أخبار المركز
  • مركز المستقبل يصدر دراسة جديدة بعنوان: (كل شيء صنع في الصين: كيف تستطيع الدول النامية توظيف طاقاتها الإنتاجية المعطلة؟)
  • رانيا مكرم تكتب: (تحالفات مناوئة: رسائل توقيت الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران إلى ترامب)
  • صفاء مطعيش تكتب: (آلات وراثية: كيف يمكن للبيولوجيا التركيبية أن تغير عالمنا؟)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (الدور الإنساني للإمارات.. قوة ناعمة عالمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (فرصة ترامب لتحديد مستقبل الشرق الأوسط)

تحديات توسيع "بريكس" في ظل نظام دولي مضطرب

08 فبراير، 2023


تعود فكرة إنشاء مجموعة "بريكس" – التي سُميت في الأصل اختصاراً لـ BRIC (الأحرف الأولى من دول البرازيل روسيا والهند والصين) - إلى مطلع القرن الحالي عندما سعى محلل "جولد مان ساكس"، جيم أونيل، إلى تسويق الأسواق الناشئة للمستثمرين. وتحولت الفكرة إلى واقع عملي عندما اقترح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد اجتماع لوزراء دول المجموعة في سبتمبر 2006، على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم لاحقاً، على مستوى القمة.
وبحكم الأوزان السياسية والاقتصادية للدول الأربع، عُرفت المجموعة بأنها تضم البلدان القادرة على اتباع سياسات مستقلة ليس فقط بالمعنى السياسي، بل أيضاً لامتلاكها الإمكانات الاقتصادية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف. وانضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة لاحقاً في عام 2010، لتصبح "BRICS". ومنذ إنشائها في عام 2009، عقدت المجموعة 14 قمة، كانت آخرها القمة الافتراضية التي استضافتها وترأستها الصين في يونيو 2022، بعد فترة وجيزة من قمتي مجموعة السبع الصناعية الكبرى وحلف شمال الأطلسي.
بديل لمجموعة السبع:
يُنظر إلى مجموعة "بريكس" على أنها بديل لمجموعة السبع الصناعية الكبرى؛ لأنها تجمع معاً خمسة من أكثر الاقتصادات الناشئة ديناميكية، والتي تقدم نفسها كعامل حاسم في هيكل الحوكمة العالمية، وكصوت لما يُسمى "الجنوب العالمي"، الذي يدعو إلى بديل اقتصادي وسياسي للهيمنة الغربية على النظام الحالي.
ووفقاً للمحلل البرازيلي أوليفر ستوينكل، فإنه على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية، والخصائص الاقتصادية، والمنافسات الجيوسياسية بين دول المجموعة، فإن أعضاء "بريكس" تجمعهم شكوك عميقة في النظام الليبرالي الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والخطر المتصور الذي تمثله الأحادية القطبية على مصالحهم.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الأعضاء الخمسة في "بريكس" يمثلون 42% من سكان كوكب الأرض، و24% من الناتج الإجمالي العالمي، وأكثر من 16% من النمو العالمي. ولا يمكن تجاهل واقع أن هذه الدول تزخر بالموارد الطبيعية الاستراتيجية، وتتمتع بأكبر تنوع بيولوجي على هذا الكوكب. في المقابل، عادة ما يتهم المحللون الغربيون المجموعة بعدم التجانس والسعي إلى تقويض النظام الليبرالي الدولي. 
زخم متصاعد:
