أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رقمنة المياه:

دلالات تصاعد أدوار المُسيّرات البحرية في الشرق الأوسط

12 سبتمبر، 2022


تتزايد أهمية ضمان الأمن البحري في منطقة الشرق الأوسط على تعدد ممراتها الاستراتيجية وموقعها الحيوي على طرق التجارة الدولية، ومن ثم تتزايد بالتبعية أهمية توظيف التكنولوجيا العسكرية لرصد وضمان حركة الملاحة، والتحقق من الأنشطة البحرية المشبوهة، وزيادة الوعي بالمجال البحري، ومجابهة التهديدات الأمنية، والحيلولة دون عرقلة حركة التجارة الدولية. وهذه جميعها أهداف يمكن للمُسيّرات البحرية، على اختلاف أحجامها وطبيعة المهام المُوكلة لها، أن تساهم فيها، وهو ما يُفسر اتجاه عدد من الدول الفاعلة في المنطقة إلى الاعتماد على مثل هذه المُسيّرات لأسباب عدة تتراوح بين تحقيق المكاسب المادية، وحماية الشركاء، وردع الأعداء، وغيرها من أهداف تتعلق بقضايا الأمن البحري في الإقليم.

نشاط ملحوظ:

يتجلى تزايد الاعتماد على المُسيّرات البحرية بمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، في تحركات عدد من دول المنطقة ومن خارجها، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال المؤشرات التالية:


1- مشروع واشنطن لرقمنة المياه الإقليمية: تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط من خلال تعزيز الردع والوعي بالمجال البحري باستخدام الخرائط الذكية والأقمار الصناعية وشاشات المراقبة التفاعلية. كما يُشكل أسطول المُسيّرات البحرية الذي أعلنت عنه واشنطن في مطلع هذا العام، جزءاً لا يتجزأ من مشروع "رقمنة البحار" في الإقليم، إلى جانب الطائرات من دون طيار والمركبات المُسيّرة الغائصة تحت سطح البحر. 

وقد سبق أن أعلن الأسطول الأمريكي الخامس عن إطلاق الولايات المتحدة وحلفاؤها في الإقليم أول قوة مُسيّرة بحرية في العالم، تضم 100 مركبة مُسيّرة فوق سطح البحر بحلول صيف 2023. كما تختبر البحرية الأمريكية مجموعة من المركبات غير المأهولة بهدف تنفيذ عدد من دوريات الحراسة في مياه الشرق الأوسط، وتعزيز قوة الردع في مواجهة إيران، ورصد أي نشاط مزعزع لاستقرار المنطقة لاسيما في الممرات المائية الحيوية.

2- تعاون أمريكي مع الحلفاء لبناء شبكة مُسيّرات بحرية: وفقاً لما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 31 أغسطس 2022، تعمل البحرية الأمريكية مع إسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط لبناء شبكة من المُسيّرات البحرية في إطار سعيها لتقييم نشاط الجيش الإيراني في المنطقة من ناحية، وتقديم نموذج جديد للعمليات في جميع أنحاء العالم من ناحية ثانية. إذ يمكن لتلك المُسيّرات إلى جانب الطائرات من دون طيار أن تُقدم رؤية أفضل لمياه المنطقة. وأكدت البحرية الأمريكية أنها ستحصل على 100 مُسيّرة بحرية صغيرة من دول المنطقة لأغراض الاستطلاع، حيث تزود مقر الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين بالمعلومات، وهو ما وصفه البعض بأنه "ثورة تكنولوجية للزوارق المُسيّرة غير المأهولة بهدف إنشاء شبكة دفاع إقليمية". 

3- تدشين إيران أول وحدة بحرية للطائرات المُسيّرة: بالتزامن مع جولة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في منطقة الشرق الأوسط، في منتصف شهر يوليو الماضي، كشفت البحرية الإيرانية النقاب عن الوحدة البحرية الأولى من حاملات الطائرات المُسيّرة التابعة لها والتي تضم سفناً وغواصات قادرة على نقل كل طرازات الطائرات المُسيّرة من القتالية إلى تلك المخصصة للرصد والتدمير. إذ تتكون أول فرقة حاملة طائرات مُسيّرة في البحرية الإيرانية من سفن ووحدات غواصات يُمكنها حمل جميع أنواع الطائرات المُسيّرة للأغراض القتالية، بجانب مهام الكشف والتدمير. 

