أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

محاكاة التوحش:

كيف يوظِّف داعش "الألعاب الإلكترونية" لتجنيد الشباب؟

11 أكتوبر، 2016


إعداد: باسم راشد


تسعى غالبية التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" إلى تجنيد الشباب الغربي بشكل متصاعد، وقد طرح هذا التجنيد المتزايد للشباب تساؤل هام مفاده: "كيف يستطيع تنظيم الدولة الإسلامية تجنيد هؤلاء الشباب؟ وما الأدوات الإعلامية التي يستخدمها لتحقيق ذلك الغرض؟" 

في دراسته الأخيرة المنشورة بعنوان "الألعاب الإلكترونية، الإرهاب، والجهاد الداعشي 0.3" يجيب "أحمد الراوي"، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الاتصالات في جامعة كونكورديا بكندا، على هذا التساؤل؛ من خلال بحث الاستراتيجيات الإعلامية المختلفة التي يتبعها تنظيم داعش ، بالتركيز على الألعاب الإلكترونية التي أطلقها التنظيم ومحاولة فهم كيف استقبل الجمهور العربي من مستخدمي الإنترنت لعبة مثل "صليل الصوارم" وإلى أي مدى ساهمت في اجتذاب جمهور الشباب؟، وقد تم نشر هذه الدراسة في دورية "الإرهاب والعنف السياسي" في أغسطس 2016.

الاستراتيجية الاتصالية لتنظيم "داعش":

يشير الكاتب إلى أن الاستراتيجيات الاتصالية التي يستخدمها تنظيم داعش تعتمد على "استخدام نهج متعدد الأبعاد والمنصات، بما يستهدف "الأصدقاء والأعداء" في وقت واحد لتعزيز نطاق وأهمية وصدى رسائل التنظيم، والعمل على تحقيق التزامن بين القول والعمل لتعظيم الآثار التشغيلية والاستراتيجية في هذا الإطار؛ مع الاحتفاظ بمركزية الدولة الإسلامية "كعلامة تجارية" في إطار حملتها الإعلامية".

وتؤشر أعداد المقاتلين الذين ينضمون لداعش على نجاح تلك الاستراتيجية بشكل فعَّال نظرًا لكون التنظيم يعتمد النسخة المتشددة من الإسلام لتسويق أفكاره ومعتقداته؛ بدايةً من العلم الأسود رمز التنظيم، وكذلك اسم التنظيم نفسه، وأيضًا حكم التنظيم في المناطق التي تقع تحت سيطرته بواجبات والتزامات الإسلام المحافظ، ومن أبرز ملامح الإستراتيجية الاتصالية لتنظيم داعش ما يلي:

1- نصير المضطهدين: يُنصِّب التنظيم نفسه مدافعًا عن المسلمين السنَّة في العالم، معتمدا خطابا إعلاميا يدعي دومًا اضطهاد السُنَّة من جانب القوى العالمية، ويعتبر التنظيم أنه جاء لإنقاذ المسلمين السُنَّة والدفاع عنهم؛ الأمر الذي دفع عدد من المسلمين المتدينين للانضمام إلى صفوفه، بالإضافة إلى أنه يسعى لإظهار صورته بكونه جماعة متوحشة تدافع عن الإسلام ضد الكفار والذين يمثلون أي أحد يحارب الإسلام في وجهة نظرهم.

2- دعم الأعمال الخيرية: لا يكتفي التنظيم بإظهار الجانب الحربي والوحشي من عقيدته، بل أيضًا يسعى لإظهار الجانب الخيري من خلال نشر الصور التي تُظهر أفراد التنظيم وهم يساعدون كبار السن أو تنظيم الحياة في المدن التي تقع تحت سيطرتهم. كذلك إظهار المقاتلون في حالة الاسترخاء أو السباحة أو الأكل واللعب مع القطط، وهو ما يشير إلى أن التنظيم يستهدف توصيل رسالة أنه يسعى لتحقيق رفاهية المواطنين لا قتلهم.    

3- منصات دعائية متنوعة: يستخدم التنظيم الدعاية والتضليل لنشر أفكاره لأكبر عدد من الناس  بلغات مختلفة، فضلا عن أنه يوِّظف مراكز إعلامية مثل "الحياة – الفرقان- والإيثار" والتي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بجانب مواقع أخرى ومحطات إذاعية ومجلة "دابق" لنشر تلك الأيديولوجية؛ إذ تشير التقديرات إلى أن التنظيم يمتلك حوالي 46 ألف حساب على موقع تويتر لنشر أخباره؛ يتركز أغلبهم في سوريا والعراق والسعودية.

