أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

إقصاء النهضة:

هل تسهم قرارات قيس سعيد في حل الأزمة التونسية؟

27 يوليو، 2021


دعت مجموعة أطلقت على نفسها "حركة 25 يوليو" إلى احتجاجات واسعة، وانطلقت بالفعل من العاصمة تونس من ميدان "باردو" القريب من البرلمان، ثم انتقلت إلى بعض المحافظات الأخرى، مثل محافظة سوسة الساحلية، وصفاقس (جنوب) والكاف (شمال غرب)، وذلك بالتزامن مع ذكرى عيد الجمهورية الرابع والستين.

وكاستجابة لهذه التظاهرات، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 يوليو 2021، إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، ومن ثم إقالة حكومته المكونة من 25 وزارة، على أن يتولى الرئيس سعيد السلطة التنفيذية بمساعدة أحد الأشخاص الذي سيقوم باختياره وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، كما أعلن تجميد البرلمان الحالي ورفع الحصانة عن كل أعضائه، كما أنه سيقوم بإصدار مراسيم خاصة عوضاً عن القوانين التي سيصدرها البرلمان.

جاء الإعلان عن هذه القرارات عقب الاجتماع الطارئ الذي ترأسه رئيس الدولة قيس سعيد مع عدد من القيادات العسكرية والأمنية في اليوم نفسه الذي اندلعت فيه الاحتجاجات الشعبية في عدد من المدن والولايات التونسية صباح يوم 25 يوليو 2021 تحت مسمى "مسيرات الحسم". 

وطالب المحتجون خلالها بتحسين الأوضاع الاقتصادية ومكافحة الفساد والإرهاب، وإقالة حكومة "المشيشي" وحل البرلمان الذي يترأسه راشد الغنوشي، الأمين العام لحركة النهضة، وطالبوا بإسقاط منظومة الإخوان المسلمين وفتح تحقيقات مع راشد الغنوشي بسبب تورطه في جرائم فساد مالي وإداري إلى جانب تورطه في قضايا تمويل الإرهاب وتنفيذ عمليات إرهابية.

أسباب الاحتجاجات:

يمكن تفسير اندلاع الاحتجاجات الشعبية بالرجوع إلى بعض العوامل والأسباب، ومن أهمها ما يلي:

1- احتدام أزمة الرئاسات الثلاث: دخلت تونس منذ شهر يناير الماضي في أزمة سياسية ودستورية كبيرة بعد رفض رئيس الدولة قيس سعيد التعديلات الوزارية التي أجراها المشيشي وإصرار سعيد على عدم إشراك بعض الشخصيات التي تطالها اتهامات بالفساد المالي والإداري في الحكومة. 

وفي المقابل تمسك رئيس الحكومة بموقفه وأيده في ذلك حركة النهضة وحزبا قلب تونس وإئتلاف الكرامة، وتصاعدت أزمة الرئاسات الثلاث (الدولة – الحكومة – البرلمان) منذ ذلك الحين وحتى الوقت الراهن، بالإضافة إلى ما شهده البرلمان من خلافات وصراعات بين الكتل النيابية بداخله في ظل عجز رئيس البرلمان الغنوشي عن إدارة البرلمان بشكل تستقيم معه الحياة السياسية ومساعدة الحكومة على تنفيذ مهامها في إدارة شئون البلاد. 

كما أخفقت كافة المبادرات الوطنية التي طُرحت خلال الشهور الماضية لنزع فتيل الأزمة السياسية بالبلاد، مما زادها تعقيداً وأثرت سلباً على حالة الاستقرار السياسي، بشكل دفع المواطنين للخروج في هذه الاحتجاجات والتعبير عن رفضهم لاستمرار هذه الأزمة دون حل.

2- تردي الأداء الحكومي: يعد من ضمن الأسباب الرئيسية التي ساهمت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد يوم 25 يوليو الجاري، ضعف أداء حكومة المشيشي وعدم قدرتها على حل المشكلات التي يعانيها المواطنون، خاصة على المستويين الاقتصادي والصحي، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

‌أ- تفاقم الأزمة الاقتصادية: أصبحت البلاد تعاني أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب غياب السياسات والحلول اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية ومن ثم المعيشية للمواطنين، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر في ظل تراجع إيرادات الدولة في العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة، لاسيما السياحة بعد أن تراجع النشاط السياحي في تونس بنسبة 80% في يوليو 2021 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. 

وجاء ذلك كأحد تداعيات أزمة كورونا التي تسببت في مزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، خاصة الفئات الفقيرة، والأكثر فقراً داخل المجتمع، ومع انشغال رئيس الحكومة بصراعاته السياسية مع رئيس الدولة وانشغال البرلمان بخلافاته بين كتله النيابية، تأثر الآداء الحكومي سلباً على المستوى الاقتصادي. 

ومن المؤشرات الدالة على ذلك تخفيض المؤسسات الاقتصادية الدولية للتصنيف الائتماني للبلاد، والتحذير من إمكانية إعلان الدولة التونسية إفلاسها بسبب عدم القدرة على سداد الديون وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي، الذي رفض منح البلاد قرضاً بقيمة 4 مليارات دولار خلال الفترة الأخيرة بسبب عدم التزام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، مما ساهم في تعقيد الأزمة الاقتصادية بالبلاد.