كما كشف قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، في 21 أغسطس الماضي، عن أسطول من الطائرات المُسيّرة التابع للقوة البحرية الاستراتيجية للجيش على بعد 2200 كم من حدود البلاد وتحديداً في البحر الأحمر، وهو ما تراه طهران وسيلة لردع الخصوم عن القيام بأي تحركات "عدائية"، وإبقاء خطوطها الملاحية البحرية مفتوحة على الدوام.

4- تطوير تركيا مُسيّرات بحرية: تسلمت القوات البحرية التركية، في 5 أغسطس الماضي، طائرة مُسيّرة مُسلحة جديدة من طراز "آق صونغور" التي تعمل بمحركين محليين الصُنع من إنتاج شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش"، وهي المُسيّرة التي يمكنها نقل حمولة يفوق وزنها 750 كيلو جراماً، والتحليق على ارتفاع 25 ألف قدم لمدة 50 ساعة على حد أقصى. كما تمكنت الصناعات الدفاعية التركية - باستخدام منظومة تحكم واحدة - من تجربة هجوم سرب مكون من زوارق بحرية مُسيّرة مختلفة ضد هدف واحد بمشاركة عدة أنواع من الزوارق المُسيّرة مختلفة التسليح. 

وفي إطار النقلة النوعية التي تشهدها البحرية التركية، تُطور تركيا 5 نسخ لمُسيّرات بحرية حربية؛ هي "أولاق"، و"سانجار"، و"سالفو"، و"ألباتروس"، و"مير"، كي تتيح مساحة أكبر من المناورة من دون أدنى مخاطرة بحياة الطواقم كما في السفن العسكرية التقليدية، وهو ما يجعلها في مصاف عدد من دول العالم التي تُطور برامجاً مماثلة لاسيما وأن كلاً منها يتمتع بمميزات وخصائص عسكرية وتقنية فريدة من نوعها.

دلالات كاشفة:

من شأن تزايد الاعتماد على المُسيّرات البحرية في مياه الشرق الأوسط، أن يُثير جملة من الدلالات، وأبرزها ما يلي:


1- تأكيد الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط: ترجع أهمية منطقة الشرق الأوسط إلى دورها المحوري على صعيد حركة التجارة العالمية والاقتصاد العالمي، خصوصاً مع تدفق إمدادات النفط من الخليج العربي عبر مضيق هرمز من ناحية، واتساع مساحة سواحل المنطقة من ناحية ثانية. وفي ظل هذه الأهمية الاستراتيجية، لا يمكن لأي قوة بحرية مُنفردة أن تُجابه التهديدات البحرية التي تتعرض لها المنطقة. ومن هنا، تتزايد أهمية الاعتماد على المُسيّرات البحرية لتمديد مسافات الاستطلاع باستخدام الأجهزة الحديثة، وتنسيق الجهود مع الشركاء الإقليميين، وكذلك استباق مختلف التهديدات، بالإضافة إلى مراقبة تحركات القطع البحرية المختلفة باستخدام شاشات الفيديو، وتتبع السفن التي تستخدم أجهزة التعقب الإلكترونية.

2- تأمين القطع البحرية في المنطقة: تتعرض القطع البحرية في الشرق الأوسط لجملة من التحديات الاستراتيجية، كان آخرها، على سبيل المثال، إحباط البحرية الأمريكية في 30 أغسطس الماضي محاولة نظيرتها التابعة للحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على مُسيّرة بحرية من طراز "سايلدرون إكسبلورير" (البالغ طولها سبعة أمتار) على الرغم من مهمتها الاستكشافية، إلى أن تخلت إيران عنها في نهاية المطاف في أعقاب نداءات أمريكية عديدة من قِبل الأسطول الخامس الأمريكي (بقيادة براد كوبر) الذي أطلق طائرة مروحية من سرب طائرات الهليكوبتر القتالي البحري 26 ومقره البحرين. وتزامن هذا الحادث مع وصول مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران إلى مرحلة حاسمة. وهذا ما يدلل على ما تتعرض له السفن والمُسيّرات البحرية من تحديات قد تصل إلى حد مصادرتها أو اختطافها بصرف النظر عن طبيعة مهمتها سواء كانت تجارية أو حربية أو استكشافية.

