أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

أولوية الأمن:

دوافع تصاعد السباق الإقليمي في الفضاء الخارجي

23 نوفمبر، 2021


اشتدت المنافسة على مدار العقد الماضي في منطقة الشرق الأوسط حيال أهمية تعزيز الوجود في الفضاء الخارجي، حيث بدأت عدة دول مثل الإمارات والسعودية وإيران ومصر وتركيا في تطوير برامجها الفضائية بشكل سريع، بالإضافة إلى إسرائيل التي أطلقت لأول مرة قمراً صناعياً تم تصنيعه محلياً ((Ofeq-1 في عام 1988. 

تنافس إقليمي:

يمكن استقراء أهم ملامح التنافس الإقليمي حول الفضاء الخارجي، فيما يلي: 

1- تكثيف عمليات إطلاق الأقمار الصناعية: واصلت إسرائيل إطلاق وتشغيل الأقمار الصناعية لأغراض دفاعية، وكان آخرها إطلاق قمر استطلاع والتقاط صور دقيقة للأغراض العسكرية (Ofeq-16) في يوليو 2020. كما قامت السعودية خلال الفترة بين عامي 2000 و2019 بإطلاق 16 قمراً صناعياً، كان آخرها القمر الصناعي (SGS-1) والذي قامت شركة "لوكهيد مارتن" ببنائه، وتم إطلاقه من قاعدة كورو في إقليم غويانا الفرنسية. ويخدم هذا القمر الصناعي قطاع الاتصالات الفضائية الحديثة المتعددة.

وقد تمكنت مصر خلال الثلاثة عقود الماضية من إطلاق ما يقرب من 9 أقمار صناعية للأغراض التجارية والبث التليفزيوني. وفي عام 2019، أطلقت مصر أول قمر صناعي في مجال الاتصالات (طيبة -1). 

فيما تمكنت دولة الإمارات من تحقيق التقدم الأكبر في تطوير قدراتها الفضائية خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً مقارنة بباقي جيرانها، حيث أطلقت في عام 2018 القمر الصناعي "خليفة سات" الذي تم تصميمه وتصنيعه داخل الإمارات. ويعد الإنجاز الأكبر لبرنامج الفضاء الإماراتي هو إطلاق "مسبار الأمل" ووصوله إلى مدار المريخ في فبراير الماضي، مما جعل "وكالة الفضاء الإماراتية" خامس وكالة فضاء تصل إلى المريخ. بينما أطلقت قطر قمرين صناعيين (سهيل 1 و2) خلال عامي 2013 و2018. 

وعلى الرغم من تأثير العقوبات الدولية المفروضة على إيران، فإن الأخيرة تلقت الدعم من الصين وروسيا؛ مما مكّنها من إطلاق أقمار صناعية في أعوام 2009 و2011 و2012. وإذا كانت إيران قد أخفقت في إطلاق قمر صناعي عسكري لعدة مرات، بيد أنها تمكنت في أبريل 2020 من إطلاق أول قمر صناعي عسكري باسم (نور-1). 

2- إنشاء وكالات فضاء وطنية: أنشأت إسرائيل وإيران وكالات فضائية في عامي 1983 و2003 على الترتيب. كما أدرك عدد من دول المنطقة أهمية وجود مؤسسة مسؤولة عن تعزيز الأنشطة الفضائية. فعلى سبيل المثال، أنشأت الإمارات "مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة" في عام 2006، و"وكالة الإمارات للفضاء" في عام 2014. وأنشأت البحرين ومصر وكالات فضاء وطنية في عامي 2014 و2016 على التوالي. وكذلك أنشأت السعودية وتركيا وكالات فضائية وطنية في عام 2018. 

3- وجود برامج فضاء طموحة: يعد البرنامج الفضائي الإماراتي من أكثر برامج المنطقة طموحاً، حيث تسعى الدولة إلى إرسال مركبة فضائية لدراسة القمر في عام 2024، وكذلك إنشاء مستوطنة بشرية على سطح المريخ بحلول عام 2117. 

وأعلنت سلطنة عُمان عن خطتها لإطلاق أول قمر صناعي لها في عام 2024، كما تخطط مصر لإرسال أول رائد فضاء مصري إلى الفضاء في عام 2026، فضلاً عن العمل مع الصين وألمانيا لبناء قمرين صناعيين.

