أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

بدائل مقترحة:

إعادة تقييم سياسات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي

31 أكتوبر، 2023


عرض: منى أسامة

يُعد نمط الهجرة إلى القارة الأوروبية هو المفضل للكثير من الشعوب المجاورة للقارة، ولاسيما في أوقات الحروب والنزاعات. وفي عام 2015، شهد العالم بداية أزمة غير مسبوقة سُميت بأزمة المهاجرين إلى أوروبا، إذ قام أكثر من مليون شخص (نصفهم من السوريين) بالهروب إلى الشواطئ الأوروبية، وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة. ووصل غالبية المهاجرين إلى أوروبا بطرق غير مشروعة، مما تسبب في فقدان وغرق الكثير منهم.

 وتواجه القارة الأوروبية حالياً طفرة جديدة من الهجرة غير الشرعية. ففي عام 2022، تضاعف عدد الوافدين إلى إيطاليا بأكثر من 10 مرات مما كان عليه في عام 2019، مع دخول أكثر من 138 ألف مهاجر غير شرعي إلى البلاد عن طريق البحر. ومع ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، كان على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في نهجه مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد، وأيضاً في استراتيجيات التعاون الدولي في شؤون الهجرة من أجل إيجاد حلول فعّالة ومفيدة لجميع الأطراف والتحكم في تدفقات الهجرة غير الشرعية. 

وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق رسمي، فإن الموقف التفاوضي الذي وافق عليه وزراء الداخلية السبعة والعشرون في مجلس الاتحاد الأوروبي في يونيو 2023، يعني ضمناً اتباع نهج أكثر تقييداً ضد أولئك الذين يدخلون الأراضي الأوروبية بشكل غير قانوني. من هنا، تكمن أهمية الورقة البحثية لمعهد الدراسات السياسية الدولية في إيطاليا (ISPI)، والمعنونة بـ"تكسير في الشقوق؟ إعادة تقييم سياسات الهجرة الخارجية إلى الاتحاد الأوروبي". إذ يقدم الباحثان ماتيو فيلا وفابيو داجوانو عبر الورقة لمحة عامة عن الحلول المختلفة التي تمت تجربتها خلال السنوات الماضية، مع تسليط الضوء على آثارها وخلافاتها، واستكشاف الخيارات المتاحة للمستقبل.

محفزات ومبادرات:

في عام 2011، شهدت بعض دول الشرق الأوسط عدداً من الاحتجاجات بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها، ولكن ترتب على هذه الاحتجاجات اضطراب سياسي واسع وهشاشة اقتصادية دفعت أعداداً كبيرة من مواطني تلك الدول إلى الفرار من دولهم الأصلية إلى القارة الأوروبية بأعداد غير مسبوقة، وازداد الأمر صعوبة على الاتحاد مع أزمة اللاجئين السوريين عام 2015.

وتسببت هذه الحركة الكبيرة المفاجئة في وضع الاتحاد الأوروبي تحت ضغط شديد من حيث التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء. علاوة على ذلك، أنتجت أزمة الهجرة توترات بين دول الاتحاد الأوروبي ذاتها، ولاسيما بين دول الوصول أو دول الاستقبال الأولي مثل: إيطاليا ومالطا واليونان، ودول الوجهات النهائية للمهاجرين مثل: ألمانيا والسويد. هذه الخلافات أثارت تساؤلاً حول جدوى القواعد الأساسية في بنية الاتحاد الأوروبي مثل، اتفاقية شينغن لحرية التنقل عبر الدول الأوروبية أو لائحة دبلن، والتي تتعلق بـاتفاق بين الدول الأوروبية على تلقي طلبات اللجوء ومعالجتها.

في هذا السياق، كان نهج الاتحاد الأوروبي يتمحور حول الحد من عدد الوافدين من خلال صفقات ثنائية مثل، خطة العمل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس 2016، والتي تهدف إلى الحد من عدد طالبي اللجوء الوافدين إلى أوروبا عبر طريق شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تضمنت تلك الخطة إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون دخول اليونان إلى تركيا. وفي فبراير 2017، وقعت الحكومة الإيطالية مذكرة تفاهم بشأن الهجرة مع الحكومة الليبية وتحت رعاية الاتحاد الأوروبي، إذ تضمنت تزويد خفر السواحل الليبي بالدعم المالي والفني من أجل تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على المراقبة البحرية من ناحية، ومتابعة المليشيات الليبية المتورطة في تهريب البشر من ناحية أخرى. 