‌ب- تدهور أزمة كورونا: ظهر العجز الحكومي كذلك في أزمة كورونا التي شهدت تدهوراً بالغ الخطورة خلال الفترة القصيرة الماضية، حيث ارتفع عدد المصابين إلى حوالي 569 ألف مصاب مع تزايد أعداد المصابين المسجلين بشكل يومي. 

ولم تفلح السياسات والإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها وزارة الصحة في حكومة المشيشي في الحد من انتشار الوباء. ودفعت القرارات غير المدروسة من قبل وزير الصحة فوزي المهدي بفتح المجال أمام المواطنين ممن تجاوزوا 18 عاماً لتلقي لقاح كورونا في ازدحام مراكز التلقيح، في ظل عدم توافر اللقاحات بشكل يغطي هذه الأعداد، فقد حصل 8% فقط من السكان البالغ تعدادهم حوالي 12 مليون نسمة، على اللقاح. 

ويضاف إلى ما سبق تدهور القطاع الطبي وتراجع مستوى الخدمات الطبية ونقص الأكسجين في المستشفيات، الأمر الذي ساهم في توجيه مزيد من الانتقادات لحكومة المشيشي، ودفع المواطنين للخروج في هذه التظاهرات مطالبين بإسقاطها.

‌ج- تمدد نفوذ حركة النهضة: جاءت الاحتجاجات لتعبر عن رفض المواطنين للمخططات التي تسعى قيادات حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، تنفيذها داخل البلاد، والمتمثلة في فرض الهيمنة الإخوانية على مؤسسات الدولة كافة. 

واتضح ذلك في الدعوات التي أطلقتها حركة النهضة مؤخراً لتغيير حكومة التكنوقراط برئاسة المشيشي وتشكيل حكومة سياسية جديدة تضمن تمثيلاً مناسباً لقيادات حركة النهضة والأحزاب المتحالفة معها داخل البرلمان (قلب تونس – ائتلاف الكرامة). 

وفي الوقت نفسه، رفضت الحركة تخفيف حدة خلافاتها وصراعاتها مع رئيس الدولة، بشكل أدى إلى تعقد الأزمة السياسية في البلاد، وقد عبرت عمليات اقتحام مقرات حركة النهضة وإحراق بعضها عن مدى الغضب الشعبي الكامن تجاه حركة النهضة في ظل تحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد طوال السنوات التي شاركت فيها الحركة في الحكومات المتعاقبة.

سيناريوهات محتملة:

ترجح المعطيات الراهنة بعض السيناريوهات الخاصة بمستقبل الأوضاع السياسية في البلاد خلال الفترة القادمة، ومن ذلك ما يلي:

1- نجاح قيس سعيد في تحقيق الاستقرار: يرجح هذا السيناريو نجاح قيس سعيد في إعادة هيكلة النظام السياسي من دون معارضة من حركة النهضة، والتي قد تتجه للتكيف مع إجراءات سعيد تجنباً لملاقاة مصير الإخوان المسلمين المصرية نفسه. 

وفي هذا الاطار فقد يتم اللجوء إلى أحد الحلول الآتية، أولها اختيار شخصية سياسية غير حزبية وتكليفها بتشكيل حكومة جديدة لإدارة شؤون البلاد التي تعاني أزمات اقتصادية وصحية خانقة، وثانيها الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة تفرز قوى سياسية جديدة، وقد يسبق ذلك صياغة دستور جديد للبلاد يتضمن تغيير النظام السياسي، وفقاً لرؤية رئيس الدولة قيس سعيد، والتي يؤيده فيها العديد من الأحزاب السياسية، لاسيما الليبرالية والعلمانية، إلا أنه من المستبعد أن توافق عليه حركة النهضة، وسيمثل ذلك التحدي الرئيسي أمام تحقق هذا السيناريو.

2- انزلاق البلاد في حالة الفوضى: يستند هذا السيناريو إلى احتمال اتجاه قيادات حركة النهضة بالرد على اقتحام بعض مقراتهم وإحراقها في محافظات  توزر وسيدي بوزيد والقيروان، وسوسة، حيث هددت بعض قيادات الحركة رئيس الدولة قيس سعيد واتهامه بالتخطيط لهذه التظاهرات بالتعاون مع أنصاره. 

كما اتهم راشد الغنوشي رئيس الدولة بالإنقلاب على الثورة والدستور، وأن أنصار النهضة سيدافعون عن الثورة من خلال النزول إلى الشوارع رفضاً لقرارات الرئيس سعيد، خاصة أن تغيير النظام السياسي لنظام رئاسي، كما يسعى السعيد لن يكفل لهم تصدر المشهد السياسي. ومن ثم فسوف يحاولون إعادة ترتيب صفوفهم ومحاولة الانخراط في الحياة السياسية بشتى الطرق. 

وقد يلجؤون إلى الاغتيالات السياسية لإثبات قدرتهم على البقاء والتأثير، الأمر الذي تتزايد معه احتمالات عدم الاستقرار خلال الفترة القادمة ولاسيما على المدى القصير.

وفي الختام، ووفقاً للمعطيات الراهنة، فإن ملامح المشهد السياسي الحالي توحي بتمكن الرئيس التونسي قيس سعيد في المضي قدماً في تحقيق الإصلاحات السياسية اللازمة للخروج من حالة الجمود السياسي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتي عانتها البلاد في الفترة الأخيرة. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط