أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تجسس غير تقليدي:

تداعيات ممتدة لأزمة المنطاد على العلاقات الأمريكية – الصينية

10 فبراير، 2023


أسقطت مقاتلات أمريكية، في 4 فبراير 2023، منطاداً صينياً كان يحلق فوق المياه الإقليمية الأمريكية، منذ اليوم الثاني من نفس الشهر، بأوامر من الرئيس الأمريكي، جو بايدن. ومن جانبها، أعربت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، في 5 فبراير 2023، عن استيائها الشديد واحتجاجها على استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة لإسقاط المنطاد، مُشددة على أنها تحتفظ بحق الرد.
ويلاحظ أن منطاد التجسس يمكنه التحليق على ارتفاع يزيد عن 18 ألف متر، أي في منطقة "قريبة من الفضاء"، وهو ما يوفر له قدرة على التصوير الجوي الأعلى جودة من تصوير الأقمار الاصطناعية، كما أنه يتمتع بميزة البقاء فوق منطقة لفترة زمنية أطول لدراستها، في حين أن مراقبة نفس النقطة تحتاج إلى حوالي 3 إلى 5 أقمار اصطناعية. 
روايتان متناقضتان
يلاحظ أن مواقف الولايات المتحدة والصين من منطاد التجسس قد تباينت بشدة، ويمكن تفصيل مواقفهما على النحو التالي: 
1- الرواية الأمريكية: تتمثل أبعاد الرواية الأمريكية في التالي: 
أ- انتهاك صيني: أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن المنطاد حلق فوق الولايات المتحدة، منذ 28 يناير 2023، قبل أن يحلق فوق المجال الجوي الكندي في 30 يناير، ليعود بعدها إلى المجال الجوي الأمريكي. وبدأ الحديث عن تهديدات المنطاد عندما كان يحلق فوق ولاية مونتانا، في شمال غربي الولايات المتحدة، نظراً لأنها ولاية تحتضن منشآت عسكرية حساسة، وهو ما أثار مخاوف من أن المنطاد أداة تجسس صينية. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، في 3 فبراير، أنه تم رصد منطاد "تجسس" صيني ثان يُحلّق فوق أمريكا اللاتينية. 
ب- فجوة إدراكية: أكد البنتاغون، في فبراير 2023، أن بالونات التجسس الصينية طارت لفترة وجيزة فوق الولايات المتحدة ثلاث مرات، على الأقل، خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب ومرة واحدة في السابق في عهد الرئيس، جو بايدن، وأكد جنرال القوات الجوية، جلين فانيرك، قائد القيادة الأمريكية الشمالية للدفاع الجوي والفضائي، أن أحدث منطاد يبلغ ارتفاعه 200 قدم (60 متراً) وتزن الحمولة تحته ألفي رطل. 
كما أكد فانيرك أن الصين قامت بالتجسس على الولايات المتحدة باستخدام نفس الأسلوب، غير أنه لم يتم رصدها، واصفاً ذلك بأنه "فجوة في إدراك التهديد"، وأوضح أن المخابرات الأمريكية حددت رحلات صينية مماثلة سابقة بعد وقوعها بفترة، وذلك بناءً على وسائل إضافية لجمع المعلومات الاستخبارية، وذلك من دون تقديم مزيد من التفاصيل، في إشارة محتملة إلى أن واشنطن نجحت في الحصول على معلومات استخباراتية عن حالات تجسس صينية مماثلة سابقة، سواءً عبر التجسس الإلكتروني، أو اعتراض الاتصالات الهاتفية، أو المصادر البشرية.
ج- تضارب التقييمات: يلاحظ أن التقييمات الأمريكية قد تضاربت حول المنطاد وقدرته على التجسس على الولايات المتحدة، فقد أكد مسؤول أمريكي أن التقديرات الأولية للجيش الأمريكي تشير إلى أن هذا المنطاد له قيمة محدودة من منظور جمع المعلومات الاستخبارية، ومع ذلك، أكد أن واشنطن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنعه من جمعه معلومات حساسة. 