ويستخدم داعش منصات دعائية أخرى؛ حيث أصدر في عام 2014 تطبيق على نظام أندرويد يسمى "فجر البشائر" تستخدمه حسابات تويتر لنشر التغريدات الخاصة بالتنظيم، فضلا عن استخدام شبكات محلية أخرى مثل "Diaspora Friendica, Quitter, Justpaste, Ask.fm, Soundcloud, and Mixlr"" بعد أن تم غلق حسابات التنظيم على تويتر بقرار من وكالة إنفاذ القانون الأوروبي "Europol".

"صليل الصوارم".. محاكاة التوحش:

لا يعد استخدام الألعاب الإلكترونية في الدعاية النفسية وترويج الأفكار والاستقطاب أمراً جديداً، فعلى سبيل المثال قامت أحد الشركات الأمريكية بإنتاج لعبة تسمي "الخلية المنشقة" (Splinter (Cell وتدور حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما تم إنتاج لعبة تسمي الضربة المضادة (Counter Strike) وتسمح للاعب بممارسة دور مكافح الإرهاب ودور الإرهابي أيضاً وقد تم إعداد هذه اللعبة بهذه الطريقة بناءاً على دراسات نفسية متعمقة.

بينما قام تنظيم القاعدة قي عام 2006 بإنتاج لعبة تسمي "البحث عن بوش" (Quest for Bush) ويقوم فيها اللاعب بقتل الجنود الأمريكيين والقبض على "جورج بوش" وقتله، كما قام "حزب الله" بنشر بعض معتقداته عن طريق ألعاب الفيديو مثل" لعبة قريش" (Quraish)، و"تحت الحصار"(Under Siege).

ويسلط الكاتب الضوء في هذه الدراسة على لعبة "صليل الصوارم" التي يُزعم أنها من إنتاج تنظيم داعش، إلا أن الكاتب أشار ابتداءاً أنه من غير الواضح أيضًا من الذي طوَّرها خاصة في ظل وجود العديد من الروابط لنفس اللعبة.

بيد أنه من المؤكد أن الفيديو التوضيحي التقديمي للعبة لم يتم إنتاجه بواسطة المراكز الإعلامية للتنظيم لأنه يحتوي على موسيقي دعائية وهو ما يتنافى مع العقيدة الداعشية التي تحرِّم الموسيقى والألعاب لكونها تشتت انتباه المؤمنين عن الصلاة والإيمان، ويعني ذلك أن اللعبة تم صنعها بواسطة أنصار داعش وفي الغالب خارج نطاق أقاليم السيطرة الداعشية.

وتعتمد اللعبة على شخص يبدأ بإطلاق النار كما أنه مكتوب على غلاف اللعبة أن المواجهات والمعارك الموجودة باللعبة هى محاكاة لحروب ومعارك التنظيم في الواقع، ومن الواضح أن اسم اللعبة يعبر عن القوة وعدم الخوف والمرونة في أوقات الحروب.  

وليس من شك أن المُستهدف من تلك اللعبة هم الشباب المراهقين الصغير في السن الذين تستهويهم مثل تلك الألعاب كما حدث مع لعبة "نداء الواجب Call of Duty" والتي حققت أعلى المبيعات عالميًا؛ خاصةً أنها تنِّمي لديهم الرغبة في اختبار تلك المشاعر على أرض الواقع وممارسة تجربة حمل السلاح والقتل في الحقيقة وليس في العالم الافتراضي، ومن ثم يمكن القول أن إنتاج لعبة مثل "صليل الصوارم" من شأنه أن يساهم في تجنيد مزيد من الشباب الصغير في صفوف التنظيم.

تحليل التفاعل الإلكتروني:

اعتمدت الدراسة منهج تحليل المضمون في تحليلها لمقاطع الفيديو حول اللعبة والتعليقات الواردة عليها على موقع يوتيوب والذي اختارته لكونه الأكثر نشرًا للفيديوهات المتعلقة بتنظيم داعش، ومن ثم تم اختيار عشرة مقاطع فيديو عن لعبة صليل الصوارم؛ بناءاً على عدد المشاهدات المرتفعة لها، وتم تحليل التعليقات الواردة عليها لفهم نغمة المعلقين في تعبيرهم عن وجهات نظرهم السلبية أو الإيجابية أو المحايدة تجاه اللعبة، وفي هذا الصدد توصلت الدراسة إلى بعض النتائج الهامة يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- بلغ إجمالي عدد المشاهدات للفيديوهات العشرة (286.688 مشاهدة)، وكان أعلى الفيديوهات مشاهدةً فيديو ساخر من داعش واللعبة أعدَّهُ فنان عراقي كوميدي على غرار جون ستيوارت وباسم يوسف؛ حيث وصل إجمالي عدد مشاهداته إلى (119.861 مشاهدة).

