أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

قيود حاكمة:

لماذا لجأت أوكرانيا للصين لأداء دور الوساطة؟

08 أغسطس، 2024


تتطلع أوكرانيا إلى أن تؤدي الصين دور الوساطة في الأزمة مع روسيا، باعتبار بكين قوة كبرى، يمكنها أن تضطلع بهذا الدور، وإن كان هناك عدد من المحددات قد تعوق الأخيرة عن أداء هذا الدور. وفي سياق ذلك؛ فقد أجرى وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، زيارة إلى بكين، هي الأولى منذ الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، واستمرت الزيارة التي بدأت في 23 يوليو لثلاثة أيام لبحث "إمكانات الدور الصيني" لإنهاء الحرب مع روسيا. 

وصرح كوليبا أن السلام العادل في أوكرانيا هو مصلحة استراتيجية لبكين. وأكّد كوليبا أن كييف أرفقت في مُحادثاتها مع الصين الشروط التي ستدخل على أساسها في مفاوضات مع موسكو.

سبقت الزيارة إلى بكين تلميحات من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي حول رغبته في المفاوضات مع روسيا في خطاب إلى الأمّة خلال النصف الأول من يوليو 2024، كما اقترح زيلينسكي إرسال موسكو لوفد لحضور مؤتمر من المقرر أن ينعقد في نوفمبر المقبل. 

تراجع الدعم الغربي:

ثمّة أسباب دفعت أوكرانيا للطلب من الصين أن تقوم بدور الوساطة في أزمتها مع موسكو، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. ضبابية مُستقبل استمرار الدعم الغربي: تتزامن المحاولات الأوكرانية للتوصل لوساطة صينية لإنهاء الصراع مع غياب آفاق الدعم الغربي، وبالأخص الأمريكي والألماني. فرغم حصول كييف على أولى الدفعات المُقررة من مُقاتلات "إف-16" الأمريكية المُنتظرة منذ أكثر من سنتيْن، بواقع 10 مُقاتلات من أصل 79 مقاتلة، في 5 أغسطس 2024؛ فإن أرض المعركة تُثبت عدم جدوى الدعم العسكري في ظل التقدم الروسي، وإن كانت وتيرته قد تباطأت عن فترات سابقة.  

وقد أكد الرئيس الأوكراني أن الدعم العسكري الغربي ما زال ضعيفاً في وجه آلة الحرب الروسية. كما أكّد أن الأوكرانيين مُستعدون للتضحية بأرواحهم لتحرير الأراضي لكنهم في احتياج لدعم مالي وعسكري واقتصادي لاستمرار مُقاومتهم للتقدم الروسي. وبدا ذلك واضحاً عندما أكّد زيلينسكي أن الدعم الغربي كافٍ لصد الهجمات الروسية "فقط" ولكنه لن يحقق انتصاراً باستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ فبراير 2022.

ومن جهة أخرى، تخطط ألمانيا لخفض دعمها العسكري لأوكرانيا العام المقبل. ومن المرجح أنه في حالة توقف الدعم الغربي، ولم تتمكن أوكرانيا من الحصول على أموال من الأصول الروسية المُجمّدة على الأراضي الأوروبية، كما وافق على ذلك الاتحاد الأوروبي في مايو 2024؛ فإن ذلك سيؤثر في قدرتها على تحقيق أي تقدم عسكري يُذكر.

2. استغلال الدور الصيني الأقرب إلى الحياد: أعلن وزير الخارجية الأوكراني رغبته في بحث سُبُل التوصل لسلام شامل، وعادل مع روسيا مع نظرائه الصينيين؛ إذ ترغب كييف في بناء علاقات بنّاءة مع بكين لتحفيز الدور الصيني في محاولة دفع روسيا للسلام. 

وتأتي الزيارة بعد أن حاولت الصين منذ بداية الحرب النأي بنفسها عن الانخراط بشكل مباشر في لقاءات مع المسؤولين الأوكرانيين؛ لذلك تُعد الزيارة تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الصينية تجاه الأزمة. وقد امتنعت الصين عن حضور مؤتمر السلام الذي انعقد في سويسرا، في يونيو 2024، وقد اتهم زيلينسكي بكين بمحاولة ثني بعض الدول عن المُشاركة في القمة. 

