أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مواقف متباينة:

كيف تعاملت الفصائل المسلحة السورية مع مؤتمر الآستانة؟

23 يناير، 2017


في خطوة تمهيدية لمؤتمر "جنيف 4" الذي سوف يعقد في 8 فبراير 2017، دعت كلٌّ من تركيا وروسيا الفصائل المسلحة السورية للمشاركة في المفاوضات التي سوف تجرى مع النظام السوري في الآستانة خلال الفترة من 23 وحتى 25 يناير 2017. وقد انقسمت الفصائل السورية في موقفها من مؤتمر الآستانة بين فصائل مؤيدة استنادًا لمحاولة تجربة الحل السياسي كبديل أو كمسار موازٍ للمواجهات العسكرية مع النظام والميليشيات المسلحة الحليفة له، وبين فصائل ممتنعة ترى أن هذا المؤتمر لن يخرج بنتائج إيجابية، على غرار المؤتمرات السابقة، وتبدي شكوكًا عديدة في نوايا وقدرة الدول الراعية للمؤتمر على ضمان تنفيذ ما سوف ينتهي إليه.

وعلى الرغم من الخلافات المتصاعدة حول جدوى المؤتمر وتأثيراته المحتملة على الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، إلا أن ذلك لا ينفي أن المؤتمر قد يمثل خطوة هامة في سبيل الانتقال من المواجهات العسكرية إلى المفاوضات السياسية بين مختلف الأطراف الفاعلة في سوريا، باستثناء تنظيم "داعش" و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، حيث يهدف المؤتمر بصورة رئيسية إلى تكريس وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في 30 ديسمبر 2016، وهى الخطوة التي ربما تمهد بدورها للهدف التالي الذي يتمثل في مناقشة الملفات السياسية الرئيسية في مؤتمر "جنيف 4".

اتجاهان رئيسيان: 

انقسمت الفصائل المسلحة في موقفها من المشاركة في مؤتمر الآستانة إلى اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول، تقوده الفصائل التي أيدت المشاركة في المؤتمر، والتي قررت تشكيل وفد لحضوره يضم ممثلين عنها برئاسة محمد علوش القيادي في "جيش الإسلام"، ويدعمه فريق فني يضم بعض المستشارين السياسيين والقانونيين الذين قامت الهيئة العليا للمفاوضات باختيارهم. وتتمثل أبرز الفصائل التي أعلنت مشاركتها في المؤتمر في "فيلق الشام"، و"فرقة السلطان مراد"، و"الجبهة الشامية"، و"جيش العزة"، و"جيش النصر"، و"الفرقة الساحلية الأولى"، و"لواء شهداء الإسلام"، و"تجمع فاستقم كما أمرت"، و"جيش الإسلام"، و"جيش إدلب الحر" و"أجناد الشام".

 

وقد استندت الفصائل المؤيدة لتبرير مشاركتها في المؤتمر إلى اعتبارين رئيسيين، هما:

1- المواجهة السياسية: تسعى تلك الفصائل المسلحة إلى الانتقال لمرحلة المواجهة السياسية مع النظام السوري، وذلك بهدف الحصول على مكاسب سياسية من خلال المفاوضات، وهو ما أكده البيان الذي أصدره "تجمع فاستقم" والذي أشار إلى أن "مؤتمر الآستانة هو استحقاق سياسي مثلما هناك استحقاق عسكري". 

2- تراجع النفوذ: ترى تلك الفصائل أن المشاركة في مفاوضات مع النظام خلال المرحلة الحالية يتوافق مع المعطيات التي فرضتها التطورات الميدانية الأخيرة، والتي تبدو جلية في تراجع نفوذ بعضها، خاصةً عقب حسم معركة حلب بخروج المقاتلين منها بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية كل من روسيا وتركيا، وما تبع هذا التراجع من خلافات ظهرت بوضوح بين مختلف تلك الفصائل المسلحة التي بدأت في توجيه اتهامات متبادلة ضد بعضها البعض بالمسئولية عن النتائج الأخيرة التي تحققت في معركة حلب.

أما الاتجاه الثاني، فتقوده الفصائل التي أعلنت رفضها المشاركة في المؤتمر، والتي أصدرت بيانًا أكدت فيه أنها "غير معنية بالمحادثات التي من المتوقع إجراؤها في الآستانة"، وتتمثل أبرز هذه الفصائل في "أحرار الشام"، و"صقور الشام"، و"فيلق الرحمن"، و"ثوار الشام"، و"جيش المجاهدين"، و"حركة نور الدين الزنكي"، و"حركة البيان".

