نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا حول الأدوار المختلفة للمعابر الحدودية فى الشرق الأوسط وقت الصراعات... جاء فيه ما يلى.
تقوم المعابر الحدودية، التى يتم من خلالها نقل الأفراد وتبادل التجارة، فى بؤر الصراعات المسلحة فى الشرق الأوسط، بالعديد من المهام وأبرزها درء التهديدات الأمنية القادمة عبر الحدود الرخوة، وتعزيز الاستقرار فى مناطق النفوذ المنقسمة بين أطراف مختلفة، وزيادة الإيرادات المتحصلة من المرور عبرها، وتأمين موارد هامة لشبكات التهريب بما جعلها أقرب إلى «اقتصاد الظل»، واحتواء نسبى لتداعيات كوفيدــ19 بعد انتشارها فى أوساط العاملين فى تلك المعابر، والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية لدى قاطنى نقاط الاشتعال، وتوظيف القوى الإقليمية والدولية ورقة المعابر كمساومة فى مواجهة قوى أخرى.
وتشير تفاعلات الشرق الأوسط إلى محورية الأدوار التى تقوم بها المعابر داخل الدولة الواحدة مثل سوريا، أو بين الدول على غرار القائمة بين ليبيا والجزائر، ولبنان وسوريا، ومصر وقطاع غزة، وسوريا والعراق، والعراق وتركيا، وتركيا وسوريا، وغيرها، خلال النصف الأول من عام 2021، على نحو ما تعكسه الأبعاد التالية:
الجوار الرخو
درء التهديدات القادمة عبر الحدود الرخوة؛ فالتحكم فى حركة الدخول والخروج من المعابر يشكل ضرورة لدى الجهة المتحكمة فيها لضبط الأمن. فقد أعلن وزير الخارجية الجزائرى صبرى بوقادوم، خلال مؤتمر عقده مع وزير الاقتصاد والتجارة الليبى، فى 29 مايو الفائت، عن إطلاق ترتيبات لوجستية وفنية لإعادة فتح المعبر الحدودى المشترك مع ليبيا، إذ تم إغلاقه لأسباب أمنية بعد انهيار نظام القذافى، بما جعل الجزائر أكثر دول شمال أفريقيا تضررا من تسرب الأسلحة الليبية وتسلل الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية وخاصة تلك العاملة فى تجارة المخدرات. وتوازى مع ذلك استكمال المحادثات بين الجانبين لإعادة فتح الخط البحرى، الرابط بين طرابلس والعاصمة الجزائر لاستخدامه فى مجال نقل السلع والبضائع.
كما وجه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، فى 10 يونيو الجارى، بضبط حدود بلاده مع سوريا، لمنع تسلل الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية إلى العراق، وهو ما يتفق مع تحليلات وتقديرات استخباراتية عراقية سائدة تشير إلى أنه غالبا ما كانت الحدود السورية، منذ مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، نقطة الانطلاق المفضلة للعناصر المتطرفة للتسلل والدخول إلى العراق، لدرجة أن السلطات الأمنية فى بغداد اتهمت خلال عامى (2005ــ2007) النظام السورى بتسهيل دخول تلك العناصر.
وقد تزامنت توجيهات الكاظمى لأجهزة الأمن واستخبارات الحدود العراقية مع الذكرى السابعة لصعود تنظيم «داعش» وسيطرته على نحو ثُلث الأراضى العراقية. ورغم سقوط مشروع التنظيم، إلا أن تهديد «داعش» لايزال قائما، على نحو ما تعكسه العمليات الإرهابية التى قام بها ضد قوات الجيش والأمن والحشد الشعبى خلال الأشهر الماضية، الأمر الذى يفسر التأمين الحدودى السورى ــ العراقى بالكاميرات الحرارية وأجهزة الطاقة وتعزيز الوجود الأمنى، وفقا لما صرح به اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة.
ترسيخ السيطرة
تعزيز الاستقرار فى مناطق النفوذ؛ تشير أوضاع المعابر فى الحالة السورية إلى جهود مستمرة لتطويرها من قبل الأطراف المعنية فى مراحل مختلفة للصراع منذ بدايته فى عام 2011 وحتى عام 2021، مثلما كانت بين مناطق النظام والمعارضة المسلحة، ثم شملت فى مرحلة لاحقة مناطق «داعش» و«وحدات حماية الشعب الكردية» التى صارت مناطق الإدارة الذاتية الكردية والتى تحميها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الذاتية للأكراد تدفع دائما فى اتجاه الإبقاء على تماسك الدولة السورية القائمة على اللامركزية، الأمر الذى يفسر تزايد المعابر بين مناطق نفوذ النظام السورى ومناطق سيطرة الأكراد فى شمال شرق سوريا. ويعد من أبرز المعابر الواصلة بين النظام السورى وميليشيا «قسد» معبرا «التايهة» (جنوب غرب مدينة منبج) و«الهورة» (شرق مدينة الطبقة)، ويحصل النظام عبرهما على المحروقات، الأمر الذى يعكس أهميتهما لـ«قسد»، إذ يمكن الضغط على النظام من خلالهما.