3. مُحاولة لوقف التقدم الروسي: ترى كييف أن الدعم الغربي لا يمكن التعويل عليه خصوصاً في ظل الانتخابات الجارية في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. كما أدركت أوكرانيا صعوبة استدامة ما حققته من انتصارات في وجه التقدم الروسي المستمر؛ إذ إن المساعدات الغربية الأخيرة ساعدت أوكرانيا على صدّ الهجمات. وترى بعض الأوساط، وخاصة الروسية، أنه قد يكون لدى كييف هدف استراتيجي بالمُماطلة في السلام لتتمكن من تجميع وتخزين أكبر قدر من المساعدات العسكرية الغربية للقيام بهجوم مُضاد مُشابه لذلك الذي حدث عام 2023. ويبدو أن روسيا تدرك ذلك؛ ومن ثم فإنها تسعى إلى المضي قدماً في تقدمها على جميع الجبهات منذ إعادة انتخاب بوتين؛ بل وبعد فتح جبهة جديدة حول خاركيف.

دلالات التوقيت:

هناك عدد من الدلالات التي يشير إليها طلب أوكرانيا للوساطة من الصين، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. قرب الانتخابات الأمريكية: تُعد التغيرات السياسية المُحتملة في واشنطن، على وقع الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، أكبر حافز للتحركات الأوكرانية؛ على أساس أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم مادي وعسكري لكييف. 

فيبدو أن زيلينسكي يتطلع لمجيء إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض، وذلك في ضوء التخوف من فوز المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، والذي أعلن أنه سوف يقلّص دعم بلاده لكييف. إلّا أن ترامب قد أجرى مكالمة هاتفية مع زيلينسكي، في 19 يوليو 2024، وصفها ترامب بـ"الجيدة"، أكّد خلالها نيته إنهاء الحرب وإرساء السلام في المنطقة، بينما صرّح زيلينسكي أن المكالمة تناولت سُبُل إرساء سلام عادل ودائم.

2. تغيير كييف لخطابها الرافض للسلام: خلال المكالمة الهاتفية مع ترامب؛ عبّر الرئيس الأوكراني عن أهمية وقف الحرب والحفاظ على الأرواح. كما أكّد الرئيس الأوكراني، في سياق آخر، ضرورة إحلال السلام والحفاظ على حياة المدنيين وهو خطاب مُختلف عن اهتماماته الخطابية بـ"الأراضي" والتضحية، في مُقابل الحفاظ على سلامة أوكرانيا كدولة مُوحّدة وذات سيادة على نفس الإقليم الذي حصلت عليه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

من الجدير بالذكر أن التحرك الدبلوماسي الأوكراني بُغية إنهاء الحرب هو أمر غير عادي في ظل المرسوم الرئاسي الذي أصدره زيلينسكي، والذي يمنع قانونياً التفاوض مع روسيا فيما يخص إنهاء الحرب. إذ يُعد المرسوم لاغياً من الناحية العملية بعد قيام كوليبا بالسفر إلى بكين لمناقشة أفق السلام.

3. التشكيك برغبة الأوروبيين في إنهاء الأزمة: ترى بعض الأوساط أن الأوروبيين لا يسعون إلى سلام حقيقي؛ بل وقد يؤدون دوراً سلبياً في مُفاوضات السلام الأوكرانية؛ إذ إنهم لا يرغبون أن يخرج بوتين من الحرب فائزاً أو مُحققاً جزءاً من أهدافه. ويُدلل على ذلك الضغط البريطاني الذي شجّع أوكرانيا على الخروج من محادثات السلام التي رعتها تركيا في بداية الأزمة في 2022. 

4. تُهم غربية بدعم الصين لروسيا: على عكس أوروبا؛ فإن التعاون الصيني مع روسيا هو تعاون مُستمر؛ أي إن روسيا لديها حلفاء يمكن التعويل عليهم ولا يتم التحكم في سياساتهم الخارجية عبر أي آليات سياسية كما هو في أوروبا والولايات المتحدة، وتعتمد أساساً على المصالح بشكل مباشر، وفق رؤية كييف.  

