أخبار المركز
  • مركز المستقبل يطلق برنامج جديد لدراسات الذكاء الاصطناعي
  • أحمد عليبه يكتب: (فرص وقيود: هل يمكن العودة إلى ضبط التسلح النووي بين القوى الكبرى؟)
  • آية يحيى تكتب: (منصات هجينة: فرص ومخاطر دمج مؤثري التواصل الاجتماعي في الإعلام التقليدي)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الإبداع أم الكفاءة.. هل تفقد الكتابة جوهرها في عصر الذكاء الاصطناعي؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (تحول تاريخي: المبادئ العشرة لـ"الترامبية الجديدة" في السياسة العالمية)

الطلب على الكهرباء:

ما الذي يقود النمو وما أهمية ذلك؟

13 فبراير، 2025


من الضروري لصناع القرار فهم محركات نمو الطلب العالمي على الكهرباء، حيث إنها تشكل حجر الزاوية لتحقيق أمن الطاقة والاستدامة والمرونة الاقتصادية في ظل نظام الطاقة المتغير بوتيرة سريعة. على هذا النحو، لا يبدو من المهم للحكومات معالجة التحديات التشغيلية الفورية لقطاع الكهرباء فحسب، وإنما أيضاً دمج الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل الخاصة بالقطاع في ديناميكيات الطاقة.

في هذا السياق، نشر معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، ومقره المملكة المتحدة، ورقة في شهر يناير الماضي تحت عنوان "الطلب العالمي على الكهرباء: ما الذي يقود النمو وما أهمية ذلك؟". وتطرقت الورقة التي أعدتها رحمة الله بودينه، رئيس قسم أبحاث الكهرباء بالمعهد، إلى مناقشة الآفاق الحالية والمستقبلية للطلب العالمي على الكهرباء مع تقديم منظور إقليمي لدوافع نمو الطلب على الكهرباء بمناطق جغرافية محددة حتى عام 2030. كما سلطت الورقة الضوء على المحركات الجديدة للطلب على الكهرباء في العالم، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعدين وغيرهما. وأخيراً استعرضت الكاتبة ثماني قضايا جوهرية ذات ارتباط ملموس بمسألة الطلب على الكهرباء والكهربة في العالم.

مسار النمو:

إذا أردنا أن نتطلع للمستقبل، يمكن التأكيد أن الطلب العالمي على الكهرباء سيحقق نمواً سريعاً في السنوات المقبلة. يعود ذلك من بين أسباب مختلفة إلى زيادة النشاط الاقتصادي، والتوسع في استخدام مكيفات الهواء، والاعتماد المتزايد على التقنيات الجديدة مثل المركبات الكهربائية والمضخات الحرارية. جدير بالذكر أن أكثر من نصف نمو الطلب العالمي على الكهرباء في عام 2023 كان مدفوعاً بتبني خمس تقنيات رئيسية بالعالم وهي: المركبات الكهربائية والمضخات الحرارية وأجهزة التحليل الكهربائي وتكييف الهواء ومراكز البيانات.

ومن المحتمل أن تزيد حصة الكهرباء إلى 52% من إجمالي استهلاك الطاقة النهائي في ظل سيناريو 1.5 درجة مئوية مقارنة بـــ23% في عام 2023. ومع ذلك، فلن ينتج بالضرورة عن انتشار الكهربة، زيادة مقابلة في إجمالي الطلب النهائي على الطاقة. في الواقع، تقدم الكهربة مساراً تحويلياً، يساعد على فك الارتباط بين استهلاك الطاقة ومسار النمو الاقتصادي.

وفي حين أنه من المتوقع أن يتضاعف حجم الاقتصاد العالمي تقريباً بحلول عام 2050 (بافتراض معدل نمو سنوي قدره 2.4%)؛ فإن الطلب النهائي على الطاقة سينمو بنسبة ضئيلة فقط على مدار نفس الفترة. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى مكاسب الكفاءة الناجمة عن الكهربة، والتي تخلق وفورات ملحوظة في استهلاك الطاقة مقارنة بالأنظمة المعتمدة على الوقود الأحفوري.