ووقّعت السعودية، في مارس 2021، اتفاقية مع الصين لإجراء مهمة علمية سعودية على متن محطة الفضاء الصينية في عام 2022. ووقّعت قطر في عام 2020 اتفاق تعاون مع "وكالة ناسا" لتصميم أول قمر صناعي مخصص لدراسة المياه الجوفية والتغيرات المناخية في المناطق الصحراوية، ومن المتوقع إطلاقه في عام 2025. 

فيما أعلنت تركيا عن نيتها لإطلاق أول قمر صناعي إلى القمر في عام 2023، وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا ستستثمر حوالي مليار دولار في برنامجها الوطني للفضاء. وتسعى تركيا إلى بناء موقع لإطلاق الأقمار الصناعية بقيمة 350 مليون دولار في الصومال.

4- رصد ميزانيات ضخمة للتطوير الفضائي: وفقاً لتقرير شركة Euroconsult حول برامج الفضاء الحكومية، فقد ازداد الإنفاق على الفضاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 755 مليون دولار في عام 2010 إلى ما يقرب من 1.3 مليار دولار عام 2020. فعلى سبيل المثال، استثمرت الإمارات نحو 6 مليارات دولار لدعم برامج استكشاف الفضاء. كما أعلنت السعودية في عام 2020 أنها ستستثمر 2.1 مليار دولار في برنامجها الفضائي بحلول عام 2030. 


دوافع متنوعة:

يمكن التمييز بين عدد من الدوافع وراء تزايد اهتمام العديد من دول الشرق الأوسط بالفضاء الخارجي، ولعل من أبرزها الآتي:

1- الحفاظ على الأمن القومي للدول: إذ إن الوجود في الفضاء الخارجي سوف ينعكس إيجابياً على تعزيز وضع الدول على الصعيد الجيوسياسي، حيث تلعب الأقمار الصناعية دوراً محورياً في تعزيز أنظمة الدفاع، خاصة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المُسيُرة "من دون طيار". 

وقد شعرت دول منطقة الشرق الأوسط بالحاجة الماسة إلى تسريع وتيرة تواجدها في الفضاء خلال عامي 2019 و2020. وقد يعزي ذلك بشكل رئيسي إلى الهجوم الذي شنته ميليشيا الحوثيين في ضد منشآت لشركة "أرامكو" السعودية في سبتمبر 2019، حيث تمكن الحوثيون من استخدام صواريخ كروز وطائرات من دون طيار لاستهداف معملين تابعين للشركة، أحدهما يُعدُّ أكبر معمل لتكرير النفط في العالم. واتُهم الحوثيون بالتعاون مع حليفهم إيران، والتي بدورها استخدمت تقنيات مرتبطة بالأقمار الصناعية لشن مثل هذه الهجمات. وبالتالي، يبدو أن التفوق في استخدام تكنولوجيا الفضاء أصبح هو المفتاح الرئيسي للفوز في أي معارك مستقبلية بالإقليم. 

2- تنويع الموارد الاقتصادية: بلغت قيمة اقتصاد الفضاء العالمي أكثر من 300 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لتقديرات شركة Euroconsult، ومن المتوقع أن تبلغ قيمته 2.7 تريليون دولار بحلول عام 2040. ويُضاف إلى ذلك، الإمكانات الاقتصادية الكبيرة الخاصة بالتعدين الفضائي في المستقبل، حيث استنتج العلماء أن كويكباً صغيراً غنياً بالبلاتين، يبلغ طوله 200 متر فقط، يمكن أن يساوي 30 مليار دولار.

ويترافق ذلك مع إدراك دول الشرق الأوسط لأهمية تنويع الموارد الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط والغاز؛ وذلك في ظل التوجه العالمي لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في المستقبل. ومن ثّم، فإن تكثيف الأنشطة التقنية المتعلقة بالفضاء أصبح بمنزلة أحد أهم محركات سباق الفضاء الناشئ في الشرق الأوسط.

كما أن زيادة الاستثمارات في الأنشطة الفضائية سيعمل على تعزيز الابتكار وإنشاء قطاع جديد من الشركات العاملة في هذا المجال، ما يعني خلق فرص عمل جديدة وانتعاش اقتصادات دول المنطقة.