رسوم العبور
زيادة الإيرادات المتحصلة من المرور عبرها؛ قد تكون أدوار المعابر مرتبطة بالحصول على موارد للدخل للجهة المسيطرة عليها أكثر منها ضبط الأمن، حيث يتم تحصيل رسوم عبور للأفراد والسلع والشاحنات والسيارات من جانب الطرفين، وهو ما يبدو جليا فى المعابر فى العديد من المناطق السورية. وهنا، تشير بعض الكتابات إلى إغلاق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فى نهاية مايو الفائت، المناطق الواصلة مع سيطرة النظام السورى، نظرا لتصاعد الصراع الروسى ــ الإيرانى على جنى الإيرادات المالية من المعابر.
اقتصاد الظل
تأمين موارد هامة لشبكات التهريب؛ تتعدد المعابر التى يتم فتحها أو إغلاقها، وفقا لرغبات الأطراف المتحكمة فيها، بحيث تدخل وتخرج منها المبادلات التجارية غير الرسمية، الأمر الذى يمكن ملاحظته فى حالات عربية مختلفة وخاصة الحالة السورية. وفى هذا السياق، تشير بعض الكتابات إلى معبر «عودن الدادات» بين مناطق «قسد» والمعارضة المسلحة فى سوريا والذى يتم عبره دخول المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وقطع غيار السيارات والملابس، وغيرها من السلع التى تحظى بأهمية لدى الطرفين.
أثر كورونا
احتواء نسبى لتداعيات كوفيدــ19؛ قررت وزارة الداخلية الأردنية، فى بيان بتاريخ 3 مايو الفائت، إعادة فتح معبرين بريين حدوديين مع السعودية (العمرى) وسوريا (حدود) أمام المسافرين بعد نحو تسعة أشهر من إغلاقهما بسبب جائحة كوفيدــ19، وذلك بواقع 200 شخص يوميا للأول، و1501 شخص يوميا للثانى، وذلك وفقا للشروط الصحية المعتمدة لاسيما بعد تراجع الإصابات بكورونا.
بوابة المساعدات
التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية لدى قاطنى/ات نقاط الاشتعال؛ وهو ما ينطبق على سكان قطاع غزة، حيث قامت مصر، فى مايو الفائت، بفتح معبر رفح لإدخال مساعدات غذائية ودوائية وعلاج جرحى الشعب الفلسطينى بعد المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فى الشهر نفسه. وفى سياق متصل، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفلد يوم 4 يونيو الجارى، أن إغلاق معبر حدودى (معبر باب الهوى) تمر عبره مساعدات إنسانية إلى سوريا يمكن أن يتسبب فى «قسوة لا معنى لها» لملايين السوريين والسوريات، وجددت دعوة مجلس الأمن الدولى إلى تمديد الإذن بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة السماح بوصول الأمم المتحدة إلى باب الهوى، وإعادة فتح المعابر الحدودية الأخرى قبل انتهاء التفويض الحالى الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتسليم المساعدات الإنسانية فى 10 يوليو المقبل. وقالت ليندا توماس غرينفلد: «ندعو باقى أعضاء مجلس الأمن لتجديد هذا التفويض حتى نتمكن من وقف المعاناة ومساعدة من هم فى أمس الحاجة إليها. نريد من الأمم المتحدة توفير الغذاء للأطفال الجائعين وحماية الأسر المشردة. نريد أن تكون الأمم المتحدة قادرة على تقديم اللقاحات وسط جائحة عالمية». وهنا، أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عن نحو 240 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لدعم الشعب السورى والدول التى تستضيف لاجئى/ات سوريا.
مقايضات دولية
توظيف القوى الإقليمية والدولية ورقة المعابر لمساومة أطراف أخرى؛ كانت سوريا، بمعابرها الحدودية وممراتها الداخلية، حاضرة على أجندة اللقاءات التى جمعت بين الرئيس الأمريكى جو بايدن والروسى فلاديمير بوتين والتركى رجب طيب أردوغان فى بروكسل وجنيف فى 14 و16 يونيو الجارى. وقد يبدو الموضوع مرتبطا ظاهريا بضرورة إغاثة الشعب السورى لاسيما مع اقتراب انتهاء صلاحية قرار إيصال المساعدات عبر الحدود فى 10 يوليو المقبل، غير أن ملف المعابر يعكس صراعا جيوسياسيا بين واشنطن وموسكو وأنقرة.
ففى الوقت الذى تركز إدارة بايدن على تعزيز إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، مع تراجع اهتمامها بالملفين السياسى والعسكرى، تحاول موسكو الربط بين ملفى المعابر الحدودية والممرات التى تربط بين مناطق النفوذ الثلاث داخل سوريا للضغط على الخصوم عبر فتح ما يطلق عليه «شرايين سوريا الاقتصادية»، والحد من الضغوط المفروضة من بعض العواصم الدولية التى ترهن فك العزلة عن دمشق وإعادة الإعمار بحدوث تقدم فى العملية السياسية.
فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية ممارسة إدارة بايدن ضغوطا على موسكو للاستمرار فى إدخال المساعدات إلى شمال سوريا وفتح المزيد من المنافذ للغرض نفسه. ولعل ذلك يفسر زيارة السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفلد إلى تركيا ومناطق المخيمات على الحدود السورية، وهو ما يتزامن مع مطالبة الإدارة الذاتية باريس بزيادة الدعم الإنسانى للاجئين/ات فى شمال شرقى سوريا، وخاصة فى قطاعى الصحة والتعليم.
خلاصة القول، إن ما يجرى على مداخل ومخارج المعابر الحدودية وبشكل خاص فى بؤر الصراعات المسلحة فى الشرق الأوسط يمثل مرآة عاكسة لما يجرى فى الإقليم.
*المصدر: صحيفة الشروق