أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ارتدادات مباشرة:

التأثيرات المتبادلة بين مفاوضات فيينا والانتخابات الإيرانية

30 مايو، 2021


عقدت إيران ومجموعة "4+1" الجولة الخامسة من مفاوضات فيينا بمشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، في 25 مايو الجاري، دون أن تظهر مؤشرات جديدة توحي باقتراب موعد الإعلان عن الوصول إلى صفقة تعزز استمرار العمل بالاتفاق النووي، رغم كل التصريحات الإيجابية التي يدلي بها المسئولون المشاركون فيها. واللافت في هذا السياق، هو أن انعقاد تلك الجولة تزامن مع القرار الذي اتخذه مجلس صيانة الدستور- الهيئة المسئولة عن البت في ملفات المرشحين للانتخابات- بتقليص عدد المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية إلى 7 مرشحين فقط، من بينهم 5 محافظين يأتي في مقدمتهم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي. 

اللافت في هذا السياق، أن المفاجأة الأساسية في هذا القرار لا تكمن في استمرار مجلس صيانة الدستور في استخدام ما تطلق عليه اتجاهات عديدة "المقصلة"، وإنما تكمن في استبعاد مرشحين بارزين ما زالوا يمثلون أركاناً رئيسية في النظام، الذي ما زال يعتمد عليهم في مهام سياسية رفيعة، على غرار علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق، الذي أشارت تقارير عديدة إلى أنه اضطلع- بتعليمات مباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي- بتولي ملف هام جداً يتعلق بإدارة المفاوضات مع الصين للوصول إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها بين الطرفين في 27 مارس 2021. 

ومن هنا، فإن اتجاهات عديدة تشير إلى أن الدافع الأساسي لذلك ينصرف إلى رغبة النظام في إفساح المجال أمام وصول مرشح بعينه- ربما يكون إبراهيم رئيسي- إلى منصب الرئيس، من خلال إبعاد بعض المنافسين المحتملين الذي قد يهددون فرصه في هذا السياق، لاسيما أنه أخفق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في عام 2017، والتي فاز فيها الرئيس حسن روحاني، حيث أن تعرض رئيسي للهزيمة للمرة الثانية من الممكن أن يؤثر على مستقبله السياسي، خاصة أنه أحد المرشحين لمنصب المرشد الأعلى للجمهورية بعد خامنئي.

دلالات عديدة:

اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتزامن الحملة الانتخابية التي انطلقت في 28 مايو الجاري مع استمرار المشاورات التي تجريها إيران ومجموعة "4+1" حول الاتفاق النووي، يطرح دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- ضغوط قوية: يبدو أن النظام الإيراني يسعى في الوقت الحالي إلى استغلال ورقة اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية من أجل ممارسة ضغوط أقوى على القوى الدولية، للخروج بمكاسب متعددة من المفاوضات الحالية، لاسيما فيما يتعلق بتوسيع نطاق العقوبات التي يمكن أن ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية عن إيران. وهنا، فإن النظام يحاول الإيحاء بأن الاحتمال الأقوى يتمثل في وصول مرشح أصولى لمنصب الرئيس، على نحو قد يساهم، وفقاً لرؤيته، في انتهاج سياسة أكثر تشدداً، لاسيما فيما يتصل بالعلاقات مع القوى الدولية، وهو ما قد يدفعها إلى تقديم امتيازات أكبر لإيران من أجل قبول الصفقة.

2- استباق الصفقة: قد تكون لدى النظام الإيراني رغبة في الإيحاء بأنه لن يسعى إلى تطوير العلاقات مع الدول الغربية، في حالة الوصول إلى صفقة جديدة تعزز من استمرار العمل بالاتفاق النووي. فاللافت في هذا السياق، أنه في حالة فوز رئيسي بمنصب الرئيس، فإن ذلك قد يتسبب في إضافة خلاف جديد بين إيران وتلك الدول، في ظل التحفظات التي تبديها الأخيرة على ملف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، خاصة أن رئيسي معروف أنه عضو في ما يسمى "لجنة الموت"، التي اتهمت بإصدار أحكام بالإعدام على عدد كبير من عناصر المعارضة في عام 1988. وكان رئيسي من ضمن المسئولين الإيرانيين الذين فرضت عليهم وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات، في 4 نوفمبر 2019، بمناسبة حلول الذكرى الأربعين لاحتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران. 

3- صراع محموم: تبدو إيران حريصة حالياً على توجيه رسائل مباشرة بأنها ليست في عجلة من أمرها للوصول إلى اتفاق جديد مع القوى الدولية بخصوص الملف النووي، رغم الضغوط القوية التي تفرضها العقوبات الأمريكية عليها. وهنا، فإن ذلك قد لا ينفصل عن تعمد بعض المؤسسات في النظام تعطيل الوصول إلى تلك الصفقة أملاً في أن يؤدي ذلك إلى حرمان الرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام من تحقيق "إنجاز" سياسي قبل انتهاء ولايته الثانية. وبمعنى أدق، فإن الصراع السياسي الذي تشهده إيران حالياً لا يتركز على مَن يؤيد الوصول إلى صفقة مع القوى الدولية ومَن يرفض، وإنما على مَن يصل إلى تلك الصفقة، إذ أن هناك شبه إجماع على ضرورة تقليص حدة العقوبات الأمريكية، التي فرضت أزمة اقتصادية حادة لم تنجح السياسات الحكومية في احتواء تداعياتها، وأن ذلك لن يتأتى إلا بالوصول إلى تلك الصفقة المحتملة. ويعني ذلك أن كل الإجراءات التصعيدية التي يضغط تيار المحافظين الأصوليين من أجل اتخاذها في الوقت الحالي تهدف إلى تحسين شروط التفاوض وتعطيل الوصول إلى تلك الصفقة بأكبر قدر ممكن حتى إجراء الانتخابات الرئاسية وإعلان نتائجها.

في النهاية، يمكن القول إن التساؤل الرئيسي الذي يتصاعد الجدل بشأنه داخل إيران حالياً حول مَن سينجح في إنجاز الصفقة سيتحول تدريجياً، خلال المرحلة القادمة، إلى مَن سيقود إدارة العلاقات مع الغرب أياً كان المسار الذي سوف تتجه إليه المفاوضات الحالية التي تجري في فيينا.