أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

خطة باتيلي:

تحديات نجاح المبادرة الأممية في حلحلة الأزمة الليبية

17 مارس، 2023


كشف المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، في 11 مارس 2023، عن ملامح مبادرته الجديدة، التي تستهدف توسيع الحوار بين الأطراف الليبية، لتجاوز حالة الركود الراهنة والدفع نجو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري.

خريطة طريق جديدة 

بعد نحو ستة أشهر من تولي الدبلوماسي السنغالي، عبدالله باتيلي، مهام عمله كأول مبعوث أممي إفريقي إلى ليبيا، أعلن الأخير في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، في 27 فبراير 2023، عن اتجاهه للإعلان عن مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية، مشيراً إلى أن غالبية المؤسسات الليبية قد فقدت شرعيتها منذ سنوات، ما يعني ضرورة حلحلة هذه الأزمة من خلال خريطة طريق جديدة تمهد الطريق نحو الانتخابات، قبل أن يعلن باتيلي خلال الأيام الأخيرة عن ملامح خطته، التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تشكيل لجنة أممية جديدة: أعلن عبدالله باتيلي، في أول مؤتمر صحفي مطول يعقده في طرابلس منذ توليه مهام رئاسة البعثة الأممية في ليبيا، أنه سيتم تشكيل لجنة توجيهية تنطوي على فريق رفيع المستوى، يتم اختيار أعضائه من خلال ترشيحات الدوائر الحكومية والاجتماعية ومختلف الجهات المعنية في ليبيا، حيث ستتولى اللجنة الدفع نحو التوافق بشأن الأمور الخاصة بإنجاز انتخابات شاملة خلال العام الجاري، من خلال وضع إطار زمني محدد، وتيسير اعتماد الإطار القانوني المنظم للانتخابات، وتأمين العملية الانتخابية، وكذلك صياغة مدونة سلوك للمرشحين، ويفترض أن تنتهي اللجنة من وضع خريطة طريق جديدة ذات جدول زمني محدد للانتخابات المقبلة بحلولة منتصف يونيو المقبل.

2- تهميش مجلسي النواب والدولة: أكد باتيلي أن تحديد العملية الانتخابية يجب ألا يترك بيد مجلسي النواب والدولة فقط، لافتاً إلى ضرورة توسيع نطاق المشاركة الداخلية بهدف التوصل إلى قاعدة دستورية شاملة. وكان باتيلي قد وجه انتقادت حادة للمجلسين في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى انتهاء مدتهما وتعطيلهما للاستحقاقات الانتخابية من خلال إخفاقهما في إنجاز القاعدة الدستورية.

وبالتالي انطوت الخطة الأممية الجديدة على محاولة تهميش دور مجلسي النواب والدولة في تنظيم الانتخابات المقبلة، لاسيما مع إشارة خطة باتيلي إلى أن اللجنة التوجيهية التي سيتم تشكيلها ستكون مسؤولة عن تيسير اعتماد الإطار القانوني للانتخابات المقبلة، فضلاً عن تلويح الأخير بإمكانية فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي على الأطراف المعرقلة لإنجاز الانتخابات، في تهديد ضمني للمجلسين. 

وهناك رأي آخر يرى أن هذه المبادرة تهدف إلى ممارسة ضغوط على المجلسين للتوافق بسرعة على القاعدة الدستورية، وإلا سيتم سحب هذا الملف منهما، وهو ما انعكس في دعوة باتيلي لرئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح، وخالد المشري، بضرورة الإسراع في إصدار القاعدة الدستورية وإنهاء الخلافات بشأن النقاط المتبقية، وضرورة الانتهاء من قوانين الانتخابات وكافة الخطة الزمنية الخاصة بالعملية الانتخابية قبل منتصف يونيو 2023.

3- تهيئة المسار الأمني: تشكل الأوضاع الأمنية أحد أبرز معوقات إجراء الانتخابات الليبية، خاصة وأنها حالت دون إنجاز انتخابات ديسمبر 2021، ولذلك ألمح باتيلي إلى أن مبادرته تنطوي على خطة خاصة بتأمين العملية الانتخابية المقبلة. ويمكن الربط بين خطة تأمين الانتخابات واللقاءات المتكررة التي عقدتها لجنة "5+5" العسكرية المشتركة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يفترض أن تتولى هذه اللجنة الإشراف على الحوارات الأمنية المرتقبة، فضلاً عن المشاورات الدورية التي بات يعقدها رئيسا أركان الجيش في شرق وغرب ليبيا، في محاولة لتوحيد المؤسسة العسكرية.

محفزات متعددة

لم يكشف باتيلي، حتى الآن، عن كثير من تفاصيل مبادرته المطروحة، مكتفياً بالإفصاح عن الخطوط العريضة للخطة، بيد أن هناك عدداً من المحفزات التي يمكن أن تدعم فرص نجاح مبادرته، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- دعم أمريكي للمبادرة: أكد سفير واشنطن ومبعوثها إلى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، دعم بلاده للجهود الأممية ومبادرة باتيلي، كما ألمح نوريلاند إلى ضرورة مشاركة كافة أطراف الشعب الليبي في العملية السياسية الراهنة التي تسيرها الأمم المتحدة، وهو ما انعكس في المشاورات الداخلية المنفصلة التي عقدها السفير الأمريكي خلال الأيام الأخيرة، مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة، وررئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، وذلك في محاولة لحشد الدعم الداخلي للمبادرة المطروحة، وضمان مشاركة أكبر شريحة ممكنة في الداخل الليبي. وعقد نوريلاند لقاءات مع الدول الإقليمية المعنية بليبيا، مثل الجزائر، والتي يبدو أنها جاءت بهدف حشد أكبر دعم ممكن للمبادرة الأممية المطروحة.