3- تعزيز المكانة الدولية: يعزز تنفيذ المشروعات العلمية الكبيرة المرتبطة بالفضاء القوة الناعمة للدولة المعنية، ويرسخ صورتها على أنها دولة مرتبطة بتطبيقات المستقبل، ما سينعكس إيجابياً على الثقل السياسي الذي تتمتع به الدول الرائدة في مجال الفضاء من حيث زيادة النفوذ والقدرة على التأثير، وهو سبب إضافي لجذب دول المنطقة لتعزيز أنشطتها في مجال الفضاء. 

4- مواكبة التوجه العالمي لاستكشاف الفضاء: تزامن اشتداد المنافسة في الشرق الأوسط مع تزايد اهتمام شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "تسلا" و"أمازون" بالفضاء باعتباره مجالاً حيوياً للتنمية والنمو الاقتصادي. وبالتالي فقد أصبح جلياً لدول المنطقة أنه يتعين عليها ألا تتخلف عن الركب العالمي المتجه نحو استكشاف واستغلال الفضاء، وذلك لضمان الحفاظ على مكتسباتها التنموية. 


مآلات التنافس: 

يمكن التمييز بين سيناريوهين لرصد مستقبل التنافس الإقليمي في الشرق الأوسط حول الفضاء، كالتالي:

1- السيناريو الأول هو "التعاوني"؛ بمعنى أن تدرك دول المنطقة أنه يتعين عليها التعاون للاستفادة من الخبرات المختلفة التي تمتلكها كل دولة بهدف تطوير مشروعات فضائية مشتركة. فعلى سبيل المثال، تمتلك بعض الدول خبرات فنية طويلة في مجال الأنشطة الفضائية مثل إسرائيل وإيران، في حين أن هناك دولاً لديها إمكانيات وكفاءات واعدة مثل الإمارات، فضلاً عن خبرات مصر والسعودية وقطر في إطلاق وإدارة الأقمار الصناعية والقنوات التليفزيونية والإذاعية.

وهناك بعض المؤشرات التي قد تدعم إمكانية تطبيق هذا السيناريو على المديين القصير والمتوسط؛ المؤشر الأول هو قيام "وكالة الإمارات للفضاء" في مارس 2019 بإنشاء المجموعة العربية للتنسيق حول الفضاء، وتهدف هذه المجموعة إلى تأسيس شراكة بين عدد من الدول العربية من بينها الإمارات والسعودية والبحرين والكويت ومصر والأردن والسودان والمغرب والجزائر ولبنان. 

أما المؤشر الثاني فهو توقيع اتفاقية بين "وكالة الإمارات للفضاء" و"وكالة الفضاء الإسرائيلية"، في 20 أكتوبر 2021، لتعزيز التعاون في البحث العلمي واستكشاف الفضاء، كما تم الاتفاق على التعاون في عدد من المشروعات الفضائية، بما في ذلك الإطلاق المشترك لمهمة الفضاء "بيريشيت 2" والتي تهدف إلى إنزال مركبة فضائية من دون طيار على سطح القمر في عام 2024.

وفي حالة تفعيل هذه الشراكات، فإن ذلك سيعمل على خلق وتعزيز روابط تكاملية بين الدول في الإقليم. ولكن يظل العائق الرئيسي أمام تحقيق هذا السيناريو هو استمرار اضطراب علاقات الدول في المنطقة، مما قد يعرقل جهود التعاون الفضائي الإقليمي.

2- السيناريو الثاني مفاده "انزلاق المنطقة في سباق فضائي مستعر"؛ وهو سيناريو مرجح حدوثه حال وقوع مزيد من الاضطرابات والنزاعات بين الفاعلين الرئيسيين في الإقليم، ما قد يدفع دول المنطقة إلى السعي نحو الاستفادة من الخبرات الأجنبية من دون النظر إلى إمكانيات التكامل الإقليمي، وذلك بهدف التفوق على الخصوم الإقليميين. وغني عن البيان أن هذا السيناريو سينتج عنه مزيد من الصراعات وتعميق عدم الثقة بين دول المنطقة؛ ليس فقط فيما يخص الأنشطة الفضائية، بل في كافة الملفات المُعقدة بالإقليم.

ختاماً، من الضروري أن تستمر الدول العربية في الاستثمار بشكل مكثف في أنظمتها التعليمية لخلق قوة عاملة لديها القدرة على بناء وتطوير تقنيات الأقمار الصناعية، لاسيما أن الوجود في الفضاء الخارجي أصبح انعكاساً للمكانة الاستراتيجية التي تتمتع بها الدول.