منظور إقليمي:

بالتأكيد، ستكون هناك تباينات ملموسة بين مختلف المناطق الجغرافية بشأن محركات الطلب على الكهرباء والكهربة في المستقبل، ذلك جراء التفاوتات بين بلدان العالم في مستويات التنمية الاقتصادية والموارد المتاحة وأولويات السياسة والهياكل الصناعية، ويتضح ذلك على النحو التالي:

• أمريكا الشمالية: من المتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء في أمريكا الشمالية بشكل كبير في السنوات المقبلة، ومن المرجح أن ينمو استهلاك الكهرباء بالولايات المتحدة بنسبة 15.8% بحلول عام 2029؛ الأمر الذي سيعود في المقام الأول إلى الطلب المدفوع من مرافق التصنيع المتقدمة ومراكز البيانات خاصة في تكساس وجورجيا.

• أوروبا: يحمل الطلب على الكهرباء في أوروبا صورة أكثر تعقيداً، ففي حين تتوقع الحكومات ومشغلو شبكات الكهرباء بالقارة حدوث زيادات سنوية في الطلب على الكهرباء بنسبة تصل إلى 7% بحلول عام 2030، إلا أن هذا قد لا يتحقق بشكل مثالي، بالنظر إلى خطط الشركات الصناعية الكبرى لنقل إنتاجها إلى مناطق ذات تكاليف منخفضة للطاقة. مع ذلك، سيلقى الطلب الأوروبي على الكهرباء دفعة قوية من انتشار السيارات الكهربائية.

• آسيا: تشهد آسيا أسرع نمو في الطلب على الكهرباء عالمياً بمتوسط قدره 5% سنوياً، ويأتي ذلك مدفوعاً بعوامل مثل التنمية الاقتصادية ونمو السكان والكهربة. وخلال السنوات القليلة المقبلة، من المتوقع أن تسهم الهند والصين ومنقطة جنوب شرق آسيا بأكثر من 70% من النمو في الطلب العالمي على الكهرباء.

• إفريقيا: ينمو الطلب على الكهرباء في إفريقيا بوتيرة سريعة، وإن كان ذلك ينطلق في الواقع من قاعدة منخفضة. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء في إفريقيا ثلاث مرات بحلول عام 2040؛ بسبب تسارع النمو السكاني والتحضر والتنمية الاقتصادية.

تأسيساً على الاستعراض السابق، تعكس نماذج النمو المختلفة تبايناً متزايداً في هياكل أنظمة الكهرباء على مستوى العالم؛ الأمر الذي يخلق بدوره تفاوتاً في تقدير احتياجات دمج التكنولوجيا وتحديد أولويات الاستثمار بالنسبة لشبكات الكهرباء بين منطقة جغرافية وأخرى.

بالنسبة للاقتصادات المتقدمة (خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)، تتمثل أولويات الاستثمار في تحديث الشبكة وتعزيز المرونة ودمج الطاقة المتجددة المتغيرة. على النقيض من ذلك، تركز الاقتصادات النامية في المقام الأول على توسيع البنية التحتية الأساسية للكهرباء ودعم قدرات التوليد لتلبية الطلب المتزايد سريعاً.

وتكشف الأنماط المتطورة للطلب العالمي على الكهرباء أيضاً عن علاقات متبادلة معقدة بين التنمية الاقتصادية وتبني التكنولوجيا وتعزيز القدرة التنافسية الإقليمية. وتشير هذه الديناميكية، إلى جانب التركيز السريع لتطوير مراكز البيانات في بلدان محددة (كالولايات المتحدة)، إلى إعادة تنظيم الجغرافيا الاقتصادية حول مناطق توافر الطاقة وانخفاض تكلفتها. وعلى هذا الأساس، لا تُعد الكهربة مجرد تحدٍّ تكنولوجي فحسب، بل ترتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بالتنمية الاقتصادية والتخطيط الحضري وأولويات السياسة.

