أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تراجع الشرعية:

رسائل سيطرة المتشددين على انتخابات البرلمان والخبراء بإيران

12 مارس، 2024


شهدت إيران، في مطلع مارس 2024، استحقاقين انتخابيين مهمين من حيث التوقيت والنتائج، هما الانتخابات البرلمانية لاختيار أعضاء مجلس الشورى الإسلامي "البرلمان" في دورته الثانية عشرة، لمدة 4 سنوات، والبالغ عددهم 290 عضواً، وانتخابات أعضاء مجلس خبراء القيادة الـ88 في دورته السادسة لمدة 8 سنوات. وتلك الاستحقاقات تُعد اختباراً حقيقياً لمدى شعبية النظام الإيراني في أعقاب الأزمات التي نتجت عن إقرار قانون "الحجاب والعفة"، وما تلاه من احتجاجات غير مسبوقة شهدتها البلاد لما يقرب من 6 أشهر متواصلة.

ولم تحمل نتائج هذه الانتخابات المزدوجة أية مفاجآت على صعيد توجهات الفائزين فيها وانتماءاتهم السياسية؛ نظراً لما سبق هذا الاستحقاق الانتخابي من إجراءات إقصائية لغير المرغوب فيهم من قِبل النظام، من خلال مجلس صيانة الدستور الذي مارس كامل صلاحياته برفض أهلية الإصلاحيين، وعدد كبير من المحافظين المعتدلين، جاء على رأسهم رئيس الجمهورية السابق، حسن روحاني، الذي رفض المجلس أهليته للترشح لتجديد عضويته في مجلس خبراء القيادة.

غير أن المفاجئة التي حملتها هذه الانتخابات ربما تمثلت في نجاح دعوات مقاطعة الانتخابات إلى الحد الذي أحرج النظام، على الرغم من توقعه أن تقل نسبة المشاركة، ولكن ليس بالحد الذي أُعلن عنه رسمياً ببلوغ نسبة التصويت 41%، وهو مستوى غير مسبوق منذ اندلاع الثورة الإسلامية. 

أهمية متزايدة:

اكتسبت الانتخابات التشريعية الإيرانية الحالية أهميتها من أنها أتت كأول استحقاق انتخابي في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على خلفية مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، خلال احتجازها من قِبل شرطة الأخلاق التي عاودت عملها في الشارع الإيراني عقب إقرار البرلمان قانون "الحجاب والعفة" في أغسطس 2022. وهي الاحتجاجات التي وضعت النظام في مأزق كبير؛ نظراً لاعتماده سياسة عنيفة لإنهاء تلك الاحتجاجات التي استمرت لأشهر عدة.

وأدت هذه السياسة إلى توسيع الهوة بين النظام والمجتمع الإيراني، ولاسيما في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، وتزامنه مع تقييد الحريات؛ مما أدى إلى شيوع حالة من التشاؤم لدى الرأي العام الإيراني وتراجع ثقته في أي تغيير مُحتمل في سياسات الحكومة والنظام، وهو ما انعكس جلياً على نسبة المشاركة الشعبية المنخفضة التي خرجت بها الانتخابات الحالية. 

كما تعود أهمية انتخابات مجلس خبراء القيادة في دورته السادسة؛ إلى أن هذه الدورة ستشهد على الأرجح ممارسة أعضائه مهمتهم الأساسية في المجلس في اختيار المرشد الأعلى القادم؛ في حال غياب المرشد الحالي، علي خامنئي، أو عدم قدرته على ممارسة مهامه.

نتائج الانتخابات:

أُجريت الانتخابات الإيرانية لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس خبراء القيادة، في الأول من مارس الجاري، وأعلنت لجنة الانتخابات أن الاستحقاقين الانتخابيين قد أُجريا في 59 ألف مركز انتخابي في المحافظات الـ31، وأن عدد المتنافسين بلغ 15 ألف مرشح على مقاعد البرلمان الـ290، و144 مرشحاً لمقاعد مجلس خبراء القيادة الـ88 من أصل 510 تقدموا للمنافسة. فيما بلغ عدد المؤهلين للمشاركة في عملية التصويت 61 مليوناً و172 ألفاً و298 مواطناً، بلغ عدد الرجال منهم 30 مليوناً و945 ألفاً و133 رجلاً، بينما بلغ عدد النساء 30 مليوناً و227 ألفاً و165 امرأة.

وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 41%، وذلك بتصويت نحو 25 مليون شخص فقط من المؤهلين للتصويت، وتم حسم مصير 245 مقعداً، بينما ستشهد 16 محافظة جولة ثانية من الانتخابات، على رأسها العاصمة طهران، التي لم تحسم سوى 15 مقعداً فقط من أصل 30، إلى جانب محافظات البرز، وأذربيجان الشرقية، وأردبيل، وأصفهان، وسيستان- بلوشستان، وخراسان الجنوبية، وخراسان الرضوية، والأحواز، وزنجان، وفارس، وكرمنشاه، وجولستان، ولورستان، ومازندران، وهمدان. أما مقاعد مجلس خبراء القيادة فقد تم استيفائها بالكامل. 

وتشير النتائج إلى غياب شبه كامل للإصلاحيين عن المشهد الانتخابي، ولاسيما مع الإقصاء المتعمد الذي انتهجه مجلس صيانة الدستور بحق المرشحين المنتمين إلى التيار الإصلاحي، بل والمعتدلين من التيار المحافظ، من ناحية، ودعوات المقاطعة التي روج لها رموز التيار الإصلاحي، من ناحية أخرى. وبالتالي استطاع المتشددون من التيار المحافظ إحكام سيطرتهم على مفاصل البرلمان الإيراني، في ظل حصوله على كامل المقاعد المحسومة، واقتصار مرشحي جولة الإعادة على المنتمين للجناح المتشدد من التيار المحافظ. وتجدر الإشارة إلى أن جبهة الثابتين "جبهه پایداری" قد استطاعت حسم 13 مقعداً في طهران من إجمالي 15 تم حسمها في العاصمة، بينما مُني المعتدلون من التيار المحافظ أيضاً بالفشل في الوصول إلى مقاعد البرلمان المحسومة، ولعل أبرز هؤلاء رئيس السلطة القضائية السابق والرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، صادق آملي لاريجاني، الذي لم يستطع الحصول على أي من المقاعد المحسومة في طهران.

تراجع المشاركة:

ربما نجحت دعوات المقاطعة التي قادها التيار الإصلاحي والمعارضون في الخارج في إبعاد الناخبين عن صناديق الانتخابات، كما عزز استبعاد مجلس صيانة الدستور الوجوه المعتدلة والإصلاحية نجاح دعوات المقاطعة، الأمر الذي أدى إلى إحراج النظام، وذلك على الرغم من أن هذه المقاطعة لم تنجح في تغيير نتائج الانتخابات التي هدف النظام إلى تحقيقها، وهي إحكام سيطرة المتشددين على مفاصل البرلمان من خلال حصر الخيارات أمام الناخبين في المنتمين للتيار المحافظ.

فللمرة الأولى، امتنع الرئيس الأسبق وزعيم التيار الإصلاحي، محمد خاتمي، عن التصويت في الانتخابات، وعبّر عن أسفه لذلك، قائلاً: إن "إيران صارت بعيدة عن إجراء انتخابات حرة تنافسية". وعقب إعلان خاتمي عدم مشاركته في الانتخابات، علق القيادي الإصلاحي محمد علي أبطحي، المساعد السابق لخاتمي، قائلاً: إن "خاتمي لم يدر ظهره للنظام، بل إنه اعتبر عدم التصويت وسيلة للحث على الاستماع إلى نصائحه".

وبالنظر إلى نسبة التصويت في هذه الانتخابات والتي بلغت 41%، يُلاحظ أن هناك منحى تنازلياً للمشاركة من جانب الناخبين؛ إذ تقل هذه النسبة عن مثيلتها في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2020، بأكثر من 1.5%، والتي أُجريت في خضم أزمة "كورونا"، وبلغت نسبة المشاركة فيها 42.57%، ووصفت وقتها بأنها أدنى نسبة مشاركة منذ اندلاع الثورة الإسلامية، ولاسيما أنها جاءت منخفضة جداً بالمقارنة بانتخابات 2016 التي بلغت نسبة التصويت فيها 61.83%، وانتخابات 2012 التي أُعلن فيها عن نسبة مشاركة قُدرت بنحو 62.2%. 

ولعل تراجع نسبة التصويت في العاصمة طهران إلى 24%، وعدم حسم 15 مقعداً لها في البرلمان، يشير إلى عزوف غير مسبوق للناخبين عن المشاركة في مركز ثقل النظام. كما أن إحجام 59% من إجمالي من لهم حق التصويت لا يُعد مصادفة، بل يُلقي بظلاله على مدى شعبية النظام، الذي فضل تجاهل نسبة المشاركة المنخفضة، وامتدح حضور الناخبين، فيما صرح الرئيس إبراهيم رئيسي، عقب إعلان نتيجة الانتخابات بأن "العملية الانتخابية كشفت عن فشل تاريخي جديد لأعداء إيران بعد أعمال الشغب عام 2022".

