أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تقييم استراتيجي:

الصراع والتعاون في إقليم آسيا والمحيط الهادي

16 يونيو، 2015


إعداد: باسم راشد

يمر إقليم آسيا والمحيط الهادي بتغيرات هائلة، نتيجة لتسارع مستويات النمو الاقتصادي والمنافسة، جنباً إلى جنب مع مستويات عميقة من التكامل الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية في بعض دول الإقليم، وتصاعد القومية ونمو الوعي العام تجاه الأحداث الشائكة التي تقع على حدود هذه الدول.

وقد أحدثت تلك العوامل وغيرها نوعاً من التغيير في توزيع القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية داخل الإقليم، بل وفي سبل التعبير عنها، أو بمعنى آخر أصبحت البيئة الأمنية داخل إقليم آسيا والمحيط الهادي أكثر تعقيداً مما سبق؛ إذ تتسم هذه البيئة الأمنية بظهور العديد من مراكز القوى الصاعدة، والتي يأتي في مقدمتها الصين، تليها الهند بدرجة أقل، وكذلك بعض الدول الصغيرة مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا. كما تتميز أيضاً بتزايد كثافة العلاقات التعاونية والتنافسية بين تلك الدول في العديد من الملفات الداخلية والخارجية.

وتُؤشر تلك التطورات في مجملها، إلى تزايد كثافة أنماط التفاعلات بين الدول حول موضوعات كالسيادة الإقليمية، والمنافسة على الموارد، وأمن الطاقة، وأوضاع السوق الاقتصادية. وفي نفس الوقت، تخلق حوافز للتعاون لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة بدايةً من التغير المناخي، مروراً بالإرهاب، وانتهاءاً بعدم الاستقرار المالي العالمي. كما تُلقي تلك البيئة المعقدة عبئاً جديداً وتحدياً كبيراً أمام صانع القرار الأمريكي، نظراً للحضور الأمريكي في تلك المنطقة من العالم وعلاقاتها الاستراتيجية مع العديد من دوله.

في هذا الصدد، أصدر "مركز كارنيجي للسلام الدولي" تقريراً بعنوان: "الصراع والتعاون في إقليم آسيا والمحيط الهادي: تقييم استراتيجي"، أعده مجموعة من الباحثين، حيث استعرضوا - من خلال فصوله الستة - ملامح الاستقرار السياسي والاجتماعي في هذا الإقليم، وكذلك قدرات الدول العسكرية والاقتصادية وغيرها من العناصر التي تؤثر في اتجاهات الصراع أو التعاون داخل منطقة آسيا والمحيط الهادي، مع تسليط الضوء بشكل أساسي على السيناريوهات المحتملة للبيئة الأمنية التي قد تنشأ في السنوات القادمة، نتاجاً لتلك العلاقات واتجاهاتها.

المتغيرات المؤثرة في تطور البيئة الأمنية

تُقدم فصول التقرير الأربعة الأولى تقييماً للعوامل التي ستؤثر على تطور البيئات الأمنية المختلفة في إقليم آسيا والمحيط الهادي خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، وتتمثل تلك العوامل في:

1 ـ طبيعة الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي، حيث يتأثر السلوك الخارجي للدولة بطبيعة متغيراتها الداخلية؛ فالدول القوية والمستقرة، والتي لديها علاقات قوية مع جيرانها ومع العالم الخارجي، قد تكون قابلة أكثر لتفعيل مزيد من التعاون الدولي وتنمية العلاقات مع الدول الكبرى، إلا إنه تحت ظروف معينة مثل ظهور قيادة متطرفة قد تدفع تلك العوامل الدولة إلى مواجهة الدول الأخرى بما يهدد الاستقرار وآفاق التعاون.

كما يتأثر هذا السلوك أيضاً بعوامل أخرى اقتصادية وديموغرافية، علاوة على الأفكار والقيم والمصالح الاجتماعية، وشرعية المؤسسات التي تتوسط في حل النزاعات المجتمعية، وكذلك بسياسات الفاعلين المحوريين داخل الإقليم فيما يتعلق بشبه الجزيرة الكورية وتايوان مثلاً، ونزاعات الحدود البحرية؛ فكل تلك العوامل تؤثر في تحديد طبيعة سلوك الدولة الخارجي بأن ينحو تجاه التعاون أو الصراع.