وقد استندت هذه الفصائل في تبرير رفضها المشاركة إلى دافعين رئيسيين هما:

1- عدم نجاح اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نهاية عام 2016، وذلك بسبب الخروقات المتعددة التي وقعت في منطقة وادي بردى، التي تمثل مصدر المياه الرئيسي للعاصمة دمشق، والتي اتهمت فيها النظام والميليشيات المسلحة الحليفة له، واعتبرت أن ذلك يمثل مؤشرًا على عدم جدية النظام في الانخراط في أية التزامات سياسية برعاية إقليمية ودولية، وتبنيه سياسة "كسب الوقت"، بشكل يقلص من قدرة أية مفاوضات على تحقيق نتائج إيجابية قد تدعم من فرص الوصول إلى تسوية سياسية في النهاية.

2- فقدان الثقة في الدول الراعية للمؤتمر، لا سيما أن هناك فصائل توجه انتقادات قوية لروسيا بسبب دعمها السياسي والعسكري للنظام السوري، والذي بدا جليًا في استخدامها حق الفيتو عدة مرات في مجلس الأمن لمنع صدور قرارات إدانة ضد النظام، ورفع مستوى انخراطها عسكريًا في الصراع بشكل أدى إلى تغيير توازنات القوى داخل سوريا لصالح النظام، وهو ما انعكس بشكل واضح، وفقًا لها، في معركة حلب الأخيرة.

كما بدأت بعض تلك الفصائل في توجيه انتقادات إلى تركيا، التي مارست ضغوطًا قوية، حسب بعض التقارير، على عدد من الفصائل بهدف إقناعها بالمشاركة في المؤتمر، معتبرة أن تركيا تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة التي تتمثل في تكريس دورها كفاعل سياسي رئيسي في الأزمة السورية، ومنع الأكراد من الحصول على مكاسب سياسية خلال المرحلة القادمة، بدليل رفضها مشاركة الفصائل الكردية في المؤتمر، بشكل دفع الأخيرة إلى تبني مواقف رافضة مسبقًا لنتائجه المتوقعة، على غرار "قوات سوريا الديمقراطية"، التي أكدت أنها "غير معنية بمفاوضات الآستانة"، معتبرة أن "عدم دعوتها كطرف على طاولة المفاوضات هو انتهاك لحقوقها وتضحياتها".

مسار غامض:

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن الخلافات الواسعة بين الأطراف المشاركة في مؤتمر الآستانة، فضلا عن القوى المعنية بالأزمة السورية، أضفت غموضًا على النتائج المحتملة التي يمكن أن ينتهي إليها، والتي سوف يعتمد عليها مؤتمر "جنيف 4" حسب تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. 

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى اتجاهين رئيسيين يتبنيان رؤيتين متباينتين إزاء التداعيات المحتملة لمؤتمر الآستانة: الاتجاه الأول، يرى أن المؤتمر سوف يؤدي إلى تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، استنادًا إلى تأييد كثير من الفصائل المسلحة له، وحرصها على المشاركة فيه، بشكل يمكن أن يساعد في تهيئة المجال أمام التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

أما الاتجاه الثاني، فيتوقع تراجع النتائج التي يمكن أن ينتهي إليها المؤتمر، ويستند في هذا الإطار إلى اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في تأكيد كثير من الأطراف المعنية بهذا المؤتمر على أن الهدف الأساسي منه ينحصر في تكريس اتفاق وقف إطلاق النار فقط دون البحث في القضايا السياسية الرئيسية، إلى جانب عدم قدرة المؤتمرات السابقة على تحقيق نتائج بارزة على غرار المؤتمرات التي عقدت في جنيف، فضلا عن محدودية نفوذ تلك الفصائل مقارنة بالتنظيمات الأخرى، مثل تنظيم "داعش" و"جبهة فتح الشام"، إلى جانب تزايد احتمالات عدم التطرق إلى أدوار الميليشيات المسلحة التي تدعم النظام السوري وتشارك في المواجهات المسلحة ضد قوى المعارضة، في ظل الرفض القوى من جانب بعض الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها إيران، لهذه الخطوة.