رسائل أساسية:

يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات على ما حملته نتائج الاستحقاقين الانتخابيين الحاليين في إيران، من دلالات ورسائل، تتمثل في الآتي:

1- امتداد تركيبة البرلمان الجديد لدورته السابقة: أدت الانتخابات البرلمانية إلى إحكام سيطرة المحافظين على مقاعد البرلمان؛ نتيجة للتنافس الأصولي- الأصولي بين قوائم المرشحين، بعد إبعاد مجلس صيانة الدستور مرشحي التيار الإصلاحي من المعترك الانتخابي، قبل أشهر من الانتخابات. وعلى الرغم من أن الخيارات كانت ضيقة أمام الناخبين، فإن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن مرشحي التيار الإصلاحي والجناح المعتدل من التيار المحافظ لم يستطيعوا استمالة الناخبين. وبالتالي كان المستفيد الأكبر من ضعف التيار الإصلاحي والمعتدل هو التيار المتشدد ومرشحوه.

2- تعمد إبعاد المعتدلين: يُلاحظ أن من سُمح لهم من وجوده معتدلة بخوض الانتخابات الحالية قد أخفقوا في الحصول على أصوات تؤهلهم للفوز، على الرغم من ثقلهم في المعترك السياسي. وجاء على رأسهم، صادق لاريجاني، الذي حل بالمركز الخامس بين مرشحي دائرة مازندران، ولم يتأهل لتجديد مقعده في مجلس الخبراء، وكذلك إخفاق محمد باقر نوبخت، مساعد الرئيس السابق حسن روحاني، في تجديد مقعده للمرة الخامسة في البرلمان نائباً عن مدينة رشت. 

وهذا ما وُصف بأنه عملية إبعاد منظمة للوجوه المعتدلة، ومحاولة لتضييق دائرة الموالين للنظام الإيراني، فضلاً عن إقصاء عائلة لاريجاني التي أظهرت تململاً من سياسات النظام خلال الفترة الأخيرة، بدا من خلال استقالة صادق لاريجاني من مجلس صيانة الدستور. كما جاء استبعاد روحاني من انتخابات مجلس خبراء القيادة وعدم تجديد عضويته فيه، ليزيد رجاحة الاستنتاج السابق؛ إذ يعيد هذا الاستبعاد إلى الأذهان استبعاد الرئيس الأسبق، هاشمي رفسنجاني. وقد أشار روحاني، في بيانه الصادر عقب استبعاده، إلى ضرورة المشاركة السياسية في الانتخابات، قائلاً: "مع هذه الأدلة الواضحة، لا شك أن الأقلية الحاكمة تريد رسمياً وعلناً التقليل من مشاركة الشعب في الانتخابات، تريد إبعاد الانتخابات والصندوق عن تحديد مصير الشعب حتى تتمكن من تحديد مصيره بقراراتها".

3- عدم اكتراث النظام بمؤشرات المقاطعة: لم يسع النظام الإيراني إلى كسب ثقة الناخبين بالقدر الكافي الذي يدفعهم إلى المشاركة في الانتخابات، إلا من خلال دعوات رموزه إلى المشاركة بكثافة في التصويت، على الرغم من تأكيد عدد من استطلاعات الرأي العام عدم اكتراث الناخبين بالمشاركة. 

وبحسب موقع "إنصاف نيوز" نقلاً عن موقع "آذر قلم" الإخباري، في فبراير الماضي، توقع استطلاع أجراه مركز حكومي مشاركة 30% فقط في انتخابات مارس 2024. فيما أشار استطلاع آخر أجرته مؤسسة "جُمان" بهولندا، في الفترة من 30 يناير إلى 8 فبراير 2024، إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الإيراني لن يشاركوا في الانتخابات. وهذا يعكس أن النظام الحاكم ما زال بمعزل عما يدور في الشارع الإيراني من تغيرات باتت تضر بشعبيته ومدى رضا الرأي العام عنه.  