2 ـ الإنفاق الدفاعي والقدرات العسكرية للدول؛ إذ إن لتلك العناصر تأثير هام على احتمالات التعاون والمنافسة داخل إقليم آسيا والمحيط الهادي؛ فتزايد معدلات الإنفاق الدفاعي للدول، بجانب تعزيز قدراتها العسكرية المختلفة وتنويعها، من شأنه أن يهدد أو يردع الدول الأخرى، لكن تعتمد طبيعة ودرجة ذلك التأثير ليس فقط على حجم القدرات الكلية للدولة، بل أيضاً على نوعيات القدرات العسكرية التي تحوذها، وما قد تشير إليه تلك القدرات فيما يتعلق بأهداف الدولة القومية والعابرة للحدود، وكذلك عقيدتها العسكرية، واتجاهات استخدامها للقوة.

3 ـ الأهداف القومية والعابرة للحدود، والعقائد العسكرية، واتجاهات استخدام القوة؛ حيث تمثل تلك العوامل، بجانب العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين الدول، العناصر الأساسية للسياسات والتصورات التي ستُشكل مستقبل البيئة الإقليمية الأمنية، وآفاق الصراع والتعاون؛ فكلما تعارضت أهداف الدول مع بعضها في ظل تفاوت القدرات العسكرية، كلما كان الاتجاه نحو الصراع أقرب من التعاون، فيما لو زادت القدرات الاستراتيجية للدول وتم استخدام القوة فقط للردع لا لتصعيد الصراع، مع تسخير الأدوات السياسية والدبلوماسية للتنسيق فيما يتعلق بالسياسات والأهداف القومية للدول، فإن احتمالات التعاون تكون أكبر من الصراع.

4 ـ العلاقات الثنائية والمتعددة بين الدول؛ حيث تلعب القيم والمعتقدات والمصالح السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين الدول دوراً هاماً في التأثير على السياسات الأمنية طويلة المدى، وتشمل تلك العوامل: التحالفات الرسمية والعلاقات الأمنية، والترتيبات الأمنية الجماعية، والعلاقات المتجذرة في الذاكرة التاريخية للدول. وقد تساهم مثل تلك العلاقات والهياكل المستقرة، في كثير من الأحيان، في تشكيل الإدراك الحسي والمعتاد الذي يشكل الأهداف القومية الدائمة والمذاهب العسكرية، واتجاهات استخدام القوة، وكذلك التأثير في اتجاهات التسلح والإنفاق الدفاعي وغيرها.

سيناريوهات البيئة الأمنية المستقبلية في الإقليم

يشير التقرير إلى أنه طبقاً للأوضاع والعوامل التي تم ذكرها أعلاه، يمكن التطرق إلى خمسة سيناريوهات محتملة للبيئة الأمنية في إقليم آسيا والمحيط الهادي خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، وتتمثل تلك السيناريوهات في:

السيناريو الأول: استعادة الوضع الراهن:

تتميز البيئة الأمنية في هذا السيناريو بأنها ستكون محكومة أو مقيدة، لكن ستستمر المنافسة السياسية والاقتصادية جنباً إلى جنب التعاون داخل إقليم آسيا والمحيط الهادي. وداخل هذه البيئة ستظل الأهداف القومية والمذاهب العسكرية في كل من الولايات المتحدة والصين وعلى طول الإقليم تسعى لتحقيق التنمية الداخلية والإقليمية، ولن تنحو نحو المواجهات المباشرة، كما ستزداد درجة التعاون والتنسيق بين الدول في إدارة ومواجهة التهديدات التي تحيق بالإقليم.

في نفس الوقت، ستظل هناك شكوك أساسية حول نوايا كل من الصين والولايات المتحدة النهائية تجاه بعضهما البعض على المدى البعيد، وقد ينتج ذلك استمرار الجهود من جانب كل منهما، بالإضافة إلى دول الإقليم من أجل تقوية قدرات التوازن العسكري المضاد وخيارات التحوُّط، ومن ثم ستستمر معدلات الإنفاق الدفاعي في الارتفاع بجانب القدرات العسكرية. ونتيجة لذلك، ورغم أن التعاون سيظل السمة الأساسية داخل الإقليم طبقاً لهذا السيناريو، فإنه من المحتمل أن تشهد البيئة الأمنية أنماطاً مختلفة من المنافسة العسكرية.