2- دعم أوروبي متنامٍ: عقد سفراء ومبعوثو مجموعة دول "3 + 2"، التي تضم كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا، مباحثات مع الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، صدر بعدها بيان مشترك عن المجموعة، تضمن دعماً لمبادرة باتيلي، كما دعت الدول الخمس النخبة السياسية في ليبيا إلى تقديم التنازلات اللازمة لإنجاز الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية.

3- دعم حكومة الدبيبة: أعلن الدبيبة دعمه لمبادرة باتيلي، معتبراً أن الانتقادات الدولية الأخيرة للجهات التشريعية الليبية بشأن عدم جديتها في الانتخابات تتسق مع موقفه الذي يرى بأن مشكلة تأجيل الانتخابات في ليبيا ترتبط بقصور هذه الجهات، كما أكد الدبيبة جاهزية حكومته لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، من خلال دعم الإجراءات المتخذة من قبل البعثة الأممية.

4- ضغوط داخلية لإجراء الانتخابات: هناك ضغوط داخلية من قبل بعض الأطراف الليبية للمضي قدماً في العملية الانتخابية بناءً على الخطة الأممية المطروحة، وهو ما انعكس في الرسالة التي أرسلها نحو 51 حزباً سياسياً ليبياً إلى الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدولي، والتي أكدت التمسك بحق مشاركة الأحزاب السياسية في جهود حلحلة الأزمة السياسية والتحضير للانتخابات المقبلة.

تحديات قائمة 

على الرغم من المحددات السابقة، والتي تشكل محفزاً لإنجاح المبادرة الأممية الأخيرة، بيد أن ثمة تحديات لا تزال قائمة، ربما تهدد بعرقلة خطة باتيلي المطروحة، ويمكن عرض أبرزها على النحو التالي:

1- معارضة مجلسي النواب والدولة: عبّر المجلسان عن معارضتهما لمبادرة باتيلي، كما استنكرا اتهاماته لهما بالمسؤولية عن تعطيل الانتخابات الليبية، وأكد بعض أعضاء مجلس النواب أن البرلمان هو وحده المنوط به إصدار التشريعات، بما في ذلك الإطار القانوني الخاص بالانتخابات، بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة.

وعلى الرغم من رفض كثير من أعضاء مجلس الدولة، ورئيسه، خالد المشري، للمبادرة الأممية، فإن الأخير عاد للتأكيد أن مجلسه لم يرفضها حتى الآن، وهو ما يعد مؤشراً على احتمالية تراجعه عن تفاهماته مع مجلس النواب، نتيجة لضغوط غربية تمارس على مجلس الدولة لدعم المبادرة الأممية، بيد أن تصريحات المشري الأخيرة وانتقاده لباتيلي تدعم فرضية استمرار التوافقات القائمة بين مجلسي النواب والدولة، ومعارضتهما للمبادرة الأممية المطروحة.

2- رفض روسي مشروط: حذر ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي من أي تسرع في إجراء الانتخابات الليبية، وذلك في تعليقه على المبادرة المطروحة من قبل باتيلي، حيث أكد الدبلوماسي الروسي أن بلاده تدعم جهود البعثة الأممية، لكن شريطة أن تضمن مشاركة كافة الأطراف الليبية، بما في ذلك أنصار نظام القذافي، وممثلي السلطات الكبرى، في إشارة إلى مجلسي النواب والدولة.

ويبدو أن هناك تخوفات روسية من التحركات الأمريكية الجارية للإسراع بإجراء الانتخابات الليبية، حيث تنظر موسكو بعين الريبة لهذا التحركات وتعدها محاولة من واشنطن لتقويض نفوذها، سواء من خلال العمل على إخراج مرتزقة فاغنر من ليبيا، أو ضمان إقصاء سيف الإسلام القذافي من الانتخابات المقبلة، واستناداً لهذا الطرح ربما تسعى روسيا لعرقلة مبادرة باتيلي.

3- تحفظات ضمنية من القاهرة: أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال تسلمه لرئاسة مجلس وزراء الخارجية العرب في دورته الـ159، الدعم المصري الكامل لتسوية الأزمة الليبية، وفقاً للحل الليبي – الليبي، ورفض أي إملاءات خارجية تتجاوز دور مؤسسات الدولة الليبية، في دعم ضمني لدور مجلسي النواب والدولة ضد أي مساع تستهدف تهميش دورهما في إطار خطة باتيلي المعلنة، كما لوح الوزير المصري بأن أي محاولات لاستحداث آليات جديدة يمكن أن تزيد المشهد الليبي تعقيداً.

وفي الختام، يلاحظ أن مبادرة باتيلي قد تفشل في تجاوز حالة الركود التي هيمنت على الأزمة الليبية خلال الفترة الماضية، خاصة في ظل تعدد المبادرات الأممية التي طرحت من قبل المبعوثين الأمميين السابقين في ليبيا، ولم تفض أي منها إلى مخرجات حقيقية تفرض تسوية للأزمة الليبية، كما أن التركيز على انتهاء ولاية مجلسي النواب والدولة يغفل حقيقة أن حكومة الدبيبة نفسها قد تجاوزت إطارها الزمني، وباتت فاقدة للشرعية هي الأخرى، وهو ما يثير التساؤل حول أسباب قبول باتيلي بشرعيتها، ورفض شرعية المجلسين.