2- فيما يتعلق بالفيديوهات التي تتناول التنظيم واللعبة كان عدد الفيديوهات الإيجابية تجاه التنظيم أعلى من نظيرتها السلبية والمحايدة؛ حيث وصفت تلك الفيديوهات الإيجابية التنظيم بأنه "الدولة التي يجب أن تستمر إلى الأبد" أو "الدولة التي تتبع الطريق الصحيح للنبي محمد".

3- بلغ إجمالي عدد التعليقات الواردة على جميع الفيديوهات (397 تعليق) شاملة الردود على التعليقات، وبعد استبعاد الردود الشخصية التي ليس لها علاقة بالموضوع، تم، فعليًا، تحليل (199 تعليق)؛ وقد غلب الاتجاه السلبي بين المتصفحين بنسبة 57.2% تجاه داعش واللعبة؛ حيث تركزت معظم الانتقادات في كون داعش لا يعبر عن الإسلام، كما أشار بعض المتصفحين إلى أن تلك اللعبة هي لعبة أمريكية مشهورة ويمكن لأي شخص لديه خبرة محدودة في البرمجة إجراء تعديلات على اللعبة وحتى شكل الشخصيات الواردة بها. فيما جاءت نسبة 33.6% من التعليقات إيجابية تجاه التنظيم واللعبة، ونسبة 9% محايدة؛ لا تؤيد أي الاتجاهين.

بلغت معدلات الإعجاب بالفيديوهات نسبة 31.5% من إجمالي المشاهدات، فيما جاءت معدلات عدم الإعجاب نسبة 86.5%. وبرغم غلبة التعليقات السلبية ضد داعش إلا أنه ظهر اتجاه بين المتصفحين المؤيدين والمناصرين للتنظيم يؤمنون بضرورة تأييد داعش إلكترونيًا للتعبير عن إخلاصهم للإسلام السُنِّي بزعم أنه يتعرض لهجوم من الشيعة.

ملاحظات ختامية:

ألمحت الدراسة إلى عدد من الملاحظات المحورية تأتي مترتبة على بعضها، تم استنتاجها من خلال نتائج الدراسة، لعلَّ أبرزها: 

1- معظم الردود على التعليقات حملت طابعا طائفيا؛ حيث استخدم المتصفحون نبرة طائفية هجومية على بعضهم البعض؛ بين هؤلاء المهاجمين لداعش والآخرين المدافعين عنه؛ وقد تضمنت تلك النبرة سب ولعنات دينية تجاه بعضهم، بالإضافة إلى ذلك اعتبر المدافعين عن داعش أن أي محاولة للهجوم عليه أو انتقاده هي بمثابة هجوم على الإسلام أو المجتمع السُنِّي بما زاد من تلك النبرة الطائفية في الردود.

2-  لُوحظ أن أنصار تنظيم داعش فاعلين بقوة في الرد على أي انتقادات تُوجه للتنظيم؛ كما أنهم قد يجتمعوا على المعارضين، خاصة الشيعة، بالسب واللعن بهدف إما إجبارهم على ترك تلك المنصة أو منعهم من كتابة التعليقات السلبية.

3- تهدف تلك الطريقة في التعاطي مع التعليقات السلبية ضد داعش إلى كسب أصوات من السُنَّة المعارضين لداعش أو المحايدين؛ خاصةً أن تبادل اللعنات بين السنة والشيعة تكون نتيجتها قيام الشيعة بتوجيه الإهانة للسنة على سبيل المثال بما يستخدمه أنصار داعش كدليل على كراهية الشيعة للسنة وحاجة المسلمين السنة للتنظيم للدفاع عنهم في مواجهة هؤلاء الشيعة.

ختاماً، برغم أن نتائج الدراسة أثبتت أن الغالبية العظمى من التعليقات والإعجابات جاءت ضد تنظيم داعش ولعبة "صليل الصوارم" إلا أن موقع "يوتيوب" مازال أحد المنصات الرئيسية التي ينقل التنظيم من خلاله رسائله للعالم.

ويجدر لفت النظر في هذا السياق إلى أننا في حاجة لمزيد من البحث حول طبيعة التفاعل على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وتويتر، وتحليل التعليقات الواردة عليهما بل وعمل مقابلات إلكترونية مع بعض المستخدمين الذين تفاعلوا مع أنصار داعش لفهم الآثار المحتملة لذلك التفاعل الإلكترونية بالتركيز على عناصر النوع والنقاشات الطائفية والعمر.

المصدر: 

.Ahmed Al-Rawi , Video games, terrorism, and ISIS’s Jihad 3.0, Terrorism and Political Violence Journal, Routledge, Aug 05. 2016