أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تقارب مستمر:

أسباب وتداعيات إبرام صفقة "إس- 400" بين تركيا وروسيا

03 أغسطس، 2017


أعلنت تركيا وروسيا عن انتهائهما من المشاورات الخاصة بالتفاصيل الفنية لصفقة منظومة "إس- 400" الدفاعية، فى مؤشر على أن أحد الأبعاد الرئيسية في إتمام الصفقة قد تم إنجازه. ووفقًا للمدير العام لشركة "روستيخ" الروسية الحكومية سيرغي تشيميزوف، قبل أسبوع على هامش معرض "ماكس-2017" للطيران والفضاء، فقد تم الاتفاق على الجوانب الفنية وبقيت هناك مسائل إدارية فقط، بما يعني أن الصفقة تشهد خطوات جدية نحو التنفيذ.

ومن دون شك، فإن ذلك يمثل تحولاً بارزًا في السياسة الدفاعية لتركيا التي تنتمي تقليديًا للمحور الغربي، ربما يزيد من احتمال استمرار تطور العلاقات الدفاعية التركية– الروسية خلال المرحلة القادمة، مقابل تراجع واضح في العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة الأمريكية والناتو، خاصة وأن التوقيت الذي يتم فيه التشاور حول تلك الصفقة يتزامن مع التصعيد اللافت في العلاقات الروسية– الأمريكية على خلفية العقوبات الجديدة التي أقرها الكونجرس الأمريكى على روسيا.

ورغم أن المشهد الراهن لا يعني الانسحاب التركي المباشر من الدائرة الغربية، إلا أن هناك اتجاهًا مرحليًا لإجراء تغيير في السياسات الدفاعية وربما العقيدة العسكرية التركية نفسها، وهو ما تدعمه مؤشرات عديدة يتمثل أبرزها في حجم المشاركة التركية في العمليات الخارجية للناتو، واتجاهات العلاقات بين تركيا وحلفائها.

عوامل متعددة:

ربما يمكن تفسير اتجاه أنقرة إلى إبرام تلك الصفقة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد هامش التباين بين أنقرة وواشنطن: تمر العلاقات التركية– الأمريكية بمرحلة توتر منذ الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا العام الماضي، إذ وجهت أنقرة انتقادات لواشنطن تصاعدت بسبب رفض الأخيرة تسليم عبد الله كولن الذي تتهمه الأولى بالتورط في تلك المحاولة، وهو ما انعكست مؤشراته في حرب الموصل، حيث اتجهت واشنطن إلى إعادة تأهيل وبناء قواعد في العراق وسوريا كبديل محتمل لقاعدة "انجرليك" التركية.

كما لم تتوقف أنقرة عن محاولة ممارسة ضغوط على واشنطن بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه الأخيرة للأكراد في معركة الرقة، بالنظر الى الموقف التركي المعروف من الفصائل الكردية التي تعتبرها إرهابية، إلا أنها لم تنجح في تحقيق نتائج تذكر في هذا السياق.

فضلا عن ذلك، فإن تركيا ترى أن هناك مماطلة أمريكية في تحديث منظومتها الدفاعية، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوله، في 25 يوليو 2017، أن "تركيا اضطرت للتوجه نحو استيراد هذه المنظومة من روسيا في ظل توفيرها إمكانية المشاركة في الإنتاج، وإحجام الولايات المتحدة عن المشاركة مع تركيا في هذا المجال".

2- العراقيل الدفاعية للناتو: فبحسب موقع Defense tech، فإن الناتو سبق له أن تجاهل احتياج تركيا لرفع مستوى قدراتها الدفاعية. فيما كشفت تقارير صحفية تركية، في وقت سابق، عن أن الناتو والولايات المتحدة رفضا طلبًا لتركيا بالحصول على منظومة دفاع صاروخي صينية بدعوى أن تلك الشركة لديها سوابق مبيعات صاروخية لإيران.

3- تحسن العلاقات مع روسيا: والتي تأثرت في وقت سابق بسبب استهداف تركيا لمقاتلة روسية في المجال الجوى السوري في نوفمبر 2015. ومع تجاوز هذه الأزمة، بدأ مسار التقارب التركي- الروسي، الذي انعكس في الملف السوري، حيث شاركت أنقرة بفاعلية فى مفاوضات آستانة إلى جانب روسيا وإيران. وبالطبع، فإنه فى حالة إبرام الصفقة فعليًا، فمن المتصور أن تلك العلاقات سوف تصل إلى مستوى غير مسبوق بين الدولتين، ربما يكون أقرب إلى التحالف المشترك.