هناك ثلاثة عوامل جددت الزخم بتجمع "بريكس"، الأول هو الهجوم على تعددية الأطراف، خاصة في عهد الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب، مما أدى إلى تآكل شرعية المؤسسات الدولية. والثاني ما سُمي بالفصل العنصري للقاحات الذي استهدف كوريا الشمالية أثناء جائحة "كوفيد 19". أما العامل الثالث فيتمثل في تداعيات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في فبراير 2022، الذي أدى إلى تقسيم العالم إلى جزء غربي ضد موسكو على الأصعدة كافة، في مواجهة جزء آخر يتبنى مقاربة حذرة تقوم على نوع من التوازن الصعب بين الجبهة الغربية وروسيا. وقد استخدم الغرب كل أدوات الضغط المتاحة لديه، ليس فقط لمعاقبة موسكو، بل أيضاً لمحاصرة الدول الرافضة للاصطفاف معه. وكان من نتيجة هذا الانقسام، رغبة أغلبية لا يُستهان بها من الدول في النأي بنفسها عن الانضمام إلى الحملة الغربية، ورفضها لذلك بشكل واضح. وفي هذا السياق، تواترت التقارير التي تتحدث عن رغبة دول عديدة في الانضمام إلى "بريكس"، ليس بقصد دعم روسيا، وإنما كتعبير عن رفض أشكال الضغط الخارجي. وفي هذا الصدد أشارت تقارير إعلامية إلى دول مثل تركيا والسعودية ومصر والأرجنتين وإيران. 
والحقيقة أن الحديث عن توسيع عضوية "بريكس" لم ينقطع منذ السنوات الأولى للإعلان عن نشأة المجموعة، خاصة عندما ساد مفهوم "بريكس" كنوع من تحالف الحضارات في البداية، ومن هنا ترددت إمكانية انضمام إندونيسيا للمجموعة باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد المسلمين. ومع ذلك، فإن دعوة إيران لحضور القمة الـ 14 للمجموعة غيرت هذا المنطق، عندما أكدت الصين الأهمية الاستثنائية لطهران من ناحية إمكاناتها في مجال الطاقة. 
ويُلاحظ هنا أن بعض دول المجموعة نفسها هي من تعلن عن رغبة دول أخرى في الانضمام إليها، ربما من باب إظهار أهمية المجموعة ومكانتها الدولية. فعلى سبيل المثال، عندما عاد رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، من زيارته للسعودية في 19 أكتوبر 2022، ذكر، في تصريحات للصحافة المحلية، أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعرب له عن نية بلاده الانضمام إلى "بريكس"، وهو ما لم تؤكده الرياض حتى الآن. أما الجزائر فقد أعلنت، في 7 نوفمبر 2022، على لسان المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية بوزارة الخارجية، ليلى زروقي، أن الجزائر قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى "بريكس"، وأن روسيا والصين رحبتا بطلب الجزائر. وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد ذكر في اللقاء الإعلامي الدوري مع الصحافة الجزائرية، في أواخر يوليو 2022، أن انضمام الجزائر إلى "بريكس" سيبعدها عن "تجاذب القطبين".
وعلى خطى الجزائر، صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، في 28 يونيو 2022، بأن بلاده قدمت طلباً للانضمام إلى "بريكس"، وأن عضوية طهران في المجموعة "ستحقق قيمة مضافة للجانبين". وفي نفس التوقيت – الذي تزامن مع القمة الافتراضية الـ 14 للمجموعة – ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الأرجنتين تقدمت أيضاً بطلب للانضمام إلى "بريكس".
أما مصر، فقد عبّرت عن رغبتها في الانضمام للتجمع قبل سنوات، كما تشارك بنشاط في القمم التي تترأسها الصين – بما فيها القمة الأخيرة – تحت صيغة (بريكس +) التي اقترحتها بكين وأعلنت عنها في قمة "شيامن" عام 2017، وباتت أحد المحاور الرئيسية للوتيرة المتسارعة لتوسع نشاط المجموعة ليشمل أعضاءً جدداً من الاقتصادات الناشئة. وانطلق المقترح الصيني في هذا الشأن من رؤية المجموعة لنفسها على أنها تعبير عن الجنوب العالمي. 
وعادة ما يُشار إلى الصين على أنها "الراعي الرئيسي" لـ "بريكس" أو قاطرتها بامتياز ومن دونها لا وجود للمجموعة، بل إن البعض يعتبر المجموعة بمثابة استراتيجية مستترة تستخدمها بكين لتوسيع مجال نفوذها، وأنه لذلك تبدو الصين الأكثر حرصاً بين الأعضاء على توسيع المجموعة لجعلها أكثر قوة بإضافة دول جديدة. ويعتقد بعض المراقبين أن دافع بكين هو إعادة هيكلة وتوسيع "بريكس" تحت قيادتها، وتقليص أدوار البرازيل والهند.