أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

استجابات حكومية:

تأثيرات أزمة كورونا على أسواق العمل في العالم

06 مايو، 2020


عرض: فردوس محمد - باحثة اقتصادية 

كان لقرارات الإغلاق في أعقاب جائحة (كوفيد-١٩)، وما يرتبط بها من تعطل الأعمال وقيود السفر وإغلاق المدارس وتدابير الاحتواء الأخرى؛ آثار مفاجئة وجسيمة على العمال والمؤسسات، حيث تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن عمليات الإغلاق في أماكن العمل قد زادت بسرعة كبيرة في الأسابيع الأخيرة، بحيث يعيش ٨١٪ من القوى العاملة العالمية في الدول التي تم إغلاقها بشكل إلزامي أو موصى به.

وفي هذا الصدد، حاولت منظمة العمل الدولية في تحليل بعنوان "الإصدار الثاني لمرصد منظمة العمل الدولية: أزمة كوفيد–19 وعالم العمل"، نُشِر في إبريل 2020؛ تحديد تأثير الجائحة على العمالة والقطاعات الأكثر عرضة للخطر، وتأثيرها على العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، والسياسات التي يجب على الدول اتخاذها من أجل الحد من التأثير السلبي لها على عالم العمل.

تأثيرات عدة

يرى التحليل أن جائحة (كوفيد–١٩) تؤثر على القوى العاملة في العالم والتي تبلغ ٣,٣ مليارات فرد، حيث تتسبب التخفيضات الحادة غير المتوقعة في النشاط الاقتصادي في انخفاض كبير في التوظيف، سواء من حيث عدد الوظائف أو ساعات العمل الإجمالية. فمع تزايد عدد عمليات الإغلاق الجزئي أو الكلي التي تُقيد الأعمال وحركة الغالبية العظمى من العمال، أصبح من المستحيل بالنسبة للكثيرين العمل. إلى جانب ذلك، عانى معظم العمال من تغييرات جذرية في أساليب عملهم. فقد أثرت الجائحة بشدة على عديد من أنشطة قطاع الخدمات (الإقامة والخدمات الغذائية، وتجارة التجزئة، وما إلى ذلك)، بينما يعاني التصنيع من اضطرابات على طول سلاسل التوريد (مثل قطاع السيارات) وانخفاضات حادة في الطلب على السلع.

وللتعرف على السمات الحالية لأزمة (كوفيد-١٩) بشكل أكثر دقة تم تعديل منهجية منظمة العمل الدولية لإعداد التقديرات العالمية لتقديم أرقام محدثة عن تأثيراتها على سوق العمل. وتستند أحدث التقديرات على البيانات الاقتصادية وبيانات سوق العمل في الوقت الفعلي للتنبؤ بالخسارة في ساعات العمل في الربع الثاني من عام ٢٠٢٠ (على أساس البيانات المتاحة في ١ أبريل).

تُظهر التقديرات العالمية أن الأزمة تُسبب انخفاضًا غير مسبوق في النشاط الاقتصادي ووقت العمل. فاعتبارًا من ١ أبريل ٢٠٢٠، تُشير التقديرات إلى أن ساعات العمل ستنخفض في الربع الحالي (الربع الثاني) بنحو ٦.٧٪، وهو ما يعادل ١٩٥ مليون عامل بدوام كامل (بافتراض ٤٨ ساعة عمل أسبوعيًّا). وهذا يعني أن العديد من هؤلاء العمال سيواجهون خسارة في الدخل وفقر أعمق حتى لو أمكن العثور على أنشطة بديلة (مثل العودة إلى الزراعة في المناطق الريفية). ومن المتوقع حدوث أكبر انخفاض في الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، ولكن التأثير قابل للتفاوت عبر جميع فئات الدخل.

ويشير التحليل إلى أن الارتفاع النهائي في البطالة العالمية خلال عام ٢٠٢٠ سيعتمد بشكل كبير على مدى سرعة تعافي الاقتصاد في النصف الثاني من هذا العام. وهناك خطر كبير من أن الزيادة في العدد العالمي للعاطلين عن العمل في نهاية العام ستكون أعلى بكثير من التقدير الأوّلي (٢٥ مليون) في أول تقرير لمنظمة العمل الدولية. ومن المرجح أيضًا أن تكون خسائر الإنتاج للعديد من الشركات مدمرة وطويلة الأمد، خاصةً في الدول النامية، حيث يتم تقييد الحيز المالي للتحفيز الاقتصادي.

القطاعات الأكثر تضررًا

يُشير التحليل إلى أن الأفراد الأكثر عرضة للخطر هم أولئك الذين لا يزالون يعملون، وخاصًة في قطاع الصحة، فهم يحاربون الفيروس، ويحرصون على تلبية احتياجات الناس الأساسية. على الصعيد العالمي، هناك ١٣٦ مليون عامل في أنشطة الصحة والعمل الاجتماعي، بما في ذلك الممرضات والأطباء وغيرهم من العاملين في قطاع الصحة وفي مرافق الرعاية السكنية والأخصائيين الاجتماعيين، بالإضافة إلى عمال الدعم مثل موظفي الغسيل والتنظيف الذين يواجهون مخاطر كبيرة في مكان العمل. وتشغل النساء حوالي ٧٠٪ من تلك الوظائف في هذا القطاع.