السيناريو الثاني: الحرب الباردة داخل إقليم آسيا والمحيط الهادي:

تتميز البيئة الأمنية طبقاً لهذا السيناريو بتعميق حدة الاستقطاب الإقليمي والعسكرة الناتجة عن تدهور المنافسة الاستراتيجية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة في آسيا. فعلى المستوى السياسي، ستبرز "منافسات صفرية" حول النفوذ على شبه الجزيرة الكورية، وستكثف واشنطن من جهودها لتقوية تحالفاتها ومنع تايوان من التكامل مع بكين، وستتزايد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة للحصول على الولاءات السياسية للدول الصغرى في الإقليم، وستحاول واشنطن جذب الهند لتحالف استراتيجي مضاد للصين، وستزداد الأفعال العدوانية الصينية تجاه تايوان وحول النزاعات الحدودية البحرية، والمنافسة بين كل منهما لفرض السيطرة على الإقليم.

أما على المستوى الاقتصادي، فمن المتوقع أن تزداد جهود كل من الصين والولايات المتحدة نحو توسيع العلاقات الثنائية والمتعددة في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا دخل الإقليم على حساب الطرف الآخر. وعلى المستوى العسكري والدفاعي، فستتميز تلك البيئة بتزايد وتكثيف المنافسة العسكرية، وسيؤدي ذلك إلى سباق تسلح بين الطرفين. ومن ثم، فإن تلك البيئة سيميزها وجود اعتقاد قوي من الطرفين بأن المصالح الحيوية لأي منهما لن تتحقق إلا من خلال التأثير بشكل كبير على قدرات الطرف الآخر.

السيناريو الثالث: السلام يسود الإقليم:

في هذا السيناريو، ستعمد كل من الولايات المتحدة والصين إلى زيادة التعاون فيما بينهما وكذلك دول الإقليم والعمل على تقليل حدة التوتر، كما ستشهد تلك البيئة انخفاضاً ملحوظاً ومستداماً في عدد وخطورة الأحداث التي قد تؤدي إلى عدم الاستقرار داخل الإقليم مثل الأزمات السياسية العسكرية، والتغيرات في الأحلاف، والتوترات حول ممارسات التجارة والاستثمار، والنزاعات التي قد تنشأ عن إدارة المشكلات الأمنية الإقليمية والدولية.

في هذا الإطار، ستسعى معظم الدول إلى التركيز على تحقيق معدلات عالية من الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية الاقتصادية وحل النزاعات بالطرق السلمية والتعاون والتنسيق في مواجهة التهديدات. ورغم أن الاختلافات أو النزاعات الجوهرية ستظل قائمة، لكنها لن تؤدي إلى "حلول صفرية" في النهاية.

السيناريو الرابع: نشوب الحروب الآسيوية الساخنة:

في هذه الحالة ستظهر بعض النزاعات العَرَضية، ولكن متكررة إلى حد ما في المناطق الساخنة داخل الإقليم، وذلك على خلفية الحرب الباردة التي تم الإشارة إليها في السيناريو الأول. ومن المرجح أن تحدث تلك الحروب نتيجة للنزاع حول تايوان، والحدود البحرية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وحرية الملاحة على الساحل الصيني، أو حول شبه الجزيرة الكورية.

في هذا السيناريو، ستسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى تدعيم فكرة الحروب الموجهة وبذل مزيد من الجهود التنافسية المكثفة من أجل توسيع النفوذ داخل الإقليم عن طريق الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية. كما ستزداد بقوة معدلات الإنفاق الدفاعي بين جميع الدول الكبرى، وكذلك الجهود لتقوية وبناء التحالفات العسكرية والأشكال الأخرى للسلوك التنافسي مع الدول الصغرى، أي أن تلك البيئة ستشهد اعتماداً متزايداً على الأدوات العسكرية لتحقيق المصالح، والعمل على الحد من مواطن الضعف، وتأكيد المصداقية.