4- تزايد ظاهرة الأصوات الباطلة: تسببت هذه الظاهرة، التي رُصدت بكثافة في الانتخابات الحالية، في اتجاه عدد كبير من الدوائر الانتخابية إلى جولة الإعادة ولاسيما في طهران، فضلاً عن سبب آخر أدى إلى زيادة عدد هذه الدوائر؛ تمثل في تفتت الأصوات في الدائرة الواحدة بين المرشحين الأصوليين. فيما رأت تحليلات عدة أن نسبة المشاركة الفعلية للناخبين إذا ما قيست بعد خصم نسبة "البطاقات البيضاء" والأصوات الباطلة بكتابة شعارات أو اختيار أكثر من مرشح، لن تتعدى 35%، وأن نسبة التصويت في طهران لن تتعدى 12%، وهي نسب منخفضة للغاية تضع النظام الإيراني أمام تحدٍ كبير ومأزق يطال شعبيته في الداخل.

5- تراجع تمثيل المرأة: بحسب النتائج المُعلنة من قِبل لجنة الانتخابات الإيرانية، بلغ عدد المقاعد التي حصلت عليها النساء في تشكيلة البرلمان الجديد خمسة فقط، وهو رقم متدنٍ للغاية مقارنةً بالدورة السابقة التي بلغ تمثيل النساء فيها 16 مقعداً. وجاء ذلك على الرغم من ترشح 1713 امرأة في انتخابات 2024، وهو ما فاق عدد المرشحات لانتخابات 2020، إذ تنافست حينها 782 امرأة على مقاعد البرلمان. ويمكن القول إن عدم حصول المرأة الإيرانية على أصوات كافية تمكنها من الحفاظ على مقاعدها في الدورة السابقة للبرلمان، يعود بشكل كبير إلى انتماءات الناخبين بعد مقاطعة قطاع كبير من الشارع الإيراني من غير المنتمين لأي تيار سياسي، إلى جانب الإصلاحيين والمعتدلين.

6- تراجع احتمالية حدوث تغيير ملحوظ في السياسة الخارجية الإيرانية: من غير المُحتمل أن تؤثر تركيبة البرلمان الإيراني الجديد، والتي تكاد تكون متشابهة مع تركيبته في الدورة السابقة، في توجهات السياسة الخارجية للنظام؛ نظراً لغياب تأثير البرلمان في ملف السياسة الخارجية بشكل عام، في ظل وجود المجلس الأعلى للأمن القومي كجهة معنية بالنظر في سياسة إيران الخارجية، وأيضاً إلى سيطرة المتشددين على هذا المجلس، بعد استبعاد آخر الوجوه الإصلاحية في مفاصل النظام الإيراني وزير الدفاع الأسبق، الأميرال علي شمخاني، من رئاسة المجلس، وتعيين علي أكبر أحمديان بدلاً منه. علاوة على التسليم بأن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الإيرانية يضعها المرشد الأعلى، وتقوم أجهزة الدولة المعنية بتنفيذها كل حسب صلاحياته واختصاصه. 

7- انحسار فرص تحسين الأوضاع الداخلية: نظراً لعدم تغير تركيبة البرلمان الإيراني، وإحكام المتشددين سيطرتهم على مفاصله، فإنه من المُرجح أن يستمر نهج البرلمان المتشدد في القضايا الداخلية الخلافية، وأن يواصل تشدده فيما يخص قانون الحجاب، وفرض الضرائب. ويمكن القول إن سيطرة الجناح المتشدد من التيار المحافظ على المجالس السيادية، والبرلمان، والحكومة، والسلطة القضائية، تضعه في حرج كبير إذا ما استمر عجزه عن تحسين الأوضاع المعيشية ورفع مؤشرات الاقتصاد إلى مستويات يستشعرها الشارع الإيراني. وبالتالي يضع الجناح المتشدد المتبقي من شعبيته على المحك، مع سيطرته التامة على مراكز صُنع القرار، في ظل غياب شركاء يمكن إلقاء اللوم عليهم لتبرير الاستمرار في إخفاقاته.

في ضوء ما سبق؛ فإن النظام الإيراني بقدر ما استطاع تنفيذ هدفه المتمثل في إحكام قبضته على البرلمان ومجلس خبراء القيادة، من خلال حصر الخيارات أمام الناخبين في تنافس أصولي- أصولي، بقدر ما خسر معركة الشعبية والشرعية لدى الشارع الإيراني، الذي عبّر عن رفضه لسياسات النظام بعزوفه عن المشاركة في انتخابات مارس 2024، وهو ما يضع النخبة الإيرانية في اختبار صعب خلال الفترة المقبلة؛ إذ ستكون خياراتها محدودة لتحسين صورتها الذهنية لدى الشارع الإيراني.