3- تعدد أهداف اللاعبين الرئيسيين: تهدف الولايات المتحدة إلى الوصول للمياه الآمنة والمُستقرة في الشرق الأوسط، ودمج الأنظمة المُسيّرة والذكاء الصناعي في العمليات البحرية للأسطول الخامس بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين، لتحقيق ثورة تكنولوجية في مجال المُسيّرات البحرية العائمة بالمنطقة، إلى جانب تأمين حركة التجارة، ومحاصرة عمليات التهريب، وردع مختلف التهديدات عبر شبكة مترابطة من المركبات المُسيّرة، ومجابهة تهديدات إيران المُتكررة بعرقلة حرية الملاحة عبر مضيق هرمز. 

فيما تهدف تركيا إلى تحقيق نقلة نوعية كبيرة في قوتها العسكرية البحرية، وزيادة نفوذها العسكري والسياسي، وتحقيق عائدات مالية كبيرة من وراء مُسيّراتها البحرية، والدفاع عن مقاتلاتها في أجواء بحر إيجة والبحر المتوسط ضد التهديدات اليونانية، لتُصنف تركيا في طليعة الدول التي تملك قوات بحرية مُجهّزة تكفل لها الدفاع عن مصالحها، بالإضافة إلى حماية تجارتها الخارجية التي تُنقل بحراً.

4- تزايد أهمية المُسيّرات البحرية: يمكن لبعض المُسيرّات البحرية أن تطفو على البحر لمدة تصل إلى 6 أشهر، كما يمكنها تنفيذ مهام متعددة في الوقت نفسه بتكلفة منخفضة نسبياً بالمقارنة بتكلفة الأنظمة البشرية، فضلاً عن إرسال صور مُفصلة وبيانات متناهية الدقة، بجانب الكشف عن مواقع سفن أخرى، وعمليات النقل البحري المشبوهة. ومن المُتوقع الاتجاه وبقوة إلى تسليح المُسيّرات البحرية مستقبلاً، على الرغم من تشكك البعض في إمكانية ذلك بالنظر إلى تداعياته المُحتملة على توازنات القوى الدولية، فيما تتزايد المخاوف من بناء مُسيّرات بحرية أكبر حجماً، ناهيك عن المخاطر التي قد تتعرض لها المُسيّرات الأصغر حجماً.

5- تعزيز التعاون البحري المشترك: لعبت المُسيّرات البحرية دوراً بارزاً في عدد من المناورات الثنائية والجماعية في الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تدريب (IMX22) الدولي في شهر فبراير الماضي، وهو أضخم تمرين بحري عسكري في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ تجاوز عدد الدول التي شاركت فيه 60 دولة، بجانب 9 آلاف فرد، و50 سفينة، وأكثر من 80 نظاماً مُسيّراً من 10 دول مشاركة، وذلك بهدف تعزيز العمل الدولي، ومواجهة التحديات الملاحية، والحفاظ على تدفقات التجارة الدولية. وهناك أيضاً تدريب (Intrinsic Defender) بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مارس 2022 داخل ساحل الأخيرة وخارجه؛ بهدف التدريب على عمليات الأمن البحري، والتخلص من الذخائر المتفجرة، وتكامل الأنظمة غير المأهولة.

ختاماً، لا شك أن مستقبل الأمن البحري في الشرق الأوسط بات في جزء منه رهناً بالمُسيّرات البحرية، لاسيما مع تطوراتها المتعاقبة بعد أن ارتُهن سلفاً بحاملات الطائرات والبوارج الضخمة. ومع ذلك، يمكن القول إن تلك المُسيّرات البحرية لم تتعرض بعد لاختبار حقيقي، وهو ما قد يحدث حال استهداف إحداها أو توافر معلومات استخبارية تتطلب اتخاذ إجراء عاجل مثل اكتشاف عملية تهريب سلاح أو مخدرات أو بشر، أو حدوث أمر طارئ يستوجب استجابة جماعية.