أجريت في يوم 28 مايو 2023، جولة الإعادة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية بين الرئيس التركي ومرشح تحالف الجمهور، رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة، مرشح تحالف الأمة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، وهي الانتخابات التي أسفرت عن فوز أردوغان في الانتخابات بحصوله على 52.1% في الانتخابات مقابل 47.9% لأوغلو.
أسباب فوز أردوغان:
تتمثل أهم أسباب فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات التركية في التالي:
1- نجاح أردوغان في استقطاب القوميين: أعلن زعيم حزب النصر القومي اليميني المتطرف وزعيم تحالف الأجداد "آتا"، أوميت أوزداغ، في 24 مايو 2023، رسمياً دعمه لأوغلو في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، وذلك بعد أن كان قد أعلن دعمه، في الجولة الأولى من الانتخابات، لمرشح التحالف في الانتخابات الرئاسية، سنان أوغان، والذي حصل على المركز الثالث، وذلك على الرغم من أن الأخير أعلن دعمه لأردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات، وذلك في 22 مايو 2023.
ويعني ما سبق أن القوميين انقسموا بين دعم كلا المرشحين، وهو الأمر الذي يصب نظرياً في صالح أردوغان بشكل أكبر، فقد كشف استطلاع رأي أجرته شركة "أوبتيمار"، ما بين 17 و18 مايو الجاري، عن أن 25% فقط من ناخبي أوغان سيصوتون لأردوغان، و25% سيختارون أوغلو، ونحو 27.9% لم يحسموا قرارهم، بينما ذكر 18.6% أنهم لن يذهبوا لصناديق الاقتراع في الجولة الثانية، ورفض 3.6% الإجابة. ونظراً لحصول أردوغان في الجولة الأولى على 49.5% من أصوات الناخبين الأتراك، فإن ذلك يعني أن حصوله على ربع الأصوات المخصصة لأوغان، والذي حصل على نسبة 5% من أصوات ناخبي الجولة الأولى، سوف يساعده على حسم الانتخابات، وذلك على افتراض نجاح أردوغان في الحصول على تأييد نفس النسبة التي صوتت له في الجولة الأولى.
2- انقسام توجهات المعارضة: أسفر تعهد أوغلو بترحيل اللاجئين من تركيا بشكل فوري، إذا ما انتخب رئيساً، إلى إثارة شرخ بصفوف المعارضة قبيل الجولة الثانية من الانتخابات، إذ أدى ذلك إلى استقالة عدد من أعضاء حزب المستقبل الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم، الذي يقوده نائب رئيس الوزراء السابق، علي باباجان. وكلاهما منضوٍ تحت تحالف "الأمة" المعارض بقيادة أوغلو. ويلاحظ أن كليهما من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، والتي كان يتم التعويل عليها لاجتذاب شريحة من الناخبين الأتراك المتدينين.
كما يبدي الأكراد وبعض أحزاب المعارضة امتعاضاً لاحتمالات تعيين رئيس حزب النصر القومي، أوميت أوزداغ، وزيراً للداخلية في حال فوز أوغلو. وكان من أبرز الرافضين لذلك، كل من النائب السابق من حزب الشعوب الديمقراطي إيرول كاتيرسي أوغلو، ونائب رئيس حزب المستقبل، سليم تيمورسي، غير أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي قرر دعم أوغلو في مواجهة أردوغان.
ولا شك أن تحالف كليجدار أوغلو مع أوزداغ إنما يهدف لاستقطاب أصوات الناخبين الأتراك، خاصة من القوميين، الذين يرغبون في رحيل اللاجئين السوريين، ولكن في المقابل، فإن هذه الخطوة، وإن أثارت غضب الأكراد، وبعض التيارات المحافظة المتحالفة مع أوغلو، فإنه لم يترتب عليها أي انشقاقات كبيرة في معسكر المعارضة قبل جولة الإعادة، غير أنه في المقابل، فإن المعارضة سوف تعاني من انقسامات واضحة بعد خسارة الانتخابات الرئاسية أمام أردوغان، خاصة وأنه بات من الواضح أنها تضم تيارات متضاربة التوجهات، ولا يجمعها سوى معارضة أردوغان نفسه.
وقد تتمثل أحد التداعيات المباشرة لفوز أردوغان في إمكانية تفكك تحالف المعارضة، والمعروف باسم "طاولة الستة"، خاصة وأن رئيسة حزب "الجيد" كانت معترضة منذ البداية على شخص أوغلو كمرشح للحزب، بل إن الضغوط قد تطال كليجدار أوغلو نفسه، وتتصاعد الأحزاب المنادية باستقالته من قيادة الحزب، وترك موقعه لقيادة جديدة، وقد يكون المرشح المحتمل لقيادة الحزب، هو أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول، والذي قال في مقطع فيديو بعد الانتخابات: "لن نتوقع أبداً نتيجة مختلفة بفعل الشيء نفسه" مشيراً إلى "ضرورة إجراء تغيير" في رسالة رآها البعض مطالبة بتغيير كليجدار أوغلو ذاته.
3- تراجع كاريزمية كليجدار: يلاحظ أن كمال كليجدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، والمنافس الرئيسي لأردوغان لا يتمتع بالكاريزمية الكافية التي تضاهي أردوغان، وهو السبب الرئيسي وراء اعتراض ميرال أكشنار، رئيسة حزب "الجيد"، على اختيار كليجدار باعتباره المرشح الرئاسي عن تحالف الطاولة السداسية قبل الانتخابات، إذ كانت تفضل أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول، أو منصور يافش، عمدة أنقرة، وكلاهما محسوب على حزب الشعب الجمهوري.
ومن جهة أخرى، فإن كليجدار أوغلو علوي، ويرى العديد من المتخصصين في الشأن التركي أن هناك شرطاً ضمنياً لفوز المرشح الرئاسي في تركيا، وهو أن يكون تركياً سنياً، وهو ما يجعل فرصه تتراجع أمام أردوغان، وفقاً لهم.
4- تسليم الإعلام الغربي بفوز أردوغان: شهد موقف وسائل الإعلام الغربية، تحولاً تجاه أردوغان، فبعد أن هاجمته، قبل انتخابات الجولة الأولى، ووصفته بعض منها بـ"الدكتاتور"، فإنها عادت بعد ظهور نتائج الجولة الأولى لتؤكد استمرار شعبيته، وتزايد فرصه في حسم السباق خلال جولة الإعادة.
ففي هذا السياق، وصفت مجلة نيوزويك الأمريكية، أردوغان بالرجل الاستبدادي والسلطوي، وشبهته بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ثم دعت المجلة في 16 مايو الجاري، للتوقف عن وصف أردوغان بالديكتاتور، مؤكدةً أن المستبدين لا يذهبون إلى جولات الإعادة. وبالمثل، أشارت مجلة دير شبيغل الألمانية إلى أن نحو 30% من الناخبين المؤيدين لأردوغان يقفون معه دون قيد أو شرط، كما أنهم يثقون به ويعتقدون أنه سيقود البلاد لمستقبل جيد. وأرجعت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، أحد أسباب فوز أردوغان إلى الشباب المتدين الذي ينتمي لهوية ثقافية لا تؤمن بالمعايير الغربية.