4- أهمية الصفقة الدفاعية: تشير تقديرات عديدة إلى أن منظومة "إس- 400" من أفضل المنظومات الدفاعية على مستوى العالم، حيث تستطيع إسقاط جميع وسائل الهجوم الجوي الموجودة حاليًا، بما فيها الطائرات والمروحيات والطائرات المسيَّرة والصواريخ المجنحة والصواريخ البالستية التكتيكية التي يمكن أن تصل سرعتها إلى 4800 متر في الثانية.

 دلالات مختلفة:

تطرح تلك الصفقة دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تغير في التوجهات العسكرية: يبدو أن ثمة تراجعًا ملحوظًا في العلاقات الدفاعية بين تركيا والناتو، وهو ما تؤكده مؤشرات عديدة، فوفقًا للتقرير السنوى لعام 2016، فإن نسبة مساهمة تركيا فى عمليات الناتو والشراكة مع الحلف تراجعت إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا، إذ كانت مشاركة تركيا في عمليات الناتو في كوسوفو وأفغانستان متواضعة للغاية، حيث وصلت إلى 7% فقط، كما عُطلت بعض البرامج المتطورة مع الناتو والتدريب العسكري.

2- تحولات هيكلية واستراتيجية: تكشف هذه الصفقة عن تحولات هيكلية واستراتيجية في المنظومة العسكرية والأمنية بشكل عام، والدفاعية بشكل خاص، والتي يمكن القول إنها تستحوذ على القدر الأكبر من تلك المنظومة العسكرية، بل وتساهم في تحديد التوجهات الاستراتجية لتركيا، حيث أن الصفقة ستسمح لتركيا بنشر أنظمة الدفاع الصاروخية في أى مكان داخل أراضيها. ويمكن لهذه الشراكة أن تعزز صناعة الدفاع التركية وتخدم هدف الدولة المتمثل في تنويع مصادر التسلح.

3- تكريس نظرية التمييز: ترى تركيا أن تراجع علاقاتها الدفاعية مع الناتو يمثل نتيجة لسياسة التمييز التي تمارس ضدها على عكس دول أخرى مثل اليونان، التي سمح لها، وفقًا للرؤية التركية، منذ عام 1997 بالحصول على منظومة "إس- 300". ومن دون شك، فإن تعمد أنقرة طرح هذا النموذج تحديدًا لا ينفصل عن خلافها مع اليونان حول ملف قبرص، إلى جانب عدم نجاح جهودها في دعم فرص انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. 

هدفان رئيسيان: 

تسعى تركيا من خلال تلك الصفقة إلى تحقيق هدفين رئيسيين: يتمثل أولهما، في تطوير القدرات، حيث تحاول أنقرة من خلال تلك الصفقة تعزيز قدرتها على تحديث منظومتها الدفاعية، خاصة أن تقارير عسكرية وتصريحات كثيرة تشير إلى أن ذلك يكتسب أهمية خاصة في ضوء التهديدات العديدة التي باتت تفرضها التطورات الإقليمية المحيطة بها، وخاصة استمرار الأزمة السورية دون تسوية حتى الآن.

وينصرف ثانيهما، إلى تعزيز الصناعات العسكرية، فبحسب مسئولين أتراك، فإن الاتفاق التركي- الروسي لا يقتصر على شراء تلك المنظومة، بل يتضمن تدشين عملية تصنيع مشترك لبطاريتين منها مع روسيا، بحيث تمتلك تركيا القدرة لاحقًا على إنتاج أنظمة دفاع متقدمة خاصة بها. لكن خبراء عسكريين روس شككوا فى تقارير أشارت إلى ذلك، لاعتبارات تتعلق بتكلفة نقل التقنية ذاتها، حيث سيتعين على تركيا، وفقًا لهم، إنفاق مليارات الدولارات لإنشاء صناعة جديدة بشكل كامل.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن ثمة تحولات ملحوظة في شبكة علاقات تركيا وسياستها الخارجية والدفاعية، لكن استمرار هذه التحولات سوف يرتبط، على ما يبدو، بالمواقف التي سوف يتخذها حلفاء أنقرة، بما يعني أن أنقرة ربما تحرص خلال المرحلة القادمة على استشراف ما سوف يفرضه تقاربها مع موسكو من تداعيات على علاقاتها مع حلفائها، حيث سيمثل ذلك متغيرًا مهمًا في تحديد المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك التحولات.