واستنادًا إلى البيانات الاقتصادية والمالية في الوقت الفعلي، يمكن تقييم تأثير الأزمة على الناتج الاقتصادي على المستوى القطاعي، حيث يمكن تحديد عدد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية على أنها تعاني من انخفاض حاد في الناتج، بما في ذلك السكن والخدمات الغذائية والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة والعقارات والأنشطة التجارية. فتعد تلك القطاعات كثيفة العمالة، وتوظف الملايين من العمال ذوي الأجور المتدنية والمهارات المنخفضة في كثير من الأحيان. وتوظف تلك القطاعات ١.٢٥ مليار عامل حول العالم، يمثلون حوالي ٣٨٪ من القوى العاملة العالمية. 

يرى التحليل أن عمال قطاع تجارة الجملة والتجزئة من بين القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا، الذين عادة ما يتقاضون أجورًا منخفضة وغير محمية. فقد يستمر العمل في هذا القطاع والذي يشمل أنشطة تعتبر ضرورية (مثل توزيع الطعام) لكنهم يواجهون مخاطر صحية أكبر. بينما يواجه العمال في الشركات غير الضرورية عمليات إغلاق واسعة النطاق وتخفيضات حادة في التوظيف وساعات العمل.

ويُشير التحليل إلى تأثر قطاع الإقامة والخدمات الغذائية تأثرًا شديدًا، حيث يعمل به حوالي ١٤٤ مليون عامل. ويعاني هذا القطاع من إغلاق شبه كامل في بعض الدول، وتراجع حاد في الطلب في الحالات التي يمكن أن يستمر فيها العمل. ويُعد أكثر من نصف هؤلاء العمال من النساء. كما تضرر قطاع التصنيع الذي يعمل فيه ٤٦٣ مليون عامل بشدة في بعض الشرائح، حيث طُلب من العمال البقاء في المنزل وإغلاق المصانع وتوقف سلاسل التوريد العالمية. فإجراءات الحجر الصحي، وإغلاق متاجر البيع بالتجزئة، والطلبات الملغاة، وخفض الرواتب؛ تعمل على كبح الطلب في الصناعات الرئيسية (مثل: السيارات، والمنسوجات، والملابس، والجلود والأحذية).

في حين تمثل صناعة النقل والتخزين والاتصالات ٢٠٤ ملايين وظيفة حول العالم، بما في ذلك طيارو الخطوط الجوية، وأفراد الطاقم، والسائقون، وعمال البريد، وغيرهم من عمال التوصيل، وكذلك الأشخاص الذين يعملون في المستودعات التي تدعم النقل وسلاسل التوريد العالمية. في حين أن بعض هؤلاء العمال يتأثرون سلبًا (على سبيل المثال أولئك في صناعة الطيران)، ويستمر آخرون في تلبية الطلب المتزايد على البيع بالتجزئة عبر الإنترنت.

ويرى التحليل أنه على الرغم من أن التأثير الاقتصادي لم يُلاحَظ بعد في قطاع الزراعة، وهو القطاع الأكبر في معظم الدول النامية؛ إلا أن مخاطر انعدام الأمن الغذائي آخذة في الظهور بسبب تدابير الاحتواء. وبمرور الوقت قد يتأثر العمال في هذا القطاع بشكل متزايد، خاصًة إذا انتشر الفيروس بشكل أكبر في المناطق الريفية.

ويُظهر التحليل القطاعي تراوح حصة العمالة في القطاعات المعرضة للخطر من ٢٦.٤٪ في إفريقيا إلى ٤٣.٢٪ في الأمريكتين. وأن جميع القطاعات أو جميع العمال لن يتأثروا على قدم المساواة. فأكثر الأشخاص تأثرًا هم العمال ذوو الأجور المتدنية بالفعل ولديهم وصول أقل إلى تغطية الحماية الاجتماعية.

العاملون في الاقتصاد غير الرسمي

يشير التحليل إلى أن حوالي ٢ مليار شخص يعملون بشكل غير رسمي، معظمهم في الاقتصاديات الناشئة والنامية. ويُساهم الاقتصاد غير الرسمي في الوظائف والدخل وسبل العيش، ويلعب دورًا اقتصاديًّا رئيسيًّا في العديد من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. ومع ذلك، يفتقر عمال الاقتصاد غير الرسمي إلى الحماية الأساسية التي توفرها الوظائف الرسمية عادة، بما في ذلك تغطية الحماية الاجتماعية. كما أنهم محرومون أيضًا من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وليس لديهم بديل للدخل إذا توقفوا عن العمل. كما يميل العمال غير الرسميين في المناطق الحضرية إلى العمل في القطاعات الاقتصادية التي لا تنطوي فقط على مخاطر عالية للإصابة بالفيروس ولكن لا تتأثر أيضًا بشكل مباشر بتدابير الإغلاق؛ وهذا يتعلق بإعادة تدوير النفايات والباعة الجائلين وعمال البناء وعمال النقل.