وإلى جانب ليبيا، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى التنسيق مع النيجر من أجل إحباط الهجرة غير الشرعية على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط. حيث تُعد النيجر مركزاً للراغبين في الهجرة شمالاً. ومن ثم، كان اعتماد قانون 36 لسنة 2015 في النيجر نقطة تحول في استراتيجية التعاون الدولي من أجل مكافحة تهريب المهاجرين، علاوةً على إنشاء صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني للطوارئ من أجل إفريقيا (EUTF) في عام 2015.

تقييم الوضع الحالي:

وبناءً على الجهود الدولية، انخفض عدد الأشخاص الذين يحاولون مغادرة إفريقيا بطرق غير شرعية، لكن ذلك الانخفاض كان على المدى القصير، كما أنه لم يقض على الظاهرة، فتدفقات الهجرة عبر تركيا وليبيا لم تتوقف إلى الآن، بل ظهرت طرق عبور جديدة للمهاجرين أبرزها تونس.

فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023، تحرك 51% من المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا من تونس، في مقابل 45% فقط من ليبيا. علاوة على ذلك، انخفضت نسبة المهاجرين غير الشرعيين الذين تم اعتراضهم إلى 23%، أي أقل من نصف متوسط الفترة (2018-2021). أي لم يمنع الاتفاق مع المليشيات الليبية استمرار الهجرة غير الشرعية أو حتى ظهور سوق للمهربين في تونس. 

مع العلم أن أكثر من نصف المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر تونس مواطنون من ساحل العاج (28%) أو غينيا (23%)، أو تونس (13%) من إجمالي المهاجرين؛ ما يعني أن الجزء الأكبر من المهاجرين يأتي من دول بالقرب من نقاط المغادرة في شمال إفريقيا (مثل تونس أو مصر).

ويرى الباحثان أنه على الاتحاد الأوروبي اعتماد سياسات واسعة النطاق تشمل شركاء خارجيين متعددين سواءً من الدول الأصلية للمهاجرين الفعليين أم المحتملين. ولاسيما مع توقعات ارتفاع معدلات الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات المقبلة لأسباب عدة مثل الهجرة الناجمة عن تغير المناخ "الهجرة المناخية".

ويضيف الباحثان أن أي نظام استقبال مهاجرين يتم اقتراحه لا بد وأن يتضمن آلية فعالة لعودة المهاجرين (خاصة غير الشرعيين) إلى أوطانهم، وهو حق مكفول للدولة المستقبلة من حيث المبدأ، لافتين إلى أن عدم الحسم الأوروبي في هذا الأمر يشجع قدوم مزيد من الوافدين غير الشرعيين. فبين عامي 2015 و2019، تمت إعادة 19% فقط من الوافدين من خارج الاتحاد الأوروبي الذين تلقوا أوامر بمغادرة أوروبا. 

ولا بد من الأخذ في الاعتبار وجود احتمالية لعدم رغبة الدول الأصلية في التعاون مع الدول المستقبلة استناداً إلى حسابات العائد والتكلفة، إذ إن قبول عودة المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا قد يعني انخفاض التحويلات المالية من الخارج، وزيادة المخاطر الأمنية. ولذلك تبدو دول البلقان وأوروبا الشرقية في المقابل أكثر استعداداً للتعاون مع الاتحاد الأوروبي وقبول العائدين، لأن لديها مصلحة واضحة في الحفاظ على علاقات دبلوماسية جيدة مع أوروبا للحصول على فوائد سياسية واقتصادية. وعليه، يمكن أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجاً يركز على المشروطية مع الدول الأصلية الرافضة للتعاون، ويجعل العودة شرطاً لتلقي أنواع مختلفة من الدعم على سبيل المثال.

مزج الهجرة والتنمية:

في هذا السياق، يشير الباحثان إلى "الأداة الأوروبيّة للجوار والتّنمية والتّعاون الدّولي NDICI"، وهي مزيج بين توفير المساعدات والتعاون بشأن الهجرة. فعن طريقها، وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 79.5 مليار يورو لدول ثالثة في الفترة من 2021 إلى 2027، على أن يكون 10% من الحزمة المالية لمعالجة قضايا الهجرة والنزوح القسري. 

