنويع تحالفاتها، وكسب حلفاء استراتيجيين جدد، وذلك من دون الانحياز لقوى على حساب أخرى.  

دوافع اقتصادية:

في مطلع شهر ديسمبر 2022، أصدرت وزارة الخارجية الصينية تقريراً حول "التعاون الصيني- العربي في عصر جديد"، أكدت بكين فيه أنها "شريك استراتيجي وصديق مخلص" يلعب دوراً بنّاءً في الشرق الأوسط، وليس دوراً يخدم مصالح الصين الجيوسياسية". في الوقت ذاته، نفى التقرير رغبة الصين في ملء أي فراغ قد تتركه الولايات المتحدة في المنطقة، مؤكداً أن بكين ستدعم دول المنطقة لحل قضايا الأمن الإقليمي، وستدعم الشعوب في استكشاف مسار التنمية الخاص بهم بشكل مستقل.

وتكمن الدلالة الرئيسية التي يعبر عنها هذا التقرير في أن الصين مهتمة بشكل رئيسي بالانخراط الاقتصادي في الشرق الأوسط، وأنها غير مهتمة بالانخراط في صراعات المنطقة. وينبع اهتمام الصين بتعزيز تعاونها الاقتصادي مع الدول العربية من ثلاثة عوامل رئيسية، يتعلق أولها بأمن الطاقة، حيث تستورد الصين 40% من احتياجاتها النفطية من دول الخليج، كما تُعد الصين المستورد الأول للنفط السعودي. ويتمثل العامل الثاني في كون الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين الجانبين خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2022 حوالي 319 مليار دولار، وهو ما يزيد على معدل التبادل التجاري الذي تم تحقيقه في عام 2021 بأكمله، والذي بلغ حوالي 300 مليار دولار.

أما العامل الثالث فيتمحور حول كون الأسواق العربية ناشئة وجاذبة للاستثمارات الصينية التي ازدادت خلال العقد الماضي بمقدار 2.6 مرة، لتصل إلى 23 مليار دولار كاستثمارات مباشرة في عام 2022، وفقاً لتقديرات وزارة الخارجية الصينية، فضلاً عن أنه تم تنفيذ أكثر من 200 مشروع من مشاريع الحزام والطريق في المنطقة العربية. 

فيما تمتلك غالبية الدول العربية رؤى تنموية وطنية تعتمد على تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنويع مصادر النمو الاقتصادي، لا سيما دول الخليج التي تقوم رؤيتها التنموية على تنويع مصادر الدخل والنمو الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط وحده كمصدر رئيسي للنمو الاقتصادي. وتنطوي عملية تنويع مصادر النمو الاقتصادي على تطوير نشاطات جديدة، من أهمها تعزيز البنية التحتية للموانئ، وتطوير قطاع تكنولوجي قوي يتسق مع التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي. وتتلاقى هذه الرؤى بشكل إيجابي مع أهداف مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي ترتكز بدورها على تطوير البنية التحتية والاتصال التكنولوجي بين الدول المنضمة إليها. 

تحولات مستقبلية:

لطالما ساد انطباع بأن العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية والصين تتمحور حول استيراد النفط من منطقة الخليج، أو التعاون مع الصين في تنفيذ بعض مشروعات البنية التحتية خصوصاً في مجال الإنشاءات، بيد أن هذا المشهد بصدد التغير بشكل جذري في ضوء المباحثات التي شهدتها القمة العربية – الصينية، والتي تشير إلى أن الفترة القادمة ستشهد بداية تحولات عميقة في العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية. ويمكن رصد أهم ملامح هذه التحولات فيما يلي: 


1- احتمالية دعم مكانة "اليوان" الصيني كعملة دولية: اقترح الرئيس شي خلال فعاليات القمة الصينية - العربية إمكانية اعتماد دول الخليج على بورصة شنغهاي للطاقة لتداول خامات النفط، مما اعتبره البعض خطوة نحو تسعير عقود النفط بالمنطقة باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي. وقد تكرر التلميح السابق مراراً في الفترة الماضية ولم يفضِ إلى نتائج ملموسة، إلا أنه في ظل الزخم الحالي في العلاقات العربية - الصينية، ورغبة الدول العربية، خصوصاً الخليجية، في تحقيق مزيد من التوازن في شبكة تحالفاتها وعلاقتها الدولية، ربما يتم التباحث بشكل جاد حول آليات تطبيق استخدم اليوان لتسعير بعض صفقات النفط مع الصين.