يرى التحليل أن أزمة (كوفيد-١٩) تؤثر بالفعل على عشرات الملايين من العمال غير الرسميين. ففي الهند ونيجيريا والبرازيل، تأثر عدد العاملين في الاقتصاد غير الرسمي عن طريق الإغلاق وتدابير الاحتواء الأخرى. ففي الهند، يتعرض حوالي ٤٠٠ مليون عامل في الاقتصاد غير الرسمي لخطر الوقوع في عمق الفقر خلال الأزمة. وقد أثرت إجراءات الإغلاق الحالية في الهند على هؤلاء العمال بشكل كبير، مما أجبر العديد منهم على العودة إلى المناطق الريفية.

ركائز الاستجابة

أكد تحليلُ منظمة العمل الدولية على ضرورة أن تركز الاستجابة السياسية لأزمة (كوفيد-١٩) على أربع ركائز أسياسية، هي: تحفيز الاقتصاد والعمالة، ودعم الشركات والوظائف والدخل، وحماية العمال في مكان العمل، وأخيرًا الاعتماد على الحوار الاجتماعي من أجل التوصل إلى حلول للأزمة الراهنة.

ويشير التحليل إلى ضرورة الدعم الفوري للقطاعات والفئات السكانية الأكثر تأثرًا، وخاصًة المؤسسات والعمال في الاقتصاد غير الرسمي. فهناك حاجة إلى تدابير محددة وموجّهة في الدول ذات المستويات غير الرسمية العالية بما في ذلك التحويلات النقدية لدعم أولئك الأكثر تأثرًا بإغلاق الإنتاج وإعادة توظيفه لتوفير فرص عمل بديلة. ويجب استكمال ذلك بجهود كبيرة لضمان الإمداد الكافي من المواد الغذائية وغيرها من الضروريات. 

ويؤكد التقرير أن هناك حاجة إلى بذل الجهود لدعم العمال الرسميين والشركات لضمان عدم العودة إلى الطابع غير الرسمي نتيجة الأزمة وتآكل المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة. ومن المهم ضمان استخدام الموارد العامة لدعم العمالة والدخل للعمال. لذلك يمكن تقديم الدعم المالي وغير المالي بشكل استراتيجي لتشجيع الشركات على البقاء و/أو خلق وظائف.

ويتطلب ذلك تدابير على مستوى الاقتصاد تكون موجهة إلى النظر في الظروف الوطنية، بما في ذلك هيكل الاقتصاد واتجاهات عدم المساواة القائمة ومؤسسات سوق العمل التي يمكن أن تقدم السياسات على أفضل وجه. 

يرى التحليل أن هناك استجابة سياسية سريعة وكبيرة تاريخيًّا. فكما شهدنا حول العالم، تتخذ الحكومات بالفعل إجراءات غير مسبوقة استجابًة لأزمة غير مسبوقة، حيث أعلنت معظم الاقتصادات المتقدمة عن تدابير استثنائية لملء الانخفاض المؤقت في الدخل والطلب الكلي لضمان مستويات كافية من الحماية الاجتماعية، واستقرار أسواق الائتمان والأسواق المالية. وكانت الإجراءات السياسية سريعة في العديد من الدول، ولكن في دول أخرى لا تزال العملية بطيئة. 

ومع انتشار الأزمة بالدول منخفضة ومتوسطة الدخل ستكون هناك حاجة إلى استجابات مماثلة. وستكون هناك حاجة إلى تدابير إغاثة فورية للشركات والعمال العاملين في الاقتصاد غير الرسمي. ومن شأن أنظمة التجارة المفتوحة وأسواق رأس المال الدولية المستقرة والسيولة الدولية أن تُساعد في دعم تلك الجهود. وستكون المساعدة الإنسانية والدعم الدولي للاستجابة لأزمات الصحة وسوق العمل حاسمة بالنسبة للدول ذات الدخل الأدنى من خلال الحصول على التمويل الميسر والمنح وتخفيف الديون إلى جانب الوصول الفوري إلى الإمدادات الصحية. 

وفي الختام، يشير التحليل إلى أن تلك التوقعات غير مؤكدة للغاية. فهذه التطورات السريعة وواسعة النطاق تقود إلى منطقة مجهولة من حيث تقييم سوق العمل والآثار الاقتصادية، والتنبؤ بطول الصدمة وشدتها. وتتميز التوقعات الحالية بارتفاع شديد في عدم اليقين فيما يتعلق بكلٍ من حجم الصدمة الحالية للاقتصادات ومدة الصدمة والتأثيرات طويلة الأجل على الشركات وآفاق سوق العمل. لهذا السبب، يعد رصد وتحديث استجابات السياسات أمرًا بالغ الأهمية لجميع الحكومات.

المصدر: 

International Labour Organization, ILO Monitor 2nd edition: COVID-19 and the world of work: Updated estimates and analysis, April 7, 2020.