وتعتبر أوكرانيا ومجموعة الدول الغربية الداعمة لها أن الصين هي أكبر داعم لروسيا من خلال مدّها بالتكنولوجيا والمواد المُستخدمة في استدامة الصناعات العسكرية الروسية، وكذلك الدعم العسكري من خلال مُشترياتها الكبيرة من النفط والغاز؛ ما عوّض بشكل كبير الحظر المفروض على المحروقات الروسية.

كما اعتبر الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، أن الصين هي فاعل رئيس في الحرب لدورها الكبير في مُساندة ودعم موسكو، في مقابل تأكيد بكين أن علاقاتها مع موسكو لا تستهدف أي أطراف أخرى.

ومن جهة أخرى، تستمر العلاقات التجارية بين الصين وروسيا، رغم العقوبات الغربية المفروضة على الأخيرة؛ إذ ارتفع حجم التجارة البينية الصينية الروسية بـ26% في 2023 مُقارنة بـ2022. وزادت الصادرات الصينية لروسيا بنسبة 60% منذ بدء الحرب. كما صدرت الصين لروسيا حوالي 300 مليون دولار مُنتجات ذات استخدامات ثنائية (يمكن استخدامها في الإنتاج العسكري). 

فعلى سبيل المثال؛ ارتفع إجمالي الواردات الروسية من الأجهزة الكهربائية وأدوات التوجيه والكاميرات الرقمية من 170 مليون دولار في يناير 2022 إلى 305 ملايين دولار في ديسمبر 2023. هذا بالإضافة إلى مبدأ "الشراكة بلا حدود" الذي تتبعه الصين في علاقاتها مع موسكو، منذ فبراير 2022.

5. توظيف رغبة الصين في حلحلة الأزمة: تسعى أوكرانيا لاستغلال رغبة الصين في حل الأزمة؛ إذ إنها قد أعلنت، بالتعاون مع البرازيل، عن وثيقة الست نقاط قبيل مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا، في يونيو 2024، ودعت لمؤتمر سلام دولي بحضور مُمثلين عن موسكو وكييف. بالإضافة إلى إعلان بكين عن خطة للسلام مُكونة من 12 نقطة في فبراير 2023. 

وجدير بالذكر أن مجموعة الدول الغربية لم تأخذ الخطة الصينية بجدية نظراً لما اعتبرته دعماً لروسيا لتتمكن من الحصول على أراض جديدة من أوكرانيا. وربما يعزز موقف الصين كوسيط في الأزمة، أنه ورغم الدعم الاقتصادي، لم تقم الصين بأي خطوات تمثل دعماً مباشراً للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا من حيث تصدير أسلحة أو ذخائر أو قطع غيار، وربما هذا ما أدّى إلى تردد أوكرانيا كثيراً في انتقاد بكين بشكل مُباشر منذ بدء الأزمة. 

وفي المقابل؛ تحاول أوكرانيا تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين لكنها تفاجأت أن الغرب يرفض تلك الخطوات. كما أن لدى بكين فرصة ذهبية للوساطة خصوصاً وأن الرئيس الصيني شي جي بينغ، تجمعه ببوتين صداقة متينة، واجتمع الطرفان مرّات كثيرة كقائدين لبلديهما، ولدى الصين سطوة اقتصادية على موسكو خصوصاً بعد اعتماد موسكو المتزايد على الأجهزة ثنائية الاستخدام وكذلك كمستورد مهم لصادرات الطاقة الروسية بجانب الهند. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه ربما يمثل دور الوساطة المُحتمل للصين في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، فرصة لها لتأكيد دورها كقوة عظمى يمكنها التوسط في الأزمات الدولية الكبرى من جهة، وكشكل من أشكال مواجهة النفوذ الأمريكي في هذا الصراع من جهة أخرى، خاصة وأن واشنطن لا يمكنها القيام بهذه الوساطة في ضوء دعمها المباشر والصريح لأوكرانيا، في مُقابل موقف مُحايد نسبياً للصين تجاه الأزمة. إلّا أن ذلك ما زال يحكمه عدد من الاعتبارات منها القبول الغربي لهذه الوساطة، خاصة في ضوء استمرار الخلافات مع بكين، بالإضافة للشروط والتنازلات التي يمكن أن يقبل بها طرفا الصراع (روسيا وأوكرانيا) عند إجراء مُفاوضات بينهما.