مع ذلك، يتعارض هذا البديل مع مبدأ حرية الدول النامية في تخصيص الأموال المتلقية كيفما تشاء، كما أن العائد من تحويلات المهاجرين قد يفوق حجماً المساعدات الأوروبية ما يقلل من رغبة الدول الأصل للتعاون. فعلى سبيل المثال، بلغت التحويلات المالية من فرنسا وألمانيا وإيطاليا في عام 2018 إلى المغرب 1.2 مليار يورو، في حين تلقى المغرب في نفس العام 148 مليون يورو من الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي من أجل إفريقيا و182 مليون يورو دعماً للتنمية الشاملة من الاتحاد الأوروبي. 

بدائل مقترحة:

على مدى السنوات القليلة الماضية، قام الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق نهجه تجاه الشركاء الخارجيين واستكشف خيارات جديدة ومتنوعة فيما يتعلق بالهجرة، وفيما يلي ثلاثة بدائل يمكن تضمينها في الاستراتيجية الأوروبية لشؤون الهجرة:

1) المشروطية السلبية: أي استخدام العقوبات كوسيلة ضغط على الشركاء الخارجيين لتشجيع الامتثال، ويعني تعرض الدول الثالثة غير المتعاونة للضغوط من خلال التهديد أو التبني المباشر لمختلف التدابير السياسية. كاستخدام سياسة التأشيرات كوسيلة ضغط، بالمعنى الإيجابي والسلبي، وذلك من أجل زيادة احتمال تعاون الدولة الأصل في إعادة قبول مواطنيها. 

2) المشروطية الإيجابية: أي توفير الحوافز للدول الثالثة مثل، آلية (NDICI) التي تتعلق بالتنمية، ولكنها تتضمن جزءاً من إدارة الهجرة وكذلك الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي من أجل إفريقيا (EUTF). وتتطلب مثل هذه السياسات فحصاً عميقاً للتوازن بين الحراك البشري في الأمد القريب والتنمية في الأمد البعيد، فضلاً عن النظر المتأني في تداعياتها الأخلاقية، وآلياتها التنظيمية.

3) سبل الهجرة القانونية: يجب أن تكون الهجرة القانونية هي الركيزة الأولى في أي نظام هجرة فعال. فسوق العمل في الاتحاد الأوروبي ما زالت تعاني من نقص في المهارات في العديد من القطاعات، وفي الوقت نفسه يمكن للعمال من البلدان الإفريقية سد هذه الفجوة. وبالتالي الأزمة ليست في الهجرة بشكل عام، ولكن في الهجرة غير الشرعية.

ولمواجهة الزيادات المفاجئة في أعداد الوافدين غير الشرعيين وطلبات اللجوء، اهتمت المفوضية الأوروبية بربط مقترحاتها بشأن تعديل نظام الهجرة بمقترحات تعزيز الهجرة النظامية، وكان آخرها حزمة الإصلاح الرئيسية للميثاق الجديد بشأن الهجرة في سبتمبر 2020. وفي عام 2022، اقترحت المفوضية إصلاح توجيه التصريح الفردي، وهو أداة يعود تاريخها إلى عام 2011. ويُعد الاقتراح جزءاً من حزمة "المهارات والمواهب" التي تعالج أوجه القصور في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة القانونية، ويهدف إلى جذب المهارات والمواهب التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي من الخارج. 

ختاماً، يؤكد الباحثان ضرورة السماح للاتحاد الأوروبي ككل بالتفاوض على قدم المساواة مع دول الأصل، مع فتح مزيد من السبل القانونية للعمل في دول الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يوفر للاتحاد الأوروبي الوسيلة الصحيحة لمطالبة دول الأصل بالامتثال لواجبها المتمثل في إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين يقيمون في أوروبا. فالمفاوضات بشأن مجال الهجرة تقدم أفضل وجهات النظر للدول من أجل تعزيز فعالية سياسات الهجرة الخارجية القانونية للاتحاد الأوروبي.

المصدر:

Matteo Villa and Fabio D’Aguanno. Cracking at the Seams? Reassessing the EU’s External Migration Policies, ispi, Policy Paper. 2023.