محركات جديدة:

حتماً، يؤدي الطلب المتزايد على الكهرباء المدفوع من قبل مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعدين العملات المشفرة إلى زيادة التنافس بين المستخدمين الصناعيين التقليديين والبنية التحتية الرقمية الجديدة على موارد الكهرباء. وقد شكلت مراكز البيانات وحدها ما بين 1% إلى 1.3% من الطلب العالمي على الكهرباء في عام 2022، مع توقعات بارتفاع حصتها إلى ما بين 1.5 إلى 3% بحلول عام 2026.

ويعزى هذا الارتفاع إلى حد كبير إلى نشر الخوادم كثيفة الاستهلاك للطاقة والتبني السريع لشبكات الجيل الخامس وظهور مراكز البيانات الضخمة خاصة في مناطق جغرافية مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين. ومن المتوقع أن ينمو طلب مراكز البيانات على الكهرباء حتى عام 2030 إلى 770 تيراوات في الساعة (سيناريو الحالة المنخفضة)، على أن يرتفع إلى 1560 تيراوات في الساعة (سيناريو الحالة المرتفعة)، مع تقدير السيناريو الأساسي عند 1135 تيراوات في الساعة.


وعلى نحو مماثل، يظل تعدين العملات المشفرة نشاطاً كثيف الاستهلاك للكهرباء، فيكاد يماثل استهلاك بعض عمليات التعدين للكهرباء بأمريكا معدلات المرافق الصناعية الكبيرة. وغالباً ما تقع عمليات التعدين في مناطق غنية بالطاقة ولديها كهرباء رخيصة (على سبيل المثال، مقاطعة سيتشوان الصينية) أو المناطق ذات الطاقة المدعومة، ذلك بغض النظر عن استدامة الشبكات. وستؤدي هذه الديناميكية إلى زيادة البصمة الكربونية لعمليات تعدين العمليات المشفرة.

يعزز النمو المشترك لاستهلاك الكهرباء في هذه القطاعات الحاجة إلى تبني سياسات شاملة لإدارة الطلب، بما في ذلك وضع معايير خاصة بكفاءة الاستهلاك والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة للتعويض عن الانبعاثات الكربونية المحتملة. ومع استمرار توسع التقنيات الرقمية، سيكون فهم وإدارة الطلب على الكهرباء بهذه القطاعات محورياً لاستدامة نماذج تحول الطاقة في العالم.

قضايا ارتباطية:

يحمل ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء وانتشار الكهربة أهمية خاصة لصناع القرار والحكومات والشركات، للأسباب الثمانية التالية:

1- أمن الطاقة: لا يرتبط التحول للكهرباء النظيفة بقضية تغير المناخ فحسب؛ بل بقضية أمن الطاقة أيضاً. ويعكس التوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة في مناطق مثل الصين والاتحاد الأوروبي تحولاً استراتيجياً يعمل على تعزيز أمن الطاقة، ويتماشى أيضاً مع الأهداف الجيوسياسية الرامية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

2- تأمين الشبكات: يفرض المشهد المتطور للبنية التحتية للكهرباء تحديات أمنية غير مسبوقة. فمع تزايد رقمنة أنظمة الكهرباء وترابطها، تتكرس مساحات جديدة محتملة للتهديدات السيبرانية لشبكات الكهرباء. بالطبع، يفرض تزايد احتمالات اختراقات أنظمة الكهرباء أعطالاً متكررة، والتي بدورها ستقوض الخدمات الأساسية والأنشطة الاقتصادية. 

3- القدرة التنافسية الصناعية: لا تُعد تكاليف الكهرباء أمراً حيوياً للمستهلكين السكنيين فحسب، بل إنها تبرز أيضاً كمحدد رئيسي للقدرة التنافسية الصناعية. لتلبية الطلب المرتفع على الكهرباء في المستقبل، ستكون هناك حاجة إلى ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية للكهرباء؛ مما قد يفرض ضغوطاً تصاعدية على أسعار الكهرباء. وهذا يعني أن البلدان التي تتمتع بوفرة من الكهرباء وذات تكلفة منخفضة، ستكتسب ميزة في جذب الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة ودفع النشاط الاقتصادي.