السيناريو الخامس: التحديات المشتركة لدول الإقليم:

تتسم بيئة هذا السيناريو بتزايد درجات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعيداً عن التنافس بين الولايات المتحدة والصين، بما سيدفع القادة السياسيون للتركيز على حل المشكلات المشتركة العاجلة بشكل مستدام مثل مشكلات التغير المناخي، والتلوث، وانتشار الأوبئة، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والإرهاب، في حين ستتناقص الحاجة أو الفرصة للدخول في منافسات أو توترات أمنية داخل الإقليم، ومن ثم ستزداد الرغبة في التعاون بين الدول. كذلك ستنخفض مستويات الإنفاق الدفاعي في مقابل التركيز على تنمية الموارد للتعاطي مع التحديات الداخلية والإقليمية والدولية. وبرغم أن الاعتبارات الأمنية ستظل قائمة، إلا إنها لن تستحوذ على الاهتمام الأكبر في الحسابات السياسية للقادة أو العامة.

توصيات دبلوماسية

أكد التقرير أن جميع السيناريوهات السابقة تتأثر، بشكل كبير، بسلوكيات الولايات المتحدة. ورغم أن واشنطن ما زالت الأقوى والأكثر تأثيراً داخل الإقليم، بيد أن قدرتها على تشكيل مستقبل منطقة آسيا والمحيط الهادي ستتلاشى مع استمرار وتصاعد التطورات داخله، ومع استمرار النمو الاقتصادي المتسارع للصين.

ومن ثم، يطرح التقرير بعض التوصيات لصانع القرار الأمريكي لأخذها في الاعتبار في إطار تعاطيه مع تطورات الإقليم، ولعل أبرز تلك التوصيات:

1 ـ أن تقوم الحكومة الأمريكية بإجراء مناقشات بين الوكالات الأمريكية بهدف التعرف على طبيعة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في إقليم آسيا والمحيط الهادي في ضوء تلك التغيرات.

2 ـ أن تدعم الولايات المتحدة فكرة الحوار الاستراتيجي مع الصين، بحيث يتم على المدى البعيد، وفي إطار الجهود المبذولة في هذا الصدد، الوصول إلى حالة التفاهم حول العديد من الاهتمامات المختلفة بين الدولتين، وأن يكون هذا التفاهم مرتكزاً بشكل أكبر على الأبعاد الاستراتيجية بعكس الحوارات الحالية مع بكين.

3 ـ أن يتم توحيد الجهود بين واشنطن وبكين، لتدعيم المبادرات التي تهدف لإعادة الطمأنينة للطرفين، وتنسيق المصالح فيما بينهما.

4 ـ أن تقوَّي واشنطن نهج سياستها تجاه النزاعات البحرية حول بحري الصين الجنوبي والشرقي؛ ففي البحر الجنوبي يجب أن تشجع المتنازعين لاتخاذ خطوات لتخفيض القيمة المتصورة للجزر الجنوبية، كما يجب أن تشجع المتنازعين في البحر الشرقي على تعزيز سبل إدارة الأزمات.

5 ـ أن تتعهد الولايات المتحدة ببذل مزيد من الجهود لتنمية الأنشطة البحرية المشتركة وغيرها من الأنشطة بين الصين والولايات المتحدة والدول الآسيوية الرئيسية، من أجل تأسيس قوة بحرية منسقة لمواجهة تهديدات الفاعلين من الدول ومن غير الدول، وكذلك تأمين ممرات الطاقة البحرية بين الشرق الأوسط وآسيا، بما يعد فرصة لبناء جيدة ورئيسية لبناء الثقة المتبادلة والتعاون المشترك.

6 ـ أن تعتمد واشنطن على مجموعة متنوعة من آليات إدارة الأزمات، بما سيساهم مستقبلاً في حل النزاعات على الحدود البحرية في الإقليم بطريقة سلمية دون الانسحاب نحو المواجهة المسلحة.

7 ـ أن تبدأ الولايات المتحدة في تأسيس اتفاقية تجارة حرة مع مجموعة آسيان (ASEAN)، والتي تهتم بتحديد الأولويات في دول آسيا، كما يجب أن تركز واشنطن على تقوية مؤسسات آسيان من خلال تعزيز دورها في معالجة المشكلات الإقليمية.

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "الصراع والتعاون في إقليم آسيا والمحيط الهادي: تقييم استراتيجي"، والصادر عن مركز كارنيجي للسلام الدولي في أبريل 2015.

المصدر:

Michael D. Swaine, Nicholas Eberstadt  and others, Conflict and Cooperation in the Asia-Pacific Region: A Strategic Net Assessment (Washington, Carnegie Endowment for International Peace, April 2015) pp 286.