وفي المقابل، أكد وزير الدفاع، لويد أوستن، أن الصين تستخدم المنطاد "في محاولة لمراقبة المواقع الاستراتيجية في الولايات المتحدة القارية"، كما أكد مسؤولون أمريكيون أنهم يتوقعون معرفة المزيد عن قدرات المنطاد من عملية انتشال بقايا حطامه، وذلك بعد استهدافه من جانب مقاتلات "إف – 22" الأمريكية قبالة الساحل الأمريكي، في مؤشر على أن واشنطن لا تعلم على وجه اليقين مدى قدرة المنطاد على جمع معلومات حساسة عن الولايات المتحدة. 
2- الرواية الصينية: نفت السلطات الصينية أن تكون قد استخدمت المنطاد في التجسس، وأصرت على أنه أداة تستخدم لرصد الطقس خرجت عن مسارها بسبب الرياح، وهي المزاعم التي رفضتها واشنطن، وذلك على أساس أنه يحتوي على مراوح دافعة، وفقاً للأدميرال مايك مولن، الرئيس السابق لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة. 
كما أعربت بكين عن "استيائها الشديد، واحتجاجها على استخدام الولايات المتحدة القوة" لمهاجمة ما وصفته بـ"الطائرة المدنية من دون طيار"، وأكدت الحكومة الصينية أنها ستحمي "بحزم" حقوق ومصالح الشركة المشغلة للمنطاد وأنها تحتفظ بالحق في "القيام بمزيد من الردود إذا لزم الأمر"، وذلك دون أن تحدد أي إجراءات عملية في هذا الإطار. 
دلالات للأزمة
جاءت أزمة المنطاد بين بكين وواشنطن لتكشف عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- تجسس أمريكي صيني متبادل: تعد إحدى الحقائق الثابتة في العلاقات بين الدول هي لجؤوها للتجسس ضد بعضها البعض، إذ أن تجسس الولايات المتحدة والصين على بعضهما البعض باستخدام كافة الوسائل هو أمر معتاد، وتستخدم كل من الولايات المتحدة والصين على مدى عشرات السنين أقماراً اصطناعية للمراقبة لمتابعة الدولة الأخرى من الجو. 
وسبق وأن تنبأ تقرير سري تم تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي في يناير 2023، بوقوع عمليات تجسس صينية ضد الولايات المتحدة، عن طريق استخدام بكين التكنولوجيا الجوية المتقدمة لمراقبة مناطق التدريب العسكري، للتعرف إلى أساليب تدريب الطيارين الأمريكيين. ولعل ذلك ما يفسر تحليق المنطاد الصيني فوق بعض المناطق العسكرية الأمريكية.
2- استمرار توتر العلاقات الأمريكية الصينية: يلاحظ أن العلاقات بين واشنطن وبكين تمر بفترة من التوتر المتزايد، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:  
أ- تطويق واشنطن للصين: عملت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة على تعزيز وجودها العسكري في المناطق المحيطة بالمجال الحيوي للصين في آسيا والمحيطين الهادئ والهندي، حيث دشنت، في 27 يناير 2023، قاعدة عسكرية جديدة في جزيرة جوام بالمحيط الهادئ، بهدف تجهيزها نقطة ارتكاز للقوات الأمريكية في حالة اندلاع صراع مع الصين.
كما قامت أيضاً بتدشين أربع قواعد عسكرية جديدة في الفلبين، الجار الاستراتيجي للصين، واتفقت مع مانيلا على إعادة تسيير دوريات عسكرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي، وذلك في محاولة من جانب واشنطن لتقييد القوات المسلحة الصينية وتعزيز قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن تايوان. 
ب- توسع الناتو في آسيا: قام أمين عام حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في أواخر يناير 2023، بجولة آسيوية، زار خلالها كلاً من كوريا الجنوبية واليابان، وأطلق خلالها تصريحات لافتة تؤكد عزم الحلف توسيع حضوره في آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. 
وتمثل إحدى الأهداف الرئيسية للجولة التركيز على تهديدات الصين، والتي وصفها الحلف لأول مرة بأنها "تحدٍ أمني" في وثيقته الاستراتيجية الرئيسية، العام الماضي. ولاقت الجولة قلقاً كبيراً من جانب الصين، والتي تشعر بالقلق إزاء تزايد مشاركة الحلف الإقليمية فيما وراء نطاق نفوذه التقليدي خارج الأطلسي.