علاوة على ما سبق، قد تتزايد أيضاً احتمالية اتجاه مزيد من البنوك العربية لإصدار سندات مالية باليوان، وهو توجه انتهجته عدة بنوك بالفعل في المنطقة مؤخراً. ومن شأن هذه الجهود أن تعزز تدويل اليوان.

2- تعزيز التعاون التكنولوجي: تعد رقمنة الاقتصاد المحرك الرئيسي لنمو الاقتصادات وتعزيز جهود التنوع الاقتصادي خصوصاً في دول الخليج. فالاقتصاد الرقمي ينمو في دول الخليج بشكل أسرع بمعدل مرتين من الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يخلق فرصاً حقيقية للتعاون بين الصين ودول الخليج في مجالات مثل إنشاء مراكز البيانات الضخمة، والمدن الذكية، ودعم البنية التحتية للألياف الضوئية. وتمتلك شركات الاتصالات الصينية التي تعمل بتقنية (5G) حصصاً سوقية مهمة في دول المنطقة، وهي تقنية تعد مكوناً أساسياً لدعم تطوير "الموانئ الذكية" وتعزيز الكفاءة التشغيلية لها. 

3- توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج: من المتوقع أن يتم الانتهاء من الصيغة النهائية لهذه الاتفاقية في القريب، ويُستَدل على ذلك بتصريح السفير الصيني لدى دولة الإمارات، تشانغ ييمينغ، حيث قال إن المفاوضات حول هذه الاتفاقية قد دخلت "المرحلة النهائية والحاسمة"، وإن الجانبين قد اتفقا على معظم القضايا. ومن شأن هذه الاتفاقية، المساهمة في إضفاء طابع مؤسسي على العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، وتهيئة الطريق لتصبح هذه الدول مركزاً للتجارة الصينية خلال العقود القادمة، فضلاً عن أن توقيع الاتفاقية وتفعيلها سيعزز آفاق التعاون التجاري في مجالات غير النفط، لا سيما التقنيات والمنتجات التكنولوجية المتعلقة بالطاقة المتجددة. 

4- استكشاف الفضاء الخارجي: تتوافق رؤية الجانبين الصيني والعربي حيال تعزيز الوجود في الفضاء الخارجي، فبكين تسعى إلى أن تكون رائدة عالمياً في مجال تقنيات الفضاء بحلول عام 2045. وسبق أن أصدر مجلس الدولة الصيني بياناً حول الأنشطة الفضائية المنتظر تحقيقها في الفترة بين عامي 2021 و2025، وكان من بينها إنشاء ميناء فضاء تجاري تتم من خلاله عمليات إطلاق الأقمار الصناعية غير الصينية. على الجانب الآخر، يمتلك عدد كبير من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر، برامج فضاء طموحة.

وبالتالي فإن هناك نواة رئيسية موجودة بالفعل لتعزيز التعاون الفضائي الصيني مع الدول العربية على المدى القصير. ففي ديسمبر 2021، وقّع الجانبان على "خطة الصين والدول العربية للملاحة عبر الأقمار الصناعية". أما على المدى المتوسط والطويل، فبالإمكان أن يتعاون الجانبان لإنشاء مركز مشترك لاستكشاف القمر والفضاء العميق، فضلاً عن زيادة عدد رواد الفضاء العرب الذي سيتلقون تدريبات في الصين لنقل الخبرات والتقنيات الصينية في هذا المجال.

5- التعاون في تقنيات الطاقة المتجددة: من المتوقع أن تدعم الصين جهود الدول العربية في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والبحث عن مصادر أكثر استدامة للطاقة، وذلك من خلال الدخول في شراكات لبناء محطات لتوليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية، وتكثيف التعاون البحثي لابتكار مزيد من البدائل التكنولوجية للطاقة المتجددة، فضلاً عن التعاون للاستفادة من الخبرات الصينية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية والتي وقّعت السعودية بشأنها مذكرة تفاهم مع بكين خلال فعاليات قمة الرياض.

ختاماً، على الرغم من فرص التعاون العديدة المطروحة أمام الجانبين العربي والصيني، فإن المسار المستقبلي للعلاقات الاقتصادية بينهما سيُصادف على الأرجح تحديات في الأمد القصير، ويأتي على رأسها تباطؤ الاقتصاد الصيني، وضعف الطلب المحلي، وتضخم الديون، في ظل سوق العقارات الصيني المُضطرب. ومستقبلاً، قد يؤدي استمرار التوترات الجيوسياسية بين الصين والغرب، إلى كبح فرص تطوير العلاقات العربية - الصينية إلى المستوى المرغوب من كلا الجانبين.