4- موثوقية الإمدادات: يفرض التوسع المتزايد لمراكز البيانات والبنية الأساسية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية تحديات جديدة كبيرة لموثوقية إمدادات الكهرباء، وخاصة بسبب حاجتها إلى الطاقة غير المتقطعة وميلها إلى التركز الجغرافي في مواقع محددة.

5- التأثير البيئي المحتمل: سيعتمد التأثير البيئي للطلب العالمي على الكهرباء على مزيج مصادر الطاقة المستخدمة، لتلبية الاحتياجات المتزايدة. ففي الأمد القريب، سيؤدي الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، خاصة في آسيا، إلى تفاقم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي؛ ومع ذلك، ستتغير هذه الصورة في الأمدين المتوسط والطويل مع انتشار تطبيقات الطاقة المتجددة، خاصة بعد عام 2030.

6-  تقلبات الأسعار: يفرض الدمج المتزايد للطاقة المتجددة في أنظمة الكهرباء ضغوطاً كبيرة على أسواق الكهرباء، وسيتجلى ذلك في احتمال حدوث تقلبات دائمة للأسعار مع تزايد إمكانية التسعير السلبي للكهرباء. وتنشأ هذه التحديات من الطبيعة المتقطعة لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم التوافق بين العرض والطلب، خاصة خلال فترات ارتفاع إنتاج الطاقة المتجددة وانخفاض الاستهلاك.

7- فجوات في وصول الكهرباء: تعكس خريطة الكهربة في العالم أنماطاً غير متساوية في الوصول للطاقة بين المناطق الجغرافية المختلفة، ففي إفريقيا مثلاً، لا يزال أكثر من 40% من السكان يفتقرون إلى الوصول إلى الكهرباء حتى عام 2023. بمعنى آخر، تسلط هذه التفاوتات الضوء على كيفية فشل جهود الكهربة، على الرغم من كونها تحويلية ببعض المناطق، في معالجة إمكانية الوصول إلى الطاقة على قدم المساواة في جميع أنحاء العالم.

8- حجم الاستثمارات الأمثل: يؤدي عدم اليقين دوراً حاسماً في تشكيل الآفاق المستقبلية للطلب العالمي على الكهرباء واستراتيجيات الاستثمار المرتبطة بها. ويمكن أن تؤدي المبالغة في تقدير الطلب إلى استثمارات مفرطة في محطات توليد الكهرباء والبنية التحتية للشبكات؛ الأمر الذي قد يترجم إلى أصول معطلة وتحمل المستهلكين تكاليف أخرى. وعلى النقيض من ذلك، قد يؤدي التقليل من تقدير الطلب على الكهرباء إلى نقص الاستثمارات؛ ومن ثم زعزعة استقرار الإمدادات وتقويض النمو الاقتصادي.

استخلاصاً مما سبق، ستكون لزيادة الطلب العالمي على الكهرباء آثار عميقة على المشهد العالمي للطاقة ليس هذا فحسب، وإنما ستفرض تفاوتات ملحوظة بين بلدان العالم وبعضها بعضاً بشأن قدراتها التنافسية والتكنولوجية والصناعية. ويؤكد ذلك مدى الحاجة الماسة إلى إجراء إصلاحات سوقية شاملة لضمان موثوقية إمدادات شبكات الكهرباء وضمان تحول سلس لتحول الطاقة، ويشمل ذلك من بين عوامل مختلفة، الاستثمار في قدرات الطاقة المتجددة وقدرات تخزين الطاقة، وإعادة تنظيم السوق وآليات التسعير وحماية الشبكات الكهربائية ضد التهديدات السيبرانية وغيرها.

Poudineh, R. (2025). Global electricity demand: What’s driving growth and why it matters? Oxford Institute for Energy Studies. https://www.oxfordenergy.org/publications/global-electricity-demand-whats-driving-growth-and-why-it-matters/