3- محاولة بكين استيعاب الأزمة: اتسم الموقف الصيني، في البداية، بأنه هادئ، إذ سعت لاستيعاب الأزمة، حيث أعربت وزارة الخارجية الصينية عن "الأسف"، وهو أمر نادر بالنسبة للصين، لدخول المنطاد الصيني إلى المجال الجوي الأمريكي، وأكدت عدم انتهاكها السيادة، أو الأراضي الأمريكية، ودعت إلى التواصل مع واشنطن في الوقت المناسب، كما أقالت رئيس هيئة الأرصاد الجوية من منصبه، في مؤشر على تحميله مسؤولية انحراف المنطاد عن مساره، ومن ثم تقوية روايتها بشأن أزمة المنطاد. وحتى حينما هددت الصين بالرد على إسقاط واشنطن المنطاد، فإنها لم تحدد أي إجراءات عملية، ما يشير في النهاية إلى أنها لن تقوم باتخاذ أي مواقف جدية في الغالب. 
انعكاسات ممتدة
أدت أزمة المنطاد الصيني وقيام الولايات المتحدة بإسقاطه إلى العديد من التداعيات على العلاقات الصينية الأمريكية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- غلبة الطابع الصراعي على العلاقات: أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن تأجيل زيارته التي كانت مرتقبة إلى بكين، والتي كان مقرراً لها 6 فبراير، وذلك من دون الإعلان عن ميعاد بديل، وهو ما يؤشر على تأثر العلاقة بين البلدين بأزمة المنطاد. ومن ثم، يتوقع أن تتراجع قنوات التواصل بينهما مجدداً، خاصة وأن الزيارة الملغاة كانت تهدف إلى البناء على التقدم المحرز في اللقاء بين الرئيس شي جين بينغ ونظيره الأمريكي بايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، في نوفمبر 2022. 
ومن جانب آخر، يتوقع أن يؤدي اكتشاف منطاد التجسس الصيني إلى تعزيز المناخ السياسي المعادي لبكين في واشنطن، وهو الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان على رئيسي البلدين مواصلة العثور على قضايا مشتركة للتعاون، مثل التعاون في ملف التجارة، أو مكافحة تغير المناخ.
2- دخول تايوان على خط الأزمة: أدانت وزارة الخارجية التايوانية الصين في بيان قائلة إن سلوكها ينتهك القوانين الدولية وأنه "غير مقبول لمجتمع الدول المتحضرة"، مؤكدة ضرورة أن تتوقف بكين عن انتهاك سيادة الدول الأخرى. ويبدو أن تايبيه تسعى لاستغلال الأزمة، وذلك لتعزيز علاقاتها بواشنطن، وذلك في مواجهة الصين، خاصة بعد أن أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، في 2 فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة تعرف وفقاً لمعلوماتها الاستخباراتية، أن شي جين بينغ أمر الجيش الصيني بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027.
3- استثمار الجمهوريين للأزمة: انتقد رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، النائب الجمهوري مايك رودجرز، قرار إدارة الرئيس، جو بايدن، بالسماح للمنطاد الصيني بعبور الأجواء الأمريكية، متهماً إياها بالفشل في التعامل مع أزمة تمس الأمن القومي الأمريكي والضعف أمام الصين، وهو الأمر الذي ينم عن وجود محاولة من جانب الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي لتوظيف الأزمة في سياق التنافس الداخلي مع الحزب الديمقراطي، خاصة في ظل بدء سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 مبكراً. وفي المقابل، فإن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، رفض إشارة المسؤولين إلى أن هناك ثلاثة منطادات صينية قد اخترقت الأراضي الأمريكية أثناء ولايته مؤكداً أن ذلك مجرد معلومات كاذبة. 
وفي التقدير، كشفت أزمة المنطاد أن الصين تقوم بالتجسس على الولايات المتحدة منذ فترة باستخدام هذا الأسلوب دون أن تتمكن الأخيرة من إدراك ذلك إلا مؤخراً، وهو ما يعني أن هذه القضية سوف تصبح مجالاً للاستقطاب السياسي الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، الأمر الذي سوف يغذي، في النهاية، من تبني سياسات معادية لبكين، وبالتالي، دعم استقلال تايوان عنها، وهو ما يعني أن العلاقات بين الجانبين سوف تكون مرشحة لمزيد من التدهور، وهو ما قد يجهض التفاهمات التي توصل إليها رئيسا البلدين باستئناف الحوار والاتصال بشأن مختلف قضايا العلاقات الصينية  الأمريكية.